3. المطلب الثالث: العلاقة بين القانون الدولي الانساني و قانون حقوق الانسان :

مع تزايد النداء بمبادئ حقوق الانسان في الآونة الاخيرة و تزايد الصراعات و من ثم النداء بتطبيق  مبادئ القانون الدولي الإنساني حدث نوع من الخلط و الغموض عند الكثير بين هذين الفرعين القانونين . و يلزمنا نحن كعاملين بالجنة الدولية للصليب الاحمر تقدم شرح بسيط و واضح في هذا الشأن .

1-     مقدمة و تعريف :

ان القانون الدولي الانساني و القانون الدولي لحقوق الانسان لهم اساس واحد مشترك و هو في الاصل حماية الانسان ، و لكنهما يمثلان فرعين قانونيين مستقلين من افرع القانون الدولي العام .

فالقانون الدولي الانساني : هو القانون الذي ينطبق في زمن النزاعات المسلحة سواء الدولية او الداخلية و لذلك يستحسن تسميته بقانون النزاعات المسلحة و هو يشمل من ناحية على القواعد الخاصة بحماية ضحايا النزاعات او ما يسمى "قانون جنيف" و من ناحية اخرى القواعد الخاصة باساليب و وسائل القتال او ما يسمى " قانون لاهاي" و هما القانونان الذان دمجا و تم تحديثهما الى حد بعيد في البروتوكولين الاضافيين لعام 1977 و الذين بدا العمل بهما اعتبارا من عام 1978 .

اما منظومة قانون حقوق الانسان فهي تعمل على ضمان حق كل فرد في ان تحترم حقوقهو حرياته و حياته سواء المدنية او السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية او بمعنى اخر تكون معنية بضمان حقوق الفرد و حرياته ضد اي تعسف لسلطات دولته. تلك الحقوق و الحريات وردت في معظم دساتير الدول على مختلف الاصعدة الوطنيةلوضع قواعد تحكم علاقة الفرد بالدولة . ولكن مايعنينا في هذا المقام قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان بمعنى القواعد الدولية المستقرة و المتعارف عليها و التي يجب على الدول ان تسهر على تطبيقها على الاصعدة الوطنية.

فهذا القانون يعترف بالفرد كاحد اشخاص القانون الدولي، تلك التي كانت قاصرة الى وقت قريب على الدول، و هذا الاتجاه بدامع الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 ثم في العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية عام 1966 من ناحية اخرى.

  خلاصة القول اذن ان احكام القانون الدولي الانساني معينة باحترام و كفالة انطباق القوانين الاساسية الخاصة بضحايا النزاعات المسلحة. فهو قانون خاص مرهون بظروف النزاع المسلح .

اما القانون الدولي لحقوق الانسان فهو معني بالتقدم المستمر للفرد، و الذي لا يمكن ان يتحقق بداءة الا في زمن السلم . و من جهة اخرى فان هناك نقاط التقاء و نقاط اختلاف بين الفرعين يتمثلان في المصادر و اليات الرقابة و من حيث نطاق الرقابة .

اولا : المصادر

ا-مصادر و تطور القانون الدولي الانساني

كما ذكرنا في الفصل الاول من هذه فان اول بدايات للقانون الدولي الانساني في العصر الحديث نتجت عن مبادرة هنري دونان في كتابه تذكار سولفرينو و هي اتفاقية جنيف لعام 1864 و الخاصة بحماية الجرحى في الميدان . و كان ذلك اثر ما شاهده من ماس اثناء موقعة سولفرينو. و جدير بالذكر ان احكام القانون الدولي الانساني ترتبط في تطورها بمثل تلك الماسي التي حدثت في سولفرينو، فمع كل ماساة انسانية في النزاعات المسلحة كانت الحاجة تظهر لتطوير احكام هذا القانون.

لذلك قيل ان قواعد القانون الدولي الانساني كانت دائما متاخرة بحرب فموقعة ليسا البحرية عام 1866 دفعتنا الى اتفاقية حماية الجرحى و الغرقى في البحار لعام 1899 و التي تم تعديلها عام 1907 و الحرب العالمية الاولى اظهرت الحاجة الى حماية اسرى الحرب و هي الاتفاقية الثانية لعام 1929 و الحرب العالمية الثانية جعلت مراجعة احكام القانون الدولي الانساني و تعديلها امرا  ضروريا و من ثم خطونا خطوة جديدة في مجال حماية المدنيين موضوع لاوضاع ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية باقرار المادة 03 المشتركة بين الاتفاقيات الاربع .

