المحاضــرة  الأولى:

(معنى الصرف ،الصرف وميدانه ،الميزان الصرفي ).

 

مفاهيـــم صرفية :

1ـ تعريف الصرف : لغة: إنّ نظرة سريعة في معاجم اللغة وقواميسها كفيلة بتحديد المعنى اللغوي للمادة اللغوية صرف ( ص ، ر ، ف )   ، إذ ورد في لسان العرب "لابن منظور" : "أنّ الصرف و التصريف مصدران للفعل "صرف" ثلاثي مجرد، "صرّف" ثلاثي مزيد بالتضعيف ، على وزن  "فعّل ،تفعيل" وهما في اللغة بمعنى : التحويل والتغيير و التقليب من حال إلى حال، فتصريف الرياح  تحويلها من وجه إلى وجه ومن حال إلى حال ، قال الليث : تصريف الرياح صرفها من جهة إلى جهة ،وكذلك تصريف الخيول و الأبيات و الأمور ، وقال غيره تصريف الرياح جنوبا وشمالا وصبا ودُبورا ، فجعلها ضُروبا في أجناسها ، وصرّفته في الأمر تصريفا ، قلّبته فتقلّب   وصروف الزمن حوادثه المتقلّبة من حال إلى حال ، وصرف الشيء وأعمله في غير وجهه ،كأنّه يصرفه عن وجهه إلى وجه آخر ،وتصريف الدراهم إنفاقها ، والصّيرفي و الصرفي : النّقَاد ، وهو من التّصرّف....."[1].

    وقد وردت المادة ذاتها في "مختار الصحاح" أنّ الصّرف : " ردّ الشيء عن وجهه صرفه يصرفه صرفا ،فانصرف، وصارف نفسه عن الشيء ، صرفها عنه ،  وصرف الشيء ومنعه إلى غير حاله ..... وصروف الدهر  ونوائبه ، كما جاء بمعنى التوبة ( يقال : لا يُقبلُ منه صرفٌ ولا عدلٌ ) فالتائب يتغيّر من حال العصيان و الفسوق إلى حال الطاعة و الانقياد كما أنّ الدهر يتغير من حال إلى حال......" [2] .

وجاء في مادة الصرف في القرآن الكريم قوله تعالى :( انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) الأنعام 65 ، وقوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ...) الكهف 54 . وقوله: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ....) البقرة 164، وقوله  (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ....) الفرقان 65، وغيرها من الآيات.  

    لنخلص مما سبّق أنّ مادة "صرف" في الاستعمال اللغوي توحي بمدلول ومعنى التغيير من حالة إلى أخرى ، وذلك إمّا على سبيل ردّ الشيء عن وجهه ،أيّ على غير أصله ، بتحويله إلى وجوه متعددة ، وإمّا على سبيل ردّ الشيء ومنعه، وقد يرد بمعنى التبيين و الإيضاح ،كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ...)في الآية السابقة .

ـ تعريف الصرف اصطلاحا :يُعرّف علماء العربية  علم الصرف :" بأنّه العلم الذي تُعرف به كيفية صياغة الأبنية العربية ، وأحوال هذه الأبنية التي ليست إعرابا ولا بناء..".[3]

والمقصود "بالأبنية"هو هيئة الكلمة ،بمعنى ذلك أنّ العرب القدامى فهموا الصرف على أنّه دراسة لبنية الكلمة ،وهو فهم صحيح  في الإطار العام للدرس اللغوي.

كما نفهم من ذلك "أنّ النحو يتعلّق بالكلمة وهي في الجملة ، ويوضّح علاقة تلك الكلمة بالكلمات الأخرى فيها ،واختلاف المعاني باختلاف موضع الكلمة في الجملة" ،أمّا الصّرف فعلاقته منحصرة بالكلمة نفسها ، ومما يطرأ على تلك الكلمة من تغييرات في حروفها و حركاتها مما ليس له علاقة بالإعراب و البناء .

