1. حرب الاستقلال الأمريكية: 1775-1783م

1.1. أسباب الحرب

أسباب الثورة الأمريكية:

1-1- الاقتصادية والمالية:

- رغبة بريطانيا في جعل اقتصاد المستعمرات تابعا ومكمّلا للاقتصاد البريطاني؛ لذلك عمدت إلى إصدار مجموعة من القوانين، وفرض جملة من الضرائب المتنوعة والعالية، مثال ذلك القوانين التي تنظّم الملاحة البحرية،والتي صدرت ابتداء منذ عام 1645م،وكان الغرض منها تشجيع ودعم الملاحة البريطانية مقابل نظيرتها الأوربية (التنافس التجاري الأوربي)، عن طريق جعل نقل المواد التجارية الواردة إلى بريطانيا من حق السفن البريطانية وحدها.

- ضريبة الطوابع 1762: وتتمثّل في دفع رسوم عن طريق إلصاق طابع على المعاملات والمستندات القانونية والتجارية والجرائد والوثائق، تتراوح قيمتها بين 6 سنتات و6 جنيهات، ولقد قوبل هذا الإجراء بمقاومة عنيفة ورفض شديد من طرف المستوطنين، خاصة رجال الأعمال والمحامين، ورؤساء تحرير الصحف والمجلات، فألغيت هذه الضريبة سنة 1765م.

- قوانين ضبط الصادرات: ومنها قانون ضريبة العسل، التي فرضتها بريطانيا على المنتجات القادمة من جزر الهند الغربية (كانت تابعة لفرنسا)، فمنعت استيراد العسل الأسود (الدبس)، إلا من المناطق الواقعة تحت السيطرة البريطانية، مما أدّى إلى ارتفاع ثمنه واحتجاج الأمريكيين ضدّه؛ لأنّ العسل الأسود مادة مهمّة بالنسبة لهم في غذائهم، لا سيما خلال فصل الشتاء الذي يتميّز ببرده القارص.كما فرضت الحكومة البريطانية عدة ضرائب أخرى عالية النّسبة على النبيذ والحرير والبُن بموجب قانون السكر الصادر عام 1764م.

- قانون العملة 1764م: حيث مُنعت المستعمرات من إصدار أوراق نقدية؛ لأن ذلك يضرّ باقتصاد الدولة الأم، كما جعلت النقود المحلية المتداولة غير ذات قيمة، وغير صالحة لسداد الديون، وهو ما أثار سخط الأمريكيين، خاصة فئة التجار ( في فرجينيا وحدها قُدّرت الديون المستحق دفعها للتجار في بدايات الثورة بـمليون جنيه إسترليني، وهو مبلغ ضخم جدّا في ذلك الوقت).

- حاولت الحكومة البريطانية احتكار تجارة المستوطنات؛ كتجارة الشاي مثلا، فأصدرت قانون العملاء الذي يرخص لعملاء محددين بالتّحكم في هذه التجارة، إضافة إلى مجموعة من القوانين لمعاقبة المهرّبين، فضلا عن قانون حماية الدائنين، الذي يعطيهم حق سجن المدينين العاجزين عن سداد ديونهم.

- قوانين تاونشند Townshend 1767م: 'شارلي تاونشند' هو وزير المالية البريطاني، قام بفرض ضرائب على الورق والشاي والزجاج والرصاص المستورد، وقد أدرك الأمريكيون خطورة مثل هذه القرارات التي تحرمهم من أهم سلاح للضغط على البريطانيين.

- قامت الحكومة كذلك بإغراق الأسواق الأمريكية بتجارة الرقيق؛ لأنّ هذه التجارة تدرّ عليها أموالا طائلة، على الرغم من معارضة غالبية المستوطنين للاتّجار بالبشر، ونقصد المقيمين في الشمال تحديدا، ومسألة الرقيق ستكون سببا في الحرب الأهلية الأمريكية.