 كذلك كان الامر بالنسبة للبروتوكولين الاضافيين لعام 1977 و التي اظهرت الحاجة خلال السنوات التي سبقتهما الى ان الحماية المقررة في اتفاقيات 1949 لم تكن كافية سواء بالنسبة للاشخاص كما حدث في فيتنام و انجولا و زيمبابوي او فيما يتعلق بوسائل و اساليب القتال .

و هكذا و على عدة مراحل طوال اكثر من قرن من الزمان اتسعت دائرة الاشخاص المحميين باحكام القانون الدولي الانساني لتشمل الحمايات كافة الاشخاص الذين لا يشاركون في القتال او الذين كفوا عن المشاركة فيه.

و بذلك اقترب النظام القانوني للحماية في القانون الدولي الانساني من نظام الحماية المقرر وفقا للقانون الدولي لحقوق الانسان الذي يشمل جميع الافراد دون تمييز .

         ب-مصادر و تطور حقوق الانسان:

حقوق الانسان كقواعد قانونية ظهرتبداياتها قانونية ظهرت بداياتها في القرن السابع عشر في القوانين الداخلية،و نذكر على سبيل المثال في انجليترا عريضة الحقوق لعام 1628 "reght of petition"و قانون الاعلام القضائي لعام 1979 "habeas corpus act". و في عام 1689 ميثاق الحقوق "bill of rights" و لكن كان باستطاعة البرلمان الانجليزي ان يبطل هذه الحقوق و لذلك لم تعتبر حقوقا اساسية او من حقوق الانسان كما ننظر اليها اليوم .و لكنها كانت البداية في النظر الى الفرد بصفته و منحه عدة ضمانات لوضع حدود لسلطة الدولة و تعسفها .

 كذلك يمكننا رصد بداية للتعبيرات الاولى عن حقوق الانسان في الوثائق المختلفة التي اصدرتها عدد من دول امريكا الشمالية قرب نهاية القرن التاسع عشر و على راسها ميثاق الحقوق الصادر في فرجينيا عام 1776 و اعلان استقلال الولايات المتحدة الصادر في نفس العام و ايضا في الاعلان الفرنسي لحقوق الانسان و حقوق المواطن الصادر في عام 1789

و في القرن التاسع عشر، اخذت دساتير الدول تتضمن بشكل متزايد تصريحات عن الحقوق الاساسية،و تتضمن القوانين الدستورية الان في كل الدول تقريبا مثل هذه الضمانات .

و لكن حتى قيام الحرب العالمية الثانية لم تكن توجد ضمانات دولية من هذا النوع، هذا اذا ما استثنينا بعض الاتفاقيات الدولية الخاصة بجوانب معينة من حقوق الانسان مثل حظر الرق او حماية الاقليات.

و كانت النقلة الفعلية لتلك القواعد على الصعيد الدولي مع صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اتمدته الامم المتحدة عام 1948 و لكونه يمثل قيمة معنوية ، عملت الامم المتحدة على صياغة مبادئه في اطار ملزم قانونا فعملت على تحرير عهدين ثم اعتمادهما سنة 1966 و دخلا حيز النفاذ بعد ذلك بعشر سنوات اي عام 1976 الاول و هو العهد الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و الثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.

ثم تعددت بعد ذلك الاتفاقيات الاقليمية الخاصة  بحقوق الانسان ونذكر منها على سبيل المثال الاتفاقية الاروبية لحقوق الانسان و الاتفاقية الامريكية لحقوق النسان و الميثاق الافريقي لحقوق الانسان .

و يجب ان نلاحظ في ختام هذا العرض التاريخي شيئا هاما و هو العلاقة بين حقوق الانسان و القوانين الداخلية او بمعنى اخر اليات الالتزام بهذه القواعد في القوانين الداخلية هو السبب في في ان الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الانسان حظيت بتصديق عدد من البلدان يقل عن العدد الذي صادق على اتفاقيات جنيف .

