أركان العقد

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: مصادر الالتزام-
Livre: أركان العقد
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Friday 3 May 2024, 21:37

Description

لا يكون العقد صحيحا و منتجا لآثاره إلا إذا اجتمعت فيه الأركان و شروط الصحة معا، فبتخلف أحد الأركان يكون العقد باطلا بطلانا مطلقا و لا يرتب أي أثر، أما إذا تخلف شرط من شروط الصحة فإن الجزاء هو قابلية العقد للإبطال متى تمسك به من تقرر الإبطال لمصلحته، و عليه سنتناول هذا المبحث في مطلبين نخصص الأول لأركان العقد بينما نعالج في الثاني شروط صحته. 

1. تمهيد

تنص المادة 59 ق.م.ج على أنه: " يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية".

و يظهر من استقراء نص المادة أن التراضي هو الركن الوحيد للعقد، و الركن هو ما به قوام الشيء الذي لا يتحقق و لا يوجد إلا به و التراضي ينصرف إلى إنشاء الالتزام، و للالتزام ركنان هما المحل و السبب غير أن غالبية شراح القانون المدني يتجاوزون عن هذا التسلسل المنطقي في تحليل العقد و يعتبرون أن المحل و السبب ركنين من أركان العقد على أساس أن عدم توافرهما يؤدي إلى بطلان الالتزام و بطلان الالتزام يستتبع بطلان التراضي و بالتالي بطلان العقد.

و على ذلك سوف نتناول اركان العقد في فروع ثلاثة نخصص الأول للتراضي و الثاني للمحل بينما الثالث نخصصه للسبب.

 

2. ركن التراضي

فالتراضي إذن هو تطابق أو توافق إرادتين و المقصود بالإرادة في هذه الحالة الإرادة التي تتجه لإحداث أثر قانوني معين هو إنشاء الالتزام، و عليه سندرس هذا الركن من خلال تقسيمه إلى جزئين.

أولا: التعبير عن الإرادة

راينا ان التعاقد يتم عن طريق تعبير كل من المتعاقدين عن ارادته، و هذا التعبير قد يصدر عن الاصيل كما قد يصدر عن النائب.

  1. التعبير عن الارادة من طرف الاصيل

أ‌-       أن تكون الارادة جادة: يجب  لقيام العقد ان توجد الارادة لدى كل من طرفيه، و ذلك بأن يعي الشخص الامر الذي يقصده و يريده بمعنى ان تكون الارادة جادة، و على ذلك لا يعتد بارادة الهازل لأنه لم يقصد الالتزام كما لا يعتد بالايجاب او القبول الصادر عن الصبي أو المجنون لنقص او انعدام التمييز لديهما، و يلزم ان تتجه الارادة الى احداث اثر قانوني معين فلا عبرة بالارادة اذا اتجهت الى مجرد مسايرة الاداب و المجاملات كمن يدعو صديقه لتناول طعام او للركوب معه في السيارة.

ب‌-   طرق التعبير عن الارادة: تنص المادة 60 ق.م.ج على أن: " التعبير عن الارادة يكون باللفظ و بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفا كما يكون باتخاذ موقف لا يدع اي شك في دلالته على مقصود صاحبه.

   و يجوز أن يكون التعبير عن الارادة ضمنيا اذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا".

  من خلال قراءة نص المادة المذكورة أن نجد ان هناك طريقتين للتعبير عن الارادة الاولى هي التعبير الصريح و هو الذي يراد به الافصاح عن الارادة مباشرة فهو الكاشف لها بحسب المألوف من الناس. فقد يكون التعبير الصريح باللفظ اي باستعمال اللفظ المؤدي الى المعنى الذي تقصده الارادة، باي لغة كانت هذه الالفاظ شفاهة او كتابة ايا كان شكلها عرفية ام رسمية مكتوبة او مطبوعة سواء بصفة شخصية في صورة خطاب او برقية او كانت بصفة غير شخصية كاعلان او نشرة.

 و قد يكون التعبير عن الارادة بالاشارة المتداولة عرفا بين الناس كاشارة الاخرس و هز الراس عموديا دلالة على القبول او افقيا دلالة على الرفض.

