مصادر القانون الدولي الإنساني

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: القانون الدولي الانساني
كتاب: مصادر القانون الدولي الإنساني
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Monday، 29 April 2024، 4:42 AM

الوصف

هذا الكتاب يتناول مصادر القانون الدولي الانساني

1. القواعد المكتوبة و القواعد العرفية:المطلب الاول

تنقسم مصادر القانون الدولي الانساني الى قواعد عرفية و قواعد مكتوبة .

الفرع الاول :القواعد العرفية:

يلعب العرف دورا اساسيا في تكوين قواعد القانون الدولي الانساني لان البشرية عمدت الى ارساء قواعد و اصول للحرب بالاعتماد على مقتضيات الديانات و الانماط الثقافية المختلفة بحيث يشكل العرف و مبادئ الانسانية بخصوص سير العمليات الحربية و ما يمكن الحاقه بالعدو من اذى او بالاشخاص الذين قد يتاثرون لويلات الحرب مصدرا لا يمكن انكاره من مصادر القانون الدولي الانساني و تبدو اهمية العرف كمصدر للقانون الدولي الانساني من خلال الدراسة التارخية لتطور هذا القانون لذلك نقول بان القانون الدولي الانساني هو تاكيد لقواعد عرفية قديمة تم تطويرها و توسيع نطاقها عند تدوينها بالاضافة الى ذلك فقد اتفق على اعتبار المواثيق الاساسية مواثيق اعلانية و هذا ما راته محكمة نورمبورغلالئحة لاهاي و كذلك فهي ملزمة حتى بالنسبة للدول التي لم تنظم اليها .

و التطرق الى العرف كمصدر للقانون الانساني له دلالته التارخية لان جمع الحضارات و الديانات تدعو الى الانسانية مما يدل الى الانسانية يدل على ان للقانون الانساني جذور تاريخية مطبوعة بالقيم السائدة. و رغم ان الديانة المسيحية تعتبر الناس اخوة و تحرم سفك الدماء دون مبرر ما دعى الكنيسة الى صياغة نظرية الحرب العادلة و التى غايتها هي توفير الراحة الصورية للضمائر بالتوفيق بيم المثل الاخلاقي الاعلى للكنيسة و بين الضرورات السياسية المحيطة بها.

و تقوم نظرية الحرب العادلة على فكرة مفادها ان الحرب التي يخوضها عاهل شرعي هي  حرب ارادها الله و ان افعال العنف المقترفة تفقدها كل صفة من صفات الخطيئة لان الخصم في هذه الحالة يكون عدو الله و الحرب التى يباشرها انما هي حرب ظالمة.

هذه النظرية حللت كل شئ ضد من يوصفون بالاشرار معتبرة الحرب ضدهم عقوبة واجبة و ترتب على ذلك ان كل فريق يدعي عدالة قضيته مما وسع من  دائرة المذابح و المجازر تحت ستار من الحق المشروب بالرياء و كانت هذه النظرية اساس الحروب الصليبية و التي كانت اسوا مثال على الحرب العادلة.

و كان للشريعة الاسلامية الفضل الاساسي في ارسال القواعد الانساني في زمن الحرب في الوقت التي كانت تسود فيه اروبا نظرية الحرب العادلة بحيث ان الشريعة الاسلامية اجمع فقهاءها على ان الجهاد مشروع لحماية الدعوة الاسلامية و دفع العدوان على المسلمين . لذلك اقامت الشريعة نظاما انسانيا متكاملا لسير العمليات القتالية من ذلك.

وضع قيود على سير القتال: بحيث لا يجوز توجيه السيف الا للمقاتل . و بذلك تكون الشريعة اول من فرق بين المقاتل و غير المقاتل و هي التفرقة التي عرفتها اروبا في العصر الحديث.

و تستخلص هذه القيود من توجيهات الرسول عليه الصلاة و السلام  للجيش (( لا تقتلوا شيخا فانيا و لا طفلا صغيرا و لا امراة و لا تغلوا و ضعوا غنائمكم و اصلحوا و احسنوا ان الله يحب المحسنين ))

ومن جهته اوصى ابو بكر الصديق رضي الله عنه يزيد بن ابي سفيان عندما ارسله على راس الجيش للشام بعشر و قال ((لا تقتلن امراة و لا صبيا و لا كبيرا هرما و لا تقطعن شجرا مثمرا و لا نخلا و لا تحرقها و لا تخرين عامرا و لا تقعرن شاة و لا بقرة الا لما اكله ولا تجبن و لا تغلل))

بخصوص الاسرى :دعىالاسلام  ال المحافظة على الكرامة الانسانية في الحروب و جاءت الاشارة الى الرفق بالسرى في قوله تعالى :(( استوصوا ب الاسرى خيرا)).

      هذه المبادئ الانسانية التي ارسلتها الشريعة الاسلامية انتقلت الى بعض الكتاب المسيحيين من دعاة الرحمة مثل فيكتوريا وسواريز فاخذوا بعض النظم الدينية مثل صلح الرب و هدنة الرب و هي نظم تهدف الى الغاء عادات الحرب الوحشية .

وكان لعراب القانون  الدولي "غروتيوس الفضل في مهاجمة نضرية الحرب العادلة في كتابه المعروف "قانون الحرب و السلم" لسنة 1623 -1624 على ضوء التجربة التي عاشها ابان حرب الثلاثين سنة الدينية بحيث ندد بالمجازر و الالام و دعى الى وجوب ارساء قواعد لضبط سلوك المتحاربين مثل عدم جواز قتل المهزوم و عدم جواز تدمير الملكية الا لاسباب عسكرية ضرورية و تعد هذه مساهمة من الكاتب ذات شان في قواعد القانون الدولي التي تنظم حالة الحرب و تعكس مدى تاثرهبالافكار الاسلامية .

   و تابع الفقهاء من بعد "غروتيوس " الاهتمام بدراسة قانون الحرب بداية القرن الثامن عشر الذي استقرت فيه الدول بشكلها القانوني الحديثي و ظهور بعض القواعد العرفية و العادات المتعلقة بسير العمليات العسكرية و شكل قانون عرفي من ذلك

-حصانة المستشفيات

-عدم معاملة الجرحى و المرضى كاسرى حرب

-حماية الاطباء و مساعدتهم و المرشدون الدينيون من الاسرى

- المحافظة على حياة الاسرى و تبدلهم دون فدية

اصبح هناك نوع من الحماية للسكان المدنيين

هذه القواعد العرفية استنتج منها " جان جاك روسو " قاعدة اجتماعية ذكرها في العقد الاجتماعي مفادها ان الحرب ليست علاقة بين دولة و دولة . الافراد فيها اعداء يشكل عرضي فقط و عداؤهم لا يقوم على اساس انهم بشر بل على اساس انهم جنود و بالقائهم اسلحتهم و استسلامهم فانهم يعودون من جديد ليصبحوا بشرا لا يحق لاي انسان الاعتداء عليهم .

    و تعتبر اتفاقية باريس لسنة 1856 المتعلقة بمعاملة المحاربين في الحروب البحرية تجسيدا لبعض هذه المفاهيم و الاعراف المتعلقة بسير الحرب و ان كان البعض يعطي الاسبقية للبلاغ الصادرة عن وزارة الدفاع الامريكية سنة 1838 باعتباره نقطة البداية في التطور الحديث لهذا القانون لانه يقضي بلزوم معالجة الجرائم التي ارتكبت اثناء حرب الاستقلال .

هذه العراف و الاتفاقيات التي كانت ساندة في نطاق جغرافي محدد و في زمن معين ظلت قائمة الى ان تم تجسيدها على مستوى عالمي في نصوص و اتفاقيات تشكل المصادر المكتوبة للقانون الانساني او قانون المنازعات المسلحة .

الفرع الثاني :القواعد المكتوبة :

ان المصادر المكتوبة للقانون الدولي الانساني تتمثل في نوعين من القواعد :

1-     القواعد المنصوص عليها في قانون لا هاي

2-     2- القواعد المنصوص عليها في قانون جنيف

و الملاحظ انه بصدور و ظهور البروتوكول الاول الملحق باتفاقيات جنيف سنة 1977

لم يعد لهذا التمييزين المصدرين الا  قيمة تاريخية لصهره القانونين معا من خلال تضمنه للعديد من الاحكام الخاصة بوسائل و اساليب القتال التي ينص عليها لاهاي

تتمثل المصادر المكتوبة للقانون الدولي الانساني في تلك الاتفاقيات المبرمة ذات البعد الدولي و التي قننت في غالبيتها الاعراف و العادات التي كانت سائدة في مجال المنازعات المسلحة .

و لكون هذه الاتفاقيات مؤسسة على اعراف فإنها تعتبر اتفاقيات اعلانية تكون نافذة حتى قبل الدول التي لم تصادق عليها و ذلك طبقا لاتفاقية فيينا لسنة 1969 الخاصة بالمعاهدات .

و المتتبع لتطور المصادر المكتوبة للقانون الدولي الانساني يلاحظ انها قواعد جاءت كرد فعل على واقعة مؤلمة ، لذلك يقول الشراح" بان قواعد القانون الدولي الانساني تأتي دائما متأخرة لحرب ".

و تعتبر اتفاقية جنيف لسنة 1864 المتعلقة بتحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان اول انجاز عالمي في مجال انسنة الحرب و تلاها دستور الاتحاد السويسري لعام 1874 الذي نصت مادته 12 على تحويل المحكمة الاتحادية النظر في الجنايات و الجنح الموجهة ضد قانون البشر . ثم تلت ذلك اتفاقية لاهاي لسنة 1899 و 1907.

اولا :قانون لاهاي:

يحدد قانون لاهاي او قانون الحرب حقوق المتحاربين و واجباتهم في ادارة العمليات الحربية و يقيد اختيار وسائل القتال.

و قد نشات هذه القوانين بصورة رئيسية من اتفاقيات لاهاي لعام 1899 المعدلة في عام 1907 و هي الاتفاقية المتعلقة بملائمة الحرب البحرية لمبادئ اتفاقية جنيف لسنة 1864 المتعلقة بتحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان.و قد نقلت اجزاء مهمة من اتفاقية لاهاي الى اتفاقية جنيف لسنة 1929 و 1949 الخاصة بالوضع القانوني لاسرى الحرب و الجرحى و الغرقى في المليشيات الحربية البحرية و الوضع القانوني للسكان المدنيين في الاراضي المحتلة.

و تعتبر اتفاقية لاهاي لسنة 1899 نتيجة حتمية لما نتج عن موقعة (ليسا البحرية) في الحرب بين فرنسا و النمسا سنة 1866 التي لم تكن احكام اتفاقية جنيف لسنة 1864 متلائمة معها الامر الذي دفع الى اعداد هذه الاتفاقية لتتلاءم هذه الاحكام مع الحرب البحرية.

اتفاقيات لاهاي لسنة 1907 :

في 18 اكتوبر 1907 ابرمت في لاهاي خمس اتفاقيات لضبط احكام النزاعات البرية و البحرية و واجبات الاطراف المتحاربة و مراكز الدول المحايدة.

الاتفاقية الاولى :بدء العمليات العدائية :

هذه الاتفاقية تتعلق ببدء العمليات العدائية بين الدول المتحاربة بحيث توجب هذه الاتفاقية على الاطراف المتعاقدة قبل شن الحرب توجيه انذار للطرف الاخر في شكل اعلان للحرب كما توجب اعلان الدول المحايدة لذلك.

الاتفاقية الثانية :خاصة احترام قوانين و اعراف الحرب البرية:

تؤكد الاتفاقية على المبادئ التالية :

المبدأ الاول:الى حين اصدار مدونة كاملة لقوانين الحرب تعلن الاطراف السامية المتعاقدة انه في الحالات غير المشمولة بالاحكام التي اعتمدتها يظل السكان تحت حماية و سلطان مبادئ قانون الشعب

المبدأ الثاني :يجب غلى الدول المتعاقدة ان تصدر الى قواتها المسلحة تعليمات تكون مطابقة للائحة الملحقة بالاتفاقية و الخاصة باحترام قوانين و اعراف الحرب البرية

المبدأ الثالث:  لا تطبق احكام هذه الاتفاقية الا بين الاطراف المتعاقدة .