ففي عام 1978 كانت هناك 52 دولة منظمة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و 54 دولة منظمة للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية مقابل 145 منظمة الى اتفاقيات جنيف .

و في منتصف الثمانيات ارتفع عدد الدول المصدقة على العهد الاول الى 61 دولة و على العهد الثاني الى 63 دولة .

و في نهاية عام 1999 وفقا لاحصائيات الامم المتحدة ان الدول المنظمة للعهد الاول الخاص بالحقوق المدنية و السياسية 144 دولة و للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية 141 دولة .

على حين نجد ان عدد الدول الاطراف في اتفاقيات جنيف 188 دولة .

ثانيا : العلاقة بين القانون الدولي الانساني و حقوق الانسان بعد الحرب العالمية الثانية

كان الراي السائد في المم المتحدة في اول الامر هو ان مجرد مناقشة قانون الحرب بين جدرانها سوف يهز ثقة العالم في مدى قدرتها على حفظ السلام. و لذلك قررت لجنة القانون الدولي بالامم المتحدة في دورتها الاولى المنعقدة عام 1949 ، الاتدرج قانون الحرب بين الموضوعات التي سوف نتناولها . كما ان الاعلان العالمي الصادر عام 1948 لم يشر في اي من نصوصه الى مسالة احترام حقوق الانسان في النزاعات المسلحة . كما ان اتفاقيات جنيف الصادرة عام 1949 لم تتضمن اية اشارة لحقوق الانسان .

و بغير قصد قامت علاقة بين هذين الفرعين من فروع القانون الدولي . فمن جهة يمكننا ملاحظة اتجاه مميز لاتفاقيات جنيف لعام 1949 لاعتبار احكامها لا كالتزامات على الاطراف السامية المتعاقدة فقط بل هي ايضا حقوق فردية للاشخاص المحميين . و في الاتفاقيات الربع توجد مادة تنص على انه لا يجوز للاشخاص المحميين ان يتنازلوا  عن الحقوق المكفولة لهم بموجب هذه الاتفاقيات ( المادة 07 المشتركة في التفاقياتالولى و الثانية و الثالثة و المادة 08 من الاتفاقية الرابعة )  و بالاضافة الى ذلك نجد المادة 03 المشتلاكة بين الاتفاقيات الاربع تلزم الاطراف المعنية بان تطبق كحد ادنى بعض القواعد الانسانية في اي نزاع مسلح ليست له طبيعة دولية . و هكذا فهي تحدد العلاقات بين الدول و مواطنيها ، و بالتالي فهي تتداخل مع الدائرة التقليدية لحقوق الانسان .

و يجدر بنا ان نلاحظ ايضا ان تاثيرحلركة حقوق الانسان هو الذي ادى الى استعمال تعبير (( القانون الدولي الانساني )) بدلا من (( قانون النزاعات المسلحة)) .

و من جهة اخرى فان اتفاقيات حقوق الانسان تشمل احكاما تطبق في زمن النزاعات المسلحة و على مدى زمن طويل لم يكن هناك اهتمام بالصلات بين هذين الفرعين من فروع القانون الدولي . و لكن في اواخر الستينات اندلعت سلسلة من المنازعات المسلحة مثل حروب التحرير في افريقيا و نزاع الشرق الاوسط و نيجيريا و فيتنام و فيها برزت جوانب من قانون الحرب في نفس الوقت مع جوانب تتعلق بحقوق الانسان .و اقيمت رسميا علاقة بين حقوق الانسان و القانون الدولي الانساني في المؤتمر الدولي لحقوق الانسان  الذي عقدته الامم المتحدة في طهران عام 1968 .

ففي القرار رقم 23 الذي يحمل عنوان (( احترام حقوق الانسان في النزاعات المسلحة حث المؤتمر على تطبيق الاتفاقيات القائمة على نحو افضل في النزاعات المسلحة و حث على ابرام المزيد من الاتفاقيات .

و ادى هذا القرار الى بداية نشاط الامم المتحدة بشان القانون الدولي الانساني ، و كانت تلك الدفعة التي تحققت في طهران هي التي قادت الدول الى النظر بإيجابية في تطوير اتفاقيات جنيف . بينما لم تحظ المدونة التي اعدتها اللجنة الدولية للصليب الاحمر بشان الحد من المخاطر التي تصيب المدنيين في زمن الحرب لعام 1956 بذات التجاوب .

