يكتسي موضوع التأديب في الوظيفة العمومية أهمّية بالغة وسط موضوعات الوظيفة العمومية خاصّة والقانون الإداري عامّة، تستمد من أهمّية الموظّف العمومي ذاته، كونه العصب المحرّك لأيّ إدارة عمومية ذات طبيعة إدارية خصوصا، والعلّة في ذلك أنّها أشخاص معنوية تحتاج إلى أشخاص طبيعية تعبّر عن إرادتها وتباشر نشاطاتها سلبية كانت أم ايجابية باسمها ولحسابها.
ونظرا للدور الذي يلعبه الموظّف العمومي في ممارسة النشاط الإداري تحقيقا للصالح العام، فعلاقته بالإدارة المستخدمة فضّل المشرّع الجزائري على غرار من مشرّعي دول العالم أن تكون علاقة قانونية تنظيمية ينتج عنها مجموعة من الحقوق يتمتّع بها الموظّف وتعزّز مركزه القانوني، وأيّ مساس بها يخوّله مساءلة الإدارة المستخدمة لاسترجاعها إن كان ذلك ممكن، أو التعويض عنها إن استحال ذلك، وجملة من الالتزامات تقع على عاتقه تختلف باختلاف الهدف من توظيفه، والخدمات المراد تقديمها، وأيّ إخلال بها يعرضّه للجزاء الإداري تسلطه عليه الهيئات الإدارية المختصة، تزداد شدّته تبعا لجسامة الخطأ المهني المرتكب.
ونظرا لخطورة إخلال الموظّف العمومي بالتزاماته الوظيفية وتأثيرها السلبي على سير المرافق العمومية بانتظام وباضطراد، ومن ثمّ على مصالح المرتفقين، ونظرا لخطورة التأديب على المسار المهني للموظّف الذي قد تصل شدّة عقوبته لإنهاء العلاقة الوظيفية، وحتى لا تتعسّف الإدارة المختصة في توقيع الجزاء في استعمال سلطتها التأديبية، وحتى لا يتمادى الموظفين في التهاون في أداء واجباتهم الوظيفية والإخلال بالتزاماتهم المهنية، أطر المشرّع الجزائري نظام التأديب بجملة من الأحكام القانونية تضمّنها الأمر 06/03 المتضمّن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية لإقامة التوازن بين صلاحية الإدارة العمومية في توقيع الجزاء وحق الموضّح في الدفاع على حقوقه.
وفي سبيل ذلك فقد صنّف المشرّع الجزائري الأخطاء المهنية إلى أربع درجات حسب جسامة الخطأ، وصنّف العقوبات المخصّصة لها إلى أربع درجات كذلك، تزداد شدّتها بازدياد جسامة الخطأ، يتّم توقيعا وفق إجراءات وضمانات محدّدة، وللتعمّق في نظام التأديب في الوظيفة العمومية سيتّم التطرّق للإحكام القانونية المنظّمة له، من خلال أربع فصول يخصّص الأوّل لدراسة الأخطاء المهنية، والثاني لدراسة العقوبات المقرّرة لها، بينما يخصّص الثالث لبيان الإجراءات التأديبية، والفصل الرابع لبيان الضمانات المعترف بها للموظّف المراد تأديبه.