 اما الصورة الثانية للتعبير عن الارادة فهي التعبير الضمني و الذي يقصد به الكشف عن الارادة بطريقة غير مباشرة، إذ لا نجد فيه وسيلة موضوعة ذاتيا للكشف عن ارادة قد اتجهت إلى معنى معين، و مثال ذلك بقاء المستأجر في العين المؤجرة بعد انقضاء عقد الايجار ففي هذا تعبير ضمني من المستأجر على تجديد عقد الايجار بنفس الشروط و البنود التي تضمنها العقد المنتهي.

  1. التعبير عن الارادة بوسطة نائب أو وكيل ( النيابة في التعاقد)

نظم المشرع الجزائري موضوع النيابة في التعاقد بنص المادة 73 ق.م.ج،  ففي هذه الصورة من التعبير عن الارادة نجد أن الذي يتقدم بالايجاب او القبول ليس هو صاحب الحق و إنما نائب عنه يتولى القيام بالاعمال  القانونية التي تنصرف اثارها الى الاصيل لا الى القائم بالتصرف القانوني ايالوكيل.

لذا يمكن تعريف النيابة بأنها حلول ارادة شخص( الوكيل) محل ارادة شخص اخر (الاصيل) في ابرام تصرف قانوني تنصرف اثاره الى الذمة الاصيل لا الى ذمة النائب.

و لكي تنتج النيابة اثرها في التعاقد ينبغي اجتماع ثلاثة شروط و هي:

-         حلول ارادة النائب محل ارادة الاصيل.

-         اجراء النائب للتصرف باسم الاصيل و لحسابه.

-         التزام النائب في ابرامه للتصرف القانوني حدود نيابته.

ثانيا: تطابق الارادتين

معنى تطابق الارادتين او توافقهما ان يقترن الايجاب بقبول مطابق له حتى ينعقد العقد.غير ان الايجاب و القبول قد يصدران عن شخصين يجمعهما مجلس واحد، و قد لا يجتمعان في ذات المجلس و هو ما يعرف بالتعاقد بين غائبين.

  1. التعاقد بين حاضرين   في مجلس العقد:

   المقصود بمجلس العقد المكان الذي يضم طرفي التصرف القانوني و لا يقصد بذلك المعنى المباشر للمكان و إنما الوقت الذي يبقى فيه طرفا العقد منشغلين بالتعاقد دون أن يصرفهما عن ذلك شاغل آخر. أما الفاصل اليسير و هو الذي لا يدل على الإعراض بحس بالعرف فإنه لا يضر.

 إن الغرض من وجود نظرية مجلس العقد هو أن يكون الايجاب و القبول في مجلس واحد لان اتحاد المجلس شرط في الانعقاد و الغرض منه تحديد المدة التي يصح فيها أن يفصل الايجاب عن القبول حتى يتمكن من عرص عليه الاجاب من المتعاقدين أن يتدبر أمره فيقبل أو يرفض الايجاب.

 و يترتب على نظرية مجلس العقد النتائج التالية:

-         أن يكون للمخاطب بالإيجاب خيار القبول إلى أن ينفض مجلس العقد.

-         أن يكون للموجب خيار الرجوع عن ايجابه حتى القبول أو انفضاض المجلس.

  1. التعاقد بين غائبين ( التعاقد بالمراسلة):

لا شك أن تطور الحياة في مختلف جوانبها و تشعب المصالح و انتشار وسائل الاتصال الحديثة قد جعل من السهولة بما كان اجراء اتصالات و ابرام عقود مع أشخاص أجانب أو مع آخرين لا يقطنون في نفس المكان، و السؤال المطروح في هذه الحالة هو متى ينتج التعبير عن الارادة اثره في التعاقد بين غائبين؟

لقد ظهرت عدة آراء و نظريات فقهية في هذا الشأن من بينها نظرية تصدير القبول بمعنى أنه و من تاريخ إعلان من وجه اليه الايجاب عن قبوله ينعقد العقد بغض النظر عن علم الموجب من عدمه، أما النظرية الثانية فهي نظرية وصول القبول إلى الموجب سواء علم له أم لم يعلم، أما النظرية الثالثة و هي الأكثر انتشارا من طرف المشرعين و من بينهم المشرع الجزائري في نص المادة61 ق.م.ج فهي نظرية العلم بالقبول و التي ترى أن العقد لا ينعقد بإعلان القبول و لا بوصوله للموجب و إنما من تاريخ علم الموجب بقبول من وجه اليه الايجاب فإذا كان تاريخ 10 فيفري 2017 هو تاريخ وصول البريد إلى موطن الموجب غير أن هذا الاخير لم يطلع عليه الا بتاريخ 1 مارس 2017 فإن التاريخ الاخير هو الذي ينعقد فيه العقد.