و كان لحقوق الانسان اثرها في محتوى البروتوكولين الصادرين عام 1977 . فقد استمدت الكثير من احكام البروتوكولين مباشرة من العهد الدولي للامم المتحدة الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و مثال ذلك المادة 75 من البروتوكول الاضافي الاول (( الضمانات الاساسية )) و المادة 06 من البروتوكول الثاني (( الاجراءات العقابية ))

ان التقاء القانون الدولي الانساني مع حقوق الانسان سؤكد ان الحرب و السلام و النزاعات الدولية و غير الدولية و القانون الوطني كلها تنطوي على مجالات تزداد تداخلا و تحتاج الى ان تطبق في غالب الاحيان نفس الوقت جنبا الى جنب .

الحفاظ على اتفاقيات منفصلة لكل من حقوق الانسان و القانون الدولي الانساني

هل هذا التداخل الذي اشرنا ايه سلفا يدفعنا الى القول بزوال تلك التفرقة بين هذين القانونيين ؟

نرى ان هذه التفرقة لازالت قائمة .و دليلنا في ذلك شيئان :

اولا : درجة التطابق بين القواعد الموضوعية لاتفاقيات كل قانون

ثانيا : مدى كفاءة اليات المراقبة و العقاب في كل منهما

ا- تطابق القواعد الموضوعية : نستطيع القطع بان اتفاقيات جنيف تمنح ضحايا المنازعات المسلحة قدرا من الحماية ابر مما تتيحه لهم اتفاقيات حقوق الانسان لأنها الاكثر ملائمة لظروفهم .

فلقد تم صياغة معظم احكام اتفاقيات حقوق الانسان بدون مراعاة للظروف الخاصة التي تنشا في ظل النزاعات المسلحة .

و يكفينا ذكر المثال التالي لإثبات ان اتفاقيات جنيف تمنح للأشخاص المحميين حماية اوسع نطاقا و اكثر ملائمة لأوضاع النزاع المسلح عما توفره اتفاقيات حقوق الانسان:

فالحق في الحياة مثلا : و هو من اول الحقوق التي تتضمنها اتفاقيات حقوق الانسان  و هو مشروط ببعض الاستثناءات كعقوبة الاعدام او القتل دفاعا عن النفس مثلا . و لكن في حالات النزاع المسلح يلزمنا تعريف اكثر تحديدا نظرا لان قتل الاعداء العسكريين يعتبر عملا مشروعا . و الحق في الحياة وفقا لاتفاقيات جنيف له تنظيم مختلف يتفق و طبيعة النزاعات المسلحة فهناك حظر قتل او اغتيال الاعداء الذين القوا اسلحتهم او استسلموا او لا يستطيعون الدفاع عن انفسهم ، و يمتد الخطر ليشمل مهاجمة الهابطين اضطراريا من الطائرات ، و الهجمات العشوائية و كافة الاعمال التي يقصد بها تجويع المدنيين و تدمير الاشياء و المنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة .

و مع ذلك فليست المهمة الوحيدة لقانون النزاعات المسلحة ان يكيف بعض حقوق الانسان الا و فقا  للظروف الخاصة للنزاعات المسلحة . و لكن يذهب الى ما هو ابعد اذا يضع قواعد تقع في خارج نطاق حقوق الانسان . و العكس صحيح اذ ان اتفاقيات حقوق الانسان تتضمن قواعد لا علاقة لها بالمنازعات المسلحة .

و الخلاصة يمكننا القول ان قانون النزاعات المسلحة لا يتداخل مع حقوق الانسان الا جزئي . فالأول مثلا يحكم حق الاشتراك في القتال و ادارة العمليات العسكرية و العلاقة بين الدول المتحاربة و الدول المتحايدة و ليس لهذه المسائل مكان في قانون حقوق الانسان الذي يشتمل بدوره على حقوق لا اهمية لها في المنازعات  المسلحة مثل الحقوق السياسية و بعض الحريات السياسية كحرية الصحافة و حرية التعبير و حرية الاجتماع و ما الى ذلك .