  كما أنّ علم الصرف هو العلم الذي تُعرف به أحوال بنية الكلمة العربية و قوانين صياغتها   وهذا معناه أنّ علم الصرف يُعنى بالكلمة وتغيراتها في ذاتها ، في حين يُعنى علم النحو بالكلمة من حيث علاقتها بغيرها في التركيب أي الجملة ، ولهذا يقول ابن جني :"...التصريف إنّما هو لمعرفة أنفس الكلم الثابتة ، والنحو إنّما لمعرفة أحواله المتنقلة..."[4] .

ليبقى علم الصرف من حيث الاستعمال عند أهل الصناعة من علماء العربية على معنيين متكاملين  أحدهما علمي ّ والأخر عملي :

بالمعنى العملي : فالصّرف هو :تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة لمعانٍ مقصودةٍ لا تحصل إلا بها ، كتحويل المصدر إلى اسمي الفاعل و اسم المفعول ، أو اسم التفضيل ، واسمي الزمان و المكان ..... ،فالصرف بهذا المعنى " تغيير بناء الكلمة لاختلاف المعنى المراد، كتغيير "ضرب"إلى يضرب وإلى إضراب...وتغيير رجل إلى رجال ،أو إلى رُجَيْل...وذلك بتحويل بنية الكلمة من البناء الأصلي إلى أبنية ،أو هيئات معيّنة مما يغيّر من الدلالة ، لأنّ التغيير في البنية هو تغيير في المعنى كرجل إلى رجال ،دلالة على الجمع ، وإلى رُجَيْل دلالة على التصغير ...

بالمعنى العلمي : الصرف بهذا المعنى :"هو علم بأصول يعرف بها أحوال  أبنية الكلمة  التي ليست بإعراب ولا بناء"  أي بذلك يبحث في اللفظ المفرد من حيث بناؤه ووزنه ،وما طرأ على هيكله من نقصان أو زيادة ،، أو هو العلم الذي يدرس الكلمة المفردة وما لحروفها من أصالة أو زيادة   ومن صحة أو إعلال ،ومن إبدال أو حذف أو إدغام أو إمالة ، وما يعترض لأمر الكلمة مما هو ليس بإعراب ولا بناء كوقف أو غيره ،ليبقى المراد بالبنية الهيئة التي تكون عليها الكلمة،  والتي تتركب من عدد حروف الكلمة وكيفية تركيبها في شكلها الإفراديّ ، وكذا حركاتها وسكونها   مع النظر إلى أصالة الحروف من عدمها ، أي ما للكلمة من أصالة أو زيادة ، ويصطلح على هذا المفهوم أيضا : البناء ،الصيغة ، الوزن ....، وأمّا أحوال الأبنية التي ليست بأعراب ولا بناء كالابتداء ،الإمالة ،التخفيف ، الهمز، الإعلال.......

موضوع علم الصرف :

   إذا كان علم النحو يبحث في الجملة العربية من حيث تركيبها ، فالصرف يبحث في الكلمات العربية حالة إفرادها وفق زنات (أوزان) مُعيّنة ،ولمّا كان علم الصرف معنيّا بأحوال الكلمة وتغييراتها المختلفة لم يدخل في حيزه ما لا يقبل التغيير، وبذلك يخرج من مجاله جميع الكلمات الثابتة على حال واحدة لا تتغير .. لذلك اختصّ علم الصرف بدراسة :

ـ دراسة الألفاظ العربية من حيث تلك الأحوال كالصحة و الاعتلال و الأصالة و الزيادة ونحوها.، ويختص بالأسماء المتمكنة و الأفعال المتصرفة [5]، وبذلك لا يتناول الأفعال الجامدة .نحو  نعم ،عسى، ليس ،بئس ....ولا الحروف جميعها :كحروف الجر ،وحروف العطف .. ، أمّا ما عدا هذين النوعين من الكلمات فلا يدرس في هذا العلم إلاّ في أحوال محدودة جدا ، وما ورد من تثنية في بعض الأسماء الموصولة ، أو أسماء الإشارة وجمعها أو تصغيرها فهو صُورِيّ لا حقيقيّ[6] .

