للتراث الغربي مصادر ثلاثة، حاول التعرف عليها الكثير من الباحثين، خاصة في ميدان الفكر الديني والفلسفي؛ والكل يركز على المصدرين الأولين دون إعطاء عناية كافية بالمصدر الثالث. وهذه المصادر الثلاث هي:

1. الفلسفة اليونانية:

بدأت الفلسفة تأخذ خطا جديدا وإن كان يحتوي في ذاته على بعض الأفكار والتساؤلات القديمة في بلاد اليونان، فوجدنا الفلاسفة الطبيعيين الأوائل، وكانت هنالك تيارات فلسفية ميزت الإتجاهات الفلسفية في اليونان لبقديمة مثل هيراقليطس فيلسوف التغير وبارمنيدس فيلسوف الثبات وأناكساجوراس فيلسوف العقل والسوفسطائيين والاهتمام بمركزية الإنسان في الكون والجدل. وكانت هناك فلسفات كبرى لدى سقراط وأفلاطون وأرسطو وتسمى هذه الفترة بالفلسفة الهيلينية، ثم بدأت بعدها المدارس الفلسفية الصغرى مثل الأبيقورية والرواقية والأفلاطونية المحدثة أو الجديدة وهي ما تسمى بفترة الفلسفة الهلينستية. (إبراهيم، 2000، صفحة 13)

هذا، وقد "انتهت الفلسفة اليونانية باعتبار أنها يونانية بانتهاء العصر الهلينستي الذي شهد ظهور وانتهاء الفلسفة الأبيقورية والرواقية، ولكن الفلسفة باعتبارها فلسفة أي باعتبارها فكر، بقيت بما هي فلسفة وفكر، وانكبت عليها عقول جديدة تناولتها في الشرق والغرب، فاصطنعت منها أشياء، وأنكرت عليها أشياء، بل نستطيع أن نقول دون أن نجاوز الحقيقة أنه ضل بسببها لفيف كبير من المفكرين بل ومن عامة الناس، بعد أن انتهجو نهج الفلسفة، في التحليل والتعريف والاستدلال، ذلك النهج الذي اختصت به الفلسفة اليونانية دون سواها من مظاهر الفكر في العصر القديم، وفي اليونان نفسها قبل ظهور الفلسفة." (كرم، بدون تاريخ، صفحة 5)

لعبت الفلسفة اليونانية القديمة دورا عظيما في تشكيل الفكر الحديث، وبالذات الثقافة الغربية. برزت تلك الفلسفة في القرن السادس قبل الميلاد في اليونان وبقية أجزاء الإمبراطورية الرومانية. وعالجت عدة حقول من ضمنها الأخلاق والسياسة والبلاغة والرياضيات والمنطق وعلم الفلك. وكانوا كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو من بين الفلاسفة الكلاسيكيين الأكثر تأثيرا على الفكر الحديث. وكانت لهؤلاء الفلاسفة مساهمات هائلة في تقدم الفن والسياسة والعلوم. إذ أبدعوا في فن استطلاع الطبيعة عقليا، وتطوير نظريات توضح أصل الكون. ودمجوا أفكارا من العلوم والفلسفة والفن والسياسة ليكونوا رؤية عالمية كلية نقلتهم بعيدا عن المنظور الميثولوجي السائد. كما طبقوا المنطق والعقل وفن الحوار والاستجواب الذي جعل الفلسفة اليونانية القديمة (ما قبل سقراط، اليونانية الكلاسيكية والفلسفة الهلنستية) تشكل الفكر الحديث في الشرق وفي الغرب. (محسن، 2024، صفحة 1)

وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن الفلسفة اليونانية تعد المصدر الذي استطاع أن يعطي نمطا فكريا للشعور الأوروبي في بدايته في العصور الحديثة حتى يستطيع أن ينسج على منواله. لقد ردد الرومان اليونان إلى حد كبير، كما هو معروف، ونقل الرومان الحضارة من جنوب أوروبا إلى شمالها. فتحضرت الشعوب الجيرمانية والكلتية. وفي عصر الإحياء والنهضة، ظهر الفن اليوناني والفكر اليوناني كنموذجين فريدين للحضارة الأوروبية عند نشأة مرحلتها الخاصة. فقد أعطى الفكر اليوناني لغة مفتوحة يمكن بواسطتها عقد حوار بين المفكرين، بدل اللغة المغلقة الخاصة التي كانت متداولة في العصر الوسيط الكنسي، لغة العقائد التي لا تحتمل التغيير أو التبديل في معانيها، والتي أصبحت مثقلة بمعانيها الاصطلاحية التي أفقدتها توازنها أو فرصة إعطائها معان جديدة قد تكون أكثر ضبطا. (حنفي، 1990، صفحة 15)

كما كانت لغة عقلية محضة، واضحة بذاتها، يمكن فهمها من مضمونها الخاص، بدلا من اللغة العقائدية التي يتضمن مجرد استعمالها تقبل مضامينها. واستعمال اللغة العقلية كان من شأنه استعمال العقل أيضا. فقد صاحب العقل اللغة، في حين أن اللغة العقائدية القديمة كانت تمنع من استعمال العقل. وكانت تفترض الإيمان والتسليم على الطريقة القديمة. كانت لغة عامة، يمكنها أن تضم أكبر عدد من الوقائع، وأن تتوجه إلى أكثر عدد من الناس، بدل اللغة القديمة التي كانت خاصة، تصدق على أشخاص ووقائع معينة، وموجهة إلى فئة خاصة، هم الذين يسلمون بالإيمان تسليما مسبقا. وكانت لغة مثالية، تفهمها الأجيال في عصر النهضة أو في العصور الحديثة، لغة تجعل الحقيقة في الفكر، وتجعل جوهر الإنسان النطق، في حين أن اللغة القديمة كانت أبعد من أن تكون من المثالية، بل كانت حسية شيئية تاريخية، ترفض حتى الاعتراف باستقلال الإنسان ووعيه. وأخيرا كانت لغة إنسانية، مرتبطة اشد الارتباط بالإنسان، عقله وحريته وسلوكه، في حين أن اللغة القديمة كانت لغة إلهية، كما تدور حول الله كصورة ذهنية، أوكواقعة تاريخية، وكان الإنسان فيها مظهرا من مظاهر التجلي الإلهي، دون أن يكون له استقلال خاص. (حنفي، المرجع نفسه، صفحة 15، 16)

أما فيما يتعلق بالجانب الفني والأدبي، فقد كان الشعر اليوناني نموذجا للشعراء، وكانت آلهة اليونان ربات الشعر عند المحدثين يناجونها ويحاورونها، ويعطونها مضمونها الإنساني، فكان الشعر المسرحي في فرنسا مثلا في القرن السابع عشر (راسين، كورني) تقليدا لنماذج الشعر المسرحي القديم عند ايسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس. وفي العمارة كانت نهضة الفن الحديث إحياء للاساليب الأيونية والدورية، وفي الجمال كان كتاب الشعر لأرسطو هو قواعد الجمال المرعية. وفي السياسة كانت الديموقراطية الأثينية القديمة مثالا يحتذي، وفي نشأة المذهب الإنساني Humanisme كانت اليونان القديمة مصدرا له. وباختصار قامت النهضة الأوروبية المعاصرة على إحياء الثقافة اليونانية، ومن ثم كانت دراسة الآداب اليونانية واللاتينية جزءا من تكوين الثقافة الوطنية الأوروبية. وكانت كل كتب التاريخ الثقافي الأوروبي تبدأ دائما باليونان والرومان. (حنفي، المرجع نفسه، صفحة 16)

