طرح دوتش نموذجين لتحقيق امن المجتمعات، وحدد شروطا لكل من النظامين: وهما مجتمع الأمن المندمج ومجتمع الأمن المتعدد. ويتم التمييز بين النوعين السابقين على أساس الهدف من التكامل فإذا كان الهدف الرئيس للتكامل ليس مجرد المحافظة على السلام بين الوحدات السياسية المتكاملة وإنما اكتساب قوة أكبر لتحقيق الأغراض العامة المعينة أو اكتساب تطابق مشترك للأدوار أو خليط من ذلك كله فإن من الفضل تكوين ما يسمى بمجتمع سياسي مندمج ذي حكومة مشتركة وإذا كان الهدف الرئيس هو السلام فيكفي تكوين مجتمع أمن متعدد وفي الواقع سيكون تحقيقه أسهل .

ويوضح دويتش أربع نماذج ممكنة للمجتمع السياسي حسب معياري التعدد والأمن ما بين المجتمع المندمج الآمن والمجتمع غير المندمج الآمن، ويرى أن مجتمع الأمن المندمج هو اوثق هذه المجتمعات تكاملاً كما في بريطانيا ولكن مثل هذا المجتمع لا يضمن بذاته الأمن والسلام الداخلي عبر المواثيق و القوانين بل إن محاولة الحفاظ على هذا المجتمع بالقوة قد تؤدي إلى حرب أهلية واسعة النطاق على العكس تماماً مما نشأ هذا المجتمع من اجله وهو تفادي الحرب أساساً كما حدث في الحرب الأهلية الأمريكية عامي 1860- 1861 وحرب الهند وباكستان عامي 1946 – 1947 ومع ازدياد القوة التدميرية للأسلحة في العصر الحديث يصبح المجتمع المندمج غير الآمن أكثر خطراً ومع ذلك فإن مجتمع الأمن المندمج – برغم خطورة فشله – يظل مرغوباً أكثر من بدائله لأنه في حالة نجاحه ى يحقق الأمن والسلام فحسب ولكنه يوفر قوة أعظم لإنجاز الخدمات و الأغراض الحكومية العامة والمحددة وربما يوفر شعوراً أكبر بالشخصية والطمأنية النفسية للنخب والجماهير.

ويقدم كارل دويتش مجموعة من الشروط التي وردت في إحدى الدراسات لقيام مجتمع أمن مندمج وهي:  التطابق المتبادل بالنسبة للقيم الرئيسية المرتبطة بالسلوك السياسي-

أسلوب معيشة مميز وجذاب -

توقعات لروابط اقتصادية قوية ومفيدة او عائد مشترك-

زيادة ملحوظة في الموارد والقدرات السياسية والإدارية على الأقل بالنسبة لبعض الوحدات المشاركة -

نمو اقتصادي أعلى على الأقل بالنسبة لبعض الوحدات المشاركة-

بعض الروابط الهامة المتصلة الخاصة بالاتصال الاجتماعي عبر الحدود المشتركة للأقاليم المرتقب تكاملها وعبر حواجز بعض الطبقات الاجتماعية الرئيسية داخلها

توسيع نطاق الصفوة السياسية داخل بعض الوحدات على الأقل وبالنسبة للمجتمع الناشئ الأكبر ككل

وجود درجة عالية من سهولة الحركة بين الأشخاص جغرافياً واجتماعياً

تعدد مجالات تدفق الاتصالات والمعاملات المشتركة

بعض أنواع التعويض الكلي عن المكافآت في تدفق الاتصالات والمعاملات بين الوحدات المتكاملة

وجود معدل معقول من تكرار التداخل في أدوار الجماعات بين الوحدات السياسية وجود قدرة كبيرة متبادلة على التنبؤ بالسلوك.

اما العوامل التي - على العكس من ذلك – تعمل على تفكك مجتمع الأمن المندمج فهي:

  أي زيادة سريعة في التعبئة الاجتماعية والمشاركة السياسية بمعدل أسرع من معدل استيعاب المواطنين للثقافة السياسية المشتركة للجميع.

 أي زيادة سريعة في الأعباء الاقتصادية أو العسكرية او السياسية في المجتمع أو في إحدى وحداته وبخاصة في المراحل البكرة.