3ـ أغراض علم الصرف :  جاء في كتاب :"الممتع في التصريف" أنّ لعلم الصرف غرضين   أولهما معنوي و الثاني لفظي ،وهو التقسيم الذي ارتضاه صاحب الكتاب ، فقسّم الغرض إلى  :

ـ الأول :معنوي: جعل الكلمة على صيغ مختلفة ،لضروب من المعاني نحو:"ضرب ،ضرّب  تضرّب ،تضارب، اضطرب ،فالكلمة المكوّنة من (ض،ر،ب)،نحو"ضرب" قد بُنيت منها هذه الأبنية المختلفة لمعايير مختلفة،ومن هذا النحو اختلاف صيغ الاسم للمعاني التي تعتريه من التصغير  أو التكسير ،نحو :ُزيَيْد ، أو زَيْوَد ، ومن ذلك تغيير المفرد إلى مجرد و مزيد ، وإلى ماض ومضارع وأمر ، أو اشتقاق اسم الفاعل واسم المفعول و الصفة المشبهة ، وصيغ المبالغة واسم التفضيل  واسم الآلة واسم الزمان و المكان وغيرها...."[7]

ـ الثاني :لفظي: ..فهو تغيير الكلمة عن أصلها من غير أن يكون ذلك التغييرُ دالاً على معنى طارئ على الكلمة ، كما يحدث في القلب ، نحو تغيير العرب لـ :"قَوَلَ إلى قال ، بَيَعَ إلى باع"   والنقص نحو :وصْل إلى صِلة  ، و الإبدال نحو :اضترب إلى اضطرب ،و اوتسم إلى اتّسم ،و النقل الحرفي نحو :شاكِو الى شاكٍ ،..ويُسمى النقل الحرفي ، و كالنقل الحَرَكي نحو :يقْوُل إلى يَقُول  ويَرْدُدُ إلى يَرُدّ ، يضاف إلى ذلك الإدغام في :مدّ و عدّ ،و الإدغام و الإمالة وتخفيف الهمزة  وقلب التاء هاء في الوقف ،وإلحاق الفعل الثلاثي بالفعل الرباعي لتكثير الكلمة وغير ذلك...."[8]

4ـ أهمية علم الصرف:

    لعلم الصرف أهمية كبيرة و عظيمة ، فهو أحد أركان علوم العربية الرئيسية ، ولا غنى لطالب اللغة العربية المختص فيها عن الإلمام به إلماما كاملا ، وعن إتقانه وإجادة العمل بأصوله وأحكامه وقوانينه ، وقد ذكر "ابن جني"أنّ علم الصرف" يحتاج إليه جميع أهل العربية أتمّ حاجةٍ ،وبهم إليه أشدّ فاقةٍ ، لأنّه ميزان العربية...".[9]،ويؤكد أيضا أنّه لأهميته "كان من الواجب على من أراد النحو أن يبدأ بمعرفة التصريف ، لأنّ معرفة ذات الشيء الثابتة ينبغي أن تكون أصلا لمعرفة حاله المتنقلة.."[10].

   وقد لخّص بعض المحدثين فائدة التصريف بقوله :"أهميته معرفة صيغ الكلم العربية ،وتحليل أجزائها وحروفها ومعرفة ما فيها من محذوف أو زائد ،أو تقديم أو تأخير، فيقي المتعلم لسانَه من اللحن في ضبط تلك الصيغ ، ويُحسنُ استعمالها في الكلام ، ويسلَمُ من مخالفة القياس المخلة بالفصاحة ،وذلك ما ذكره "صاحب الشذا " صون اللسان العربي عن الخطأ في المفردات،  ومراعاة قانون اللغة في الكتابة ...".[11]

المؤلفات الصرفية :  لم يكن الصرف في بداية التأليف اللغويّ مستقلا عن النحو ، بل كان جزءا منه ،كما في "الكتاب لسيبويه" و" المقتضب للمبرد" وغيرهم ، وأوّل من ألّف فيه منفصلا عن النحو هو "المازني" في كتابه "التصريف" ، وبقي كثير من العلماء يدمجونهما حتى عهد قريب 

                                  الميـــزان الصـــرفي:

( تعريف ،قواعد الميزان الصرفي ، الزيادة في الميزان ، الحذف في الميزان ،وزن الكلمات التي بها إعلال ،القلب المكاني و أحكامه).

