إنّ عالم العقد الأول من القرن 21م أفضل بكثير من عالم التسعينيات من القرن الماضي في عدة جوانب؛ لأن إنسان اليوم يعيش حياة أطول، ويحصل على مزيد من الغذاء والملبس والمسكن، ومما تتطلّبه مستلزمات الحياة الكريمة، كما أنّ أطفال اليوم يُمْضُون فترات أطول على مقاعد الدّراسة. فكل ذلك أفضى إلى عالم مُتقارب من حيث مستوى التنمية الإنسانية. لكن رغم ذلك لاتزال الفجوات عميقة بين شعوب العالم؛ فالطّفل الذي يُولد مثلا في النيجر يُـتَوَقّع له أن يعيش حياة أقل بنحو 26 سنة عند مقارنته بالطّفل الذي يُولَد في الدّنمارك، ويُـتَوَقّع له أن يُمضِي فترة دراسة تقلّ بنحو تسع سنوات عند مقارنته مع نظيره الدنماركي، وفيما يخصّ كمّية السّلع التي يُتاح له استهلاكها خلال حياته؛ فهي تقلّ بنحو 53 مرة من تلك التي سوف يحصل عليها الطفل الدنماركي[1].
كما سبق القول بأنّ منظومة حماية أمن الطفل الإفريقي التي تحوزها القارة الإفريقية على المستوى النظري هي منظومة قانونية وحقوقية متكاملة إلى حد ما، وذات معايير عالمية؛ رغم أن هذه المنظومة النظرية قد تم تكييفها من طرف واضعيها مع الخصوصية الإفريقية مراعاة منهم للجوانب الاجتماعية والثقافية والبيئية للقارة السمراء.
لكن على المستوى العملي والتطبيقي لا يزال أمن الطفل الإفريقي تتربص به العديد من التهديدات الأمنية كما ذكر أعلاه. فهذا الواقع المؤلم والصادم في الكثير من الأحيان لأصحاب الضمائر الحية؛ للأسف الشديد عاشته وتعيشه أعداد كبيرة من البراءة في إفريقيا، وهو واقع أثبتته المئات من الدراسات والتقارير الحكومية وغير الحكومية منذ سنوات طويلة، وهو واقع أيضا تتناقله العديد من وسائل الإعلام العالمية والمواقع الإلكترونية بالصورة والصوت، وكلها مشاهد لا تشرف الإنسانية في الألفية الثالثة لمأساة أطفال ولدوا في قارة إسمها إفريقيا غنية بشعوبها وبثرواتها وبحضارتها.
لذلك فإنْ كان رهان حماية أمن الطفولة في إفريقيا قد تم كسبه على المستوى النظري كما سبق بيانه، إلا أن هذا الرهان يبقى قائما في شقه العملي، حيث يقع على القائمين بشؤون الطفولة في هذه القارة تجسيد منظومة الحماية الحقوقية على أرض الواقع.
[1] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية الإنسانية 2010،ترجمة:لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بإشراف عهد سبول، فرجينيا: (Colocraft of Virginia)،2010، ص ص 43-44.