  زيادة سريعة في التفرقة الإقليمية أو الاقتصادية او الثقافية او الاجتماعية أو اللغوية أو العرقية بمعدل أقوى وأسرع من أية عملية تكاملية تعويضية

 تدهور خطير في القدرات السياسية او الإدارية للحكومة أو الصفوة السياسية بالمقارنة بالمهام والآعباء الحاضرة.

 انغلاق نسبي للصفوة السياسية مما قد يؤدي إلى تباطؤ دخول أعضاء جدد وأفكار جديدة وإلى نشوء صفوة مضادة من الأعضاء المحبطين.

 فشل الحكومة والصفوة في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة والتعديلات المطلوبة أو المتوقعة من قبل السكان في الوقت المحدد أو الفشل في التكيف في الوقت المناسب مع التدهور الوشيك أو فقد بعض مراكز الأقلية البارزة أو المميزة.

وعلى الرغم من أن تحليل كارل دويتش للتكامل يعتبر تحليلاً استاتيكياً حيث يعتبر التكامل حالة يتحقق فيها مجتمع الأمن المندمج او المتعدد فقد اهتم دويتش بتوضيح مراحل عملية التكامل ويرى أنها تبدأ غالباً حول منطقة نواة تتكون من عدد محدود من الوحدات السياسية الأقوى والأكثر تطوراً وجاذبية للوحدات الأخرى ويوجد بها قائد نشيط موحد كما فعلت بيدمونت في توحيد إيطاليا مثلاً. ثم ينشأ عبر التفاعل بين هذه الوحدات مجتمع لا حرب نفسياً يكره فيه شعوب هذه الوحدات وقادتها محاتربة بعضهم بعضاً كما كان الحال في الكانتونات السويسرية في القرن السادس عشر. وفي مرحلة تالية تضعف الإنقسامات السياسية البارزة داخل مجتمع الأمن المندمج الناشئ وتنتقل خارج الحدود وتحل محلها اقسامات جديدة تشق طريقها عبر الوحدات والأقاليم السياسية الأصلية وقد تنشأ أحزاب وطوائف سياسية جديدة تعبر عن مصالح متطابقة تجمع بين طائفة من السكان من مختلف أجزاء المجتمع الجديد. ويؤكد دويتش في هذا المجال على أهمية الوعي الشعبي بالمصالح الإقليمية المشتركة المشتركة والذي يمكن استثارته باستحداث طريقة حياة جديدة زجذابة على المستوى الإقليمي لإعطاء مصداقية لهذه العملية التكاملية ومواجهة التحديات الخارجية كما يؤكد على ضرورة أن يصل جيل جديد مؤمن بالتكامل إلى المسرح السياسي يطور عملية التكامل. أما الوسائل المتبعة لتحقيق مجتمع الأمن المنمدج فبعضها مفيد في عملية التكامل وبعضها يضر بالتكامل ويدمره ومن الوسائل الناجحة تطوير مؤسسات سياسية محددة واستخدام الرموز وبسط النفوذ في تعيين بعض الأفراد المختارين عمداً في بعض الوظائف السياسية والإدارية وضم كل الاقتراحات و البدائل المتنافسة و توجيهها نجو القضية الكبرى الواحدة وهي الدمج. اما الوسائل التي قد تدمر العملية التكاملية فهي الإصرار المبكر على الدمج الكامل أو الجهود المبكرة لإقامة احتكار العنف والغزو العسكري المباشر. أما عملية إقامة مجتمع الأمن المتعدد فتعتبر أسهل وتتطلب عمليات أبسط وأهم هذه العمليات هي عدم الاجتذاب المتزايد وقلة احتمال الحرب بين الوحدات السياسية في مجتمع الأمن الناشئ وذلك من وجهة نظر حكوماته ومجموعات الصفة وأخيراً السكان. والعملية الثانية هي نشر الحركات الفكرية والعادات المحبذة للتكامل وتهيئة المناخ السياسي لها. والعملية الثالثة قد تكون ممارسة وتنمية ممارسة عادات ومهارات الاهتمام المتبادل والاتصال والاستجابة المتبادلة لكي ممكناً الحفاظ على استقلال وسيادة الوحدات المشتركة والمحافظة على التوقعات الثابتة للسلام والتبادل السلمي بينها

Modifié le: Wednesday 22 February 2017, 22:10