تتطلب ممارسة الحريات العامة مجموعة من الضمانات يمكن إجمالها في مجموعة من المبادئ منهاالمساواة، خضوع الدولة للقانون،الفصل بين السلطات، الرقابة الدستورية للقوانين بمختلف صورها.

1-1 : مبدأ المساواة :

يعتبر المبدأ الدستوري الأساسي الذي تستند إليه الحريات العامة و هو أهم ضماناتها ويجد أساسه في مبادئ القانون الطبيعي و نظرية العقد الاجتماعي،فكان له أهمية بالغة في إقرار الحريات الفردية و ازدهارها ، حيث ترتبط الحرية ارتباطا وثيقا بالمساواة، بل إن تعريف الحرية مشتق من المساواة إذ لا وجود للحرية دون مبدأ المساواة التي تعتبر الركيزة الأساسية التي لا وجود للحرية بدونها لذلك فإن تنظيم و حماية الحريات العامة لا يتم إلا بموجب قوانين عامة و مجردة تكفل المساواة بين جميع المواطنين.

المقصود بمبدأ المساواة : يقصد بهذا المبدأ الدستوري أن الافراد سواسية أمام القانون دون التمييز بينهم على أساس الأصل او الجنس أو الدين أو اللغة... في إكتساب الحقوق و ممارستها و تحمل الإلتزامات و الواجبات و ادائها و قد كان الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان و المواطن هو أول وثيقة (أن الحقوق الفردية أو الحقوق الطبيعية للإنسان هي الحرية ، المساواة ،الملكية ،حق الأمن ، حق مقاومة الظلم)

المساواة المطلقة والمساواة النسبية :تتميز القاعدة القانونية بأنها عامة و مجردة حيث تطبق على جميع أفراد الجماعة دون استثناء أو تمييز، غير أن الواقع العملي لا يسمح بتحقيق هاته المساواة المطلقة لأن القانون يتضمن شروط و قواعد تحكم تطبيقها و يستحيل توفر هذه الشروط لجميع أفراد الجماعة فمثلا لا تتوفر شروط الوظيفة في كل  فرد و كذا شروط الإلتحاق بالجامعة ، وعليه لا يمكن أن تكون المساواة إلا نسبية أي لا تتحقق إلا بالنسبة للمراكز المتماثلة و بذلك تعني توحيد المعاملة بالنسبة للأفراد  المتواجدين في مراكز قانونية كبيرة و إختلافها بالنسبة للمراكز المختلفة و قد نص عليها في المادة 29 من الدستور و المقصود بها المساواة النسبية التي تكون بين من تتحقق فيهم الشروط اللازم توافرها للتمتع بالحق أو الإلتزام بالواجب

1-1-1: تطبيقات مبدأ المساواة: ( مظاهر مبدأ المساواة )

أولا :  المساواة في الحقوق و الحريات العامة و من أهمها :

المساواة أمام القانون: و يقصد بها عدم التمييز أو التفرقة بين المواطنين و حتى الأجانب في تطبيق القانون عليهم لأي سبب من الأسباب و هو ما نصت عليه المادة 29 من الدستور

المساواة في ممارسة الحقوق السياسة :تشمل هذه الأخيرة الحق في التصويت في الإنتخابات و الإستفتاء و حق الترشح في المجالس المنتخبة ( المحلية و الوطنية) و حق الإشتراك في تكوين الأحزاب والجمعيات أو الإنخراط في عضويتها وفق المادتين 42 و 50 من الدستور

المساواة في تولي الوظائف العامة : و بموجبها يحق لكل المواطنين تقلد الوظائف دون تمييز ما توفرت في المترشح الشروط المحددة قانونا حسب نص المادة 51 من الدستور، كما تقتضي عدم جواز التفرقة بين المواطنين الذين يحتلون نفس المراكز القانونية و يخضعون لنفس النظام الوظيفي (حقوقا و واجبات) و تتفرع المساواة أمام الوظائف العمومية إلى مساواة بين المترشحين، الإلتحاق بالوظيفة ، المساواة بين الموظفين في الحقوق والواجبات ،المساواة بين الرجال و النساء

المساواة في الإنتفاع في الخدمات المرافق العمومية : و تقتضي معاملة الأفراد دون تمييز في الإنتفاع بخدمات المرافق و فيما يقدمونه مقابلهاوينطبق هذا المبدأ  على المرافق العمومية كافة إدارية ، صناعية ،تجارية أو مالية كانت.