   تقديم :لما كانت بعض المفردات في اللغة العربية تُعتبر فيها بعضُ الحروف أصولا ، وبعضُها زوائد  وبعضها الآخر اعتبرت فيه الحروف كلّها أصولاً ،كان لابدَّ من معيار و ميزان يحدّد لنا مكان الحرف الأصلي ، ومكان الحرف الزائد في الكلمة ،و بالتالي يمكن الاهتداء إلى أصلها الاشتقاقي وأصلها المعجمي . 

   لذلك يُعدّ" الميزان الصرفي "أساسا من الأسس التي يرتكز عليها دراسة علم الصرف ، وهو " أحدّ الموازين الثلاثة التي وضعها علماء العربية القدامى .."[12]،وذلك حين وضعه علماء العربية لمعرفة أحوال بنية الكلمة ، وهو من أحسن ما عُرف من مقاييس في ضبط اللغات ، ويسمى ّالوزنّ ،في الكتب القديمة أحيانا ّمثالا" ، فالمثل هي "الأوزان "[13]، فهذا الميزان يظهر الصورة المجردة للكلمة ، أي جذرها الأصلي ،وما لحق بهذه الصورة من حركات و سكنات ، وما زيد عليها أو نقص منها ، أو لحقه التغيير ،لذلك يمكن إيجاز ملامح هذا الميزان من خلال :

لما كان أكثر الكلمات في العربية ثلاثيا عدّ علماء الصرف أصول الكلمات ثلاثة أحرف   وبَنَوا ميزانهم حين قابلوها عند الوزن ، "بالفاء و العين و اللام "يعني "فَعَلَ" ،وهي الحروف التي تكون مطلق الفعل ،وقد أرجع الصرفيون سبب هذا الاختيار لمادة "فعل "لتكون ميزانا صرفيا :

ـ لأنّ كلمة "فَعَلَ" ثلاثية الأحرف ، ومعظم الألفاظ في العربية مكوّنة من أصول ثلاثية ، وما زاد على الثلاثة  فهو قليل في العربية .

ـ أنّ كلمة "فعل "عامة الدلالة ،فكل الأفعال تدلّ على فعل "حدث" كالفعل :أكل وجلس وقتل ،نام ،قام ،وغيرها تدلّ على الحدث بمعنى فعل الشيء ، وبذلك تصدق على أفعال الجوارح  وأفعال القلوب بخلاف غيرها ،فالضرب و الفهم مصدران للفعلين ، والضرب من أفعال الجوارح   والفهم من أفعال القلوب .

 ـ صحة حروفها :فلا يتعرض حرف منها للحذف ،فالأفعال التي أصولها علة كالألف والواو  والياء،تتعرض هذه الأفعال للإعلال بقلب أو نقل أو حذف .

ـ إنّ كلمة "فعل"تشتمل على ثلاثة أصوات تشكّل الجهاز النطقيّ ، فهي تضم "الفاء"ومخرجها من أول الجهاز النطقي ،(الشفتان) ،و العين من أخره أي من آخر الحلق ،و اللام من وسطه .

فحين وقع هذا الاختيار جعلوا الفاء تقابل الحرف الأول من الكلمة ،و العين مقابلة للثاني ،و اللام تقابل الحرف الثالث ،على أن تكون حركة الفاء و العين و اللام  مماثلة لحركة الحرف الذي يقابلها في الكلمة الموزونة ،كلّها مُصوّرة بصورة الموزون ،فقالوا في وزن :

قَمَرـ فَعَل ،وفي وزن عِجْل ـ فِعْل ، وفي وزن كرم ـ فعل ،شرب وفرح ـ فعل ، حصن، حمل ـ فعل ، قفل ـ فعل ، عنب ـ فعل .......وسموا الحرف الأول من الكلمة "فاء الكلمة   والحرف الثاني "عين الكلمة " ، و الحرف الثالث :لام الكلمة ..."[14].