أما من الناحية الفلسفية فإن هذا العصر أثر في الفلسفة الحديثة تأثيرا عميقا. وذلك راجع إلى مسألة مهمة مؤداها "إن الشيء الجوهري في هذا العصر هو أن الإنسان أصبح على وعي بذاته وبوجوده ومكانته في العالم، وعلى وعي بالوجود ككل. لقد بدأ الإنسان يواجه نفسه بطريقة جديدة، ويواجه العالم بنظرة جديدة، تقوم على المعرفة، لا على إرادة الآلهة. وهو يحاول جاهدا في التغلب على مشكلة استيعاب العالم وفهم ذاته وعلاقته بالآخرين. ومعنى ذلك، قد كان الربط بين الوجود والفكر استبصارا عميقا ورؤية نافذة لدى قدامى اليونان. حقا أن الإنسان كان عليه أن يفكر، قبل ظهور الإغريق، كم يعيش، إلا أن هذا التفكير كان من النوع العملي المباشر، وكان ينوء تحت وطأة السلطان والعقائد اللاعقلانية الجامدة. إن الإغريق هم أول من حدد الفكر وتساءل عن طبيعة الواقع وحقيقة العقل." (جون، 1983، صفحة 19)

يدل ظهور الفلسفة في اليونان على انكفاء الفكر الأسطوري وعلى بدايات معرفة من النمط العقلاني. لقد شقت أول جهود في العالم للتفلسف طريقها من طاليس حتى سقراط، وأوجد الفلاسفة السابقين على سقراط نموذجا جديدا في التفكير يتعلق بالطبيعة التي اتخذوا منها غرضا لتحقيق منظم، والتي قدوا عنها نظرية عامة. فهم يقترحون بالنسبة لأصل العالم وتكوينه تفسيرات مجردة من كل تخيل للقوى الأولية الخارقة؛ ولم يعد ثمة عناصر خارقة للطبيعة كانت صراعاتها ومآثرها تكون نسيج أساطير التكوين التي تحكي ولادة العالم ومؤسسة النظام والانسجام.فلاوجود لقوى خارقة للطبيعة، فالناس والإله والعالم يكونون كونا موحدا ومتجانسا وكليا على الصعيد نفسه؛ وهم مظاهر أو أجزاء للطبيعة نفسها، التي توظف في كل مكان القوى نفسها وتظهر قدرة الحياة نفسها. (عباس، 1996، صفحة 68) 

هكذا عالج العقل الإنساني لأول مرة في تاريخ البشرية، ومتمثلا في أمة اليونان مشاكل الوجود. وعلى يد هؤلاء الأوائل، إنعكس العقل الإنساني على ذاته، ورأى أن يلتمس الحقيقة في ذاته. فهؤلاء المعلمون الأوائل، رواد العلم الطبيعي والميتافيزيقي والرياضين وسدنة العقل، ومشيخة الفكر. حقا إن الفلاسفة الأوائل كانوا معنيين في الاساس بالمشكلات الكونية، أي أنهم اتجهوا إلى الخارج نحو العالم المادي؛ لكن مسالة الإنسان، التي أصبحت في الأزمنة الحديثةن المشكلة الأساسية للفلسفة، وقد أثارها السفسطائيون، وبدأت الغاية تتجه إلى الطبيعة الداخلية أو الذات، وخصوصا لدى سقراط الذي بدأت الثورة الفلسفية تتفرع منه، فتحول الاهتمام من الطبيعة إلى الإنسان نفسه بوصفه محورا للبحث الفلسفي. وأصبح طرح ومعالجو مصير الإنسان واحدا من أهم الموضوعات في الفلسفة. لقد ارسى سقراط نظرة جديدة إلى العالم تقوم على معرفة الذات كمنطلق لمعرفة الوجود. كما وضع سقراط العقل فوق كل الاعتقادات والعادات الراسخة، بحيث أصبح العقل سلاحا موجها ضد كل القوى الغيبية والقوى المستبدة في المجتمع. وهكذا غدت العقلانية ركن اساسي للوجود الإنساني. (فيصل، صفحة 69) 

