2. ركن التراضي

فالتراضي إذن هو تطابق أو توافق إرادتين و المقصود بالإرادة في هذه الحالة الإرادة التي تتجه لإحداث أثر قانوني معين هو إنشاء الالتزام، و عليه سندرس هذا الركن من خلال تقسيمه إلى جزئين.

أولا: التعبير عن الإرادة

راينا ان التعاقد يتم عن طريق تعبير كل من المتعاقدين عن ارادته، و هذا التعبير قد يصدر عن الاصيل كما قد يصدر عن النائب.

  1. التعبير عن الارادة من طرف الاصيل

أ‌-       أن تكون الارادة جادة: يجب  لقيام العقد ان توجد الارادة لدى كل من طرفيه، و ذلك بأن يعي الشخص الامر الذي يقصده و يريده بمعنى ان تكون الارادة جادة، و على ذلك لا يعتد بارادة الهازل لأنه لم يقصد الالتزام كما لا يعتد بالايجاب او القبول الصادر عن الصبي أو المجنون لنقص او انعدام التمييز لديهما، و يلزم ان تتجه الارادة الى احداث اثر قانوني معين فلا عبرة بالارادة اذا اتجهت الى مجرد مسايرة الاداب و المجاملات كمن يدعو صديقه لتناول طعام او للركوب معه في السيارة.

ب‌-   طرق التعبير عن الارادة: تنص المادة 60 ق.م.ج على أن: " التعبير عن الارادة يكون باللفظ و بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفا كما يكون باتخاذ موقف لا يدع اي شك في دلالته على مقصود صاحبه.

   و يجوز أن يكون التعبير عن الارادة ضمنيا اذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا".

  من خلال قراءة نص المادة المذكورة أن نجد ان هناك طريقتين للتعبير عن الارادة الاولى هي التعبير الصريح و هو الذي يراد به الافصاح عن الارادة مباشرة فهو الكاشف لها بحسب المألوف من الناس. فقد يكون التعبير الصريح باللفظ اي باستعمال اللفظ المؤدي الى المعنى الذي تقصده الارادة، باي لغة كانت هذه الالفاظ شفاهة او كتابة ايا كان شكلها عرفية ام رسمية مكتوبة او مطبوعة سواء بصفة شخصية في صورة خطاب او برقية او كانت بصفة غير شخصية كاعلان او نشرة.

 و قد يكون التعبير عن الارادة بالاشارة المتداولة عرفا بين الناس كاشارة الاخرس و هز الراس عموديا دلالة على القبول او افقيا دلالة على الرفض.

 اما الصورة الثانية للتعبير عن الارادة فهي التعبير الضمني و الذي يقصد به الكشف عن الارادة بطريقة غير مباشرة، إذ لا نجد فيه وسيلة موضوعة ذاتيا للكشف عن ارادة قد اتجهت إلى معنى معين، و مثال ذلك بقاء المستأجر في العين المؤجرة بعد انقضاء عقد الايجار ففي هذا تعبير ضمني من المستأجر على تجديد عقد الايجار بنفس الشروط و البنود التي تضمنها العقد المنتهي.

  1. التعبير عن الارادة بوسطة نائب أو وكيل ( النيابة في التعاقد)

نظم المشرع الجزائري موضوع النيابة في التعاقد بنص المادة 73 ق.م.ج،  ففي هذه الصورة من التعبير عن الارادة نجد أن الذي يتقدم بالايجاب او القبول ليس هو صاحب الحق و إنما نائب عنه يتولى القيام بالاعمال  القانونية التي تنصرف اثارها الى الاصيل لا الى القائم بالتصرف القانوني ايالوكيل.

لذا يمكن تعريف النيابة بأنها حلول ارادة شخص( الوكيل) محل ارادة شخص اخر (الاصيل) في ابرام تصرف قانوني تنصرف اثاره الى الذمة الاصيل لا الى ذمة النائب.

و لكي تنتج النيابة اثرها في التعاقد ينبغي اجتماع ثلاثة شروط و هي:

-         حلول ارادة النائب محل ارادة الاصيل.

-         اجراء النائب للتصرف باسم الاصيل و لحسابه.

-         التزام النائب في ابرامه للتصرف القانوني حدود نيابته.

ثانيا: تطابق الارادتين

معنى تطابق الارادتين او توافقهما ان يقترن الايجاب بقبول مطابق له حتى ينعقد العقد.غير ان الايجاب و القبول قد يصدران عن شخصين يجمعهما مجلس واحد، و قد لا يجتمعان في ذات المجلس و هو ما يعرف بالتعاقد بين غائبين.

  1. التعاقد بين حاضرين   في مجلس العقد:

   المقصود بمجلس العقد المكان الذي يضم طرفي التصرف القانوني و لا يقصد بذلك المعنى المباشر للمكان و إنما الوقت الذي يبقى فيه طرفا العقد منشغلين بالتعاقد دون أن يصرفهما عن ذلك شاغل آخر. أما الفاصل اليسير و هو الذي لا يدل على الإعراض بحس بالعرف فإنه لا يضر.

 إن الغرض من وجود نظرية مجلس العقد هو أن يكون الايجاب و القبول في مجلس واحد لان اتحاد المجلس شرط في الانعقاد و الغرض منه تحديد المدة التي يصح فيها أن يفصل الايجاب عن القبول حتى يتمكن من عرص عليه الاجاب من المتعاقدين أن يتدبر أمره فيقبل أو يرفض الايجاب.

 و يترتب على نظرية مجلس العقد النتائج التالية:

-         أن يكون للمخاطب بالإيجاب خيار القبول إلى أن ينفض مجلس العقد.

-         أن يكون للموجب خيار الرجوع عن ايجابه حتى القبول أو انفضاض المجلس.

  1. التعاقد بين غائبين ( التعاقد بالمراسلة):

لا شك أن تطور الحياة في مختلف جوانبها و تشعب المصالح و انتشار وسائل الاتصال الحديثة قد جعل من السهولة بما كان اجراء اتصالات و ابرام عقود مع أشخاص أجانب أو مع آخرين لا يقطنون في نفس المكان، و السؤال المطروح في هذه الحالة هو متى ينتج التعبير عن الارادة اثره في التعاقد بين غائبين؟

لقد ظهرت عدة آراء و نظريات فقهية في هذا الشأن من بينها نظرية تصدير القبول بمعنى أنه و من تاريخ إعلان من وجه اليه الايجاب عن قبوله ينعقد العقد بغض النظر عن علم الموجب من عدمه، أما النظرية الثانية فهي نظرية وصول القبول إلى الموجب سواء علم له أم لم يعلم، أما النظرية الثالثة و هي الأكثر انتشارا من طرف المشرعين و من بينهم المشرع الجزائري في نص المادة61 ق.م.ج فهي نظرية العلم بالقبول و التي ترى أن العقد لا ينعقد بإعلان القبول و لا بوصوله للموجب و إنما من تاريخ علم الموجب بقبول من وجه اليه الايجاب فإذا كان تاريخ 10 فيفري 2017 هو تاريخ وصول البريد إلى موطن الموجب غير أن هذا الاخير لم يطلع عليه الا بتاريخ 1 مارس 2017 فإن التاريخ الاخير هو الذي ينعقد فيه العقد.

 غير أن المشرع الجزائري جعل وصول القبول بمثابة قرينة على العلم به و لكنها قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس.