1. المطلب الاول:الفئات العامة المشمولة بالحماية

1-     الجرحى والمرضى والغرقى

إكتفت أول معاهدة متعددة الأطراف تتصل بموضوعنا وهي إتفاقية جنيف لعام 1864 بتحسين حال العسكريين الجرحى في جيوش الميدان ( أو القوات البرية)وإثر مراجعتها عام 1906 أضيف المرضى إلى عنوانها وهو ما إحتفظت به معاهدة 1929 ومعاهدة 1949 الأولى المعمول بها حاليا ، وتطورت أحكام الجرحى والمرضى تطورا ملحوظا نلمسه في مضمون المادة الثامنة من البروتوكول الأول لسنة 1977 حيث نصت فقرتها (ا) على أن الجرحى والمرضى هم الأشخاص العسكريون أو المدنيون الذين يحتاجون إلى مساعدة أو رعاية طبية بسبب الصدمة أو المرض أو أي إضطراب أو عجز بدني كان أو عقلي ، الذين يحجمون عن أي عمل عدائي .وتشمل اللفظتان أيضا حالات الوضع

والأطفال حديثي الولادة والأشخاص الآخرين الذين قد يحتاجون إلى مساعدة أو رعاية طبية عاجلة مثل ذوي العاهات وأولات الأحمال الذين يجمحون عن أي عمل عدائي .

02- وحول ضحايا الحرب البحرية نلاحظ أن مؤتمر لاهاي الأول للسلام (1899) أقر إتفاقية لملائمة الحرب البحرية لقواعد إتفاقية جنيف لعام 1864 وحلت محل إتفاقية لاهاي الثالثة إتفاقية لاهاي العاشرة التي أبرمت خلال مؤتمر السلام الثاني (1907) وإثر المؤتمر الدبلوماسي المنعقد بجنيف عام 1949 وأقرت الإتفاقية الثانية لتحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى التابعين للقوات البحرية .وبموجب الفقرة (ب) من المادة الثامنة من البروتوكول الأول لسنة 1977 فالمقصود بالغرقى  أو النمكوبين في البحار هم الأشخاص العسكريون أو المدنيون الذين يتعرضون للخطر في البحار أو أية مياه أخرى نتيجة لما يصيبهم أو يصيب السفينة التي تقلهم من نكبات والذين يحجمون عن أي عمل عدائي ، ويستمر إعتبار هؤولاء الأشخاص المكوبين في البحار أثناء إنقاذهم إلى أن يحصلوا على وضع آخر بمقتضى الإتفاقيات أو البروتوكول وذلك بشرط إستممرارهم في الأحجام عن أي عمل عدائي.

03- ويشمل تعريفا الفقرتين (أ) و(ب) المذكورتين العسكريين)، وهذا أعم من الإتفاقيتين الأولى(تحسين حال الجرحى والمرضى والغرقي العسكريين)، وهذا يقع تقديم الحالة الصحية على الصفة القانونية لكل من العسكري والمدني، وتهدف الحماية العامة الواردة في الباب الثاني من البروتوكول الأول( المواد 08-34) إلى تحيين حالة جميع الجرحى والمرضى والغرقي او منكوبي البحار أو أي مياه أخرى الذين تصيبهم آثار النزاعات المسلحة دون أي تمييز مجحف بسبب اللون او الجنس او الدين أو العقيدة او الرأي السياسي أو غير السياسي او الإنتماء الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو المولد او أي وضع أخرا أي معايير أخرى ممثالة، وهذا تأكيد لمبدأ عدم التمييز الذي تسند إليه مواثيق القانون الدولي الإنساني في مجملها،واتفاقيات جنيف بالخصوص.ولا بد من الإشارة إلى شرط الأحجام عن القيام بأي عمل عدائي أي عن المشاركة في العمليات أو الأعمال الحربية، وتحييد المصابين في الحروب  مبدأ قديم كرسته إتفاقية جنيف لعام 1864، سواء سلموا إلى المراكز المتقدمة للخصم أو أعيدوا إلى بلادهم مباشرة وأوجبت تلك الإتفاقية على الأطراف المتحاربة بسط الحياد المطلق على عمليات إجلاء المصابيين والموظفين المشرفين عليها.

04- يقتضي هدف تحسين حالة الأشخاص المتقدم ذكرهم الإحترام والحماية في جميع الأحوال. والقاعدة ذاتها منصوص عليها في القانون الدولي المتعلق بالنزاعات المسلحة الداخلية.ونحن نفهم الإحترام والحماية من منطلق صيانة تامة فهذان المطلبان لا يمكن تحقيقهما دون حفظ شرف أي شخص له الحق في الحماية القانونية وحفظ كرامته وسلامته العقلية والجسدية في جميع الظروف، أي سواء كان مقيد الحرية لأي سبب من الأسباب أو تحت الإشراف الطبي أو في أرض العدو أو الأرض المحتلة على سبيل المثال.

2-   أسرى الحرب

إن الأسرة ظاهرة ملازمة لجميع الحروب قديمها وحديثها ويرتبط نظام الأسرة في القانون الدولي الحديث بوضع المقاتل، إذا يجب أن تتوفر في هذا الأخير شروط

محددة لخوض غمار المعارك والحصول على معاملة أسير الحرب إذا وقع بأيدي العدو ولا بد من معرفة المقاتل حتى نتمكن من تعريف أسير الحرب.

01-المقاتلون:  سعى قانون لاهاي (1899-1907) إلى التوفيق بين نظريتين كانتا تتجاذبان تحديد وضع المقاتل في أوربا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فمن جهة يتلخص موقف الدول الكبيرة في حصر المقاتلين في أفراد القوات المسلحة النظامية، ومن جهة أخرى حرصت الدول الصغيرة على توسيع النطاق القانوني حتى يشمل جميع أفراد المقاومة أيضا.وكان تعارض الموقفين سببا من أسباب فشل محاولات التدوين السابقة للائحة لاهاي حول الحرب البرية الصادرة عام 1899 والمعدلة في 1907 وبعدها ذهب قانون جنيف إلى ما هو أبعد وأشمل منها.

وتقضي لائحة لاهاي بأن أفراد القوات النظامية ( الجيش عموما، سواء العامل أو الاحتياطي ) لهم الحق في صفة مقاتل. ولعناصر المليشيات والوحدات المتطوعة تلك الصفة أيضا على أن تتوفر فيهم أربعة شروط هي:

01- قيادة شخص مسؤول عن مرؤوسيه.

02- علامة مميزة تعرف عن بعد.

03- حمل سلاح بشكل ظاهر.

04- إحترام فوانيين الحرب وأعرافها.

كما تمنع صفة المقاتلين لسكان الأرض غير المحتلة   بعد الذين يقومون في وجه العدو المداهم في هبة جماهيرية أو نفير عام، شرط أن يخملوا السلاح بشكل ظاهر ويحترمون قوانين الحرب وأعرافها. أما غير المقاتلين الذين ينتمون إلى القوات المسلحة مثل مراسلي الحرب والقائمين بالتموين الذين يقعون في قبضة الخصم، يعتبرون أسرى حرب بشرط أن تكون لهم بطاقة شخصية مسلمة من السلطة العسكرية التي يتبعونها.

02- تعريف أسرى الحرب في إطار قانون جنيف:

أبقت إتفاقية جنيف الثانية لعام 1929 وهي أول إتفاقية من إتفاقيات قانون الحرب تخصص فقرات كاملة لمعاملة أسرى الحرب على ما جاء في المواد الثلاث الأولى من لائحة لاهاي وأضافت إليها جميع الأشخاص في القوات المسلحة للأطراف المتنازعة الذين يقعون من قبضة الخصم أثناء العمليات الحربية البحرية أو الجوية كما أبقت الإتفاقية ذاتها على صيغة المادة 13 من لائحة ىهاي على حالها( غير المقاتلين الذين يتبعون القوات المسلحة).وإقتناء بتوسيع مفهوم المقاتل الذي قبلت به الدول، وبالخصوص إثر الإنتهاكات الخطرة المرتكبة خلال حروب الثلاثينات والحرب العالمية الثانية، سعى واضعو إتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 إلى توسيع مفهوم أسير الحرب، وحددت مادتها الرابعة الفئات الست التالية:

1-أفراد القوات المسلحة والمليشيات أو الوحدات المتطوعة الأخرى التي تشكل جزء منهما.

        2-أفراد المليشيات والوحدات المتطوعة الأخرى وعناصر المقاومة المنظمة الذين ينتمون إلى   

         أطراف النزاع سواء كانوا خارج أرضهم أم داخلها، وسواء أرضهم محتلة أم لا، على أن تتوفر في      

     جميع هؤلاء الأشخاص الشروط التقليدية الأربعة(قيادة مسؤولة وعلامة مميزة وسلاح ظاهر ومراعاة أحكام الحرب وأعرافها).

    3-أفراد القوات النظامية لحكومة أو سلطة لا تعترف الدولة الحاجزة بها.

    4-العناصر التي تتبع القوات المسلحة دون أن تكون مباشرة جزء منها مثل المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطيران الحرب، ومراسلي الحرب والقائمين بالتموين والمكلفين برفاة القوات المسلحة شرط أن يحمل هؤلاء جميعا ترخيصا مسلما من طرف القوات التي يتبعونها.

    5-عناصر أطقم البحرية التجارية والطيران المدني الأطراف النزاع ومن ضمنهم النوتية والقادة ومساعدهم إذا لم تكن لهم معاملة أفضل بموجب أحكام القانون الدولي الأخرى.

    6-أهالي الأرض التي لم يقع أحتلالها بعد  الذين يهبون في وجه العدو المداهم أو ينفرون نفيرا عاما على أن يراعوا الشرطين الثالث والرابع (حمل سلاح بشكل ظاهر وإحترام قوانين الحرب وأعرافها).

      وتضيف الإتفاقية الثالثة فئتين أخريين لهما الحق في معاملة أسير الحرب وليس في الصفة القانونية لأسير الحرب ما:

     1-الأشخاص الذين تعيد سلطات الإحتلال إعتقالهم( وبع أن كانت أفرجت عنهم) بينما لا تزال العمليات الحربية قائمة خارج الأرص المحتلة وذلك لضروريات تعتبرها ملحة خصوصا بعد محاولة فاشلة منهم للإلتحاق بقواتهم المحاربة أو رفضهم الانصياع لأمر اعتقالهم.

     2-الأشخاص المذكورون آنفا في المادة الرابعة الذين يلتحقون بأرض طرف محايد أو غير محارب ويتم إيواؤهم من طرف وفق القانون الدولي.

وتذكرنا الفقرة الأخيرةبإيواء الأسرى في بلد محايد ويتعين عليه إذا ما قبل على أرضه أسرى فارين أن يتركهم أحرارا ، لكن بإمكانه تحديد أماكن إقامتهم حسب قانون لاهاي ، ويمكن إيواء أسرى الحرب الذين تستوجب حالتهم الصحية ذلك في بلد محايد كما يمكن للدولة الحاجزة الإتفاق مع دولة محايدة لحجز الأسرى في أراضي هذه الأخيرة حتى أنتهاء عمليات القتال.

ولا يسع لاستعراض كل ما يتصل بالفئات المذكورة، لكن لا بد من الإشارة إلى أن المتطوعين قد يكونون من رعايا الدولة التي يتنمون إلى قواتها المسلحة أثناء النزاع ، وقد لا يكونون كذلك ، لكنهم أمام القانون الدولي سواء حسب إجهاد معهد القانون الدولي في قرار له صدر عام 1908 ، ولم يذكر فيه أولئك الذين يحاربون ضد بلادهم إلى جانب عدوه .مما يفهم معاقبتههم طبقا للقانون الجنائي لبلدهم الأصلي إذا وقعوا في قبضته .

نلاحظ أن المشرع الدولي إهتم بعناصر المقاومة المسلحة بعد المعاملة القاسية التي تعرض لها المقاومون إبان الحرب العلمية الثانية ، وإعدموا كمجرمين عاديين

كما إهتم بعناصر الحكومة أو السلطة التي لا تعترف بها الدولة الحاجزة ، ونذكر مثلا القوات النتابعة لحكومات المنفى المناهضة لألمانيا ، ومنها القوات الموالية للجنرال الفرنسي " ديغول " .

ورغم ما تميزت به المادة الرابعة من إتفاقية جنيف الثالثة من شمول ، فإن مقاتلي حروب التحرير الوطني ظلوا خارج إطار القواعد الدولية وضعت أصلا لتحكم علاقات عدائية بين الدول إلا إذا إستثنينا نظرية الإعتراف بصفة محارب والمادة الثالثة المشتركة لإتقاقيات جنيفغ لسنة 1949(المعاملة الإنسانية لضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية ) وقد تدارك البروتوكول الأول المضاف إلى هذه الإتفاقيات ذلك الفراغ .

انسجاما مع إضفاء النزاع المسلح الدولي على حروب التحرير الوطني، بموجب المادة الأولى الفقرة الرابعة من البروتوكول المذكور، فإن مقاتلي هذه الحروب يتمتعون بصفة المقاتل القانونية، وبحقهم في وضع أسير الحرب عند وقوعهم في قبضة الخصم إذا كان طرفا في البروتوكول الأول. طبقا لمادته 96، الفقرة الثالثة. وتكتسي المادتان 43-44 من هذا البروتوكول أهمية بارزة لضبطهما شروط تعريف المقاتل وتمييزه عن غيره. وتقتضي الصيغة الجديدة المعتمدة في المادة 43 بوجوب توفر شرطين في أية قوة أو وحدة أو مجموعة مسلحة وهما القيادة المسؤولة وإحترام قوانين الحرب وأعرافها، بينما المادة 44 على المقاتل حمل العلامة المميزة وحمل السلاح بشكل ظاهر، وخففت مقتضيات الشرطين بالنسبة لمقاتلي حروب التحرير مع التقيد بتمييز أنفسهم عن السكان المدنيين أثناء الاستعداد للهجوم ويتضمن القانون الدولي الإنساني قرينة صفة الأسير، فإذا حام الشك حول هذه الصفة فإنها أولى بالقبول ريثما تبت في المسألة محكمة مختصة.

03-مقاتلو النزاعات المسلحة الداخلية:

أشتملت المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف على مبدأ المعاملة الإنسانية لجميع الأشخاص الذين لا يشاركون مباشرة في

عمليات القتال أو الذين لم يعودوا قادرين على ذلك، ومن بينهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا السلاح بصورة جماعية أو فردية. وإتفاقيات جنيف في مجملها تقوم على مبدأ المعاملة الإنسانية، لكن هذا لا يعني أن لمقاتلي الحروب الحق في صفة أسير الحرب قانونا، بل يمكن لدولتهم أن تحاكمهم وفق قوانينها حتى وإن قاموا بمجرد حمل سلاح لكن عليها مراعاة الشروط والضمانات القضائية المتعارف عليها. فمقابل حقها في الملاحقة القضائية وتسليط العقاب القانوني عليها إحترام إجراء محاكمة عادلة، كما جاء في المادة الثالثة المشتركة. وقد عززها البروتوكول الثاني الإضافي إلى إتفاقيات جنيف سواء بالنسبة للضمانات القضائية أو لمختلف ظروف المعاملة الإنسانية اللاومة. وفضلا عن المبادئ الدستورية الأساسية تكفل مواثيق حقوق الإنسان الإقليمية والعالمية حتى المحاكمة العادلة.

وإذا وافقت أطراف النزاع على إعطاء أكثر مما اقتضته المادة الثالثة والبروتوكول الثاني كحد أدنى، كأن يعامل مقاتلو النزاعات المسلحة غير الدولية على غرار معاملة مقاتلي النزاعات الدولية، فإن حقوق أسرى الحرب تمتد إليهم. والإتفاقيات الخاصة بين الأطراف واردة وهي رهن إرادتها إلا إذا تعارضت مع القواعد الإنسانية المنصوص عليها

04-معاملة أسرى الحرب:

بناء على مبدأ المعاملة الإنسانية والقواعد المتفرقة عنه توجب الحماية والإحترام المنصوص عليهما في إتفاقيات جنيف أن يوفر أطراف النزاع لأسراهم الحد الأدنى من مقتضيات الحياة معنويا وماديا، منذ الوقوع في الأسر حتى انتهائه وتنظم اتفاقية جنيف الثالثة تفاصيل ممارسة أسرى الحرب لحقوقهم المعنوية والمادية. وبموجبها يحتفظ الأسير بالأهلية القانونية ويعامل الأسرى على قدم المساواة إلا إذا أقتضى الأمر معاملة خاصة بسبب السن أو الرتبة العسكرية أو الجنس أو الكفاءة المهنية،  لكن لا مجال للتمييز بين الأسرى على أساس عقائدي أو عرقي أو سياسي أو غير ذلك. وعند استجواب الأسير لا يكره على الإدلاء بمعلومات عسكرية مثلا بل يكتفي بالإفصاح عن هويته ورتبته، وتحفظ الأشياء التي أخذت منه عند وقوعه في الأسر وتعاد إليه عند عودته ما عدا السلاح فهو غنيمة حرب، ويجب نقل الأسرى إلى أماكن بعيدة عن مسرح العمليات وإتخاذ جميع الإحتياطات عند نقلهم والإمتناع عن تعويض حياتهم للخطر بوضعهم في مواقع ومناطق معنية لتحصينها من العمليات الحربية. وتلزم الإتفاقية الثالثة الأطراف المتحاربة بتوفير مايحتاجه الأسرى من دواء وعلاج ورياضة وأنشطة ترفيهية أخرى وخدمات روحية وعلى صعيد الحقوق المادية للأسير، تتكفل الدولة الحاجزة بالقيام بشؤون الأسرى دون مقابل من مأوى وغذاء وملبس ونظافة وصيانة وصحة عامة أو خاصة، وتراعى في ذلك الناحيتين الأمنية ( أمن الأسرى) والغذائية، إذ يجب إحترام عادات الأسرى وتقاليدهم وشعائرهم الدينية. ويحق للدولة الحاجزة تشغيل أسرى الحرب من غير الضباط لهؤلاء أن يعملوا بإختيارهم. وتحظر الأعمال الخطرة أو المهنية إلا إذا تطوع الأسير للقيام بعمل من هذا القبيل ويجب مراعاة فترات الراحة اليومية والأسبوعية والأجور الملائمة والمراقبة الطبية.وفي علاقات الأسرى بمحيطهم الخارجي فإن لهم الحق في الإتصال بأهلهم وذويهم أو بعض الجهات الأخرى كالمنظمات الإنسانية عبر الرسائل التي يبعثون بها أو يتلقونها والطرود البريدية الفردية أو الجماعية الموجهة إليهم أو التحويلات المالية منهم وإليهم.والمراسلات والطرود والتحويلات معفاة من الرسوم. لكنها تخضع للمراقبة العادية دون المساس بحقوق الأسرى ومنها إرسال المستندات القانونية و إستلامها.

ومهما كان نوع العلاقة القائمة بين الأسرى والدولة الحاجزة فهي مسؤولة عن حياتهم ومعاملتهم ولايجوز لها نقلهم خارج أراضيها إلا إذا إقتضت مصلحتهم ذلك، شرط أن تكون الدولة التي ينقلون إليها طرفا الإتفاقية الثالثة وقادرة على تطبيق أحكامها.ويمكن للأسرى توجيه شكاواهم ومطالبهم إاى السلطة المعنية . وينوبهم ممثلون منتخبون من قبلهم لدى سلطات الدولة الحاجزة أو الدولة الحامية ( أي الطرف المحايد الذي يتولى رعاية مصالح دولتهم في إطار إتفاقيات جنيف) إن وجدت، واللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أية منظمة إنسانية أخرى محايدة وإلى جانب الحقوق هناك واجبات على الأسرى التقيد بها . فهم يخضعون لقوانين لدولة الحاجزة ونظمها المظبقة على قواتها المسلحة. والقاعدة هي مساواتهم بأفراد هذه القوات مع مراعاة وضع الأسرى بصفتهم مواطني دولة أخرى، ويمكن عقابهم جزائيا أو تأديبيا وفق الإجراءات المتبعة و إحترامالميادئ القضائية والشروط المنصوص عليها في اللإتفاقية الثالثة بشأن مراحل التحقيق والمحاكمة والتنفيذ. وكفلت الإتفاقية حتى الدفاع والطعن إستأنافا أو ألتماس إعادة النظر في الحكم الصادر ضد الأسير.

5-إنتهاء الأسر:يعتبر القانون الدولي الإنساني حالة الأسر ظرفا مؤقتا ينتهي بإنتهاء العمليات الحربية وربما قبل ذلك في بعض الحالات.و بديهي أو الوفاة تنهي حالة الأسر، وتترتب عليها آثار قانونية لايمكن تجاهلها. وإذا نجح الأسيرفي الفرار فإنه يسترجع حريته، ويمكن أيضا إعادة الأسرى إلى بلادهم أو إيواؤهم في بلد محايد لأسباب صحية، وهذه حالة إنتهاء الأسر أثناء العمليات الحربية. أما الحالة الأهم فهي إعادتهم إلى أوطانهم بعد إنتهاء العمليات الحربية مباشرة.وليس هذا الموضوع سهلا كما يبدو للوهلة الأولى، رغم وضوح الإلتزامات التي حددتها الإتفاقية الثالثة. ولم تتناول هذه المعاهدة مسألة إكراه الأسرى على العودة أو البقاء حيث هم أو التوجه إلى طرف ثالث، وهذه الظاهرة تخللت الحروب القديمة والحديثة، ونذكر على سبيل أمثال الحرب الكورية في بداية الخمسينات من القرن العشرين والنزاعات اللاحقة مثل حروب الصين وفيتنام وإثيوبيا والصومال وإيران والعراق وليبيا وتشاد وغيرها. ونظرا للمخاطر الناجمة عن عدم إعادة الأسرى إلى بلادهم فور إنتهاء المعارك، وسعيا إلى ردع المتحاربين عن التمادي في تجاهل مبدأ إعادة الأسرى، إعتبر القانون الدولي الإنساني عي عداد جرائم الحرب كل تأخير لامبرر له في إعادة الأسرى إلى أوطانهم وكذلك الشأن بالنسبة إلى المدنيين.