الرابع :كل طرف متعاقد تخل بأحكام هذه الاتفاقية يكون مسؤولا و ملزما بالتعويض عن جميع الاعمال التي يرتكبها اشخاص ينتمون الى قواته المسلحة .

و الحقت بهذه الاتفاقية لائحة بقوانين و اعراف الحرب البرية نصت عليها 56 مادة تضمنت احكاما خاصة بالمسائل التالية

تعريف المحاربين :فقد نصت المادة الاولى و الثانية و الثالثةمن الملحق على ان قوانين  الحرب لا تطبق على الجيش فقط بل تنطبق ايضا على المليشيات و الوحدات المقطوعة ،كما تنطبق على سكان الاراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء انفسهم عند اقتراب العدو لمقاومة القوات الغازية ،كما يمكن ان تتألف القوات المسلحة لا طراف النزاع من مقاتلين و  غير مقاتلين .

تحديد اسرى الحرب و معاملتهم : نصت المادة الرابعة بان اسير الحرب يقع تحت سلطة حكومة العدو و ليس تحت سلطة الافراد او الوحدات التي اسرته و نصت المواد من 05 الى 20 على الاحكام الخاصة بمعاملة الاسرى .

المرضى و الجرحى : احالت المادة 21  من الملحق على اتفاقية جنيف لسنة 1906 فيما يتعلق بخدمة الجرحى و المرضى.

تقييد العمليات العدائية :و نصت على التقييد المادة22 مؤكدة على انه ليس للمحاربين الحق المطلق في اختيار وسائل الحاق الضرر بالعدو . و تضمنت المواد من 23 الى 28 باقي الاعمال المحضورة كاستعمال الغدر للقتل و استخدام الاسلحة التي تحدث اضرارا الا مبرر لها و عدم تدمير الممتلكات الا اذا اقتضت الضرورة الحربية لذلك .

الجواسيس :عرفت المادة 29 الجاسوس بانه الشخص الذي يقوم بجمع المعلومات في منطقة العمليات التابعة لطرف في النزاع عن طريق عمل التزييف او التخفي .

و اعطت المادة 30 الحماية للجاسوس الذي يجب محاكمته مع تمتعه بوضع اسير الحرب .

الاراضي المحتلة : عرفت المادة 42 الارض المحتلة بانها ارض الدولة التي تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو.

و حددت الواد من 43 الى 56 من الملحق الوضعية القانونية للأرض المحتلة و مركز السكان بحيث لا يجوز لسلطة الاحتلال المساس بالقوانين السارية في البلاد عدم اجبار السكان على التعامل معها و عدم اصدار العقوبات الجماعية .

الاتفاقية الثالثة : حول حقوق و واجبات الدول المحايدة في الحرب البحرية

تضمنت هذه الاتفاقية  في موادها الثلاثة و الثلاثين حقوق و واجبات الدول المحايدة في الحرب البحرية و تضمنت القواعد التالية :

اولا: احترام الدولة المحايدة و ذلك بالامتناع عن القيام في اراضيها او مياهها الاقليمية باي عمل من شانه ان يكون مخالفا للحياد من ذلك خطر اي عمل عدائي سواء كان احتجاز هو ممارسة لحق التفتيش تقوم به سفينة حربية و كذلك امتناع الدولة المتحاربة تشكيل محكمة الغنائم على ارض محايدة او على متن سفينة في مياه محايدة .

ثانيا : منع الدول المتحاربة للموانئ و المياه المحايدة لعملياتها البحرية التي تشنها ضد خصومها او انشاء محطات للاتصالات .

ثالثا :امتناع الدول المحايدة عن تزويد الدولة المتحاربة بالسفن او الذخيرة كما يتعين على الدولة المحايدة منع تجهيز او امداد سفينة بالاسلحة تكون تحت سلطتها .

رابعا : عدم التزام الدولة المحايدة بمنع او مرور اسلحة يستعملها جيش او اسطول تابع لاحدى الدول المتحاربة .

خامسا: وجوب معاملة الدولة المحايدة للطرفين بدون تحيز من حيث الشروط و القيود و المحظورات بالنسبة بدخول السفن الحربية او غنائمها الى موانئها لمدة اربعة و عشرين ساعة لاجراء الاصلاحات اللازمة دون ان  تضيف الى قدراتها .... اي شيء على انه اذا تزودت بالوقود في دولة محايدة لا يجوز لها التزود من جديد الا بعد ثلاث اشهر .

الاتفاقية الرابعة : تخص محكمة الغنائم

جاءت هذه الاتفاقية ب 57 مادة تضمنت الاحكام الخاصة بالمحكمة الدولية للغنائم و هي الجهة التي تنظر في الطعون المرفوعة ضد المحاكم الوطنية التي .....في الاستلاء على سفينة اثناء الحرب البحرية . و هذه الاحكام يمكن اجمالها فيما يلي

1-     ان مدى قانونية الاستلاء على سفينة ......يتم من طرف الجهة القضائية للطرف المحارب الذي استولى عليها ، يجوز الطعن في القرار امام المحكمة الدولية للغنائم في الحالات التالية :

-         عندما يتعلق الامر بملكية دولة محايدة

-         عندما يتعلق الامر ببضاعة مملوكة للعدو محملة فوق سفينة مملوكة لدولة محايدة او تم الاستلاء على السفينة التابعة للعدو في مياه اقليمية لدولة محايدة

-         عندما يكون الاستلاء قد تم بالمخالفة لقاعدة اتفاقية بين الاطراف المتحاربة

2-    اجراءات الطعن :

-يتم الطعن من طرف الدولة المحايدة او من اي شخص محايد .

-يرفع الطعن امام المحكمة الدولية المشكلة من قضاة معينين من الاطراف المتعاقدة

اذا رات المحكمة عدم قانونية الاستلاء تامر برد السفينة مع التعويضات اللازمة .

 

الاتفاقية الخامسة :خاصة بحقوق و واجبات الدول المحايدة و الاشخاص المحايدين في حالة الحرب البرية :

هذه الاتفاقية جاءت في 25 مادة و تضمنت احكاما تخص

1-حقوق و واجبات القوى المحايدة :

تتمحور حقوق القوى المحايدة في ضمان عدم انتهاك حرمة اراضيها من طرف الدول المتحاربة بمنعها من عبور اراضيها او انشاء محطات للاتصالات او استخدام اية محطة تكون الدولة المتحاربة قد انشاتها قبل الحرب.

اما واجبات الدولة المحايدة :

لاتسمح الدولة المحايدة للقوات المتحاربة بالمرور فوق اراضيها او انشاء محطات للاتصال او استخدام محطات تم انشائها قبل الحرب .

تطبق الدولة المحايدة على الطرفين المتحاربين نفس القيود و الحظر .

2-المتحاربون المحتجزون و الجرحى المعالجون على ارض محايدة :

-يجب على الدولة المحايدة في حال استقبالهالجيوش مقاتلة اعتقالهم في معسكرات تبعد عن مسرح العمليات مع تزويدهم بالمؤونة التي تستوجبها قواعد الانسانية .

-اما بخصوص المرضى و الجرحى فان الدولة المحايدة ترخص لهم بالمرور على ارضها شرط ان لا تحمل القطارات التي تنقلهم مقاتلين او معدات حربية .و تسري عليهم احكام اتفاقية جنيف.

3- الاشخاص المحايدين:

يعتبر مواطنو الدولة التي لا تشارك في الحرب محايدين و لكن لا يجوز للشخص المحايد الاحتماء بحياده اذا ارتكب عملا عدائيا ضد احد الاطراف المتحاربة او قام بعمل لصالح احد الاطراف كان يتطوع للقتال.

و لتحديد العمل العدائي استنت المادة 18 الاعمال التالية من تعداد الاعمال العدائية

-تزويد احد الاطراف المتحاربة بامدادات او قروض

تقديم خدمات فيما يخص شؤون الشرطة او الادارة المدنية

اضافة الى اتفاقية 1899 و 1907 هناك تفاقيات و بروتوكولات تدخل ضمن قانون لاهاي لارتباطها بوساتل القتال منها

-تصريح سان بترسبورغ لعام 1868 الخاص يحضر استخدام بعض المقذوفات وقت الحرب مثل الرصاص المتفجر من نوع دمدم

- بروتوكول جنيف لعام 1925 الذي يمنع استخدام الغازات السامة و الخانقة و الاسلحة الجرثومية

- اتفاقية الامم المتحدة لسنة 1954 بشان حماية الممتلكات الثقافية في زمن النزاعات المسلحة و بروتوكولاتها الاضافية .

- اتفاقية الامم المتحدة لعام 1980 بشان حضر استخدام بعض الاسلحة التقليدية مثل الاسلحة الحارقة و المعمية .

- اتفاقية 1993 المتعلقة بالاسلحة الكيماوية .

- اتفاقية اوتاوا لسنة 1997 الخاصة بحضر و انتاج و تخزين و نقل و استخدام الالغام الضادةللافراد

ثانيا: قانون جنيف

هذا القانون بمختلف الاتفاقية التي تدخل فيه يهدف الى حماية الفرد من ويلات الحرب و حماية الأشياء و الاعيان  مدنية اتفاقية اوبئة طبيعية

     و يتجسد قانون جنيف في العديد من الاتفاقيات الدولية و هي :

1-     اتفاقية جنيف لعام 1864 المتعلقة بتحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان و تعتبر هذه الاتفاقية الانطلاقة الاولى للقانون الدولي الانساني بالنظر الى المواد العشرة التي تضمنها و التي تهتز و التي ارست قواعد تضمن حماية الجرحى العسكريين فنصت على حصانة عربات الاسعاف و المستشفيات و المستشفيات العسكرية و ضرورة حمايتها و احترامها .

-         حياد و حماية افراد الخدمات الطبية و المتطوعين المدنيين الذين يساهمون في اعمال الاغاثة و تقديم المساعدة

-         -وجود شارة خاصة على المستشفيات و ان يحملها افراد الخدمات الطبية هي (صليب احمر على رقعة بيضاء)

تعتبر اتفاقية جنيف لسنة 1864 الخاصة بتحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان انجاز كبيرا رغم عدم تضمنها عقوبات عن الجرائم الواردة فيها . هذه الاتفاقية نبتت فكرتها من التحويلات الجذرية في الضمائر .و يعود شرف الدعوة الى وضعها الى شاب سويسري من اهل جنيف يدعى "هنري دونان" الذي هزته الاحداث التي شهدها في مدينة سولفيرينو الايطالية نتيجة الحرب بين جنود نابليون الثالث ( الفرنسي و جيوش ماكسيمال النمساوي عام 1859 . و هاله بصورة خاصة رؤية الجرحى المكدسين في الكنائس الذين يموتون متأثرينبالآلام بينما كان يمكن انقاذهم لو تم اسعافهم .

و نتيجة تأثره الف كتابا سماه "تذكار سولفيرينو" نقل فيه المآسي التي شهدها و ضمنه امنية مزدوجة تتمثل في :

-         انشاء في كل بلد جمعية غوث تطوعية يعد تنظيمها في زمن السلم لتقديم الخدمات الصحية للجيش في وقت الحرب .

