تعريف مبدأ الشرعية:
يعرفه الأستاذان محمود نجيب حسن وفتوح عبد الله الشاذلي بأنه "حصر عدم المشروعية الجنائية في نصوص القانون الجنائي التي تحدد الجرائم والعقوبات"، وبما أن القانون من عمل المشرع ذلك أن بيان الجرائم والعقوبات منوط له وحده فلا يملك القاضي إلا تطبيق النص والتقيد بكافة الشروط التي جاءها التحديد الجريمة وتوقيع العقاب ولي س له أن يعاقب على فعل لم يقرر له المشرع عقابا ولا ينطق بعقوبة غير منصوص عليها في القانون حتى ولو كان هذا الفعل مخالف للعدالة أو يتناقض مع النظام العام والآداب العامة.
نطاق تطبيق مبدأ الشرعية:
يطبق هذا المبدأ على تعريف الجرائم وعلى تحديد العقوبات وتدابير الأمن والتي تطبق على الشخص مرتكب الفعل المجرم مع مراعاة انتفاء سبب من أسباب الإباحة.
1-من حيث تعريف الجريمة:
عملا بمبدأ الشرعية ليس كل الأعمال المخالفة للنظام العام مهما بلغت خطورتها تعرض مرتكبيها للعقاب بصفة تلقائية، وإنما يتعرض منها للعقاب ما هو مجرم بنص فحسب، ومن ثم لا تشكل جريمة تستوجب العقاب إلا الأعمال المنصوص والمعاقب عليها بنص سواء صيغ في شكل قانون (بالنسبة للجنايات والجنح) أو في شكل لائحة تنظيمية (بالنسبة للمخالفات). ويقتضي مبدأ الشرعية أن تكون الجريمة محددة و أن يكون التجريم واضحًا، كما يقتضي التفسير الضيق للنص( والذي أشرنا إليه سابقا.
2-من حيث تحديد العقوبة:
مثلما أشرنا سابقا أنه لا جريمة إلا بنص فلا عقوبة أيضا إلا بنص، والقاعدتان مكملتان وملزمتان لبعضهما البعض إذ أنه من الضروري أن يكون المرء على دراية ليس ف قط بأن فعل ما مجرم بل يجب أيضا أن يعلم بالعقوبة التي يتعرض إليها لو أتى ذلك الفعل، ومن ثم يتعين على المشرع أن يتولى بنفسه التنصيص على عقوبة معينة لكل تجريم يقيمه. غير أنه من الجائز أن يقضي القاضي بعقوبة تفوق الحد الأقصى المقرر قانونا، يحدث هذا عند توافر شروط العود، كما يجوز له أيضا أن ينزل عن الحد الأدنى المقرر قانونا إذا ما أسعف المتهم بالظروف المخففة.
3-من حيث اتخاذ تدابير الأمن:
يقتضي مبدأ الشرعية من ناحية أخرى أن يكون الفرد على دراية مسبقة بنوع تدبير الأمن الذي يعرِضه إليه تصرفه وأن يكون تدبير الأم ن موقوفا على معاينة مسبقة لحالة الخطورة، أي احتمال قوي لارتكاب جريمة مستقبلا، كما لا يجوز للقاضي أن يلجأ إلا لتدابير الأمن المنصوص عليها صراحة في القانون، غير أن الطابع الوقائي والعلاجي لتدبير الأمن يفرض تلطيف مبدأ الشرعية وهكذا فإذا كان ليس للقاضي أن يلجأ إلا لتدابير الأمن المنصوص عليها صراحة في القانون، فليس للمشرع أن يحدد بدقة لكل تصرف تدبير أمن معين كما هو الحال بالنسبة للعقوبات، فبالنسبة للأحداث مثلا فإن تدابير التربية التي تطبق عليهم لا علاقة لها بالجريمة المرتكبة وإنما تأخذ بالحسبان السن فحسب. أما إذ ا تعلق الأمر بفئة من تدابير الأمن التي تسبب إزعاجا للأفراد فيتعين أن تكون محددة بنص صريح مع تعيين الحالة الخطيرة التي ينطبق عليها ومن هذا القبيل تدابير الأمن الشخصية والعينية حيث لا يجوز الحكم بها إلا في الحالات المحددة صراحة في القانون.
