تمهيد:
تعد مدرسة براغ أو المدرسة الوظيفية من أهم المدارس اللسانية وأكثرها تأثيرا، ظهرت للوجود عام 1926م، حيث فتحت المجال واسعا أمام اللسانيات المعاصرة لتطوّر الدرس البنيوي الذي أقرّ دي سوسير أسسه العلمية الأولى، من خلال حلقتين اثنتين، تناولنا الأولى من خلال آراء رومان جاكبسون الوظيفية التي ستتطوّر إلى الدرس الجمالي للغة والذي سيفيد النقد الأدبي عموما والنقد الأسلوبي خصوصا.
ومن أبرز أعلام هذه المدرسة: (ماثيسيوس وجوزيف زباتي، وتلاميذهما، والأمير نيكولاي تروبتسكوي، ورومان جاكبسون وكرسيفسكي).
عرفت "مدرسة براغ" صدى كبيرا في الأوساط اللسانية العالمية وعند الكثير من علماء العصر منهم: "أندري مارتيني" مؤسس اللسانيات الفرنسية بالإضافة إلى علماء مختلف الدول مثل: روسيا، هولندا، ألمانيا، فرنسا الذين صاغوا جملة من المبادئ الهامة التي تقدموا بها إلى المؤتمر الدولي الأول لعلماء اللغة في" لاهاي" سنة 1928 تحت عنوان "النصوص الأساسية لحلقة براغ اللغوية"، وفي سنة 1928 قدموا الجزء الأول من الدراسة الجمالية بعنوان "الأعمال"، وفي سنة 1930 ظهرت أول دراسة منهجية في تاريخ الأصوات اللغوية أعدها (جاكبسون)، كما عقد في براغ مؤتمر الصوتيات وتلته عدة مؤتمرات دولية، جمعت أعمالها في ثمانية أجزاء عن أعمال حلقة براغ حتى عام 1938،[1] وهي السنة التي حلت فيها الحلقة لأسباب مجهولة.
1- مبادئ حلقة براغ اللغوية:
اتفق روَّاد حلقة براغ الألسنية على جملة من المبادئ المهمة، في المؤتمر الدولي الأول لعلماء اللغة في "لاهاي" عام 1928م تحت عنوان: (النصوص الأساسية لحلقة براغ)، وهذه المبادئ هي[2]:
- مفهوم اللغة في المدرسة الوظيفية:
تتصور هذه المدرسة اللغة باعتبارها نظامًا وظيفيًّا من العلامات يرمي إلى تمكين الإنسان من التعبير والتواصل، إذا فهم تجاوزوا مقولة دي سوسير المشهورة بأن اللغة "نظام من العلامات"، إلى قولهم بأن "اللغة نظامٌ من الوظائف، وكلُّ وظيفة نظامٌ من العلامات، لذلك ترى أنّ "اللغة أداه لها وظيفة تقوم بها، أو هي تنوّع واسع من الوظائف"، ونقصد بذلك أنّ اللغة هي تنظيم وظيفي قائم على الوسائل التعبيرية المستعملة بهدف إقرار غاية معينة.
واللغة عندهم حقيقة واقعية، ذات واقع مادي يتصل بعوامل خارجية، بعضها يتعلق بالسامع، والآخر يتعلق بالموضوع الذي يدور حوله الاتصال أو الكلام، وهكذا يكون من الضروري التمييز على المستوى النظري والعلمي بين لغة الثقافة بصفة عامة، ولغة الأعمال الأدبية، والمجلات العلمية والصحف، ولغة الشارع...إلخ.
- أهمية الدراسة الوصفية التزامنية (الآنية):
اتفقت نظرة لسانيي براغ مع آراء سوسير حول ثنائية ( التزامني/التاريخي) في الدراسات اللغوية، واعتمدت على أساسها عدّة طروحات من أهمها[3]:
- الاهتمام بالمنهج التزامني (الوصفي) في الدراسة اللغوية، لأنه يمكننا من التحليل العلمي المنظم لأي لغة .
- العمل على رصد الخصائص اللغوية لكل لغة في مراحل مختلفة من تطورها على أساس تزامني.
- الاعتماد على أسلوب المقارنة التحليلية للغات عند المقارنة بين اللغات ذات النماذج المختلفة من دون إشارة إلى علاقاتها التاريخية.
- الاهتمام بالدراسات الصوتية في ضوء المنهج التزامني الآني، ومن أمثلة هذه الاهتمامات دراسة الفونيم وخصائصه في كل لغة من اللغات.
- مصطلح الوظيفة وأهميته في حلقة براغ:
يطلق على الدور التعبيري الذي يقوم به كل عنصر من عناصر اللغة في البنية اللغوية الشاملة سواء كان (فونيما) أو (مورفيما) أو كلمة أو جملة، فكل عنصر لغوي يساهم في وضع المعنى وبناء الدلالة وتحقيق الوظيفة.
2- منهج حلقة براغ اللغوية[4]:
1- التركيز على دراسة الوظيفة الحقيقية للغة، والتي تتمثل في الاتصال ومناسبته ولمن يوجه، لأنّ اللغة نظام للاتصال والتعبير من أجل التفاهم المشترك.
2- اللغة حقيقة واقعية، ذات واقع مادي يتصل بعوامل خارجية، بعضها يتعلق بالسامع، والآخر يتعلق بالموضوع الذي يدور حوله الاتصال أو الكلام وهكذا يكون من الضروري التمييز على المستوى النظري بين لغة الثقافة، ولغة الأعمال الأدبية ، والمجلات العلمية والصحف، ولغة الشارع...إلخ.
3- على البحث اللساني أن يحيط بالعلاقة بين البنية اللسانية والأفكار والعواطف، التي توصلها هذه البنية ، لأن اللغة تتصل بكثير من المظاهر العقلية والنفسية للشخصية الإنسانية .
4- اللغة المكتوبة واللغة المنطوقة لا تتطابقان، فلكل منها خصائصها المميزة ومن ثمة فإن العلاقة بينهما تحتاج إلى دراسة علمية.
5- إعطاء الأولية للبحث الوصفي لما له من تأثير على الواقع اللساني الفعلي، دون استبعاد الدراسة التاريخية، لأنّ النّظام اللّساني الكامل لا بد أن يكون تاريخيا في ضوء الوصفية.
[1] أحمد مومن: اللسانيات النشأة والتطور، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط2، 2005، ص136.