-         ان تصادق الدول على مبدا اتفاقي مقدس يؤمن الحماية القانونية للمستشفيات العسكرية و افراد الخدمات الطبية

و باطلاعهم على هذا الكتاب بادر المشاهير بتوجية التشجيع له و التاييد من ذلك "فيكتور هيجو" الذي قال ( انك تسلح الحرية و تخدم الانسانية و انني اصفق لجهودك النبيلة )) . و كذلك كان من بين قراء مؤلف "دونان" احد رؤساء الجمعيات الخيرية و هو جوستاف موانييه الذي دعى جمعيته الى دراسة اقتراحات دونان و و محاولة الوصول بها الى نتيجة عملية و تمكن دونان من اقناع نابليون بدعوته و شكل موانييه لجنة دائمة بدات اجتماعها سنة1863 و تعتبر هذه الجنة هي الجهاز المؤسس للصليب الاحمر و المحرك الاساسي لاتفاقيات جنيف . ثم اجتمع ممثلو ستة عشر دولة في جنيف و وضعوا اساس ما يسمى فيما بعد بالصليب الاحمر و الذي كان يمثل انذاك مشروعا لغوث الجرحى .

و لم يكن هذا المؤتمر مخولا لمعالجة القضايا القانونية و كان ذلك  من شان مؤتمر ديبلوماسي دعى اليه في العام التالي حيث ابرمت اتفاقية جنيف خلاله اي سنة 1864 مؤشرة على الانطلاقة الحقيقية للقانون الدولي الانساني

وقد وقعت الدولة العثمانية على اتفاقية 1864 و الاتفاقيات التي تلتها و لكنها ابدت تحفظا بشان استعمال الهلال الاحمر بدلا من الصليب و تمت الموافقة على ذلك ثم طلبت ايران بان يقبل شعار الاسد و الشمس و لم تجد الصين و اليابان في شعار الصليب الاحمر اي باس اذا كان متشابها لعلم سويسرا و ليس له اي معنى ديني .

2-     اتفاقية جنيف لعام 1906: الخاصة بتحسين حال الجرحى و المرضى العسكريين في الميدان

هذه الاتفاقية هي تطوير و تعديل لاتفاقية 1864 من حيث انها اضفت الحماية على فئة اخرى فئة المرضى و تضمنت ثلاثا و ثلاثين مادة . و حاولت الاتفاقية مواجهة الصعوبات الملازمة لاتفاقية 1864 بحث اهتمت بالحروب البرية و اعتنت بضحاياها و اوجبت احترام العسكريين و المرضى و الجرحى و معالجتهم بغض النظر عن جنسياتهم من قبل سلطات الدولة التي وقعوا في قبضتها

3-     اتفاقية جنيف لسنة 1929 : نظرا للآلام التي نتجت عن الحرب العالمية الاولى و التي لم تفلح اتفاقية جنيف سنة 1906 في معالجتها و الحد منها استوجب الامر مراجعة سلوك المتحاربين و مراجعة كذلك المعاهدات النافذة . لذلك انعقد مؤتمر ديبلوماسي في جنيف سنة 1929 خلص الى ابرام ثلاث اتفاقيات :

الاولى: متعلقة بتحسين حال الجرحى و المرضى العسكريين في الميدان و تعتبر صيغة جديدة و معدلة لاتفاقية عام 1906 و تحتوي على 39 مادة و اقرت استخدام شارتين اخريين الى جانب الصليب الاحمر هما الهلال الاحمر و الاسد و الشمس الاحمرين.

الثانية: متعلقة بمعاملة اسرى الحرب و جاء في 77 مادة تخص ما يتعلق بحياة الاسير و توفير الحماية له و الاستفادة من خدمات اللجنة الدولية للصليب الاحمر و وكالاتها المنخصصة لجمع المعلومات عن الاسرى و تبادلها مع ذويهم. هذه المسائل كانت معالجة بصفة جزئية قي اتفاقية لاهاي .

الثالثة: خاصة بتحسين حال الجرحى و المرضى و الغرقى من القوات البحرية و جاءت تعديلا لاتفاقيتي لاهاي لسنة 1899 و 1907 .

هذه الاتفاقيةلم تتمكن من مجابهة ماسي الحرب العالمية الثانية باسلحتها الرهيبة بحيث ابيدت عشرات الملايين من البشر محاربين و مدنيين و نساء و اطفال ممن لم يكن لهم اي دور في المعركة لذلك تقرر اجراء مفاوضات على مستوى عالمي لمواجهة هذه النكابات و الحد من ويلات الاجرام الدولي و تجسد ذلك بابرام اتفاقيات جنييف الاربعة لسنة 1949

4-     اتفاقيات جنيف الاربع لسنة 1949

تعتبر هذه الاتفاقيات التي يزيد عدد موادها عن اربع مائة مادة احدث و اشتمل مدونة للقواعد التي تحمي الفرد في حالة النزاع المسلح و هذا بعد ان ثبن للمجتمع الدولي ما خلفته الحرب العالمية الثانية من ماسي البشرية سواء في الارواح او في العيان او الاشياء . و ابرمت هذه الاتفاقيات نتيجة المؤتمر الديبلوماسي الذي دعت اليه الحكومة السويسرية في جنييف سنة 1949

           الاتفاقية الاولى : هذه الاتفاقية تعتبر تعديل و تطوير لاتفاقية جنيف لسنة 1929 بشان تحسين حال الجرحى و المرضى العسكريين في الميدان .

         الاتفاقية الثانية: تخص تحسين حال الجرحى و المرضى و الغرقى للقوات المسلحة في البحار و تعتبر تطويرا لاتفاقية لاهاي لسنة 1907.

   الاتفاقية الثالثة : تتعلق بمعالمة اسرى الحرب وهي تعديل و تطوير لاحكام اتفاقية جنيف لسنة 1929

   الاتفاقية الرابعة : تخص حماية الاشخاص المدنيين في وقت الحرب . و تعتبر اول اتفاقية نوعية تخص هذا الشان لان اتفاقية لاهاي لسنة 1907 تناولت بصفة جزئية العلاقة بين المحتل و سكان الارض المحتلة بحيث تعتبر نصوصها تكملة لحماية المدنيين

  الاحكام العامة لهذه الاتفاقيات

تحتوي اتفاقيات جنيف الاربعة على نصوص عامة و قواعد تطبييقية .

1-    حالات التطبيق :

كثيرا ما اهملت الاتفاقيات اثناء الحرب العالمية الثانية بحجة انها سارية المفعول قانونا و لذلك كانت من الخطوات الاساسية المطلوبة في عام 1949 وضع نصوص تبطل مثل هذه الحجج بحيث تشمل الاتفاقيات االنص على وجوب سريانها فور اندلاع العمليات الحربية و ليس فقط عند اعلان الحرب رسميا .

لقد تضمنت اتفاقية جنيف لسنة 1906 و اتفاقية لاهاي لسنة 1907 فقرة مفادها ان التزامات المعاهدة لا تطبق اثناء النزاع الا اذا كان جميع الخصوم قد وقعوا المعاهدة وفي خلال الحرب العالمية الاولى كانت الدول المتنازعة تتهرب من التزامتها لكونها غير موقعة على الاتفاقية و نتج عن ذلك مصير رهيب للضحايا في بعض البلدان خلال الحرب العالمية الثانية لمجرد ان بعض الدول لم تكن قد صادقت على اتفاقية 1929 بشان معاملة اسرى الحرب.

و لعلاج هذا القصور نصت المادة 02 من الاتفاقية لسنة 1949 على التزام اطراف النزاع بالاتفاقية فيما يتعلق بدولة ليست طرفا فيها اذا قبلت الدولة الاخيرة احكامها . لذلك اذا اعلنت دولة غير موقعة على الاتفاقية انها سوف تلتزم باحكامها او طبقتها كان على الخصوم التزام قانوني بمعاملتها بالمثل و طبق هذا المبدا خلال حرب السويس سنة 1956 .

2-     تحديد الانتهاكات : حددت الاتفاقيات الحالات التي تشل انتهاكا خطيرا و الزمت الدول بسن تشريعات تفرض عقوبات على المخالفين و حددت الانتهاكات الخطيرة التالية

-         اعمال ترتكب ضد افراد تحميهم الاتفاقيات : مثل القتل – التعذيب المعاملة اللاإنسانية

-         اعمال ترتكب ضد الاسرى الحرب : كارغامهم على الخدمة في قوات دولة معادية و حرمانهم من الحق في المحاكمة العادلة

-         اعمال ترتكب ضد المدنيين : مثل النفي و الابعاد و الاعتقال

و تلاحظ اللجنة الدولية للصليب الاحمر الدولي ان بعض الدول سنت قوانين تحضر مثل هذه الانتهاكات و ان كانت تلك القوانين غير وافية بحيث لا يمكن محاكمة الشخص الا اذا كان ما ارتكبه يعتبر جريمة ايضا بموجب القانون الوطني

و رغبة في مساعدة الدول على الوفاء بالتزاماتها حاولت اللجنة سنة 1956 وضع قانون نمطي غير ان هذا الجهد كان عقيما بسبب اختلافات الفلسفات القانونية .

هذه الانتهاكات تعتبر جرائم حرب و هي من الجرائم الدولية الكبرى ، و هي ذات طبيعة قانونية تختلف عن الجرائم الدولية الاخرى لانها ذات وضع  خاص في اعتبارات القانون الدولي ، و يرى بعض المؤلفين ان طبيعتها الاجرامية ثابتة لها بموجب مبدا مستقر في هذا القانون منذ نهاية القرون الوسطى و حتى ايامنا هذه و اذا لم تظهر هذه الطبيعة الجنائية بجلاء احيانا ، فلان العدة جرت على ان تتضمن معاهدات الصلح التي تنهي الحروب فقرات خاصة بالعفو عن مرتكبي هذه الجرائم

و جنايات الحرب هي بانجار تلك التي ترتكب ضد القوانين و عادات الحرب و قد عرفت الفقرة ب المادة 06 من لائحة محكمة نورمبرغ هذه الجنايات بانها :" الاعمال التي تشكل انتهاكا لقوانين و اعراف الحرب " . و يلاحظ ان ممثلي الاتهام في محاكاماتنورمبرغ اجمعوا على تعريف جنايات الحرب بانها " الافعال التي ارتكبها المتهمون بالمخالفة لقوانين و اعراف الحرب و الاتفاقيات الدولية و القوانين الجنائية الداخلية و المبادئ العامة للقانون الجنائي المعترف بها في كل الدول المتمدنة"

و يرجع اصل تلك الجرائم الى القواعد العرفية التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر ثم في اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و 1907 ثم في قائمة لجنة المسؤوليات لجرائم الحرب لعام 1919 ،ثم في قائمة لجنة الامم المتحدة لمجرمي الحرب عام 1942 ثم في لائحة نورمبرغ ( الفقرة ب من المادة 06) عام 1945، و لائحة طوكيو الدولية المادة 05 لعام 1946 ثم في المبدا السادس من مبادئ نورمبرغ و في مشروع تقنين الجرائم ضد السلام و امن البشرية م 02/12 و في اتفاقيات حنيف الموقعة سنة 1949 لحماية ضحايا الحرب في المواد 50 من الاتفاقية الاولى و 51 من الاتفاقية الثانية و 130 من الاتفاقية الثالثة و 147 من الاتفاقية الرابعة .ثم في المادتين 11 و 85 من الملتحق لهذه الاتفاقيات الموقع عام 1977 الذي كان واضحا في تسميته الاشياء باسمائها حين وصف الانتهاكات الجسيمة المرتكبة خلافا لاحكامه او للاتفاقيات التي يكملها بانها "جرائم الحرب " .فلم يعد ثمة مجال لتاويل او اجهاد امام صراحة النص .