المساواة أمام القضاء: ومضمونها وحدة القضاء، وحدة القانون للفصل بين جميع المنازعات ونصت عليها المادة 140 من الدستور

ثانيا : المساواة في الواجبات و الأعباء : من أهم تطبيقاتها نجد

-المساواة أمام الأعباء العسكرية و ذلك بفرض واجب الخدمة العسكرية دون تمييز

-المساواة أمام الأعباء الضريبية فالضريبة المتعادلة يدفعها الأفراد الذين يحتلون مراكز متشابهة إذ لا يمكن فرضها على أفراد في مراكز مختلفة و هي مساواة نسبية حيث تكون مساهمتهم في أدائها وفق مدخولهم و ثرواتهم و نص عليه المادة 64 من الدستور

1-2 : مبدأ الفصل بين السلطات :

لقد نشأ هذا المبدأ في القرن 17 و تطور في القرن 18 و تناوله بالبحث كل من لوك ، مونتسكيو، وسبقهم ارسطو في ذلك، و يقصد به تعديد وظائف فروع الدولة الثلاث في شكل تشريع ، تنفيذ ، قضاء ( وظيفة لكل فرع من فروع الحكومة ) .

يختلف لوك عن مونتيسكيو في تعريف هذا مبدأ الفصل بين السلطات و الدور الذي ينسب إلى هذا المبدأ لذلك فإن مونتيسكيو هو صاحب هذه النظرية لأن لوك وضع سلطة تنفيذية وقدر السلطة القضائية فرعا منها ، في حين حدد مونتيسكيو وظائف السلطة التنفيذية بالتفصيل و ميزها عن السلطة القضائية ، و طالب بالفصل بين السلطات الثلاث ضمانا للحرية حيث يرى أنه إذا كان تقييد السلطة التنفيذية يتوقف على المحافظة على حكم القانون فإنه من الأهمية بمكان الرجوع الى سلطة مستقلة إذا ما أسيئ استعمال السلطة ، غير أن هذا الفصل يجب أن يكون مرن غير جامد يتيح لكل سلطة أن تحفظ توازنها مع السلطات الأخرى أي ان تكون هناك قيود متبادلة بينها فكان يقول إن الحرية ستضيع إذا لم يتم الفصل بين السلطات الثلاث ، و عليه فإن الفصل في السلطات له مضمونان أحدهما سياسي و الأخر قانوني .

1-  المضمون السياسي: و يقصد به عدم جمع السلطات و عدم تركيزها في قبضة شخص واحد أو هيئة واحدة

2-  المضمون القانوني : و يتعلق بطبيعة العلاقة بين السلطات المختلفة و لذلك تنقسم النظم إلى نظم رئاسية و نظم برلمانية  و نظم وسط بينهما ، و يتميز النظام الرئاسي بالفصل بين السلطات فصلا عضويا ، إذ ان كل سلطة مستقلة عن السلطات الأخرى في مجال التكوين و الحل ، أما في النظام البرلماني فهناك تعاون و رقابة متبادلة بين السلطات خاصة بين التشريعية و التنفيذية فمن حق الحكومة (رئيس الجمهورية ) حل البرلمان و في المقابل يمكن للبرلمان مساءلة الحكومة عن طريق السؤال و الإستجواب و سحب الثقة من الحكومة ، وهو ما أخذ به الدستور الجزائري بموجب المواد 70.99.129.138.139.148 منه

3-1        مبدأ خضوع الدولة للقانون (مبدأ المشروعية )

و يعني هذا المبدأ خضوع كافة السلطات في الدولة للقانون سواء كانت هذه السلطة تشريعية، تنفيذية ، قضائية

ويجمع الفقه على أنه سيادة حكم القانون و هو يستهدف تقييد الإجراءات التي تمس مصالح الإفراد ، و يعد قمة الضمانات الأساسية للحقوق و الحريات  إذ يشكل ضمانة لحرية الأفراد و المبدأ الأساسي الوحيد لمشروعية السلطة في نفس الوقت و هو المميز للدولة القانونية للدولة البوليسية التي لا تلتزم به و يتحقق هذا المبدأ بحماية القانون للحريات العامة فمن واجب الدولة إلزام سلطاتها بإحترام القانون و إخضاع تصرفات الحكام و المحكومين لحكمه على حد سواء