-الفقرة الثالثة:المدنيون

يتأثر المدنيون بصورة أو بأخرى بعواقب النزاعات المسلحة، ولايحتاج الأمر إلى تحليل أو دراسة للإعتراف بما تسببه الحروب من خسائر في صفوف المدنيين وإذا كان من البديهي أن هؤلاء يجب أن يبقوا خارج دائرة المعارك، فإن النزاعات المعاصرة تتجه إاى عكس ذلك.ولم يتوصل القانون الدولي إلى معاجة أوضاع الفئة الأكثر تضررا بالحروب إلا عام 1949 عند إبرام إتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب، بعد أن إتضح ن لائحة لاهاي لم تكن كافية لضمان الحماية اللازمة، رغم موادها التي تناولت جوانب محدودة من العلاقة بين المحتمل وسكان الأرض المحتلة .وإلى جانب الإضافات الهامة التي وردت في البروتوكول الأول لسنة 1977 فيما يتصل بالإتفاقيات الثلاث الأخرى فإن الباب الرابع منه جاء تتمه للإتفاقية الرابعة.

1-تعريف المدنيين:

عرفت المادة 50 (1) من البروتوكول الأول المدنيين بأنهم الأشخاص الذين لاينتمون إلى القوات المسلحة على المعني المبين في الإتفاقية الثالثة، المادة (أ) 1-2-3-6 والمادة 43 من البروتوكول الأول.

ونصت الإتفاقية الرابعة على أنها تحمي الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل من الأشكال كان، في حالة قيام نزاع مسلح أو حالة إحتلال ، تحت سلطة طرف في النزاع ليس من رعاياه أو دولة إحتلال ليسوا من رعاياها. وهكذا فإن الجنسية هي المعيار المميز، لكن يمكن تصور وجود أشخاص بدون جنسية تحت سلطة طرف في النزاع، وبإعتبارهم من غير رعايا أطراف النزاع فإن الإتفاقية الرابعة تطبق عليهم أيضا، رغم أنها لاتذكر ذلك صراحة. وهناك نوع آخر من الأشخاص تسري عليهم أحكام الإتفاقية الرابعة رغم إنتماؤهم إلى دولة الاحتلال وهو أولاؤك الذين لجئوا إلى بلد قبل إحتلاله من طرفها، وهي حالة تختلف عن حالة اللاجئين من رعايا العدو لدى الدولة الحاجزة وعلى هذه الأخيرة ألا تعاملهم كأجانب أعداء لمجرد تبعيتهم القانونية لدولة معادية، فصفتهم كلاجئين أهم من الإعتبارات الأخرى.

وفي حالتي النزاع المسلح والإحتلاللاتسري أحكام الإتفاقية على رعايا دولة ليست طرفا فيها ( أي غير متعاقدة) ولارعايا دولة محايدة أو متحاربة طالما كان لها تمثيل دبلوماسي عادي لدى الدولة المتحاربة التي يوجدون تحت سلطتها ولا الأشخاص الذين تطبق عليهم إتفاقيات جنيف الثلاث الأخرى. وإذا لم يكن التمثيل الدبلوماسي عاديا فلا بد من سريان مفعواالإتفاقية وقد نجد في الواقع دولا متحاربة تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع العدو، لكنها علاقات غير طبيعية أو شكلية فقط، مما يوجب تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني ذات الصلة.

ويشمل مفهوم السكان المدنيين جميع الأشخاص المدنيين كما أوضحت المادة 50 (2) من البروتوكول الأول وفي حالة الشك تكون قرينة الصفة المدنية هي الأولى بالإتباع، حسب الجملة الأخيرة من الفقرة الأولى من المادة نفسها ولايجرد السكان المدنيون من تلك الصفة بسبب وجود أشخاص منعزلين بينهم لايستجيبون لشروط تعريف المدنيين، كما جاء في الفقرة الثالثة من المادة المذكورة. وطبقا للقاعدة الأساسية التي تضمنتها المادة 48 من البروتوكول الأول فإن أطراف النزاع ملزمون بإحترام التفرقة بين سكان المدنيين والمقاتلين من جهة الممتلكات أو الأعيان المدنية والأهداف العسكرية من جهة أخرى ، وعلى المتحاربين تبعا لذلك قصر علياتهم على الأهداف العسكرية .

هكذا يجب النظر إلى مفهوم المدنيين على أساس التأويل الواسع وداخل الإطار العام للمدنيين خصص القانون الدولي الإنساني مزايدا من العناية لفئات محددة كالنساء والأطفال واللاجئين وعديمي الجنسية والصحافيين ، وليس ذلك بسبب إنتفاء صفتهم المدنية وإنما تحسبا لما ينالهم من أعمال وتجاوزات أثناء الحروب ، وأقوى دليل على ماأفرزته نزاعات العقد الأخير من القرن العشرين. ورغم ماتخللها من فظائع وإنتهاكات كان العزل أولى وأكبر ضحاياها، لايسعنا إلبا التأكيد على مبدأحماية المدنيين وإحترامهم، وهو كما أسلفنا قاعدة صيانة حقوق الضحايا كافة.