2ـ هذا مع الكلمة الثلاثية ، أماّ إذا زيدت الكلمة عن ثلاثة أحرف ، فلها أحوالٌ :

أ ـ إذا كانت الزيادة أصلية :أي إذا كانت زيادتها ناشئة من أصل وضع الكلمة على أربعة أحرف أو خمسة ،فعند الوزن في الميزان الصرفي ( تُزاد لامٌ أو لامان على أحرف فَعَلَ ) فنقول:

دحرج ـ فَعْلَلَ ،فُستق ـ فُعْلُل ، خِنْجَر ـ فِعْلَل ، سَفَرْجل ـ فَعَلْلَل ، وَسْوَسَ ـ فَعْلَلَ ،دِرْهَم ـ فِعْلَل ،غَضَنْفَر ـ فَعَلْلَل ، زَبَرْجَد ـ فَعَلْلَل ،.....(في بعض الكلمات الخماسية يزاد فيها لامان ، ثم يدغمان لأنّهما من جنس واحد ،أولهما ساكن و الثاني متحرك ،ويكون في الأسماء فقط  نحو:( زَبَرْجَد ـ فَعَلْلَل ـ فَعَلّل....).

ب ـ قد تكون الزيادة ناشئة عن تكرار حرف من أصول الكلمة ، فإنّنا نكرّر عند الوزن الحرف الذي يقابله من أحرف "فَعَل" ، فنقول في وزن :"قدّم ـ فَعّل ،ومثلها :طوّف ،علَّم ....،وفي جَلْبَبَ ، شَمْلَلَ ـ فَعْلَلَ، بتضعيف اللام ، ويقال له مضعف العين أو اللام ..."[15]

ج ـ أمّا إذا كانت الزيادة في الكلمة التي يراد وزنها ناشئة عن زيادة حرف أو أكثر من حروف الزيادة(زيادة غير أصلية) ،و المجموعة في قولهم : سألتمونيها ،فإننا نقابل الأحرف الأصلية للكلمة الموزونة بأحرف الميزان "فَعَلَ" ،ثم نزيد الأحرف الزائدة حسب موقعها في الكلمة، أي :قابلتُ الأصول بالأصول ،وعبّرت عن الزائد بلفظه.... "[16]، فنقول في وزن :كاتِبُ ـ فاعِلُ ،وتَقَدّم ـ تَفَعّل  وفي وزن استخْرَجَ ـ استفْعَلَ ، وفي وزن مُجْتَهِد ـ مُفْتَعِل  ، وكذلك :

ـ أخرج ، أكرم ، ـــ   أَفْعَل                       اجتمع ، استمع ـــ  افتَعَل .

ـ قابل ،   جادل  ــــ فاعَلَ                      قُوبِل ، عُوتِبَ  ـــ   فُوعِلَ.

ـ انكسر ، انقطع  ـــ  انفَعَلَ                       استخرَجَ ، استفهَمَ ــ استفْعَلَ .

ـ تقاتَلَ ، تحَاسَبَ ـــ تَفَاعَل                        مُستخْرِجٌ ، مستفْهِمٌ  ـ مُستفْعِلُ.

د ـ وإذا كان الزائد مُبدلا من "تاء الافتعال"ننطق بها بناءً على الأصل ، فيقال في وزن "اضطرب "و اصطبر" ،ازدجر ، ازدهر ...على وزن "افتعَلَ " ، لأنّ اضطرب أصله :اضترب ،مأخوذ من الضرب "ضرب" ،مَصُوغ على وزن افتعل بزيادة همزة الوصل  و التاء على الحروف الأصول  فلمّا استثقل النُطق بـ : اضترب :أُبدلت التاء طاء ،لتناسب حرف الضاد المفخّم فصارت "اضطرب" ،اصطبر ـ اصتبر ، ازتهر ـ ازدهر  ،ازدجر ـ ازتجر .....وهكذا .

ملاحظة: 1 ـ   إذا كانت فاء الافتعال حرف لين ،واوا أو ياء أصلية ،فإنّه يجب في فصيح اللغة إبدال الواو أو الياء تاء ، ثم تُدغم هذه التاء في تاء الافتعال ، وعند الوزن يفك الإدغام ،فلا يؤثر الإدغام في الميزان الصرفي ، فنقول في وزن :

اتّصل ـ من وصل ـ اوْتَصَل ـ اتْتَصل ــ اتّصَلَ ــــ افتَعَلَ .

