1. المطلب الاول:النزاعات المسلحة الدولية و غير الدولية:

الفرع الاول: النزاع المسلح الدولي:

    نصت الاتفاقيات الأربع في مادتها الثانية المشتركة على انها: ((تطبق في حالة الحرب المعلنة او أي نزاع مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الإطراف السامية المتعاقدة حتى وإن لم يعترف أحدهما بحالة الحرب)).

 فهذا النص صاغ بوضوح معيار اعتبار نزاع ما دوليا بكونه بين دولتين أو اكثر، وإذا لم تكن إحدى دول النزاع طرفا في اتفاقيات جنيف فإن الدول الأطراف فيها تبقى ملتزمة بها في علاقتها المتبادلة، كما أنها تلتزم بالاتفاقيات إذا قبلت الدولة غير الطرف أحكامها وطبقتها.

وتتعلق الفقرة الثانية من ذات المادة بالاحتلال ، وهو يدخل ضمن إطار النزاع المسلح الدولي أيا كانت مدته أو مداه وسواء كانت هناك  مقاومة أم فإن الإتفاقيات تطبق في حالات الإحتلال الذي صاغت الإتفاقية الرابعة أهم أحكامه.

وقد أكدت المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول الخاص بالنزاعات المسلحة الدولية  هذه الأحكام في فقرتها الثانية وأضافت في فقرتها الرابعة حكما هاما عندما نصت على انطباق اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول على : " النزاعات المسلحة التي تناضل الشعوب بها ضد التسلط الإستعماري والإحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير ، كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية بين الدول طبقا لميثاق الأمم المتحدة " وبهذا النص أمكن تكييف حروب التحرير كنزاعات دولية وكان ذلك مطلبا قديما .نجحت شعوب الدول المستعمرة ودول العالم الثالث في إدراجه على الرغم من صعوبة المناقشات والمفاوضات التي أحاطت بهذا البند في أثناء المؤتمر الدبلوماسي .

الفرع الثاني: النزاع المسلح غير الدولي :  

واقع الأمر أن إصطلاح النزاعات المسلحة غير الدولية ينصرف كقاعدة عامة ،إلى النزاعات المسلحة الت تثور داخل حدود إقليم الدولة ، وكان القانون الدولي العام قد إستقر في شأن بيان القانون واجب التطبيق على تلك النزاعات على الإحالة إلى القانون الداخلي للدولة التي نشب النزاع على إقليمها .

 وكان من شأن تزايد النزاعات المسلحة غير الدولية أن لحقها قدر من التنظيم الدولي يمكننا رصده من خلال المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع ثم من خلال البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 والخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية .

أ‌-      تعريف النزاع المسلح غير الدولي في إتفاقيات جنيف لعام 1949 : 

كان مؤدي إبرام إتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 إخضاع النزاع غير الدولي إلى الحد الأدنى من مقتضيات الإنسانية بقوة القانون وبمقتضى أحكام المادة الثالثة المشتركة بين هذه الإتفاقيات .

  وقد أوردت المادة الثالثة في حملتها الأولى عبارة : (( النزاع المسلح الذي ليس له طابع دولي )) والذي يقع في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة ولم تضع تعريفا للنزاع المسلح غير الدولي بل انطلقت من كونه ظاهرة موضوعية . ولكن يمكننا القول بإيجاز أنه استقر على تعريفات بأنها تلك النزاعات التي تخوض فيها القوات المسلحة لدولة ما مواجهة مسلحة مع فئة أو بعض الفئات داخل التراب الوطني .

  ولقد حاول العديد من مندوبي الدول المشاركة في المؤتمر الدبلوماسي عام 1949 تحديد بعض العناصر والمعايير الخاصة بالنزاع غير الدولي لإدراجها في تعريف محدد . ولكن الصيغة النهائية للمادة جاءت خلو هذا التعريف .ومع ذلك ورد في شرح تلك المادة الصادر عن اللجنة  الدولية للصليب الأحمر عدة معايير أخذت في الإعتبار تلك العناصر والمداولات التي أثيرت أثناء مؤتمر عام 1949 لتكييف النزاع المسلح غير الدولي .

وأخيرا نشير إلى أن الفقرة الرابعة من المادة الثالثة نصت صراحة على أن تطبيق القواعد الإنسانية في النزاعات غير الدولية لا يؤثر بأي حال على الوضع القانوني لأطراف النزاع ، ونجد بالتالي إعادة تأكيد القاعدة القديمة القاضية بإحترام سيادة الدولة التي يقع النزاععلى أرضها .ورغم أهمية هذا ومواكيته جميع الحروب الداخلية منذ الخمسينات وحتى اليوم فإنه لم يكن كافيا لتغطية جميع الجوانب الإنسانية لتلك النزاعات ، ولذلك صيغت أحكام جديدة في البروتوكول الإصافي القاني لعام 1977.