-معاملة المدنيين :تحظر في جميع الحالات أعمال الإكراه والعقاب الجماعي والإنتقام و إحتجاز الرهائن وترحيل السكان، وحددت إتفاقية جنيف الرابعة أحكام معاملة الأجانب الموجودين في أراضي النزاع، ومنحهم حق مغادرة أرض العدو وتلقي مواد الإغاثة وممارسة الأعمال المسموح بها والإقامة كما بينت شروط الإعتقال وظروفه ونقل الأشخاص إلى أرضي دولة أخرى .

وفي الأراضي المحتلة حددت الإتفاقية بالتفصيل حقوق السكان التي لا يمكن النيل منها ،وواجبات دولة الاحتلال ، ومن المبادئ المستقرة في القانون الدولي أن الاحتلال لا يغير الوضع القانوني للأراضي المحتلة ، وكما ورد في لائحة لاهاي فإن الأرض تعتبر محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو، ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن ن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامه، وإذا إنتقلت سلطة القوة الشرعية بصورة فعلية إلى يد قوة الاحتلال يتعين على هذه الأخيرة، قدر الإمكان تحقيق الأمن والنظام العام وضمانه، مع إحترام القوانين السارية في البلاد، إلا في حالت الضرورة القصوى التي تحول دون ذلك .

وتتشابه الأحكام المتعلقة بالإعتقال من بدايته إلى نهايته مع أحكام الإتفاقية الثالثة من حيث المعاملة بصورة عامة. وتخول اإتفاقية لأطراف النزاع إقاف الشخص الذي يكون محل شبهة جائزة وملاحقته ومحاكمته بسبب أعمال تمس امن الطرف المعني كما أن من يقترف التجسس أو التخريب في أرض محتلة أو يقوم بما يمس أمن دولة الاحتلال يمكن أن يفقد الحقوق المنصوص عليها .

وأيا كانت الظروف يجب أن يعامل الموقوف أو المعتقل طبقا لضمانات العدالة الواردة في الإتفاقية45 .ومع التشابه بين الإتفاقيتين الثالثة والرابعة، تجدر الإشارة إلى أن كل منهما مجالا خاصا ولا نجد في الإتفاقية الرابعة مواد تتصل بالرتب العسكرية .وتقتضي ظروف حياة السكان المدنيين تحت الاحتلال نظاما قانونيا مختلف بطبيعته عن الأحكام المتعلقة بحياة الأسى وإدارة شؤون معسكراتهم.

ولابد من إبراز أهمية المادة 75 من البروتكول الأول المتعلقة بالضمانات الأساسية الواجب توفيرها للأشخاص الذين يوجدون تحت سلطة أحد أطراف النزاع، ولا يتمتعون بالحماية المنصوص عليها بالإتفاقية أو مواد البروتكول الأخرى، وهي ضمانات لايمكن إهمال شأنها خاصة في المجال القضائي.

ولا يغفل القانون الدولي الإنساني شأن الأموات والمفقودين سواء فيمايخص تسجيلهم وتبادل المعومات عنهم أو في ما يتصل بالبحث عنهم وتمكين الأهل والأقارب من معرفة مصير أفرادها. وسواء تحدثنا عن المقاتلين أو المدنيين أو عن أراضي أطراف النزاع أو الأراضي المحتلة، فإن التسجيل والبحث يجب أن يتم بأقصى مايمكن من السرعة والشجاعة وتضطلع وكالة البحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر بدور كبير في جمع المعلومات ونقلها إلى من لهم الحق في ذلك،وهو دور يتمم ماأنيط باللجنة الدولية من مهام ميدانية تتمثل في زيارة أسرى الحرب والمعتقليين وتقديم العون والحماية الضروريين للضحايا.

ويشكل مقر اللجنة الدولية ووكالتها في جنيف محور جمع المعلومات عن ضحايا النزاعات المسلحة ونقلها.وهذا فضلا عن الدور الذي تقوم به الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر.

من خلال ما تقدم إستعرضنا مختلف أصناف الضحايا التي يهدف القانون الدولي للإنسان إلى تحقيق معاملتها وفق المعايير التي حددها ، ولا يمكن إدراك ذلك الهدف إلا بحماية من يتول القيام بالخدمات الإنسانية.

الفقرة الرابعة :موظفو الخدمات الإنسانية

نطلق تعبير الخدمات الإنسانية على جميع الأعمال الإنسانية التي يستفيد منها الأشخاص المحميون طبقا لقواعد القانون الدولي الإنساني ومنها ماهو معنوي وماهو مادي، وقد تععدت تلك الخدمات وتنوعت بالإضافة إلى أن القائمين بها أو المشرفين عليها لا يمثلون فريقا واحدا متجانسا، بل يتبعون منظمات وهيئات مختلفة مع ما يحمل ذلك من تشعب.وخلط أحيانا. وحسب الإطار المحدد في مواثيق القانون الدولي الإنساني،سنذكر الفئات التالية: موظفي الخدمات الطبية والروحية و أفراد جمعيات الإغاثة التطوعية وأفراد الدفاع المدني ونضيف أيضا موظفي الأمم المتحدة.