اتّعَدَ  ـ من وَعَدَ ــ اوْتَعَدَ  ــ اتْتَعَدَ ــ اتَّعَدَ ــــ افتَعَلَ .

اتّسَرَ  ـ من يَسِر ــ ايتَسَرَ ــ اتْتَسَرَ ــ اتّسَرَ ــــ افْتَعَلَ .

2 ـ قد تجتمع في الكلمة المراد وزنها زيادتان ،أحداهما ناشئة عن تكرار حرف ،و الأخرى ناشئة عن زيادة حرف من أحرف سألتمونيها ، عندها نطبّق ما قلناه فيهما مجتمعين، أي في الزيادة الناشئة عن التكرار ،وفي أحرف سألتمونيها ،على نحو :

ـ احمَر ّ ، اصفَر ّـــــ افْعَلَّ  ـــــ (تضعيف ،همزة الوصل ).

ـ تقدَّمَ ، تكلَّمَ ـــــ تَفَعَّلَ  ـــــ (تضعيف ، التاء ).

ـ اخضَارّ ، اصْفَارّ ـــ افْعَالّ ـــــ ( الهمزة ، الألف ، التضعيف ).

هـ ـ الحذف في الميزان الصرفي :

    جاء في "المصباح المنير "حذفته حذفا من باب قطعته ،، وقال "ابن فارس" :حذفت رأسه بالسيف ، قطعت منه قطعة ،وحذَفَ في قوله :بمعنى :أوجزه و أسرع فيه ، وحذف الشيء حذفا   أي أسقطه ، ومنه يقال :حذف من شعره ، ومن ذنب الدابة ،إذا قصّر منه ...."[17].

  وإذا كان الحذف ظاهرة لغوية تشترك فيها الكثير من اللغات الإنسانية ، فإنّ مظاهره في العربية أكثر وضوحًا ،وذلك لما جُبلت عليه العربية في خصائصها الأصلية من ميل إلى الإيجاز و الاكتفاء بقليل الكلام الدّال على كثير ،وقد ذكر "ابن جني" في كتابه الخصائص :تحت عنوان :شجاعة العربية " مُفصلا أشكاله ،شارحا أضربه ،ممثّلا لكل شكل من أشكاله  بأمثلة من كلام العرب "[18].

وقد وصف "الجرجاني" هذه الظاهرة ، في كتابه :دلائل الإعجاز " :...هو باب دقيق المسلك  لطيف المأخذ ،عجيب الأمر ،شبيه بالسحر ، فإنّك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر و   الصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ،  الصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ،وتجـدك أنطق ما تكون إذا

إذا لم تنطق ، وأتمّ ما تكون بيانا إذا أنت لم تُبن ....."[19] ، هذا عن الحذف في اللغة بصفة عامة وما يصيب تراكيبها أو مكونات تراكيبها ،كحذف :( المبتدأ ،الخبر ،التمييز ، المفعول به ....)  أو حذف الفعل ، أو بعض الحروف كالنواسخ وما تدخل عليه .....،أمّا في علم الصرف فإنّه إذا حصل حذف في الكلمة ،المراد وزنها ، حذف ما يقابلها في الميزان "[20] ،  أي " إذا حصل نقص شيء من عدد حروف الكلمة الأصلية ،فإنّنا نحذف نظيره في الميزان" ، فنقول في وزن  (قُلْ ـ فُلْ) ، ،فأصل الكلمة "قَوَلَ " فحذفت الواو من الكلمة في الأمر ، فحذفت في الميزان ...لأنّ المحذوف في الكلمة عينُها ، وفي وزن :قاضٍ ـ فاعٍ ،لأنّ المحذوف فيها لامُها ..وأصل الفعل "قضي " ـ قاضيُ، بالتنوين قاضٍ ، وفي وزن :هِبَةٌ ":على وزن (عِلَةٌ) ،من الفعل "وهب" فالواو محذوفة في الكلمة محذوفة في الميزان ، والتاء زائدة تعامل معاملة الحرف الزائد ،فتوزن :علة  ومعنى ذلك كلّه أنّ الكلمة توزن باعتبار ما آلت إليه بعد الحذف ، فنقول مثلا :

ـ عِدَة وزِنَةٌ : عِلَةٌ (حذف الفاء وهي الواو ) من الفعل وعد ، وزن ، والتاء زائدة .