ومن بين مظاهر الوعي الإغريقي الخلاق الذي الذي سحر عقول الفلاسفة في العصر الحديث نجد أن طاليس قديما "يعتقد أن كل شيء وجد، قد نشأ في الأصل من مادة الماء، وعند اناكسيمنس لم تكن كل الاشياء وحدها، بل كانت في الآلهة نفسها، تولدت عن الهواء، وجاء هيراقليطس وقال، ان الكون وولد الكائنات الفانية والخالدة على سواء، وكانت هذه الأفكار بمثابة قوانين ثورية أحدثت نمطا من التفكير المستقل، عن بنية الخطاب الأسطوري الذي كان مهيمنا على المجتمع. فحينما أعلن ديموقريطس، أن المجرة ليست أكثر من مجموعة من النجوم، قد جعل معظم الناس يعتقدون فيه أنه كافر، كذلك اناكساغوراس الذي إدعى ان الشمس كتلة ضخمة من الصخر، جلب لنفسه الاضطهاد، الأمر الذي جعل هيغل يقول، أن الأسطورة هي تعبير عن عجز الفكر، الفكر الذي لم يستطيع أن يقيم ذاته على نحو مستقل، فهذه الأفكار الجديدة، دلت على التحولات وعلى التحرر المستمر من الأسطورة التي حصلت عن طريق الفلسفة، وهذا هو السبب الذي جعل هيغل مرة اخرى يصرح، على أن مكانة العرافة قد احتلها الآن الوعي الذاتي لكل شخص يفكر. (بخضرة، 2009، صفحة 26،27) 

وهكذا تظهر لنا الفلسفة اليونانية، على أنها انطوت على اعتقاد راسخ، مفاده ان الحكمة بوصفها المثل الأعلى السامي للمعرفة، التي بدونها لا يمكن للحياة الإنسانية أن تكون جديرة ولا شريفة، وأن تحققها يكون من خلال جهود الفرد ذاته، وهذا يعني أن مصدر المعرفة لا يكمن في الإيمان فقط، وإنما ايضا في العقل، وفي طلب الكمال العقلي الأخلاقي، فالحكمة تكمن في قول الصدق والإنصات لصوت الوجود، والعمل وفقا له. (بخضرة، المرجع نفسه، صفحة 27)

كانت انجازات العقلية اليونانية في ميدان الفلسفة والعلم دلائل على المستوى الرائع الذي بلغته حضارة العالم القديم. لقد لعبت الفلسفة اليونانية دورا مهما في تطور الفكر الفلسفي العالمي، وخاصة الفكر الاوروبي الحديث. لقد احتوت الفلسفة اليونانية على ارهاصات بجميع الأساليب الفلسفية اللاحقة في النظر إلى العالم. لقد فاضت العبقرية اليونانية – المعقل الأول للعقلانية – في ميادين الفن والأدب والفلسفة بسيل لا ينقطع من الروائع التي أصبحت منذ ذلك الحين مقياسا عاما للحضارة الغربية. (رسل، 1983، صفحة 22)

تأسيسا لما سبق ذكره نصل إلى القول أن الفلسفة اليونانية لعبت دورا مركزيا في تحسين نمط عيش الناس في الحقبات التاريخية الموالية كما أسهمت في تقدم موضوعات البحث العلمي. الفلاسفة القدماء جمعوا بين المعرفة في الفن والعلوم والأخلاق والمنطق ليفسروا لنا أصل الكون وظواهره المختلفة. والعديد من الحضارات القديمة مدينة في تقدمها لفلاسفة اليونان القدماء كأفلاطون وسقراط وأرسطو وطاليس وأناكسماندريس وأناكسيمانس وهيراقليطس وبارمنيدس والقائمة طويلة. هذا، وتستعمل المفاهيم الفلسفة القديمة في التعليم والسياسة وعلم الاجتماع والدين. ولا ريبة في أن كل هذا مرده إلى مسالة في الغاية من الأهمية ألا وهي: ابتعاد العقل اليوناني عن المعتقدات الميثولوجية نحو المنطق السديد، الآلة التي تعصم الذهن من الوقوع في الزلل.   