   1-موظفو الخدمات الطبية و الروحية:

ينقسم موظفو الخدمات الطبية أو أفرادها إلى ثلاثة أقسام تشمل:

- المتفرغين تماما للبحث عن الجرحى والمرضى والغرقى أو نقلهم أو معالجتهم.

- المتفرغين تماما لإدارة الوحدات والمنشآت الطبية.

- العسكريين المدربين خصيصا للعمل عند الحاجة كممرضين أو مساعدي حاملي الناقلات، والقيام بالبحث عن الجرحى والمرضى والغرقى أو نقلهم ومعالجتهم.

أما موظفو الخدمات الروحية فإنهم ملحقون بالقوات المسلحة ولايشترط فيهم أن يكونوا متفرغين تماما أو جزئيا لمساعدة الجرحى والمرضى روحيا لأن عملهم كتابعين للقوات المسلحة يشمل أفرادها كافة. ولابد من رابطة قانونية مع الجيش كما يجب أن تكون العلاقة رسمية بين المتطوعين الروحيين والقوات المسلحة،حتى تتوفر لهم حماية الإتفاقيات.

2-أفراد جمعيات الإغاثة التطوعية:

يجب أن نذكر في مقدمة هؤلاء أفراد الجمعيات الوطنية للهلال الأحمر والصليب الأحمر العاملين وفق الشروط القانونية،وننوه بالحماية التي خصصت بها الشارة التي يحملونها.ويضاف إليهم أفراد جمعيات الإغاثة التابعة لبلد محايد الذين يقومون بالخدمات الإنسانية لفائدة أحد أطراف النزاع ويتمتعون بالضمانات الممنوحة لزملائهم التابعين لذلك الطرف على أن تتوفر لهم الشروط المطلوبة ومنها إبلاغ الطرف الآخر بمشاركتهم في أعمال الإغاثة التطوعية.

وتضطلع اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ إنشائها عام 1862 بمسؤولية كبرى في حماية ضحايا النزاعات المسلحة ومساعدتهم وقد نصت إتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافيان صراحة أو ضمنيا على أنشطة اللجنة الدولية زمن الحرب بصفتها مؤسسةإنسانية محايدة مستقلة أو كبديل عن الدول الحامية ولايمكن أن تقوم بعملها على الوجه المطلوب إلا بتوفر الحد الأدنى من الضمانات الأمنية للأفراد التابعين لها. وتحتاج اللجنة الدولية إلى معاضدة جميع الأطراف ومساعدتهم وكذلك مؤازرة مؤسسات الحركة الدولية للهلال الأحمر والصليب الأحمر وهي جمعيات الوطنية المشار إليها آنفا وإتحادالهيئة الإنسانية الدولية الأخرى التي ذكرت في مواثيق القانون الدولي الإنساني. ويتمثل دورها الأساسي في تنسيق برامج الجمعيات الوطنية والقيام بأعمال الإغاثة في حالات الكوارث الطبيعيةومشاكلها.أما عن الوضع القانوني لأفراد الخدمات الصحية والروحية والإغاثة التطوعية فنلاحظ أن أفراد الخدمات الطبية المتفرغين تماما للخدمات أو الإدارة الصحية وأفراد الفئتين الأخريين لايعتبرون أسرى حرب إذا وقعوا في قبضة العدو ويمكن إستبقاؤهم لديه للقيام بمساعدة أسرى الحرب صحيا وروحيا. ويختلف وضع العسكريين العاملين في الخدمات الصحية بصورة مؤقتة، إذ يعتبرون أسرى حرب عند وقوعهم في قبضة العدو حتى وإن قاموا بوظائف صحية عند الحاجة. وبخصوص أفراد جمعيات الإغاثة التابعين لدولة محايدة فلا يمكن إستبقاؤهم لدى طرف في النزاع يقعون في قبضته لأنهم محايدون أصلا وينتمون إلى جمعيات خاصة لا إلى قوات بلادهم.وأضاف البروتوكول الأول إلى موظفي الخدمات و الإدارة الطبية العاملين في تشغيل وسائل النقل الطبي أو إدارتها بصورة دائمة أو مؤقتة وجميع الأصناف المذكورة تشملها الحماية القانونية مهما كانت صفتهم مدنيين أوعسكريين،وكذلك الأمر بالنسبة إلى أفراد الخدمات الروحية.

ومجمل القول إن حصانة العاملين في المجال الإنساني أثناء النزاعات المسلحة تستند إلى حيادهم المطلق أي إمتناعهم عن القيام بأي عمل عدائي ولايعتبر عملهم تدخلا في النزاع بأي حال كما ذكرت المادة 27 من الإتفاقية الأولى صراحة.

وفي نطاق النزاعات المسلحة الداخلية تضمن البروتوكيل الثاني النص على إحترام الجرحى والمرضى والغرقى ورعايتهم وطبعا فإن ذلك لايتم إلا بحماية القائمين بالخدمات الدينية والطبية والوسائل المستخدمة لأداء مهماتهم.

3-موظفو الحماية المدنية/الدفاع المدني:

أ- ذكرت الحماية المدنية بصورة غير مباشرة في الإتفاقية الرابعة حيث نصت المادة63 على تمكين جمعيات الهلال الأحمر و الصليب الأحمر وجمعيات الإغاثة الأخرى من القيام بأنشطتها الإنسانية في الأراضي المحتلة،وإقتضت فقرتها الثانية أن تطبق المبادئ ذاتها على نشاط وموظفي الهيئات الخاصة التي ليس لها طابع عسكري، القائمة من قبل أو التي تنشأ لتأمين وسائل المعيشة للسكان المدنيين من خلال دعم خدمات المنفعة العامة الأساسية وتوزيع مواد الإغاثة ونتظيمالإنقاذ.وعكس البروتوكول الأول دور الدفاع المدني المتزايد في مساعدة المدنيين أثناء الحروب، فوضع له إطارا خاصا.