ب تعريف النزاعات غير الدولية في البروتوكول الثاني لعام 1977 :   

جاء هذا البروتوكول مكملا للمادة الثالثة المشتركة ونص صراحة على أنه يطبق في الحالات التي لا تشملها النزاعات الدولية وإنما يطبق في النزاعات المسلحة التي تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى وتمارس تحت قيادة مسؤولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسرية متواصلة ومنسقة وتستطيع تنفيذ هذا البروتوكول .

   وهكذا نجد أن المادةالأولى من البروتوكول الإضافي الثاني أبقت على المادة الثالثة المشتركة ودون المساس بشروط تطبيقها .

الخلاصة : أساس ومكمن التمييز بين النزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة غير الدولية لإنطباق قواعد القانون الدولي الإنساني .

لأغراض إنطباق أحكام القانون الدولي الإنساني هناك طائفتان من النزاعات المسلحة : فهناك من جانب النزاعات المسلحة الدولية التي تقابلها النزاعات المسلحة غير دولية .وقد تناولنا فيما سلف بالبيان تلك الطائفتين من النزاعات المسلحة : من حيث ماهية كل منهما .ومن حيث القواعد القانونية واجبة الإنطباق في شأنهما .وهو الأمر الذي تبين معه أن جملة القانون الدولي للنزاعات المسلحة الدولية وما يستتبعه من مبادئ للقانون الدولي الإنساني في مجملها ، قد إنصرفت فحسب في مواجهة تلك النزاعات المسلحة الدولية التي تمثلت أطرافها بصفة خاصة في الدول وحركات التحرر الوطنية بمناسبة نضالها من أجل الإضطلاع بحق تقرير المصير بحيث لم تنطبق في مواجهة النزاعات المسلحة غير الدولية إلا فحسب تلك المبادئ التي تضمنتها المادة الثالثة المشتركة بين إتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977. 

ومكمن التمييز هنا يرجع إلى أن القانون الدولي كان ينظر في جوهر الشخصية القانونية الدولية ذاتها ، وبالتالي فإن القانون الدولي الإنساني كان ينطبق في مواجهة أشخاص القانون الدولي العام وهي الدول وحدها .وكان ذلك راجع إلى أن "مبدا سيادة الدولة" الذي كان يخضع النزاع المسلح الدولي بحسب الأصل إلى القانون الداخلي للدولة حتى بدء التنظيم الدولي للنزاعات المسلحة غير الدولية بالمادة الثالثة المشتركة لإتفاقيات عام

1949 والبروتوكول الإضافي لعام 1977.

    وكان من شأن هذه التفرقة التقليدية التي أخذت بها هذه الإتفاقيات وبروتوكوليها الإضافيين أن إقتصر تعريف وتحديد "الإنتهاكات الجسمية" وهي جرائم الحرب على تلك الإنتهاكات التي ترتكب أثناء النزاع المسلح الدولي.

ولكن في السنوات الأخيرة ظهرت الحاجة إلى ضرورة تأثيم الإنتهاكات التي ترتكب في زمن النزاع المسلح غير الدولي وكانت المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقا قد منحت للمحكم صراحة صلاحية النظر في الجرائم ضد الإنسانية عندما تقترف في أثناء نزاع مسلح ذي طابع دولي أو داخلي ، وتوجه ضد سكان مدنيين.وجاء النظام السياسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي جرى إعتاده عام 1998 بالنص صراحة على معاقبة  جرائم الحرب سواء في النزاعات المسلحة الدولية أو غير دولية .وهذا التقارب مرده ما أسفرت عنه النزاعات المسلحة غير الدولية في يوغوسلافيا السابقة ورواندا من مآس فاقت العديد من النزاعات المسلحة الدولية .

ويبقى في النهاية أن نشير إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهي المنظمة الإنسانية التي تضطلع برعاية إنطباق أحكام القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة ، تملك إختصاصات أصيلة في الإتفاقيات والبروتوكول الإضافي الأول تمارسها بقوة القانون دون التوقف على إرادة الدول اطراف النزاع المسلح الدولي .أما في حالة النزاع المسلح الدولي .أما في حالة النزاع المسلح غير الدولي فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تبادر بعرض خدماتها على الدولة التي يجري النزاع على أرضها ولحكومة تلك الدولة أن توافق على مبادرة اللجنة الدولية أو أن ترفضها .