1.2. أثر العصر الوسيط الكنسي في تشكل الفكر الحديث:

نشأت المسيحية في عصر بؤس الجماهير وآلام العبيد، وانهيار أخلاقي شامل، كحركة للجماهير المعدمة التي أصبحت تؤمن إيمانا مطلقا بفساد عالم الواقع وبتحقق ملكوت السماء. ولقد شكل ظهور المسيحية نقطة انعطاف في التاريخ العالمي كتجسيىد للتناقضات التي كانت مستعصية الحل وكمؤشر إلى التحولات الاجتماعية المتسمة بالصراع الطبقي: ومن ثم كانت المسيحية بمثابة الروح المحركة لنظام اجتماعي وسياسي جديد ولا شك أن هذه التحولات الاجتماعية هي التي غيرت فيما بعد مضمون المسيحية وحولتها إلى دين دولة، أي إلى دين الطبقة المسيطرة. إن المسيحية، في مراحلها المبكرة، تعبير أصيل عن واقعها التاريخي، ويعكس بنائها التركيبي الفكري أصولها الواقعية التاريخية، قد استخلصت أصولها الفكرية من الحقوق الرومانية، والفلسفة اليونانية، والديانة اليهودية لقد كونت هذه الأصول الأساس النظري للمسيحية بعد أن أخضعتها إلى فحص، وصياغة جديدة لتلبي حاجات وطموحات البشر (عباس، صفحة 96)

تضم العصور الوسطى الفلسفتين النصرانية والإسلامية على السواء، وكلتاهما حاولتا التوفيق بين الفلسفة والدين، أو بين العقل والنقل، حتى ذهب بعض مؤرخي الفلسفة إلى أن الصبغة العامة التي اتسم بها التفكير الوسيط في الشرق والغرب معا لم تكن سوى مجرد نزعة توفيقية أو تأليفية أو قل حتى نزعة تلفيقية بينهما. وكما انقسمت الفلسفة اليونانية إلى عصرين.. هلينية وهلينستية، فكذلك انقسمت الفلسفة النصرانية إلى عصرين كبيرين .. يبدأ الأول من ظهور الذين النصراني ويضم كثير من آباء الكنيسة الذين كانوا فلاسفة قبل أن يكونوا رجال الدين، فرأوا أنه من الضروري بمكان تقوية أنفسهم وما يؤمنون به أمام الوثنيين وعقائدهم، وبدأ هذا العصر بالأب أوغسطين غير أن بعض الكتاب الكنائسيين الذين يمثلون الرعيل الثاني ساروا على نمط فكر 'عصر الآباء' حتى العصر التاسع الميلادي. ويمتد العصر الثاني من القرن التاسع وحتى القرن الخامس عشر ويلقب بالعصر المدرسي لأن التعليم فيه كان يقوم به مجموعة من الرهبان في مدارس الكنائس أو الأديرة، وهي المدارس التي أنشأها – شارلمان – وكان يهدف أولئك المدرسون إلى إلباس أهداف الكنيسة الدينية لباسا فلسفيا، ومن أكبر ممثليها جون سكوت أو سكوتس إريجينا وأنسلم وأبيلارد وتوما-الإكويني. (إبراهيم، المرجع سبق ذكره، صفحة 19) 

وتنقسم الإتجاهات الفلسفية في العصر المدرسي إلى قسمين رئيسيين وهما: الأفلاطونية والأرسطوطاليسية أو المشائية، وكانت الأولى متأثرة بآراء أفلاطون ومثله الأفلاطونية، وكانت الثانية خاضعة لنفوذ أرسطو وآرائه اعتبارا من القرن الثالث عشر، وبهذا يمكننا القول بأن فلسفة العصر الأول والرعيل الأول وهم الآباء استمدوا عناصر أفكارهم من النظر في كتب اليونان والرومان، أما فلسفة العصر المدرسي، وهو العصر الثاني، فقد نبتت أفكارهم في أرض الجرمان والعالم اللاتيني الحديث، وبالتالي فقد كانت أفكارهم ثمرة حضارة جديدة وأرض جديدة. (إبراهيم، المرجع نفسه، صفحة 20)     

