إذا كانت الإشكالية المحورية والمركزية التي خاض فيها رواد النهضة في العصر الحديث، تتعلق بسؤال النهضة الذي برز بقوة نتيجة الصدمة التاريخية على إثر احتكاك الشرق المتخلف بالأوروبي المتمدن والمتحضر، هذا السؤال خلف ردود أفعال قوية، أغلبها كانت تصب في خندق واحد، وإن كانت اتجاهاتها مختلفة، نقول ذلك لأن الإشكالات التي طرحت عموما في الفكر العربي الحديث تتعلق أغلبها، بسبل التمدن وأسباب التخلف، جدل الأنا والآخر، سؤال الهوية والمغايرة، كيف السبيل إلى تمثل مقومات الحضارة الغربية دون المساس بالهوية لإسلامية والعربية، وقضايا أخرى تتعلق بالأمة والمرأة والتربية، فإن المشكلة التي تواجهنا ونحن بصدد التعرف على مكونات ومضامين الفكر العربي المعاصر، تتجاوز إن صح التعبير إشكالية النهضة، بل وترتد إلى الوراء، ربما أنها مشكلة ذاتية تتعلق بطبيعة هذا الفكر ذاته، وجوهره وحضوره، ويمكن التعبير عن هذه المشكلة بالسؤال الجدلي التالي: هل هناك ما يسمى فكر عربي؟ وإن وجد هل تتحقق فيه شروط وصفات الفكر العالمي؟ هل ترقى أطروحاته إلى مستوى التفكير الفلسفي القادر على إنتاج مدارس فلسفية، كما هو الحال في الفكر الغربي عند حديثنا عن الفلسفة الديكارتية، والفلسفة الوضعية وغيرها؟ ... وهل هذا يعني أن المفكرون والنخب المعاصرة لم يخوضوا في القضايا السالفة الذكر؟، أم أن الأمر وما فيه أن فشل المشاريع النهضوية الحديثة، قد نبه الوعي العربي إلى فحص طبيعة فكره والطريقة التي يفكر بها؟.