         كخلاصة للأسباب الاقتصادية والمالية، يمكن الجزم بأنّه كلما زادت المتاعب المالية للحكومة البريطانية- نتيجة الأعباء الثقيلة للحروب الكثيرة التي كانت تخوضها- ازدادت معها عملية فرض الضرائب وسَنّ القوانين الجائرة في المستعمرات، وهو ما ولّد شعورا عاما لدى المستوطنين بالظّلم والغُبن، خاصة عندما يرون منتجاتهم تصدّر إلى أوربا، وأموالهم تصرف في الوطن الأم دون الاهتمام بتحسين المرافق العامة في أمريكا. هذا الأمر أدى اتّساع هوّة الخلاف والشّقاق بين الطرفين، ثم اشتعال فتيل الشرارة الأولى للثورة الأمريكية.

1- 2- الأسباب السياسية والعسكرية:

- الروح الاستبدادية لملك بريطانيا جورج الثالث، منذ وصوله إلى العرش عام 1760م.

- ممارسة المستعمرات الثلاثة عشر لنوع من الحكم الذاتي، عن طريق المجالس التشريعية على سبيل المثال: حصلت مقاطعة فرجينيا عام 1619م على قرار بريطاني سمح لها بتشكيل أول مجلس تشريعي، وهو ما مكّن الأفراد المقيمين بها من تفادي تصرفات برلمان الدولة الأم؛ بفرض الضرائب وسنّ القوانين الجائرة. هذا الأمر جعل باقي سكان المستعمرات يطالبون بنصيبهم من الديمقراطية والحرية في تسيير شؤونهم الخاصة.

- الحروب الكثيرة التي كانت تخوضها بريطانيا في أوربا وخارجها، منها حرب الوراثة الاسبانية (1702-1713م)، حرب الوراثة النمساوية (1740-1748م) وحرب السبع سنوات (1756-1763م)، وتزامنها مع حروب أخرى لبريطانيا في القارة الأمريكية.

- مجيء رئيس الوزراء البريطاني 'جورج جرنفيل' إلى الحكم سنة 1763م، حيث كان المسؤول الأول عن وضع السياسات الجديدة قبل الملك، فأصدر "إعلان 1763" الذي اعتبر جبال "أليغني" حدًا فاصلاً بين المستوطنين البيض والهنود الحمر، كما نصّ أيضا على اعتبار الأراضي الغربية التي أخذتها بريطانيا من فرنسا واسبانيا بعد حرب السبع سنوات تابعة للتاج البريطاني، وهو ما حال دون استمرار النشاط التوسّعي للمستوطنين نحو الغرب، وعُدّ ضربة موجعة لآمالهم في استيطان القارة الأمريكية بأكملها. وقد عجّلت "مسألة الأراضي الغربية" هي الأخرى باندلاع الثورة الأمريكية.

- قانون كيبك 1774م: وبموجبه تمّ تنظيم الأراضي، وضمّ المناطق التي استولت عليها بريطانيا بعد حرب السبع سنوات إلى ممتلكات التاج البريطاني، ومثّل هو الآخر ضربة موجعة لآمال المستوطنين في التوسّع شمالا وغربا.

- مبدأ "لا ضريبة دون تمثيل": حيث نشبت أزمة سياسية، حينما أقرّ المجلس التشريعي لمستعمرة ماساشوست سنة 1765م؛ بأنّه ليس من حقّ البرلمان البريطاني فرض ضرائب على المستعمرات؛ لأنها غير ممثلة فيه بنواب، في حين كانت الحكومة البريطانية تعتبر المستوطنات الأمريكية تابعة للتاج، وبالتالي يشملها القانون الخاص بمستعمرات الإمبراطورية الأخرى.

1- 3- اجتماعيا ودينيا:

- ساد شعور لدى المستوطنين في العالم الجديد، بأنّهم يأتون في الدرجة الثانية من حيث الأهمية والمكانة الاجتماعية، بعد الإنجليز المقيمين في إنجلترا.

- هاجر الكثير من المستوطنين بحثا عن الحرية  في ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية، وهروبا من الاضطهاد الديني الذي تعرّضوا له في أوربا، وقد رأوا في سياسة بريطانيا بالمستعمرات دعما للكنيسة الأنجليكانية على حساب الفئات الدينية الأخرى.