as

اللعب

par atouta salah, Tuesday 20 March 2018, 10:29
 

لم يعن المربون وعلماء التربية بمسألة اللعب إلا منذ زمان قريب فكان اللعب لا يتعدى في زمن الأقدمين بالنسبة للأطفال والشبان غير طور التلهي وصرف الفائض من النشاط الجثماني. وقد كانوا يعلمون أن الإدمان على الدرس وصرف الساعات المتواصلة في التحصيل يتعب الأعصاب ويكد العقل وأنه لا بد من صرف أوقات في التلهي واللعب لإعادة القوى المفقودة بالمجهودات العقلية إلى حالها الأولى. هذه الحقيقة أصبحت الآن عامة بين الناس فليس فيهم من يهملها ولكن الذي ينظر إليه علم التربية (البيداغوجيا) هو موضوع آخر يتعالى عن عقول العامة. ذلك أن علم التربية يرى في اللعب الشرط الأساسي لإنماء القوى الجسدية والعقلية والأدبية. فأما من جهة ضرورته لإنماء القوى الجسدية فمما لا يختلف فيه اثنان فإنه لا شيء في العالم يستطيع أن يسير بالأعضاء نحو النمو غير اللعب الذي يقف له الطفل جميع قوى جسمه ويندفع فيه اندفاعا اضطراريا دافعا معه جميع مواهبه الجسدية والعقلية للحركة. وناهيك ما يكون وراء هذا من نمو مجموع تلك المواهب نموا متواصلا منتظما. ولكن الطفل إذا ترك ونفسه أكب على أنواع محدودة من اللعب لا تدفع جميع قواه للعمل معا فكان من الضروري للقائمين على تربيته وتكميل هدايته إلى أحسن وجوه اللعب على القواعد التي تقررت بين أئمة هذا الفن وهو ما يسمى بالجيمناستيك. ولقد نرى كثيرا من الآباء لحبهم أن يروا أبناءهم ناجحين في المدرسة يراقبونهم وقت فراغهم من الدروس فيضطرونهم لإعادة دروسهم أو لعمل واجباتهم المدرسية فيضرونهم بذلك ضررا عظيما جدا إذ يقفون حائلا بينهم وبين نموهم العقلي والجثماني فلا يتأدون إلا إلى عكس ما يطلبون. هذا فضلا عما يصابون به من شدة الانهماك من جمود القرائح، وقصر النظر وغير ذلك مما يؤثر أكبر تأثير على وجودهم المستقبل. فعلى هؤلاء الآباء بدل أن يقهروا أولادهم على ملازمة الدرس بعد ساعات المدرسة أن يقسروهم على اللعب في الهواء الطلق والرياضة في الجهات التي ترجع إليهم قواهم التي فقدوها في ساعات الدراسة. هذا خير وأبقى من قهرهم على متابعة العمل ليل نهار. هذا أثر اللعب في تنمية القوى الجسدية والعقلية معا أما أثره في تنمية القوى الأدبية فإن الألعاب تقتضي من الطفل أن يستخدم فيها إرادة ومهارة ودقة وحرارة وثباتا وغير ذلك فتنمو هذه الصفات فيه نموا مطردا ولا سيما إذا كانت الألعاب بين فريقين من التلاميذ كلعب الكرة فإنها تضطر كل فريق لأعمال جميع مواهبه السابقة للحصول على الفوز والغلب ولا شيء في العالم يمكنه أن يستجيش كل هذه القوى الأدبية في الأطفال ويحملها على النمو غير اللعب لأن مجرد النصائح لا يغني شيئا فإن قلت لابنك كن قوي الإرادة صلبا في عزيمتك، دقيقا في أعمالك، جريئا لنيل أغراضك، ما فقه منك أكثر ما تقول ولئن فقه لم يَعْدُ في نظره حد الكلام الفارغ الذي يدخل من إذن ويخرج من أخرى. ولكنك لو دفعته للعب الكرة مع فريق ضد فريق دفعته الفطرة رغم أنفه لاستخدام إرادته وعزيمته وقوته العضلية، وما أودع في جبلته من حيلة ومهارة وجرأة وبعد نظر الخ فلا ندري كيف يكره الآباء بعد هذا أن يروا أبناءهم يلعبون ويحبون أن يروهم منكبين ليل نهار على الدرس أو جامدين حيث هم لا يتحركون؟. ولقد فطر اللّه النفوس على اللعب لهذا الغرض فتراه عاما بين الأطفال والشبان وبين جميع الطوائف الحيوانية مما يثبت لك ببرهان محسوس أنه شرط أساسي في تنمية القوى وترقية المواهب.

» مسرد أساسي