 غير أن المشرع الجزائري جعل وصول القبول بمثابة قرينة على العلم به و لكنها قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس.

3. ركن السبب

نظم المشرع الجزائري السبب في المادتين 96 و 97 ق.م.ج غير أنه أخلط بين سبب الالتزام و سبب العقد حيث ذكر لفظ " سبب الالتزام " بدلا من " سبب العقد" ،لذلك ينبغي علينا أولا التمييز بين سبب الالتزام و سبب العقد، فسبب الالتزام يتمثل في الغرض الذي يقصد الملتزم الوصول اليه من وراء التزامه، فالبائع يلتزم بنقل ملكية المبيع و تسليمه للمشتري رغبة منه في الحصول على الثمن.و يلتزم المشتري بدفع الثمن بهدف الحصول على المبيع.

 أما سبب العقد فهو الباعث الدافع إلى التعاقد أي الغرض الذي حمل المتعاقد على إبرام التصرف القانوني، و هو أمر شخصي يختلف من شخص إلى آخر، فالمستأجر يبرم عقد إيجار الشقة لباعث معين قد يكون السكن أو مكتب مهني أو تجاري أو ممارسة نشاط غير مشروع.

و يلزم لقيام العقد صحيحا أن يكون السبب مشروعا أي متفقا مع نصوص القانون الآمرة و النظام العام و الآداب العامة، و يكون السبب غير مشروع إذا كان غير ذلك، و يترتب عبى عدم مشروعية السبب عدم مشروعية العقد ذاته فالعقد الذي يكون سببه غير مشروع يكون عقدا باطلا بطلانا مطلقا.

و الواقع أن اشتراط مشروعية العقد هو الضابط لتقدير مدى اتفاق العقد مع النظام العام و الاداب العامة و يغني ذلك عن اشتراط مشروعية سبب الالتزام، لأن هذا السبب قدي كون بصفة عامة مشروعا ، و من الصعب أن يتصف في حد ذاته بعدم المشروعية، فالتزام البائع بنقل الملكية و تسليم المبيع و التزام المشتري بدفع الثمن هو دائما أمر مشروع، لذا يجب الاعتداد بالبواعث التي دفعت إلى التعاقد فتلك الدوافع هي التي يمكن أن تتصف بالمشروعية أو عدم المشروعية.

    من خلال دراستنا لأركان العقد نستخلص أنه لا وجود و لا قوام للعقد إلا باجتماع الأركان الثلاثة و هي التراضي و المحل و السبب بمعنى أن تخلف أحد هذه الأركان أو اختلاله يؤدي إلى بطلان العقد بطلانا مطلقا و التالي لا يرتب أي أثر.

4. ركن المحل

إن محل العقد هو العملية القانونية التي يراد تحقيقها من ورائه،و تتحقق هذه العملية من مجموع ما يرتبه من التزامات على عاتق طرفيه، فمحل عقد البيع هو نقل الملكية للمشتري في مقابل الثمن، و محل عقد الايجار هو تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة في مقابل الأجرة.

 و هناك محل الالتزام و يتمثل في الأمر الذي يلتزم المدين القيام به لصالح الدائن أي الآداء الذي يتعهد به.مثال التزام البائع بعدم التعرض للمشتري أو التزامه بضمان العيوب الخفية...إلخ.

 و لكي يعتد بالمحل كموضوع للعقد ينبغي توافر الشروط التالية:

أولا:أن يكون المحل ممكنا و موجودا أو قابلا للوجود:

إذا كان محل الالتزام عملا او امتناعا عن عمل وجب أن يكون هذا العمل أو هذا الامتناع ممكنا. و قد ينصب العمل محل الالتزام على شيئ من الأشياء، هنا يجب أن يكون هذا الشيء موجودا أو قابلا للوجود حتى يمكن القيام بهذا العمل، و إذا كان محل الالتزام نقل حق عيني حتى يمكن القيام بعملية نقل هذا الحق العيني.