و يلاحظ ان اتفاقيات جنيف الاربع توجب على الدول الموقعة ان تعدل تشريعاتها لمعاقبة هذه الافعال .ومن هذه الدول من اكتفت بنص عام يعتبر انتهاك قواعد القانون الدولي جريمة ، و منها من عملت على تعديل قانونها الجزائي ، اذا كان دستورها لا يسمح بمعاقبة احد الا اذا قضى نص تصريح بمعاقبته اي انها لا تقبل التطبيق المباشر للقانون الدولي بسبب قانونية الجرائم و العقوبات و بسبب وجود نص في اتفاقيات جنيف يلزم الحكومات الموقعة بتعديل قوانينها كما تعهدت بذلك صراحة فان عددا من الدول انجزت هذا التعديل ، و ان عددا اخر في صدد اجرائه لكن غير هؤلاء و اولئك وقعوا على الاتفاقيات و التزموا بوجوب تعديل تشريعهم غير انهم لم يفعلوا شيئا حتى الان ، و انهم اصدروا تشريعات  معينة لكن محاكمهم ما تقيدت بها او ان احكام هذه المحاكم الغين بقرارات من المراجع العسكرية العليا فكانت ان مرت جرائم مجرمي الحرب دون عقاب فعلي . و هذا مايحدث بصورة منتظمة في اسرائيل فهناك و بعد بضع اشهر فقط من التوقيع على الملحق عام 1977 حكم ضابط اسرائيلي اتهم بتعذيب و قتل اربعة من اسرى الحرب خلال الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978 غير ان الجنرال اتيان رئيس الاركان العامة الغى الحكم و عفى عن مجرم الحرب هذا بكل بساطة . و هذا مجرد الحرب هذا بكل بساطة . و هذا مجرد مثال لسلسلة متلاحقة من هذه التصرفات المنافية لروح و نص القانون الدولي الانساني

صحيح ان الدولة التي تتعهد بالتزام قانون دولي كاستصدار نصوص تشريعية داخلية بمعاقبة جرائم الحرب ، و لا تنفذ التزامها تعتبر مسؤولة دوليا .

و صحيح انه بموجب القواعد التي أرستها لائحة نورمبرغ و احكامها لا تحتاج محكمة دولية مختصة لنص داخلي وطني يعاقب بموجبه المتهمين في جرائم الحرب هذه ، فنصوص القانون الدولي تكفي و لكن و لكن ما هي حدود المسؤولية الدولية للدولة في غياب المرجع القضائي الدولي المسلح باختصاص ملزم للبت فيها و هو مايعاني منه المجتمع الدولي و ما هي القيمة القانونية الفعلية لإيراد جرائم الحرب في معاهدات دولية دون النص على وجود مرجع قضائي جزائي دولي مستقل جاهز للحكم على مرتكبيها و من ذا الذي يضمن ان تقوم المحاكم الوطنية بمحاكمة مواطني دولة ما بتهمة ارتكاب جرائم حرب في حين انهم قد يعتبرون ابطالا وطنيين من وجهة نظر الراي العام في دولتهم او لنقل غالبية هذا الرأي  العام .

هذا و ذاك من الاسئلة يشكل جوهر المشكلة الحقيقية للطبيعة الحقوقية للقانون الدولي الجزائي بما فيه هذا الجزء الذي يتعلق بمعاقبة الجرائم التي ينص عليها القانون الانساني . فحين يتقزم الجزاء او ينعدم يثور السؤال جديا حول طبيعة الالتزام المفتقر الى خذا المؤيد لجهة كونه التزاما قانونيا ام مجرد التزام اخلاقي ادبي .

بعبارات اوضح تجدنا فيما يعرف القانون الدولي الانساني الان امام عدد من المفارقات فهناك انتهاكات جسيمة يعتبرها هذا  القانون جرائم حرب دولية من حيث الوصف و يساعد عنها الدول و الافراد مرتكبيها معا ( بغض النظر عن صفاتهم الوظيفية ) و لكن دون وجود مرجع قضائي جزائي دولي يحكم فيها مما يجعلها خاضعة للقضاء الوطني وحده ( اذا التزمت الدول باصدار تشريعات تنشئ مثل هذا القضاء المختص ) او بلا عقوبة جزائية فعلية البته ، الا اذا وقع مرتكبوها في قبضة العدو ( عندئذ يصبح هذا العدو خصما و حكما ) او في قبضة تسمح قوانينها الجزائية بمعاقبة مجرمي الحرب هؤلاء بغض النظر عن جنسياتهم و عن كونها هي طرفا في النزاع المسلح المعني ام لا .

المسؤولية المشتركة : تقضي الاتفاقيات المسؤولة المشتركة بين الاشخاص الذين يرتكبون انتهاكات خطيرة و اولئك الذين يأمرونهم  بارتكابها و يمكن محاكمة اولئك كشركاء

و لا تسمح الاتفاقيات لشخص ان يدافع عن نفسه بمسؤولية الدولة .

4-البروتوكولات الملحقات بالاتفاقيات الاربع :

اثبتت الحروب التي اندلعت بعد ابرام اتفاقيات جنيف لسنة 1949 اوجه القصور و النقص في الاتفاقيات لا سيما ما يتعلق منها بالحماية الخاصة بضحايا النزاعات من المدنيين الذين تعرضهم اساليب الحرب الحديثة للاخطار و الويلات . لذلك برزت ضرورة تطوير قانون جنيف و استكماله باحكام جديدة مكملة له و كانت اهم الجهود جهود اللجنة الدولية للصليب الاحمر صاحبة المشروع الاول لهذه الاتفاقيات

ففي سنة 1965 اصدر المؤتمر الدولي العشرون للصليب الاحمر في فيينا قراره رقم (28) حث فيه اللجنة الدولية للصليب الاحمر على ضرورة تطوير و تنمية القانون الدولي الانساني ، و تماشيا مع هذه التوصية قامت هذه اللجنة سنة 1967 بارسال مذكرة الى جميع الدول الاطراف في اتفاقيات  جنيف دعتها فيها النظر فيما قرره المؤتمر الدولي العشرون بالنسبة لتطوير و تنمية القانون الدولي الانساني و مراجعة بعض اجزاء قانون الحرب الحالي و ذلك من اجل التفكير في وضع حماية لضحايا الحرب ضد اخطارها غير المميزة،و في سنة 1968دعا مؤتمر الامم المتحدة الخاص بحقوق الانسان المنعقد في طهران الامين العام للامم المتحدة الى ان يجري اتصالاته مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر من اجل اعداد الدراسات الخاصة بهذا الموضوع، و في سنة 1968 ابلغت اللجنة الدولية المشار اليها ممثلي جمعيات الهلال و الصليب الاحمر و الاسد و الشمس الاحمرين الوطنية انها تقوم باعداد دراسة جديدة حول تاكيد و تطور القانون الدولي الانساني المطبق في النزاعات المسلحة.

و لقد كان الاتجاه الرئيسي الذي راى اتباعه عدم المساس باتفاقيات جنيف الاربعة من حيث التعديل او التنظيم او اعادة الصياغة و ان الاصلح هو وضع بروتوكولات جديدة لتلحق بهذه الاتفاقيات و تكمل احكامها .

وفي سنة 1969 اصدر المؤتمر الدولي الحادي و العشرون للصليب الاحمر المنعقد باستانبول قراره رقم (13) و قد اوصى فيه اللجنة الدولية للصليب الاحمر بالعمل بالنشاط الازم لمتابعة جهودها الخاصة بوضع مشروع القواعد التي تكمل القواعد القائمة حاليا للقانون الدولي الانساني ، كما اوصى المؤتمر اللجنة بان تدعو الى عقد مؤتمر خبراء حكوميين للتشاور من اجل اعدادا هذه القواعد.

و قد قامت اللجنة الدولية للصليب الاحمر باجراء مشاورات مع عدد من الهيئات و المنظمات الدولية و الاقليمية الوطنية اسفرت عن ضرورة تقسيم بحث الموضوع الى قسمين يتناول الاول قواعد الحماية في حالات المنازعات المسلحة الدولية، و يتناول الثاني قواعد الحماية في حالات المنازعات المسلحة غير الدولية التي غدت ظاهرة لا يمكن تجاهلها في حياة البشر.

و قد اعدت الجنة صياغة لمشروعي بروتوكولين قامت بارسالهما الى الدول المدعوة للاشتراك في مؤتمر الخبراء الحكوميين الدي انعقد سنة 1971 و ناقشت هذين المشروعين الا ان الحاجة دعت الى عقد دورة ثانية لمؤتمر الخبراء الحكوميين و ذلك لعدم توصيل خبراء الدورة الاولى لنتيجة نهائية حول الموضوع .

و لقد راوح المشروعان في دورات متتالية للمؤتمر الدبلوماسي حتى العام 1977 حيث تم في الدورة الرابعة اقرارهما بحضور ممثلين عن 109 دول و يبلغ عدد المصادقين على البروتوكول الول 155 دولة في حين انضم الى الثاني ما يزيد عن 136 دولة .

         و قد صدر عن المؤتمر الدبلوماسي نتيجة دوراته الاربع الوثيقتان التاليتان:

         -الملحق "البروتوكول" الاضافي الاول لاتفاقيات جنيف الموقعة سنة 1949 بشان حماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية و يقع في 102 مادة و هذا البروتوكول مكمل لاتفاقيات جنيف الاربع و تضمن الباب الاول من قاعدة خاصة بشعوب العالم الثاث و مناضلي حركات التحرير تفيد ان حروب التحرير تعد نزاعا مسلحا دوليا ثم جاء الباب الثاني منه الخاص بالجرحى و المرضى و المنكوبين في البحار مكملا لاحكام الاتفاقيتين الاولى و الثانية و اضفى ذات الحماية على المدنيين . اما الباب الثالث فقد تناول اساليب و وسائل القتال و الوضع القانوني للمقاتل و اسير الحرب و هذا الباب هو الذي دمج قانون لاهاي و قانون جنيف لانه تناول العديد من القواعد المنصوص عليها في لاهاي و اكملها بما يتلائم و النزاعات الحديثة . فاما الباب الرابع فقد اهتم بالسكان المدنيين بهدف توفير اكبر حماية لهم من اخطار النزاعات .

        -الملحق "البروتوكول" الاضافي الثاني لاتفاقيات حنيف الموقعة سنة 1949 بشان حماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية (الملحق البروتوكول الثاني) و يقع في 28 مادة .

       -تناولت المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الاربع النزاعات المسلحة غير الدولية الا ان البروتوكول الاضافي الثاني تناولها بالتفصيل و قد حرر الملحقان بست لغات متساوية في الحجية من بينها لغتنا العربية.

و اصدر المؤتمر الدبلوماسي في هذه الدورة مجموعة من القرارات (التوصيات) منلشئ ان يكون انسانيا الا كان اذا كان مخلوقا من لحم و دم و لكن الدولة جهاز مجرد انها اشبه ما تكون بالانسان الالي و هي اذ تفتعل في كثير من الاحيان مواقف انسانية و لا تكف عن المناداة بالعدالة و عن اعلان انبل المشاعر، انما تقدم صورة دقيقة للتظاهر الزائف في خدمة الصلف الاناني.

و اذلك فان القانون الدولي قبل كل شئ ليس الا حصيلة مصالح الاطراف فيه ( اي الدول) غير ان الاشخاص الذين يملكون السلطة في داخل الدولة يستطعون غالبا تحت ضغط الراي العام الذي اصبح له في ايامنا دور مهم ان يمارسوا نفوذا ايجابيا في صياغة القانون و تطبيقه شانه في ذلك شان المؤسسات الخيرية التي تسعى الى ان يسود العالم شئ من العدل و الرحمة حتى عندما يتفجر العنف، كما تعمل على ان ينطوي القانون على بعض الجوانب الانسانية لصالح الفرد.

ان هذا العمل الذي التزم به الصليب الاحمر منذ قيامه قبل اكثر من ماةئة عام مضت لا يمكنه ان يتقدم الا بمثابرة صبورة دون طموح مفرط فاحكام اية معاهدة تعوزها الواقعية سوف ترفض على الفور و ان املاها الحب الصادق لخير الجميع،او على اي حال لن يحترمها احد و هكذالا تحقق اغراضه. و مع ذلك توجد بعض العوامل الاخرى التي تعوض هذه النقائص.