الاجراءات القانونية ليست ملائمة لتقويم الانتهاكات التي يرتكبها الجنود .و ثانيا لان القانون الدولي الانساني يحمي اولا افرادا  لا حول  لهم و لا قوة و لا يستطعونفي العادة ان يلجاوالاي اجراء قانوني وطنيا كان او دوليا . و بناء على ذلك فان تطبيق الاتفاقيات الانسانية يكون اكثر ضمانا يتدخل هيئة محايدة تعمل مستقلة عن ايتاثير و يعززها وجود احكام عقابية .

اما اتفاقيات حقوق الانسان فهي تقضي بانه يجوز للدول المتعاقدة او للافراد الذين انتهكت حقوقهم ان يقدموا شكوى ضد الدولةالتي ارتكبت هذا الانتهاك . و احكام الشكوى و ما الى ذلك وردت تفصيلا باتفاقيات حقوق الانسان و هي اجراءات قد تستغرق سنوات عديدة و لكن ما يصحبها من دعاية و اعلام قد يكون رادعا قويا .

و في الختام يمكننا ان نرصد عدة خصائص تحدد العلاقة بين القانونيين مع التسليم بان لكل منهما مجال التطبيق الخاص به و هذه الخصائص هي :

اولا: انطباق قواعد حقوق الانسان و القانون الدولي الانساني بحيث يكمل كل منهما الاخر و هذا ما اعلنته الجمعية العامة للامم المتحدة عندما قررت ان الحقوق الاساسية للانسان كما هي معروفة في القانون الدولي و مدونة في المواثيق الدولية تظل سارية حتى في زمن النزاعات المسلحة.

و ليس  هذا قرارا نظريا و لكن يمكن ذكر واقعة عملية و هي الحرب الاهلية التي نشبت في جمهورية الدومينكان عام 1965 كانت لجنة البلدان الامريكية قائمة في ذلك الوقتو كان لها نشاط واسع في زيارة المعتقلين و قامت بالاتفاق مع مندوبي اللجنة الدولية للصليب الاحمر و تم تقسيم المهام فيما بينهما و باشرتا مهامهما باسلوب يتجنب التداخل.

عن ثانيا : كل نظام قانوني منهما يظل منفصلا الاخر

فامكانية انطباقهما معا بشكل تكاملي لا يمكن ان تدفعنا للخلط بين المجالين .فالنظامان القانونيان مستقلان و لكل منهما غايته الخاصة ، فالقواعد الخاصة بوسائل و اساليب القتال لا يمكن ان تجد لها مكانا بين احكام حقوق الانسان .

ب-اليات المراقبة و العقوبة : اذا كنا قد خلصنا الى وجود تطابق جزئي بين احكام القانون الدولي الانساني و القانون الدولي لحقوق الانسان فانهما يختلفان تماما من حيث اليات المراقبة و العقوبة .

بالنسبة لاتفاقيات جنيف: فهي تطبق بالتعاون مع و تحت اشراف الدول الحامية و الجنة الدولية للصليب الاحمر.

وفي اغلب الحيان تقوم الجنة بدور المراقبة لتنفيذ احكام هذه الاتفاقيات ففي حالة النزاع الدولي يحق لمندوبيها التوجه الى الاماكن التي قد يوجد بها اسرى حرب او محتجزين مدنيين و حق مقابلتهم بغير شهود، و تتسم تقاريرهم و توجيهاتهم بالسرية المر الذي يشجع الدول على الموافقة على زياراتهم، و بصورة عامة تساهم مراقبة الجنة في تحسين احوال الاسرى او المحتجزين كما انها في النزاعات غير دولية تعرض خدماتها على اطراف النزاع و تتخذ قضلا عن ذلك اية مبادرة انسانية خاصة بتحسين احوال ضحايا النزاعات المسلحة و حمايتهم.