1-4: الرقابة الدستورية من أهم ما يميز القاعدة القانونية نجد عنصر الجزاء الذي يكرس مبدأ المشروعية و كذا سمو قواعد الدستورية على قواعد التشريعية و التنظيمية و لذلك لا بد من وجود رقابة  ضد إنتهاكات الحقوق والحريات تتم من خلا المجلس الدستوري ( رقابة سياسية) و رقابة قضائية :

اولا: الرقابة من قبل مجلس دستوري ( الرقابة السياسية)

وتتحقق عندما يتولى جهاز مستقل رقابة التشريع للتأكد من مطابقته لأحكام الدستور حماية لحقوق و حريات الأفراد ، و قد كان الدستور الفرنسي لعام 1789 السباق لإقرار هذه الرقابة على أعمال السلطة التشريعية التي كانت تمارس بواسطة هيئة تسمى مجلس الشيوخ الذي تولى رقابة دستورية القوانين قبل إصدارها ،بينما أرسى دستور 1958 المجلس الدستوري ليتولى هذه الوظيفة.

و هو نفس الوضع في الجزائر حيث تم إنشاء المجلس الدستوري بموجب المادة 63 من دستور 1963، ثم تم توسيع صلاحياته لتشمل رقابة القوانين العضوية رقابة إجبارية قبل إصدارها وفتح المجال أمام سلطة دستورية جديدة هي رئيس مجلس الأمة ، كما رفع عدد أعضاء المجلس الدستوري من 7 إلى 9 .

و من صلاحيات هذا المجلس ما نصت عليه المادة 163/2 السهر على صحة عمليات الاستفتاء و انتخاب رئيس الجمهورية والانتخابات التشريعية وإعلان النتائج ، كذا الفصل في دستورية المعاهدات والاتفاقات والاتفاقيات والقوانين والتنظيمات قبل تنفيذها وفي مطابقة القوانين العضوية برأي وجوبي قبل إصدارها والنظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان طبقا للمادة 165.

ولا يمكن لهذا الأخير أن يقوم بعملية الرقابة إلا إذا تم إخطاره بموجب المادة 166 من الدستور من قبل رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الشعبي الوطني، رئيس مجلس الأمة أو الوزير الأول، كما يمكن إخطاره من 50 نائبا أو 30 عضوا من مجلس الأمة وهو ما أضافه الرأي 01/16 المؤرخ في 28/01/2016 المتعلق بمشروع القانون المتضمن التعديل الدستوري .

ثانيا: الرقابة القضائية  على دستورية القوانين

لايعد مبدأ المشروعية كافيا مالم يتقرر جزاء على مخالفة سلطات الدولة للقانون ولايمكن لهيئة القضاء أن تفصل في النزاعات كالم تكن تتمتع بالاستقلالية والنزاهة والكفاءة وتعد الرقابة القضائية الضمانة الحقيقية للأفراد من خلال الإلتجاء إلى جهة مستقلة من أجل إلغاء أو تعديل أو التعويض عن الإجراءات التي تتخذها السلطات العامة بالمخالفة للأحكام القانونية المقررة وأن حصانة واستقلال القضاء كفيل بإخضاع الحكام جميعا لأحكام القانون، وتفقد الرقابة القضائية معناها إذا فقد القضاء استقلاليته وتتخذ هذه الرقابة صورتين:

الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية

الرقابة عن طريق الدفع: وتطبق أمام المحكمة بمناسبة النظر في دعوى قضائية فيتم الدفع بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه، وهناك من القوانين من يجعل القاضي العادي غير مختص بنظر مسألة عدم الدستورية تحال القضية إلى المحكمة الدستورية للفصل فيها ثم يعود النزاع أمام القاضي العادي باعتباره قاضي الموضوع(ويحوز حجية مطلقة)  ويتبع هذا النظام في كل من اسبانيا، ايطاليا، النمسا.

أما إذا كان النظام القانوني للدولة يجعل من اختصاص المحاكم العادية النظر في دستورية القوانين كما في الو م أ فيمتنع القاضي عن تطبيق هذا القانون متى تأكد من عدم دستورية القانون(ويحوز حجية نسبية).

Modifié le: Monday 22 May 2017, 13:23