2. المطلب الثاني:الطبيعة الامرة لنصوصه القانونية

   فقواعد القانون الدولي الانساني قبل اي شئ لها طابع امر و ليست اختيارية و هكذا فان اتفاقية فيينا المعاهدات سنة 1969 بعد ان عرفت في المادة 35 الحكم الامر بانه "قاعدة تقبلها و تسلم بها الاسرة الدولية بكافة دولها كمعيار لا يجوز انتهاكه و لا يمكن تعديله الا بقاعدة جديدة في القانون الدولي العام تكون لها نفس الصفة عادت فقرت في المادة 60 ان ( الاحكام التي تحظر الانتقام من الافراد المحميين الواردة بمثل هذه المعاهدات ) تكون لا هذه الطبيعة الامرة .

اهمهاالقرار رقم 21 بشان نشر القانون الدولي الانساني المطبق في المنازعات المسلحة، و بوحي من هذا انعقدت مؤتمرات اقليمية اوقارية في وارسو ( لدول اوروبا و امريكا الشمالية ) و في ممباسا ( افريقيا الناطقة بالانجليزية ) و في كوالا لامبور ( لدول اسيا و جزر المحيط ) و في تونس ( لدول افريقيا الناطقة بالفرنسية )

و في سنة 1949 و بمقتضى قرارها رقم 49/48 قالت الجمعية العامة ان اتفاقيات جنيف حازت قبولا عالميا رغم ان مواقف الدول بشانها و بشان البروتوكولين كانت متغايرة فبينما وافقت بعض الدول و صادقت على البروتوكول الاول لكونه غير متوازن بالنظر الى ما اقره من احكام تعتبر حروب التحرير نزاعا دوليا يعطي الحماية للمحاربين للقوات المحتلة و هذا بالنظر الى احتلال اسرائيل للاراضي العربية حتى لا تكون المقاومة في نظرهامشروعة .فطبيعة القانون الدولي الانساني:

اولا : القانون الدولي الانساني جزء من قانون الحرب : لذلك و لما كانت الحرب تهدد وجود الدول ذاتها، حين تكون كل طاقاتها مجندة للمعركة فان قواعد الحرب تكون مهددة اكثر من غيرها بعدم الالتزام بها و الى جانب ذلك فان الحرب تعرقل توقيع العقوبات على اولئك الذين ينتهكون تلك القواعد.

القانون الدولي الانساني قانون يتعلق بالدولة و الدول هي التي تبرمه و تطبقه فالدولة التي وصفها "نيتشه" بانها ( مسخ بارد ) تمثل امام الامم الاخرى مصالح رعاياها و تتولى قيادة الصلف الجماعي collective egotismeبوصفها قوة مكرسة لخدمة المصالح المباشرة للشعب ، فاذا ما ابدى مسؤول في الدولة انه ياخذ في حسبانه مشاكل امة اخرى، اتهم على الفور بالخيانة و هذه هي الماساة الكاملة في حقل السياسة الدولية و في كبريات المؤسسات الدولية.

ان القانون الدولي الانساني يقوم على قاعدة انسانية كما يفهم من اسمه و لا يمكن الدولية للصليب الاحمر تعلن دائما ان اية دولة تخلف دولة اخرى سبق  ان صادقت على اتفاقيات جنيف تكون ملزمة بها بصورة تلقائية .

و من المسلم به صورة عامة ان عدم تنفيذ طرف من الاطراف لمعاهدة ما قد يؤدي في النهاية الى تحلل الطرف الاخر من التزاماته ، او يبرر الغاء المعاهدة و ذلك على غرار اي تعاقد يخضع مثلا للقوانين الداخلية . غير ان هذا لا ينطبق على اتفاقيات جنيف فهي تظل سارية في جميع الظروف و لا تخضع لشرط المعاملة بالمثل . فلا يمكن للعقل ان يقبل مطلقا ان للطرف المحارب ان يسيء معاملة الاسرى مثلا او يقتلهم لان خصمه ارتكب مثل هذه الجرائم ان ذلك سيكون خرقا خطيرا لمبدا الانسانية ، و لن يعاني من جرائه الا الابرياء و بينما تهدف معظم المعاهدات الى الحفاظ على مصالح الدول المتعاقدة فان للقانون الدولي الانساني طبيعة مختلفة و مرتبة اسمى بغير حدود فهو يحدد مصائر الناس . و الامر هنا لا يتعلق بمنافع متبادلة بل مجموعة من القواعد الموضوعية التي تعلن للعالم ضمانات هي من حق كل انسان . ان كل دولة ملتزمة امام نفسها مثلما تلتزم تجاه البلدان الاخرى و القضية هي قضية الحياة الانسانية و ليست قضية مكاسب مادية .

ان احجام احد المتحاربين عن تطبيق احدى اتفاقيات جنيف متذرعاباهمال من جانب الخصم انما يتعادل مع اقتراف اعمال انتقامية ضد الاشخاص المحميين بينما تحظر الاتفاقيات الاعمال الانتقامية حظرا تاما , و قد اعيد تأكيد هذا الحظر منجديد مؤخرا فبينما تنص اتفاقية فيينا لعام 1969 بشان قانون المعاهدات في المادة 60 على اي انتهاك جسيم لمعاهدة متعددة الاطراف من جانب احد اطرافها  يعطي للاطراف الاخرى حق تعليق تنفيذ الاتفاقية كليا او جزئيا . و يعتبر انتهاكا جسيما اي خرق لاي حكم يعتبر اساسيا بالنسبة لاغراض المعاهدة . فان نفس المادة تنص على ان هذه القاعدة لا تنطبق على الاحكام المتعلقة بحماية الفرد التي تتضمنها المعاهدات ذات الطابع الانساني لا سيما الاحكام التي تحظر اي نوع من الاعمال الانتقامية ضد الافراد الذين تحميهم الاتفاقيات .و بالنظر الى الطابع المنزه لاتفاقيات جنيف و لاهاي و الى القيم السامية التي تدافع عنها و بسبب عراقتها و انتشار و اثرها في العالم كله ، يمكن الان تاكيد بان هذه الاتفاقيات قد فقدت الى حد كبير صورة المعاهدات المتبادلة في اطار العلاقات بين الدول و انها اصبحت تمثل التزامات مطلقة .

ان القانون الدولي الانساني في المقام الاول لا يتألف من قواعد مكتوبة و حسب بل ايضا من قواعد عرفية سوف تدخل في مدونة القانون المكتوب تبعا . و ليس هذا القانون كله في واقع الامر الا تأكيدا جديدا لقواعد عرفية قديمة تم تطويرها و توسيع نطاقها عند تدوينها . و بالإضافة الى ذلك  فهي ملزمة حتى للدول التي لم تنضم اليها رسميا .

 و تحتوي كل اتفاقية من اتفاقيات جنيف على مادة تنص على ان الاطراف السامية المتعاقدة حرية انهاء تعاقدها اي تنسحب من جانب واحد من الاسرة الدولية المشاركة في الاتفاقية بعد اعطاء مهلة مدتها سنة

و لكن على اية حال من المتفق  عليه ان هذا مجرد نص شكلي فمنذ او وضعت اتفاقية جنيف الاولى قبل اكثر من مئة عام لم تنسحب من الاتفاقية اية دولة فكيف اذن نتخيل ان دولة ما يمكن ان تفكر في رفض مثل هذه القواعد الحضارية الاولية ؟

والى جانب المبادئ الاساسية التي تحتوي عليها اتفاقية جنيف فانها تشمل بطبيعة الحال احكاما ثانوية تغطي على سبيل المثال الوسائل العلمية للتطبيق . فاذا افترضنا ان دولة ما لم تجد حرجا في اعلان انسحابها من احدى اتفاقيات جنيف و ان كان امرا كما قلت لا يمكن تصوره فانها بذلك تتحلل من هذه القواعد الثانوية وحدها . و ليس باستطاعتها ان تفسخ المبادئ الاساسية و لا ان تتملص من واجب الالتزام بها ، لان هذه المبادئ اصبحت اليوم جزء من قانون الشعوب . و تشكل تقنينا للعرف الدولي و لنفس الاسباب كانت اللجنة

ثالثا : الصفقة الدولية و الفردية للحقوق

هل القانون الدولي الانساني يمنح الافراد حقوقا ، على نحو مباشر او يمنح الحقوق للدول التي هم رعاياها ؟ كان معظم المفكرين حتى وقت قريب يؤكدون ان القانون الدولي لا يتعلق الا بالدول وحدها . اما اليوم فتوجد افكارا اكثر تحررا حيث يرى الكثيرون ان القانون الدولي يمكن ان يمنح للافراد حقوقا . و مع ان الاحكام الانسانية لا تزال ذات طبيعة دولية فلا شك ان غرضها الحقيقي هو حماية الفرد . و الدولة ليست غاية في حد ذاتها و لكنها مجرد وسيلة فعندما يقال ما يقال و يعمل ما يعمل ليس للدولة وجود الا من خلال الفراد الذين يكونونها .

لقد كان الهلال و الصليب الاحمر بدون ريب واحدا من القوى الدافعة الفعالة لهذا التطور . ففي عام 1949 اندلعت اتفاقيات جنيف بقوة و ثبات على هذا الطريق الذي انفرج فالمادة السابعة المشتركة بين الاتفاقيات تنص على انه ( ليس للاشخاص المحميين باي حال من الاحوال ان يتنازلو عن بعض ا كل الحقوق المكفولة لهم ) بمقتضى هذه الاتفاقيات او بمقتضى الاتفاقيات الخاصة المعقودة لصالحهم عند الاقتضاء وتنص المادة 06 على انه يجب الا يكون لاي اتفاق خاص تاثير ضار بحالة الاشخاص المحميين الذين تحددهم التفاقية او تقيد الحقوق التي تكفلها لهم . و ثمة احكام اخرى تمكن الافراد من الدفاع عن تلك الحقوق .

 و كما نعرف جميعا حدث اتجاه مواز لهذا التطور في دائرة حقوق الانسان بلغ ذروته في المادة 26 من الاتفاقية الاروبية التي تعطي للافراد حق التقدم بطلب الى لجنة حقوق الانسان التي لها سلطة قضائية .

 ترى هل تتفق هذه النصوص الرسمية مع تفسير المدرسة التقليدية التي تسمى بالمدرسة الثنائية او انها جاءت نتيجة اخطاء صياغة ؟ ليس الانمر فلقد كانت الاستثناءات من القاعدة التقليدية كبيرة العدد عظيمة الاهمية حتى ان القاعدة ذاتها اصبحت الان بغير مفعول .

ولقد احسن الاستاذ بارتوس وصف الموقف بقوله ان قواعد القانون الدولي الانساني قد تطورت من اتفاق تعاقدي الى معاهدة قانونية و لا يبدو ان تطورا مثل هذا يمكنه ان يرتد

رابعا:اولوية الفرد

لقد اشرنا من قبل و سوف نشير مرارا و تكرارا الى الاحكام التي تؤكد اولوية الفرد و هكذا تهز سلطان سيادة الدولة التي كانت تعتبر حتى الان اقوى من ان تهتز هذه الاحكام وقائع منعزلة و لكنها مراحل في التطور التدريجي و المستمر في قانون الشعوب. و لقد نبع هذا التطور من فلسفة القرن الثامن عشر و لقد وصل الان الى نهايته المنطقية.

ان معظم الدول مثلا تخضع للقانون الدولي الذي يتسع دائما نطاق تطبيقه برفضها لاية دعوى لاطلاق حرية اللجوء للحرب لتسوية الخلافات، و بممارستها لضبط النفس في ادارة الحرب اذا ما قدر للحرب ان تندلع.