هذا فيما يتعلق باليات المراقبة، اما مكافحة الانتهاكات الجسيمة فهناك سمة مميزة للقانون الدولي الانساني و هي  ان احكامه الى جانب انها ملزمة للدول فهي ايضا ملزمة للأفراد مباشرة ، و تتطلب اتفاقيات جنيف و بروتوكوليها الاضافيين من الاطراف السامية المتعاقدة ان تحدد عقوبات للافراد الذين يرتكبون الانتهاكات الجسيمة و ان تقدمهم للمحاكمة

و الاختلاف بين القانون الدولي الانساني و حقوق الانسان هنا اختلاف جوهري فحيث يتعلق الامر بحقوق الانسان تقوم الاطراف المتضررة اساسا باتخاذ الاجراءات الازمة امام المحاكم الوطنية و اذا اقتضى الامر امام سلطة دولية. اما في القانون الدولي الانساني فان اتخاذ اجراءات قانونية بواسطة الاطراف المتضررة امر مستبعد بصورة عامة لسببين اولا: لان

ثالثا :نطاق الحماية و مدادها :

ان نطاق الحماية و مدادها بين الفرغين تطرح تساؤلات حول حق الدولة في التحلل من التزاماتها في اوقات الطوارئ بخصوص حقوق الانسان و من ثم فهل اجازت الاتفاقيات الخاصة بالنازعات المسلحة تحلل الدولة من هذه الالتزامات و ما يستخلص من الاتفاقيات الدولية ان الظروف الاستثنائية تستوجب اتخاذ اجراءات قد تئثر على حقوق الانسان لذلك اوردت هذه الاتفاقيات قيودا اجرائية و موضوعية للحد من سلطة التحلل هذه و بالرجوع الى هذه القواعد نلاحظ انها تتعلق بمسالتين اساسيتين هما

1-عدم جواز التحلل من طائفة محددة من الحقوق تشكل ما يطلق عليه النواة الصلبة في منظومة حقوق الانسان ذات حصانة مطلقة

2-عدم جواز الاخلال بالالتزامات الدولية الاخرى التي تتحملها الدولة .

                        1-عدم جواز المياي بالحقوق و الحريات ذوات الحصانة:

و هذه الحقوق التي لا يجوز المساس بها حتى في حالة الطوارئ او الحرب هي كما يلي: الحق في الحياة و حظر اعمال التعذيب و العقوبات اللاإنسانية او المهنية و عدم جواز تطبيق القوانين الجنائية باثر رجعي و تحريم الرق و العبودية و اعمال السحر و حظر اخضاع اي انسان دون رضائه الحر للتجارب الطبية او العلمية و عدم جواز سجن الشخص بسب عدم قدرته على الوفاء بالتزامه التعاقدي و حرية الفكر و الضمير و المعتقد الديني.

    اما الاتفاقية الامريكية لحقوق لحقوق الانسان فقد اضافت الى هذه الحقوق ذوات الحصانة حقوقا اخرى لا يجوز المساس بها في الظروف الاستثنائية و هي: الحق في الاسم و حقوق الطفل و الحق في الجنسية و الحقوق السياسية 

  و لا شك ان كل توسع في قائمة حقوق الانسان التي لا يجوز المساس بها في الظروف الاستثنائية و في حالة الحرب خصوصا هو توسع محمود . و تبدو اهمية هذا التوسع في ان هناك حقوقا اخرى خارج نطاق حقوق الانسان التقليدية المنصوص عليها في الاعلان العالمي و في العهدين الدوليين اصبحت تحضىباهتمام كبير من المجتمع الدولي بما لا يفل عن الحقوق الاولى، المر الامر الذي يحسن معه ادراجها في الحقوق ذوات الحصانة التي يمتنع على الدول المساس بها في الظروف الاستثنائية و ظروف الحرب. و لعل اظهر هذه الحقوق الحق في بيئة نظيفة و الحق في التنمية و حقوق الطفل و الاسرة و حقوق الاقليات. و لا يخفى ما اسفرت عنه الحروب الحديثة في البلقان و الخليج على سبيل المثال من تدمير للبيئة المحيطة و للبنية الاساسية التي تقوم عليها اية تنمية اقتصادية او اجتماعية . اما المعاناة التي يعانيها  افراد الفئات الضعيفة كالاطفال و النساء فقد اصبحت قاسما مشتركا للحروب الداخلية و الخارجية على السواء مما يبين بوضوح الفواجع المترتبة على هذه الحروب. و تحفل تقارير المنظمات غير الحكومية و تقارير المراقبين الخاصين للامم المتحدة بامثلة مروعة على انتهاكات حقوق الاطفال و النساء و الحق في بيئة نظيفة و تدمير البنية الاقتصادية الاساسية في حروب البقان و الصومال ز الخليج و الصراعات الداخلية المسلحة في السودان