أهمية مبدأ الشرعية ونتائجه:
- حماية الحقوق والحريات الفردية: هذا المبدأ يرسم حدود بين ما يعتبره المشرع الجنائي سلوكات جديرة بالتجريم والعقاب وهي الاستثناء وبين السلوكات التي لا تعتبر كذلك، فمن يأتي فعلا لم يجرمه القانون فهو طبقا لمبدأ الشرعية بأمان من المسؤولية الجنائية تجسيدا لقاعدة الأصل في الأشياء الإباحة والإعمال لهذا المبدأ يضفي نوعا من الأمان والارتياح لدى أفراد المجتمع.
- تحقيق فكرة الردع العام: ومعنى الردع هو تحذير الأفراد وتخويفهم مسبقا من النتائج المترتبة على إتيان سلوك جرمه القانون وحدد له عقوبة، وبالتالي تتحقق فكرة الردع التي تعتبر وسيلة للوقاية من وقوع الجرائم وضمان فعال للمحافظة على أمن واستقرار المجتمع. ولا يقتصر مبدأ الشرعية على حماية الأبرياء وإنما يحمي أيضا الجناة من تعسف القضاة بإلزام القاضي الحكم بالعقوبة التي جاء بها نص التجريم.
نتائج مبدأ الشرعية:
1-قاعدة عدم رجعية النص الجنائي (إلا ما كان أصلح للمتهم "استثناءا")
لمعاقبة شخص لابد أن تكون الجريمة قد حددت أركانها بموجب قانون مطبق وقت ارتكابها، ولا يجوز معاقبة شخص على فعل كان مباحًا وقت ارتكابه ثم صدر قانون يجرمه،أي أن القانون يسري من وقت نفاذه ولا ينطبق الحوادث الماضية السابقة لتاريخ صدوره.
2-حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص تشريعية مكتوبة:
وهذا استبعاد كافة المصادر المألوفة في فروع القوانين الأخرى (كالعرف، ومبادئ القانون الطبيعي...)، والنص التشريعي المكتوب هو الصادر عن البرلمان أو رئيس الجمهورية، أو السلطة التنفيذية في مجال المخالفات (لوائح تنظيمية).
3-حضر القياس في تفسير النصوص التجريم:
ليس للقاضي أن يقيس فعلا لم يرد نص بتجريمه على فعل ورد نص بتجريمه فيقرر الأول عقوبة الثاني (قياس). هذا لا يمنع إمكانية خضوع النص التجريمي للتفسير الضيق أي البحث عن المعنى الذي يرمي إليه المشرع من وراء الألفاظ المستعملة في النص ويجب على القاضي أن يلتزم بحرفية النص الجنائي حتى لا يجرم فعلا لم يقصده المشرع.
4-قاعدة الشك تفسر لصالح المتهم:
في حالة وجود غموض في النص الجنائي واستحال على القاضي تحديد التفسير وتساوت في نظره وجوه متعددة، في هذه الحالة الشك يفسر لصالح المتهم والمجال الرئيسي لتطبيق هذه القاعدة الإثبات في المواد الجنائية، حيث إذا تعادلت أدلة الإدانة مع البراءة رجح الثانية، لأن الإدانة تبنى على اليقين والأصل في الإثبات البراءة.
أساســـي:
إن لمبدأ الشرعية أهمية بالغة بحيث أنه ضمانة لحقوق المواطنين وحرياتهم أمام تحكم القضاة أو تعسف الإدارة، فهو تعبير عن سيادة القانون ودعم لمبدأ الفصل بين السلطات ولا عجب في أن الكثير من دساتير بعض الدول قد نصت عليه واعتبرته مبدأ دستوري.