لقد وجدنا في اتفاقيات جنيف امثلة متعددة لهذا الاتجاه، فعندما وقعت الدول دونما اعتراض في عام 1864 الاتفاقية الاولى التي وافقت فيها على علاج الجرحى بطريقة انسانية دون تمييز بحسب الجنسية كان ذلك التزاما منها الى حد ما تجاه رعاياها. و لا يزال هذا التجاه اكثر بروزا في الاتفاقية الرابعة لعام 1949 التي ينطبق الجزء الثاني منها على مجموع السكان.

و وضعت الدول ايضا حدودا لسلطاتها عندما وافقت في عام 1929 على وجود رقابة دولية من الدول الحامية و من بعدها رقابة اللجنة الدولية للصليب الاحمر بهدف تامين التطبيق الصحيح لاتفاقيات جنيف و وجود مراقبين محاديين على اراضيها. كما وافقت الدول ايضا على نظام للعقوبات يضمن احترام القواعد الانسانية و هكذا اصبحت الدول منذ ذلك الحين تتحمل مسؤولية اي انتهاك يرتكب و عليها ان توقف النتهاك و تعاقب مرتكبيه.و علاوة على ذلك تخلت الدول عن استعمال سلاح الانتقام التقليدي، على الاقل ضد الافراد الذين تحميهم اتفاقيات جنيف .

و كانت المادة الثاثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الاربع من المعالم الحاسمة فعلى خلاف ما كان يحدث قديما تحت حكم التقاليد الكلاسيكية لمتعد الدولة حرة في ان تعامل كما يحلو لها الذين يثولرون على النظام القائم و هكذا اصبحت تقيدها التزامات ازاء الخارجين عليها.

و بالتدريج بدا ينظر  الى هدف القانون الدولي على انه تزويد كافة الافراد بالحد الادنى و الضمانات الدائمة للحماية حتى من سلطات بلادهم و لاشك ان هذا التطور سوف يستمر لانه يستجيب على اكمل وجه للحاجات الاجتماعية و للطبيعة الانسانية .و لكنه لن يصل الى نهاية مبتغاه الا اذا طبق القانون الدولي بواسطة المحاكم و الهيئات الرقابية تساندها هي نفسها قوة دولية قادرة على فرض قراراتها و من الجلي ان هذا يقضي تنظيما جديدا للعالم على غرار التنظيمات الداخلية للامم. و اذا ما تحقق ذلك يستطيع المرء ان يتصور ان العالم سيخلو نهائيا من الحروب. و لكننا لا نزال بعيدين عن هذا الامل السعيد. و ان كان من الواضح ان الزمن الذي تستطيع الدول فيه ان تفعل ما بدا لها مع غض النظر عن الحقوق الاساسية ارعاياها قد ولى. و لم يعد يمكن الان اشهار مبدا سيادة الدولة في مواجهة الحقوق المقدسة للانسان.

و ما زال امامنا بحث قضية اخرى فقد كان من حق الدول الى وقت قريب ان تعلن الحرب بدافع من احتياجاتها السياسية و كانت الدول تستمد هذا الحق من سيادتها الكاملة .و لقد بدا الموقف يتغير مع ميثاق عصبة الامم المتحدة و معاهدة كيلوجبرياند عام 1928. و امتدادا لهذا التفكير المنطقي اصبح ميثاق الامم المتحدة يحظر الحرب، او حتى الجوء للعنف و ان كان مجلس الامن مفوضا في استعمال التدابير العسكرية ضد اية دولة معتدية. و لا توجد اليوم الا ثلاثة انواع من النزاع غير المحضور: الاجراءات التي تتخذها الامم المتحدة لاعادة السلام و الدفاع المشروع عن النفس و النزاع الداخلي الذي لا سلطان للامم المتحدة عليه.

و اذا كان لنا الان ان نرحب بالتوصل الى تحريم الحرب فمن العسير ان نغفل عن الذمن الذي تكلفه هذا الانجاز . فبما ان الحرب قد اصبحت عملا مدانا فليست هناك دولة تحب الان ان تخطئ باعلان  الحرب و مع الاسف لا تزال الحرب تجري كما كانت تجري من قبل و لكن احدا لا يجرؤ على الاعتراف بانه يفعل ذلك . و بطبيعة الحال لا تطبق الدول في العادة قانون المنازعات المسلحة لانها تنكر انها بالفعل طرف في النزاع . و ثمة نتيجة اخرى من نتائج الحظر هي الانبعاثات غير المتوقع لفكرة الحرب العادلة القديمة تلك الفكرة التي سببت في العصور الوسطى اضرارا كثيرة و التي بدا في القرن التاسع عشر انها تلاشت الى الابد كما تتلاشى الاساطير اما اليوم فان الحرب تعتبر عادلة اذا نشبت في الحالات التي وصفناها اعلاه و غير عادلة اذا كانت مضادة لمبادئ الميثاق .

و لكن حتى لو بدا ان المجتمع الدولي في طريقه الى الانتكاس في هذا الصدد فليس هناك من شك و في راينا ان المسائل الحيوية و ان قواعد القانون الدولي الانساني يجب ان تراعى في كل المنازعات قانونية كانت او غير قانونية و لقد كان الامر كذلك منذ عام 1942 حين اعلن كوينسي رايت تمييزه الهام فيما بين حق اللجوء للحرب و الذي يعرف الظروف التي يمكن فيها اللجوء للقوة و هي ظروف يمكن فيها التمييز و بين قانون الحرب الذي يحدد وسائل الحرب و يجب ان يطبق على الجميع على قدم المساواة و هكذا اذا كان شن الحرب جريمة فان الحرب بطريقة غير  انسانية جريمة مضاعفة .

الوضع القانوني لأطراف النزاع :

(( لا يؤثر تطبيق القانون الانساني على الوضع القانوني لأطراف النزاع )) وردت صيغة من هذا القبيل منذ عام 1949 في المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف بشان المنازعات غير الدولية ، و برهنت التجربة على عظم اهميتها انها ((صمام الامان )) الذي من شانه تهدئة المخاوف السياسية فالالتزام بالقانون الدولي الانساني لا يفترض بالنسبة لأي دولة اعترافا منها لخصمها بصفة الطرف المحارب كما لا يتيح لهذا الخصم ان تتخذ منه حجة لغايات اخرى .

تجدر الاشارة الى انه مع ذلك و للحقيقة فان اي حكومة عندما تعترف بتطبيق المادة الثالثة انما تقر بان هناك نزاعا داخل حدودها و ان هناك نزاعا  داخل حدودها و ان هناك (( طرفا اخر في النزاع)) يصبح موضوعا للقانون في اطار القانون الدولي الانساني لكن هذا القول يجب الا يشكل باي حال عقبة في تطبيق المادة.

و من المعلوم  ان البروتوكول الاول دعم الاجراءات التي تسير تعيين الدول الحامية اذا المتحاربين قلما لجئوا الى هذا الاجراء الاساسي رغم كل شيء و ذلك لأسباب سياسية في اغلب الاحيان حيث انهم لا يريدون الاعتراف قانونيا بالخصم .

لذلك ينص البروتوكول الان على انه (( لا يؤثر تعيين و قبول الدول الحامية لأغراض تطبيق الاتفاقيات و هذا البروتوكول على الوضع القانوني لأطراف النزاع )) ( المادة 05 الفقرة 05 ) . بل ان البروتوكول يذهب الى ابعد من ذلك عندما ينص بشكل اكثر عمومية على انه (( لا يؤثر تطبيق الاتفاقيات و هذا البروتوكول و كذلك عقد الاتفاقات المنصوص عليها في المواثيق على الوضع القانوني لأطراف  النزاع )) ( المادة 04). و هكذا الحكم صفة المبدأ.

3. المطلب الثالث: العلاقة بين القانون الدولي الانساني و قانون حقوق الانسان :

مع تزايد النداء بمبادئ حقوق الانسان في الآونة الاخيرة و تزايد الصراعات و من ثم النداء بتطبيق  مبادئ القانون الدولي الإنساني حدث نوع من الخلط و الغموض عند الكثير بين هذين الفرعين القانونين . و يلزمنا نحن كعاملين بالجنة الدولية للصليب الاحمر تقدم شرح بسيط و واضح في هذا الشأن .

1-     مقدمة و تعريف :

ان القانون الدولي الانساني و القانون الدولي لحقوق الانسان لهم اساس واحد مشترك و هو في الاصل حماية الانسان ، و لكنهما يمثلان فرعين قانونيين مستقلين من افرع القانون الدولي العام .

فالقانون الدولي الانساني : هو القانون الذي ينطبق في زمن النزاعات المسلحة سواء الدولية او الداخلية و لذلك يستحسن تسميته بقانون النزاعات المسلحة و هو يشمل من ناحية على القواعد الخاصة بحماية ضحايا النزاعات او ما يسمى "قانون جنيف" و من ناحية اخرى القواعد الخاصة باساليب و وسائل القتال او ما يسمى " قانون لاهاي" و هما القانونان الذان دمجا و تم تحديثهما الى حد بعيد في البروتوكولين الاضافيين لعام 1977 و الذين بدا العمل بهما اعتبارا من عام 1978 .

اما منظومة قانون حقوق الانسان فهي تعمل على ضمان حق كل فرد في ان تحترم حقوقهو حرياته و حياته سواء المدنية او السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية او بمعنى اخر تكون معنية بضمان حقوق الفرد و حرياته ضد اي تعسف لسلطات دولته. تلك الحقوق و الحريات وردت في معظم دساتير الدول على مختلف الاصعدة الوطنيةلوضع قواعد تحكم علاقة الفرد بالدولة . ولكن مايعنينا في هذا المقام قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان بمعنى القواعد الدولية المستقرة و المتعارف عليها و التي يجب على الدول ان تسهر على تطبيقها على الاصعدة الوطنية.

فهذا القانون يعترف بالفرد كاحد اشخاص القانون الدولي، تلك التي كانت قاصرة الى وقت قريب على الدول، و هذا الاتجاه بدامع الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 ثم في العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية عام 1966 من ناحية اخرى.

  خلاصة القول اذن ان احكام القانون الدولي الانساني معينة باحترام و كفالة انطباق القوانين الاساسية الخاصة بضحايا النزاعات المسلحة. فهو قانون خاص مرهون بظروف النزاع المسلح .

اما القانون الدولي لحقوق الانسان فهو معني بالتقدم المستمر للفرد، و الذي لا يمكن ان يتحقق بداءة الا في زمن السلم . و من جهة اخرى فان هناك نقاط التقاء و نقاط اختلاف بين الفرعين يتمثلان في المصادر و اليات الرقابة و من حيث نطاق الرقابة .

اولا : المصادر

ا-مصادر و تطور القانون الدولي الانساني

كما ذكرنا في الفصل الاول من هذه فان اول بدايات للقانون الدولي الانساني في العصر الحديث نتجت عن مبادرة هنري دونان في كتابه تذكار سولفرينو و هي اتفاقية جنيف لعام 1864 و الخاصة بحماية الجرحى في الميدان . و كان ذلك اثر ما شاهده من ماس اثناء موقعة سولفرينو. و جدير بالذكر ان احكام القانون الدولي الانساني ترتبط في تطورها بمثل تلك الماسي التي حدثت في سولفرينو، فمع كل ماساة انسانية في النزاعات المسلحة كانت الحاجة تظهر لتطوير احكام هذا القانون.

لذلك قيل ان قواعد القانون الدولي الانساني كانت دائما متاخرة بحرب فموقعة ليسا البحرية عام 1866 دفعتنا الى اتفاقية حماية الجرحى و الغرقى في البحار لعام 1899 و التي تم تعديلها عام 1907 و الحرب العالمية الاولى اظهرت الحاجة الى حماية اسرى الحرب و هي الاتفاقية الثانية لعام 1929 و الحرب العالمية الثانية جعلت مراجعة احكام القانون الدولي الانساني و تعديلها امرا  ضروريا و من ثم خطونا خطوة جديدة في مجال حماية المدنيين موضوع لاوضاع ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية باقرار المادة 03 المشتركة بين الاتفاقيات الاربع .

 كذلك كان الامر بالنسبة للبروتوكولين الاضافيين لعام 1977 و التي اظهرت الحاجة خلال السنوات التي سبقتهما الى ان الحماية المقررة في اتفاقيات 1949 لم تكن كافية سواء بالنسبة للاشخاص كما حدث في فيتنام و انجولا و زيمبابوي او فيما يتعلق بوسائل و اساليب القتال .

و هكذا و على عدة مراحل طوال اكثر من قرن من الزمان اتسعت دائرة الاشخاص المحميين باحكام القانون الدولي الانساني لتشمل الحمايات كافة الاشخاص الذين لا يشاركون في القتال او الذين كفوا عن المشاركة فيه.

و بذلك اقترب النظام القانوني للحماية في القانون الدولي الانساني من نظام الحماية المقرر وفقا للقانون الدولي لحقوق الانسان الذي يشمل جميع الافراد دون تمييز .

         ب-مصادر و تطور حقوق الانسان:

حقوق الانسان كقواعد قانونية ظهرتبداياتها قانونية ظهرت بداياتها في القرن السابع عشر في القوانين الداخلية،و نذكر على سبيل المثال في انجليترا عريضة الحقوق لعام 1628 "reght of petition"و قانون الاعلام القضائي لعام 1979 "habeas corpus act". و في عام 1689 ميثاق الحقوق "bill of rights" و لكن كان باستطاعة البرلمان الانجليزي ان يبطل هذه الحقوق و لذلك لم تعتبر حقوقا اساسية او من حقوق الانسان كما ننظر اليها اليوم .و لكنها كانت البداية في النظر الى الفرد بصفته و منحه عدة ضمانات لوضع حدود لسلطة الدولة و تعسفها .

 كذلك يمكننا رصد بداية للتعبيرات الاولى عن حقوق الانسان في الوثائق المختلفة التي اصدرتها عدد من دول امريكا الشمالية قرب نهاية القرن التاسع عشر و على راسها ميثاق الحقوق الصادر في فرجينيا عام 1776 و اعلان استقلال الولايات المتحدة الصادر في نفس العام و ايضا في الاعلان الفرنسي لحقوق الانسان و حقوق المواطن الصادر في عام 1789

و في القرن التاسع عشر، اخذت دساتير الدول تتضمن بشكل متزايد تصريحات عن الحقوق الاساسية،و تتضمن القوانين الدستورية الان في كل الدول تقريبا مثل هذه الضمانات .

و لكن حتى قيام الحرب العالمية الثانية لم تكن توجد ضمانات دولية من هذا النوع، هذا اذا ما استثنينا بعض الاتفاقيات الدولية الخاصة بجوانب معينة من حقوق الانسان مثل حظر الرق او حماية الاقليات.

و كانت النقلة الفعلية لتلك القواعد على الصعيد الدولي مع صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اتمدته الامم المتحدة عام 1948 و لكونه يمثل قيمة معنوية ، عملت الامم المتحدة على صياغة مبادئه في اطار ملزم قانونا فعملت على تحرير عهدين ثم اعتمادهما سنة 1966 و دخلا حيز النفاذ بعد ذلك بعشر سنوات اي عام 1976 الاول و هو العهد الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و الثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.

ثم تعددت بعد ذلك الاتفاقيات الاقليمية الخاصة  بحقوق الانسان ونذكر منها على سبيل المثال الاتفاقية الاروبية لحقوق الانسان و الاتفاقية الامريكية لحقوق النسان و الميثاق الافريقي لحقوق الانسان .

و يجب ان نلاحظ في ختام هذا العرض التاريخي شيئا هاما و هو العلاقة بين حقوق الانسان و القوانين الداخلية او بمعنى اخر اليات الالتزام بهذه القواعد في القوانين الداخلية هو السبب في في ان الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الانسان حظيت بتصديق عدد من البلدان يقل عن العدد الذي صادق على اتفاقيات جنيف .

ففي عام 1978 كانت هناك 52 دولة منظمة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و 54 دولة منظمة للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية مقابل 145 منظمة الى اتفاقيات جنيف .

و في منتصف الثمانيات ارتفع عدد الدول المصدقة على العهد الاول الى 61 دولة و على العهد الثاني الى 63 دولة .

و في نهاية عام 1999 وفقا لاحصائيات الامم المتحدة ان الدول المنظمة للعهد الاول الخاص بالحقوق المدنية و السياسية 144 دولة و للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية 141 دولة .

على حين نجد ان عدد الدول الاطراف في اتفاقيات جنيف 188 دولة .

ثانيا : العلاقة بين القانون الدولي الانساني و حقوق الانسان بعد الحرب العالمية الثانية

كان الراي السائد في المم المتحدة في اول الامر هو ان مجرد مناقشة قانون الحرب بين جدرانها سوف يهز ثقة العالم في مدى قدرتها على حفظ السلام. و لذلك قررت لجنة القانون الدولي بالامم المتحدة في دورتها الاولى المنعقدة عام 1949 ، الاتدرج قانون الحرب بين الموضوعات التي سوف نتناولها . كما ان الاعلان العالمي الصادر عام 1948 لم يشر في اي من نصوصه الى مسالة احترام حقوق الانسان في النزاعات المسلحة . كما ان اتفاقيات جنيف الصادرة عام 1949 لم تتضمن اية اشارة لحقوق الانسان .

و بغير قصد قامت علاقة بين هذين الفرعين من فروع القانون الدولي . فمن جهة يمكننا ملاحظة اتجاه مميز لاتفاقيات جنيف لعام 1949 لاعتبار احكامها لا كالتزامات على الاطراف السامية المتعاقدة فقط بل هي ايضا حقوق فردية للاشخاص المحميين . و في الاتفاقيات الربع توجد مادة تنص على انه لا يجوز للاشخاص المحميين ان يتنازلوا  عن الحقوق المكفولة لهم بموجب هذه الاتفاقيات ( المادة 07 المشتركة في التفاقياتالولى و الثانية و الثالثة و المادة 08 من الاتفاقية الرابعة )  و بالاضافة الى ذلك نجد المادة 03 المشتلاكة بين الاتفاقيات الاربع تلزم الاطراف المعنية بان تطبق كحد ادنى بعض القواعد الانسانية في اي نزاع مسلح ليست له طبيعة دولية . و هكذا فهي تحدد العلاقات بين الدول و مواطنيها ، و بالتالي فهي تتداخل مع الدائرة التقليدية لحقوق الانسان .

و يجدر بنا ان نلاحظ ايضا ان تاثيرحلركة حقوق الانسان هو الذي ادى الى استعمال تعبير (( القانون الدولي الانساني )) بدلا من (( قانون النزاعات المسلحة)) .

و من جهة اخرى فان اتفاقيات حقوق الانسان تشمل احكاما تطبق في زمن النزاعات المسلحة و على مدى زمن طويل لم يكن هناك اهتمام بالصلات بين هذين الفرعين من فروع القانون الدولي . و لكن في اواخر الستينات اندلعت سلسلة من المنازعات المسلحة مثل حروب التحرير في افريقيا و نزاع الشرق الاوسط و نيجيريا و فيتنام و فيها برزت جوانب من قانون الحرب في نفس الوقت مع جوانب تتعلق بحقوق الانسان .و اقيمت رسميا علاقة بين حقوق الانسان و القانون الدولي الانساني في المؤتمر الدولي لحقوق الانسان  الذي عقدته الامم المتحدة في طهران عام 1968 .

ففي القرار رقم 23 الذي يحمل عنوان (( احترام حقوق الانسان في النزاعات المسلحة حث المؤتمر على تطبيق الاتفاقيات القائمة على نحو افضل في النزاعات المسلحة و حث على ابرام المزيد من الاتفاقيات .

و ادى هذا القرار الى بداية نشاط الامم المتحدة بشان القانون الدولي الانساني ، و كانت تلك الدفعة التي تحققت في طهران هي التي قادت الدول الى النظر بإيجابية في تطوير اتفاقيات جنيف . بينما لم تحظ المدونة التي اعدتها اللجنة الدولية للصليب الاحمر بشان الحد من المخاطر التي تصيب المدنيين في زمن الحرب لعام 1956 بذات التجاوب .

و كان لحقوق الانسان اثرها في محتوى البروتوكولين الصادرين عام 1977 . فقد استمدت الكثير من احكام البروتوكولين مباشرة من العهد الدولي للامم المتحدة الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و مثال ذلك المادة 75 من البروتوكول الاضافي الاول (( الضمانات الاساسية )) و المادة 06 من البروتوكول الثاني (( الاجراءات العقابية ))

ان التقاء القانون الدولي الانساني مع حقوق الانسان سؤكد ان الحرب و السلام و النزاعات الدولية و غير الدولية و القانون الوطني كلها تنطوي على مجالات تزداد تداخلا و تحتاج الى ان تطبق في غالب الاحيان نفس الوقت جنبا الى جنب .

الحفاظ على اتفاقيات منفصلة لكل من حقوق الانسان و القانون الدولي الانساني

هل هذا التداخل الذي اشرنا ايه سلفا يدفعنا الى القول بزوال تلك التفرقة بين هذين القانونيين ؟

نرى ان هذه التفرقة لازالت قائمة .و دليلنا في ذلك شيئان :

اولا : درجة التطابق بين القواعد الموضوعية لاتفاقيات كل قانون

ثانيا : مدى كفاءة اليات المراقبة و العقاب في كل منهما

ا- تطابق القواعد الموضوعية : نستطيع القطع بان اتفاقيات جنيف تمنح ضحايا المنازعات المسلحة قدرا من الحماية ابر مما تتيحه لهم اتفاقيات حقوق الانسان لأنها الاكثر ملائمة لظروفهم .

فلقد تم صياغة معظم احكام اتفاقيات حقوق الانسان بدون مراعاة للظروف الخاصة التي تنشا في ظل النزاعات المسلحة .

و يكفينا ذكر المثال التالي لإثبات ان اتفاقيات جنيف تمنح للأشخاص المحميين حماية اوسع نطاقا و اكثر ملائمة لأوضاع النزاع المسلح عما توفره اتفاقيات حقوق الانسان:

فالحق في الحياة مثلا : و هو من اول الحقوق التي تتضمنها اتفاقيات حقوق الانسان  و هو مشروط ببعض الاستثناءات كعقوبة الاعدام او القتل دفاعا عن النفس مثلا . و لكن في حالات النزاع المسلح يلزمنا تعريف اكثر تحديدا نظرا لان قتل الاعداء العسكريين يعتبر عملا مشروعا . و الحق في الحياة وفقا لاتفاقيات جنيف له تنظيم مختلف يتفق و طبيعة النزاعات المسلحة فهناك حظر قتل او اغتيال الاعداء الذين القوا اسلحتهم او استسلموا او لا يستطيعون الدفاع عن انفسهم ، و يمتد الخطر ليشمل مهاجمة الهابطين اضطراريا من الطائرات ، و الهجمات العشوائية و كافة الاعمال التي يقصد بها تجويع المدنيين و تدمير الاشياء و المنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة .

و مع ذلك فليست المهمة الوحيدة لقانون النزاعات المسلحة ان يكيف بعض حقوق الانسان الا و فقا  للظروف الخاصة للنزاعات المسلحة . و لكن يذهب الى ما هو ابعد اذا يضع قواعد تقع في خارج نطاق حقوق الانسان . و العكس صحيح اذ ان اتفاقيات حقوق الانسان تتضمن قواعد لا علاقة لها بالمنازعات المسلحة .