         2-احترام الالتزامات الدولية الاخرى و اظهرها التزامات الدولة بمقتضى القانون الدولي الانساني :

   اما المبدا الثاني الذي يقيد حق الدول في التحلل من التزامتها باحترام حقوق الانسان في حالة الحرب و هو المبدا الذي يكتسب اهمية خاصة في دراستها هذه. فهو مبدا عدم جواز اخلال الدولة في تحللها من التزاماتها بمفتضى العهدين الدوليين بالتزامات دولية اخرى. و لعل اظهر هذه الالتزامات التي لا يجوز الاخلال بها هي التزامات الدولة المقررة باتفاقيات جنيف الاربع حول القانون الانساني في وقت النزاعات المسلحة. بمعنى ان الدولة الطرف في اي من العهدين الدوليين و في اتفاقيات جنيف لا تستطيع التحلل من التزاماتها بمقتضى اتفاقيات جنيف استنادا الى المادة الرابعة من العهدين اذا قام بها ظرف من الظروف الاستثنائية بما في ذلك حالة الحرب .و يؤكد ذلك ما تذهب اليه المادة الثانية المشتركة بقولها (( علاوة على الاحكام التي تسري وقت السلم، تنطبق احكام هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة او اي اشتباك مسلح اخر ينشب  بين الطرفين او اكثر من الاطراف السامية المتعاقدة ، حتى و لو لم يعترف احدهما بحالة الحرب.      

اي ان الدولة في حالة الحرب تلتزم بعدم المساس بالحقوق ذوات الحصانة التي تحدثنا عنها انفا بالاضافة الى التزاماتها بمقتضى اتفاقيات جنيف حول القانون الدولي الانساني .

و حقوق الانسان المحمية بواسطة اتفاقيات جنيف لسنو 1949 تتجاوز كثيرا من الحقوق ذوات الحصانة التي لا يجوز المساس بها في الظروف الاستثنائية المنصوص عليها في المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية . ففضلا عن تحريم الاعتداء التعسفي على الحق في الحياة او على الحق في سلامة الجسم  هناك في اتفاقيات  جنيف طائفة اخرى من الحقوق و الضمانات القضائية توفر للانسان حماية في احوال القبض و الاعتقال و المحاكمة الجنائية ، بالاضافة الى حماية الاموال و الممتلكات .  و فضلا عن ذلك فان المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف تلزم الدول الاطراف  في اثناء النزاعات المسلحة غير الدولية ان تراعي كحد ادنى في شان الاشخاص الذين ليس لهم دور ايجابي  في الاعمال العدائية . بمعاملتهم في جميع الاحوال معاملة انسانية دون تمييز بسبب العنصر او اللون او الدين او الجنس او النسب او غير ذلك  . كما انه يحظر على تلك الدول في شان هؤلاء الاشخاص ارتكاب الاعمال الاتية  في اي وقت او اي مكان :

1-     اعمال العنف و القتل و التشويه او اعمال التعذيب و المعاملات القاسية .

2-      اخذ الرهائن .

3-     الاعتداء على الكرامة الشخصية او المعاملة المهنية .

4-     اصدار الاحكام او تنفيذ العقوبات دون محكمة مشكلة طبقا للقانون .؟ و مكفول امامها جميع الضمانات القضائية المتعارف عليها في النظم القانونية المتمدنة.

و الخلاصة انه اذا كان للدول الاطراف في العهد الاول للحقوق المدنية و السياسية ان تحلل من التزاماتها باحترام حقوق الانسان في اوقات الطوارئ و منها حالة النزاع المسلح وفقا للشروط و الوضاع المنصوص عليها في المادة الرابعة من هذا العهد فانه ليس لها في جميع الاحوال ان تتحلل من الالتزام ببعض الحقوق المنصوص عليها في العهد و المذكورة انفا و التي ندعوا مع الفقه الى تطويرها و التوسع فيها و ليس لها ان تتحلل من التزاماتها الدولية الاخرى  و منها التزاماتها بمقتضى القانون الدولي الانساني .