3. المستعمرات الإنجليزية الثلاث عشر وتطورها

حتى سنة 1750م، توطّدت دعائم المستعمرات الثلاث عشر، وبنهاية القرن الثامن عشر، وقد تشكلت المستعمرات الثلاث عشر من أربعة قطاعات رئيسية:

- القطاع الأول: ضم مستعمرات نيو أنجلند، والتي احتوت مستوطنات إقليم "خليج ماساتشوست" و "رود آيلاند" و"كونكتيكت" و "نيوهافن" ثم "نيوهامبشير"، وكان سكانها من أصل إنجليزي صرف، وهم من تسمّوا بـــ "اليانكي"، وقد اعتزوا بأصلهم وكان أغلبهم من "البيوريتان".

- القطاع الثاني: احتوى المستعمرات الوسطى: "نيويورك"، "نيوجرسي"، "بنسلفانيا"، "ديلاوير" و"ماريلاند"، تميّز سكان هذا القطاع بالتسامح الديني، غير أنّهم كان أقلّ رقيا من سابقيهم، سكان هذه المستعمرات من "الكويكرز"، والألمان والاسكتلنديين والأيرلنديين والسود، وكانوا شديدي العداء لمبدأ الرق.

- القطاع الثالث: مثّل المستعمرات الجنوبية: "فرجينيا"،"كارولينا الشمالية" و"كارولينا الجنوبية" و"جورجيا"، وكانوا يحبذون استخدام الرقيق (نصف سكان فرجينيا من العبيد السود ، ما يقارب 225 ألف نسمة).

- القطاع الرابع: تكوّن على الشريط الساحلي، أو ما كان يُسمّى آنذاك "الريف الداخلي" أو "الحدود"، وعاش هناك قوم خشنون ذوو مظهر أمريكي قح، وامتد هذا القطاع من "مين" شمالا إلى "جورجيا" جنوبا.

تطوّر المستعمرات الإنجليزية:

         صار الأوربيون وخاصة الإنجليز يشكّلون أعداد كبيرة مقيمة ومستقرة في أمريكا الشمالية، ونقلوا معهم لغتهم وثقافتهم وحضارتهم الإنجليزية، حضارة جاهزة صنعوها خلال عصر النهضة الأوربية، وما كاد القرن الثامن عشر يشرف على الانتهاء، حتى كانت بريطانيا تسيطر تماما على ثلثي البلاد الأمريكية، وكانت تشكل قوة أوربية أساسية ومهمة في العالم الجديد، تفوّقت فيه على كل من اسبانيا والبرتغال وفرنسا والسويد وهولندا.

1- التطور السياسي: كان الاتجاه السائد في بريطانيا يسير نحو المركزية في حكم المستعمرات، على الرغم من ضعف ملوكها، وكان هناك ميل نحو تركيز السلطة في أقاليم الإمبراطورية بيد البرلمان البريطاني، لذلك أقرّت الحكومة البريطانية في مستعمراتها بأمريكا الشمالية، نظاما قائما على قواعد ثلاث هي: الحاكم، المجلس النيابي (التشريعي) والمجلس الاستشاري:

أ- الحاكم: يُعيّنه الملك ويعزله بقرار منه، وهو المسؤول عن رعاية شؤون الولاية والمحافظة على الأمن وإدارة القوات المسلحة المحلية.

ب- المجلس النيابي أو التمثيلي (التشريعي): يُنتخب من طرف الشعب من سكان الولاية (الرجال الأحرار فقط؛ أي حرمان العبيد والنساء من حقّ الانتخاب). مسؤوليته تقتصر على فرض الضرائب، ومراقبة الموظفين الحكوميين، وتقرير رواتبهم بما في ذلك راتب حاكم الولاية نفسه، وبمرور الوقت أصبح لهذا المجلس سلطة نافذة، كما مثّل رمزا للحكم الذاتي المبني على أساس ديمقراطي في ظل السيادة الإنجليزية. وأعطى للمستوطنين حق المطالبة بالمساواة مع الإنجليز المقيمين في الوطن الأم (إنجلترا).

ج- المجلس الاستشاري: مهمته مساعدة الحاكم ويضم 12 عضوا، هو عبارة عن سلطته استشارية في الولاية إلى جانب السلطة النيابية، وكانت له كذلك سلطة قضائية، كما كان للحاكم حق الاعتراض على قرارات كل من المجلسين النيابي والاستشاري في ولايته.

2- التطور الاقتصادي: اتّجه المستوطنون في البداية إلى العمل بالفلاحة، وكانت الزراعة هي النشاط الرئيسي مع تربية المواشي والصيد في مستعمرات الشمال. ثم مارس سكان المقاطعات الشمالية تحديدا؛  التجارة وصناعة السفن؛ التي تطوّرت حتى شكّلت ثلث سفن الأسطول البريطاني في القرن الثامن عشر الميلادي.

         بالنسبة لمستعمرات الجنوبية، ونظرا لكون المناخ رطبا وحارا، كان التركيز أكثر على زراعة الأرز والتبغ والقطن، وكانت اليد العاملة مُشكّلة أساسا من العبيد السود.

لقد شجّعت بريطانيا على تنمية اقتصاد المستعمرات حتى تتخلص من تبعيتها للدول الأوربية الأخرى في بعض المنتجات التي كانت تحتاجها، فقد كانت تستورد الخمور من فرنسا، والبهارات من البرتغال، والخشب من السويد، فعوّضت المستعمرات هذه المنتجات وبأسعار أقل من الأسعار الأوربية. وقد احتكرت الحكومة البريطانية تجارة المستوطنات (تجارة الشاي، تجارة الرقيق...) كما كانت تفرض الضرائب التي تراها مناسبة خاصة في فترة الحروب.

3- التطور الاجتماعي والثقافي: وصل عدد سكان المستعمرات الجديدة في منتصف القرن الثامن عشر إلى 1.5 مليون نسمة، ونظرا لتعدد أجناس المستوطنين وبالتالي تنوع لغاتهم، ظهرت مع مرور الوقت لهجة أمريكية إنجليزية، مزجت بكلمات من اللغات الأوربية الأخرى كالفرنسية والاسبانية والهولندية...ثقافيا، ظهرت جامعة هارفارد سنة 1636، وكان هدفها في البداية تخريج القسيسين (كلية دينية)، لكن أضحت فيما بعد جامعة حديثة لتدريس الآداب  في القارة الأمريكية.