ـ صِفْ ، جِدْ : عِلْ ( حذف الفاء وهي الواو ) من الفعل وصف ، وجد .

ـ قٌلْ ،صُمْ : عُلْ (حذف العين وهو الواو ) من الفعل قال ، صام أصلها : قول ،  صوم .

ـ بِعْ ، سِرْ : عِلْ (حذف العين وهي الياء ) من الفعل باع ( بيع ) ، سار ( سير ) .

ـ قاضٍ ، سَاعٍ : فَاعٍ (حذف اللام وهي الياء)  من الفعل قضي ، سعي ، قاضيُ ، ساعيُ .

ـ ارْمِ ، واجْرِ : افْعِ ( حذف اللام وهي الياء ) من رمى رمي ، جرى جري ( حذفها في الأمر).

ـ أدْعُ ، أغْزُ : أُفْعُ ( حذف اللام وهي الواو ) من  دعا  دعو ، غزا غزو .

ـ اِسْعَ واِرْضَ :افْعَ ( حذف اللام وهي الألف ) من الفعل سعى ، رضي ........ وهكذا   توضيحات : "صلة وزنة ":تُعرف من اشتقاقها أنّها من "وصل ووزن فأوّل حرف فيها محذوف  وتاء التأنيث لا اعتبار لها في ذلك تعامل معاملة الزائد، فيكون الوزن عِلَة بكسر العين وفتح اللام  

أي كلمة محذوفة الفاء ، ومثلها "عدة وهبة" من الفعل "وهب و وعد" محذوف الفاء وتاء زائدة .

ـ مضارع : يَصِل يعِد يزِن على وزن : يعِلُ أي محذوف الفاء فالأصل : يوْصِل ، يوْعِد ، يوْزِن.

ـ تحذف من الكلمة عينها فتحذف العين كذلك في الميزان ، مثل الأمر من قال أو باع فنقول بِعْ بكسر الفاء على وزن فِلْ ، وقُلْ بضم الفاء على وزن فُلْ ....... [21].

ـ تحذف اللام في الميزان إذا كانت لام الكلمة محذوفة مثل اسم الفاعل من الناقص نحو : قاضٍ بالكسر و التنوين ومثله : "هادٍ ورامٍ" فوزنها جميعا (فَاعٍ) بكسر العين وتنوينها إذا كان الاسم نكرة   وإذا عُرّف بـ"أل" تُثبّت الياء المحذوفة في الكلمة و اللام المحذوفة في الميزان فنقول:"الرّاعي الهادي الرامي " على وزن : "الفَاعِل" .

وـ وزن الكلمات التي فيها إعلال :

  إنّ التغيير الذي يحدث في حروف العلة الذي يسميه الصرفيون" الإعلالّ ،والذي عرَّفوه: "بأنّه تغيير في حروف العلة تغييرا معينا قد يكون بقلبه إلى حرف آخر أو بحذف حركته أي تسكينه أو بحذفه كلّه ، أي أنّ الإعلال يكون بالقلب أو بالتسكين أو الحذف ، ومعنى ذلك أنه محصور في حروف العلّة التي حدّدتها العرب بالألف و الواو و الياء ..."[22].

والذي يهمنا أنّ الحرف الذي يحدث فيه تغيير بالإعلال يوزن حسب أصله فمثلا كلمة قال : لا توزن قال ،إنما توزن على وزن "فعل" لأنّ أصلها "َقوَلَ" ، من مضارعها "يقول" ، ويكون هذا الإعلال بقلب حرف العلة إلى حرف علة آخر،نحو: قال وباع ، دعا ورمى ، مصفاة ..فأصل هذه الكلمات على التوالي : قوَل ، بيَع ، دَعَوَ ،رَمِيَ ، مِصْفَوَة... لأنّها من صفا يصفو , ويسمى هذا النوع من الإعلال إعلال بالقلب ( قلب حرف العلة حرفا آخر ) على نحو الأمثلة السالفة .