 

ب- بمقتضى المادة 61 (ج) من البروتوكول الأول فإن موظفي الدفاع المدني هم الأشخاص الذين يخصصهم أحد أطراف النزاع لتأدية المهمات الإنسانية الرامية لحماية السكان المدنيين من أخطار العمليات العدائية أو الكوارث وتساعدهم على تجاوز آثارها المباشرة وتوفر لهم الظروف اللازمة للبقاء.دون غيرها من المهام ومن بينهم الأفراد العاملون في إدارة أجهزة الدفاع المدني فقط.

وتمد حماية أفراد الدفاع المدني إلى أرض أطراف النزاع والأرض المحتلة وإلى المدنيين الذين يستجيبون لطلب السلطات ويشاركون تحت إشرافها في أعمال الدفاع المدني دون أي يكونوا جزء من أجهزتها.

وما دمنا بصدد الحديث عن هؤلاء الأفراد فلعل من المفيد التنبيه إلى وجود منظمة دولية مختصة ومقرها جنيف وهي المنظمة الدولية للدفاع المدني / الحماية المدنية. علما بأن البروتوكول الأول أشار إلى هيئات دولية مختصة في مجال الحماية المدنية.

والمبدأ العام لحماية المدنيين الذي يشترط الإمتناع عن القيام بأعمال عدائية يطبق على موظفي الدفاع المدني ووسائل عملهم ولاتعتبر أعمالهم المدنية ضارة بالعدو، حتى إذا تمت تحت إشراف أو إدارة سلطة عسكرية ولاالتعاون بينهم وبين العسكريين في أعمال الحماية المدنية أوإلحاق عسكريين بأجهزتها أو إنتفاع بعض الضحايا العسكريين بخدمات الدفاع المدني عرضيا خاصة إذا أصبحوا عاجزين عن القتال. ويجوز لموظفي الحماية المدنية حمل أسلحة شخصية خفيفة حتى لايقع الخلط بينهم وبين المقاتلين.وإذا كان تنظيمهم على النمط العسكري أو كان عملهم إجباريا فإن ذلك لايفقدهم حقهم في الحماية القانونية.

ج- إن موظفي الدفاع المدني أشخاص مدنيون ويحتفظون بصفتهم تلك أما العسكريون الملحقون بهم فإن لهم الحق في الحماية المنصوص عليها وفق شروط محددة منها القيام بأعمال الدفاع المدني دون سواه وفي التراب الوطني لطرف النزاع. وإذ وقعو في قبضة العدو يصبحون أسرى حرب. وإذا إحتلت الأرض التي يعملون بها فيمكن أن يقوموا بأعمال الدفاع المدني لفائدة السكان فقط. مع إحتفاظهم بصفة أسرى الحرب بأعتبار صفتهم العسكرية الأصلية. والدفاع المدني شارة حماية دولية تضمنها البروتوكول الأول أيضا.

4-موظفو الأمم المتحدة والأفراد المرتبطون بها:

مع تزايد دور الأمم المتحدة في مختلف نزاعات العالم بادرت بعض الدول إلى تبني فكرة معاهدة تعني بحماية موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها. وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 49 إتفاقية بشأن سلامتهم.ولاتنطبق هذه المعاهدة على أية عملية للأمم المتحدة يأذن بها مجلس الأمن كإجراء من إجراءات الإنقاذ بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ويشارك فيها أي من الأفراد كمقاتلين ضد قوات مسلحة منظمة وينطبق عليها قانون النزاعات المسلحة الدولية. وتضمنت مادتها العشرون شروطا وقائية يتعلق أولها بعدم المساس بتطبيق القانون الدولي الإنساني ومعايير حقوق الإنسان المعترف بها عالميا. وفي هذا السياق نشير إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أصدر بمناسبة الذكرى الخمسين لاتفاقيات جنيف تعليمات توجيهه بتاريخ 10/08/1999 تحت عنوان إحترام القانون الدولي الإنساني من قبل قوات الأمم المتحدة،ونأمل أن نكون دعما للضمانات التي كفلها هذا القانون للأشخاص المحميين كافة.

الخاتمة: تتعالى الأصوات المنددة بانتهاكات القانون الدولي الإنساني في الحروب الحديثة والحالية، وقد بينا الشأو البعيد الذي بلغه هذا القانون في بسط حمايته على الأشخاص المعرضين لأضرار الحرب. ولايكفي شحب الإنتهاكاتوإستنكارها بل على جميع الأطراف المتعاقدة والمتحاربة منها خاصة إحترامالإلتزامات القانونية التي قبلت بها.ومن المعلوم أن الجرائم الخطرة المرتبكة أثناء الحروب يجب أن تكون موضع ملاحقة ومحاكمة لكن هذا لايعفي الأطراف المعاقدة إتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية لأن تجربة الحروب أثبتت أن تدارك الأمور قبل فوات الأوان أحق أن يتبع و إذا كانت الإنتهاكات صارخة بالغة الخطورة شديدة الأذى فإن تمسك بالأحكام المتفق عليها عالميا ضروري لمواجهة آثار خرقها وإنتهاكها وإلا فإن الحديث عن إحترام الأشخاص المحميين يصبح ضربا من العبث.