أما بخصوص الأثر العميق الذي تركته الفلسفة الوسيطية في الفكر الغربي الحديث نقدم لكم المظهر الذي يتعلق بديكارت الذي على الرغم من أنه هاجم التراث السكولائيكي بشدة وصرامة تعبيرا عن رفضه الصريح لبعض أشكال التفكير في تلك الحقبة، فإنه فيما يخص بالميتافيزيقا ظل وفيا بمضامينها وتوجهاتها العامة. وقد تبين ذلك في مجموعة من الرسائل التي كشفت عن مشاعره الحقيقية الداخلية تجاهها، وهذه المشاعر لا يستطيع احد أن يكشف عن مغزاها ودلالاتها. من ثم، فغن الرأي القائل بأن ديكارت قد تجاوز السكولائكية واسس لنفسه فلسفة ومنهجا مستقلا هو ضرب من الخيال والافتراض، وليس رأيا صائبا البتة. (إشو، 2023)

ومن الاختلافات الجوهرية التي كانت بين ديكارت والسكولائكية – هذه الأخيرة المتجسدة في رمزها ومعلمها الكبير – أن توما يعتبر وجود العالم الخارجي حقيقة يقينية، لا حاجة إذن إلى المرور من الكوجيتو، بينما كان ديكارت يرى عكس ذلك، معتبرا أن وجود العالم الخارجي ليس ببديهي، فالشيء الوحيد اليقيني هو الكوجيتو، والعالم الخارجي لا يمكن في نظره أن يكون نقطة انطلاق لبناء المعرفة، لكنهمع ذلك ظل مبدأه الأول. الجدير بالإشارة أن الغاية من مقارنة الفكر الديكارتي السكولائيكي، ليس الوصول إلى نتائج تؤكد أن ديكارت كان سكولائكيا قسرا، بل تنحصر اساسا في تبيان أن ديكارت هو استمرار للفكر المسيحي الوسيطي الذي شهد تطورا وازدهارا كبيرا في القرن الثالث عشر، وديكارت نفسه هو نموذج أنتجه هذا الازدهار البديع. (إشو، المرجع نفسه)

- المراجع:

- برتراند راسل. (1983). حكمة الغرب. ترجمة فؤاد زكريا. الكويت: المجلس الوطني للثقافة.                             - حسن حنفي. (1990). في الفكر الغربي المعاصر. بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.              - جون لويس. (1983). مدخل إلى الفلسفة. ترجمة أنور عبد الملك. ط4. بيروت: دار الحقيقة.                       - عباس فيصل. (1996). الفلسفة والإنسان: جدلية العلاقة بين الإنسان والحضارة. ط1 بيروت: دار الفكر العربي.    - مونيس بخضرة.(2009). تاريخ الوعي: مقاربات فلسفية حول جدلية ارتقاء الوعي بالواقع. الجزائر: منشورات الاختلاف.                                                                                                             – إبراهيم مصطفى إبراهيم. (2000). الفلسفة الحديثة من ديكارت إلى هيوم. الاسكندرية: دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر.                                                                                                                – يوسف كرم. (ب.ت). تاريخ الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط. ط3. القاهرة: دار المعارف.                       – حاتم حميد محسن. (2024). "تأثير الفلسفة اليونانية على الفكر الحديث". صحيفة المثقف.                           – محمد إشو. (2023). من تيولوجيا العصر الوسيط إلى فلسفة الأزمنة الحديثة. قطر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

 

Last modified: Wednesday, 22 October 2025, 2:53 PM