و معنى أن يكون المحل ممكنا هو إمكانية تنفيذه و القيام به، أما إذا كان مستحيلا فالعقد باطل بطلانا مطلقا ذلك أن الالتزام لا ينشأ أصلا و لا ينعقد العقد، ذلك أن الالتزام هو تكليف المدين بالقيام بعمل معين و لا يمكن تكليف أحد بالمستحيل.

أما المقصود بالوجود فهو أنه إذا كان محل نقل حق عيني أو شخصي وجب أن يكون هذا الشيئ موجودا أو قابلا للوجود في المستقبل.فالمحل لا يكون ممكنا إلا إذا كان موجودا أو سيوجد في المستقبل. و عدم وجود المحل يمنع قيام العقد أو بطلانه بطلانا مطلقا و لا يترتب عليه أي أثر، و لا يؤثر في ذلك علم المتعاقدين من عدمه، و يكون المحل موجودا إذا لم يوجد أصلا أو وجد ثم هلك أو تلف كليا قبل إبرام العقد.

أما الشيء القابل للوجود فهو ما لم يوجد وقت إبرام العقد لكن إمكانية وجوده قائمة وقت التنفيذ، و هذا النوع من المحل مما يجوز التعامل فيه و يصح أن يكون محلا لمختلف التصرفات القانونية بشرط أن يكون هذا الشيئ المستقبلي محقق الوجود مثلما تقضي به صراحة المادة 92 ق.م.ج.

ثانيا: أن يكون المحل معينا أو قابلا للتعيين

يجب أن يكو ن المحل معينا أو قابلا للتعيين و إلا كان باطلا بطلانا مطلقا، و سبب ذلك أن عدم التعيين يؤدي إلى عدم تلاقي الإرادتين أي انعدام التراضي.

1-     المحل المعين: الأصل أن يتم تعيين المحل صراحة، و تختلف طريقة التعيين بحسب نوع المحل سواء أكان عمل أو شيئ.

 فإذا كان محل الالتزام عملا أو امتناعا عن عمل وجب تعيين ماهيته و طبيعته و مداه كتعهد صانع بصناعة شيئ معين خلال مدة معينة و بمواصفات معينة.

و إذا كان العمل ينصب على شيئ من الأشياء فلا بد من تعيينه، كالتزام البائع بنقل ملكية المبيع فإن تعيين ماهية الشيء يختلف باختلاف طبيعته فإذا كان قيميا فإن تعيينه يكون بالذات أي بتعيين الأوصاف الذاتية التي تميزه عن غيره، فالأراضي مثلا يكون تعيينها ببيان موقعها و حدودها و مساحتها، أما الأشياء المثلية فيتم تعيينها ببيان نوعها و مقدارها و درجة جودتها.

2-     أن يكون المحل قابلا للتعيين:

في هذه الصورة لا يكون المحل معينا بطريقة مباشرة و لكن الأطرف يضمنون العقد أسسا يتم على ضوئها تعيين المحل، كما قد يعهد تعيين المحل للغير، فيجوز في عقد البيع مثلا عدم تجديد الثمن مع الاتفاق على بيان أسس تحديده كالإحالة على سعر السوق في تاريخ معين أو تفويض طرف آخر في ذلك.

و قد يتولى القانون أسس تعيين المحل أو الجهة المنوط بها في حالة عدم الاتفاق على ذلك، و مثال ذلك وضع المشرع لضوابط تحديد أجرة العامل  في حالة عدم الاتفاق عليها في عقد العمل.

ثالثا: أن يكون المحل مشروعا

و يكون المحل غير مشروع إذا كان مخالفا للقانون أو النظام العام أو الآداب العامة .فإذا كان هذا المحل عملا أو امتناعا عن عمل وجب أن يكون هذا العمل أو الامتناع مشروعا، و مناط عدم مشروعية العمل يكمن في مخالفته للنظام العام او الاداب العامة او النصوص الامرة للقانون، و مثال ذلك الاتفاقات المتعلقة بالقتل او اتلاف املاك الغير او المتاجرة بالمخدرات.

و اذا كاان محل الالتزام نقل حق عيني وجب ان يكون الشيء الذي يرد عليه الحق داخلا في دائرة التعامل اي الاشياء التي يباح التعامل فيها، فاذا كان القانون يمنع التعامل في الشيء المتصل بالالتزام فان العقد يبطل بطلانا مطلقا لعدم مشروعية المحل.