أمّا النوع الثاني من أنواع الإعلال في الوزن فيسمى : الإعلال بالنقل : فإذا جاء في الكلمة حرف علّة متحركٌ مسبوقٌ بحرف ساكن صحيح وجب أن تنقل حركة حرف العلة إلى الحرف الساكن الصحيح قبله ، مع بقاء المعتل إن جانس الحركة ك: ( يقول ، يبيع ) أصلهما : يقْوُلُ على وزن يفْعُلُ ك "ينْصُر" ، ويَبْيِعُ على وزن يَفْعِلُ كالفعل يَضْرِبُ ، ومعنى ذلك أنّه قد تُعلّ الكلمة بنقل حرف العلة إلى الحرف الصحيح الساكن قبله ومثال ذلك :

ـ يقول ، يصوم ، ـ يقْوُل ، يصْوُمُ ـ على وزن يفْعُل بضم العين.

ـ يبيع ، يصير ـ يبْيِعُ ، يَصْيِر بكسر العين على وزن يفْعِلُ ، ومعنى ذلك أنّه يقع في الكلمة نقل في الميزان فتصبح "يقُول" على وزن "يَفْعَل" ،هذا معناه أنّ أصلها "يقْوُل" فحدث لها نقل حركة الواو وهي الضمة إلى الساكن الصحيح قبلها وهو القاف فصارت "يَقْوُل "وهكذا الإعلال بالنقل.



[1] ابن منظور ، لسان العرب دار احياء التراث العربي ، بيروت  ، ط3 1999 ،مادة صرف .

[2] الجوهري ،تاج اللغة و صحاح العربية ،تح احمد عبد الغفور العطار ،دار العلوم للملايين بيروت 1987 ، مادة صرف .

[3] عبده الراجحي ،التطبيق الصرفي ،دار النهضة العربية ، بيروت لبنان ،ط 2009 ، ص:07

[4] ابن جني المنصف في شرح كتاب التصريف ، تح ابراهيم مصطفى ،عبد الله امين ، القاهرة ،1954 ، ج1 ، ص:04

[5] أحمد الحملاوي ،شذا العرف في فن الصرف ، مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت لبنان ،ص :19 ،

[6] المرجع نفسه ، ن ، ص .

[7] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ، تح فخر الدين قباوة ،دار المعرفة بيروت لبنان 1987 ، ص :14

[8]  المرجع نفسه ، ص،ن.

[9] ابن ، جني ، المنصف ، مرجع سابق ، ج 1 ص :02

[10] المرجع السابق ، ج 1 ، ص:04

 [11]أحمد  الحملاوي ،شذا العرف في فن الصرف ، ص :19

[12] أمّا الآخران فهو الميزان العروضي ، وميزان التصغير، فالأول خاص بعلم العروض ،والثاني خاص بباب التصغير وأوزانه فعيل فعيعل ، فعيعيل ،كرم محمد زرندح ،أسس الدرس الصرفي في العربية ،دار المقداد للطباعة ،ط4 2007 ، ص :23

[13]  عبده الراجحي ،التطبيق الصرفي  ،ص:10.

[14] أحمد الحملاوي ، شذا العرف ،  ص : 22

[15] أحمد الحملاوي ، شذا العرف ، ص :22

[16] المرجع نفسه ، ص: 22

[17] علي الفيومي ، المصباح المنير ،تح ، يوسف الشيخ محمد ،المكتبة العصرية ،بيروت ،ط3 / 1999 ،ص :69

[18] ابن جني ،الخصائص ،تح علي النجار ، دار الهدى للطباعة و النشر ،بيروت لبنان ،ج 2 / ص:381.

[19] عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ،تح ، رشيد رضا ،دار المعرفة ،بيروت لبنان ،1982، ص:112.

[20] أحمد الحملاوي ، شذا العرف ، ص :22.

[21] عبد الراجحي ، التطبيق الصرفي ، ص 12 .

[22]  المرجع نفسه ص 150 .

Modifié le: Thursday 1 June 2023, 10:41