و الخلاصة يمكننا القول ان قانون النزاعات المسلحة لا يتداخل مع حقوق الانسان الا جزئي . فالأول مثلا يحكم حق الاشتراك في القتال و ادارة العمليات العسكرية و العلاقة بين الدول المتحاربة و الدول المتحايدة و ليس لهذه المسائل مكان في قانون حقوق الانسان الذي يشتمل بدوره على حقوق لا اهمية لها في المنازعات  المسلحة مثل الحقوق السياسية و بعض الحريات السياسية كحرية الصحافة و حرية التعبير و حرية الاجتماع و ما الى ذلك .

الاجراءات القانونية ليست ملائمة لتقويم الانتهاكات التي يرتكبها الجنود .و ثانيا لان القانون الدولي الانساني يحمي اولا افرادا  لا حول  لهم و لا قوة و لا يستطعونفي العادة ان يلجاوالاي اجراء قانوني وطنيا كان او دوليا . و بناء على ذلك فان تطبيق الاتفاقيات الانسانية يكون اكثر ضمانا يتدخل هيئة محايدة تعمل مستقلة عن ايتاثير و يعززها وجود احكام عقابية .

اما اتفاقيات حقوق الانسان فهي تقضي بانه يجوز للدول المتعاقدة او للافراد الذين انتهكت حقوقهم ان يقدموا شكوى ضد الدولةالتي ارتكبت هذا الانتهاك . و احكام الشكوى و ما الى ذلك وردت تفصيلا باتفاقيات حقوق الانسان و هي اجراءات قد تستغرق سنوات عديدة و لكن ما يصحبها من دعاية و اعلام قد يكون رادعا قويا .

و في الختام يمكننا ان نرصد عدة خصائص تحدد العلاقة بين القانونيين مع التسليم بان لكل منهما مجال التطبيق الخاص به و هذه الخصائص هي :

اولا: انطباق قواعد حقوق الانسان و القانون الدولي الانساني بحيث يكمل كل منهما الاخر و هذا ما اعلنته الجمعية العامة للامم المتحدة عندما قررت ان الحقوق الاساسية للانسان كما هي معروفة في القانون الدولي و مدونة في المواثيق الدولية تظل سارية حتى في زمن النزاعات المسلحة.

و ليس  هذا قرارا نظريا و لكن يمكن ذكر واقعة عملية و هي الحرب الاهلية التي نشبت في جمهورية الدومينكان عام 1965 كانت لجنة البلدان الامريكية قائمة في ذلك الوقتو كان لها نشاط واسع في زيارة المعتقلين و قامت بالاتفاق مع مندوبي اللجنة الدولية للصليب الاحمر و تم تقسيم المهام فيما بينهما و باشرتا مهامهما باسلوب يتجنب التداخل.

عن ثانيا : كل نظام قانوني منهما يظل منفصلا الاخر

فامكانية انطباقهما معا بشكل تكاملي لا يمكن ان تدفعنا للخلط بين المجالين .فالنظامان القانونيان مستقلان و لكل منهما غايته الخاصة ، فالقواعد الخاصة بوسائل و اساليب القتال لا يمكن ان تجد لها مكانا بين احكام حقوق الانسان .

ب-اليات المراقبة و العقوبة : اذا كنا قد خلصنا الى وجود تطابق جزئي بين احكام القانون الدولي الانساني و القانون الدولي لحقوق الانسان فانهما يختلفان تماما من حيث اليات المراقبة و العقوبة .

بالنسبة لاتفاقيات جنيف: فهي تطبق بالتعاون مع و تحت اشراف الدول الحامية و الجنة الدولية للصليب الاحمر.

وفي اغلب الحيان تقوم الجنة بدور المراقبة لتنفيذ احكام هذه الاتفاقيات ففي حالة النزاع الدولي يحق لمندوبيها التوجه الى الاماكن التي قد يوجد بها اسرى حرب او محتجزين مدنيين و حق مقابلتهم بغير شهود، و تتسم تقاريرهم و توجيهاتهم بالسرية المر الذي يشجع الدول على الموافقة على زياراتهم، و بصورة عامة تساهم مراقبة الجنة في تحسين احوال الاسرى او المحتجزين كما انها في النزاعات غير دولية تعرض خدماتها على اطراف النزاع و تتخذ قضلا عن ذلك اية مبادرة انسانية خاصة بتحسين احوال ضحايا النزاعات المسلحة و حمايتهم.

هذا فيما يتعلق باليات المراقبة، اما مكافحة الانتهاكات الجسيمة فهناك سمة مميزة للقانون الدولي الانساني و هي  ان احكامه الى جانب انها ملزمة للدول فهي ايضا ملزمة للأفراد مباشرة ، و تتطلب اتفاقيات جنيف و بروتوكوليها الاضافيين من الاطراف السامية المتعاقدة ان تحدد عقوبات للافراد الذين يرتكبون الانتهاكات الجسيمة و ان تقدمهم للمحاكمة

و الاختلاف بين القانون الدولي الانساني و حقوق الانسان هنا اختلاف جوهري فحيث يتعلق الامر بحقوق الانسان تقوم الاطراف المتضررة اساسا باتخاذ الاجراءات الازمة امام المحاكم الوطنية و اذا اقتضى الامر امام سلطة دولية. اما في القانون الدولي الانساني فان اتخاذ اجراءات قانونية بواسطة الاطراف المتضررة امر مستبعد بصورة عامة لسببين اولا: لان

ثالثا :نطاق الحماية و مدادها :

ان نطاق الحماية و مدادها بين الفرغين تطرح تساؤلات حول حق الدولة في التحلل من التزاماتها في اوقات الطوارئ بخصوص حقوق الانسان و من ثم فهل اجازت الاتفاقيات الخاصة بالنازعات المسلحة تحلل الدولة من هذه الالتزامات و ما يستخلص من الاتفاقيات الدولية ان الظروف الاستثنائية تستوجب اتخاذ اجراءات قد تئثر على حقوق الانسان لذلك اوردت هذه الاتفاقيات قيودا اجرائية و موضوعية للحد من سلطة التحلل هذه و بالرجوع الى هذه القواعد نلاحظ انها تتعلق بمسالتين اساسيتين هما

1-عدم جواز التحلل من طائفة محددة من الحقوق تشكل ما يطلق عليه النواة الصلبة في منظومة حقوق الانسان ذات حصانة مطلقة

2-عدم جواز الاخلال بالالتزامات الدولية الاخرى التي تتحملها الدولة .

                        1-عدم جواز المياي بالحقوق و الحريات ذوات الحصانة:

و هذه الحقوق التي لا يجوز المساس بها حتى في حالة الطوارئ او الحرب هي كما يلي: الحق في الحياة و حظر اعمال التعذيب و العقوبات اللاإنسانية او المهنية و عدم جواز تطبيق القوانين الجنائية باثر رجعي و تحريم الرق و العبودية و اعمال السحر و حظر اخضاع اي انسان دون رضائه الحر للتجارب الطبية او العلمية و عدم جواز سجن الشخص بسب عدم قدرته على الوفاء بالتزامه التعاقدي و حرية الفكر و الضمير و المعتقد الديني.

    اما الاتفاقية الامريكية لحقوق لحقوق الانسان فقد اضافت الى هذه الحقوق ذوات الحصانة حقوقا اخرى لا يجوز المساس بها في الظروف الاستثنائية و هي: الحق في الاسم و حقوق الطفل و الحق في الجنسية و الحقوق السياسية 

  و لا شك ان كل توسع في قائمة حقوق الانسان التي لا يجوز المساس بها في الظروف الاستثنائية و في حالة الحرب خصوصا هو توسع محمود . و تبدو اهمية هذا التوسع في ان هناك حقوقا اخرى خارج نطاق حقوق الانسان التقليدية المنصوص عليها في الاعلان العالمي و في العهدين الدوليين اصبحت تحضىباهتمام كبير من المجتمع الدولي بما لا يفل عن الحقوق الاولى، المر الامر الذي يحسن معه ادراجها في الحقوق ذوات الحصانة التي يمتنع على الدول المساس بها في الظروف الاستثنائية و ظروف الحرب. و لعل اظهر هذه الحقوق الحق في بيئة نظيفة و الحق في التنمية و حقوق الطفل و الاسرة و حقوق الاقليات. و لا يخفى ما اسفرت عنه الحروب الحديثة في البلقان و الخليج على سبيل المثال من تدمير للبيئة المحيطة و للبنية الاساسية التي تقوم عليها اية تنمية اقتصادية او اجتماعية . اما المعاناة التي يعانيها  افراد الفئات الضعيفة كالاطفال و النساء فقد اصبحت قاسما مشتركا للحروب الداخلية و الخارجية على السواء مما يبين بوضوح الفواجع المترتبة على هذه الحروب. و تحفل تقارير المنظمات غير الحكومية و تقارير المراقبين الخاصين للامم المتحدة بامثلة مروعة على انتهاكات حقوق الاطفال و النساء و الحق في بيئة نظيفة و تدمير البنية الاقتصادية الاساسية في حروب البقان و الصومال ز الخليج و الصراعات الداخلية المسلحة في السودان

         2-احترام الالتزامات الدولية الاخرى و اظهرها التزامات الدولة بمقتضى القانون الدولي الانساني :

   اما المبدا الثاني الذي يقيد حق الدول في التحلل من التزامتها باحترام حقوق الانسان في حالة الحرب و هو المبدا الذي يكتسب اهمية خاصة في دراستها هذه. فهو مبدا عدم جواز اخلال الدولة في تحللها من التزاماتها بمفتضى العهدين الدوليين بالتزامات دولية اخرى. و لعل اظهر هذه الالتزامات التي لا يجوز الاخلال بها هي التزامات الدولة المقررة باتفاقيات جنيف الاربع حول القانون الانساني في وقت النزاعات المسلحة. بمعنى ان الدولة الطرف في اي من العهدين الدوليين و في اتفاقيات جنيف لا تستطيع التحلل من التزاماتها بمقتضى اتفاقيات جنيف استنادا الى المادة الرابعة من العهدين اذا قام بها ظرف من الظروف الاستثنائية بما في ذلك حالة الحرب .و يؤكد ذلك ما تذهب اليه المادة الثانية المشتركة بقولها (( علاوة على الاحكام التي تسري وقت السلم، تنطبق احكام هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة او اي اشتباك مسلح اخر ينشب  بين الطرفين او اكثر من الاطراف السامية المتعاقدة ، حتى و لو لم يعترف احدهما بحالة الحرب.      

اي ان الدولة في حالة الحرب تلتزم بعدم المساس بالحقوق ذوات الحصانة التي تحدثنا عنها انفا بالاضافة الى التزاماتها بمقتضى اتفاقيات جنيف حول القانون الدولي الانساني .

و حقوق الانسان المحمية بواسطة اتفاقيات جنيف لسنو 1949 تتجاوز كثيرا من الحقوق ذوات الحصانة التي لا يجوز المساس بها في الظروف الاستثنائية المنصوص عليها في المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية . ففضلا عن تحريم الاعتداء التعسفي على الحق في الحياة او على الحق في سلامة الجسم  هناك في اتفاقيات  جنيف طائفة اخرى من الحقوق و الضمانات القضائية توفر للانسان حماية في احوال القبض و الاعتقال و المحاكمة الجنائية ، بالاضافة الى حماية الاموال و الممتلكات .  و فضلا عن ذلك فان المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف تلزم الدول الاطراف  في اثناء النزاعات المسلحة غير الدولية ان تراعي كحد ادنى في شان الاشخاص الذين ليس لهم دور ايجابي  في الاعمال العدائية . بمعاملتهم في جميع الاحوال معاملة انسانية دون تمييز بسبب العنصر او اللون او الدين او الجنس او النسب او غير ذلك  . كما انه يحظر على تلك الدول في شان هؤلاء الاشخاص ارتكاب الاعمال الاتية  في اي وقت او اي مكان :

1-     اعمال العنف و القتل و التشويه او اعمال التعذيب و المعاملات القاسية .

2-      اخذ الرهائن .

3-     الاعتداء على الكرامة الشخصية او المعاملة المهنية .

4-     اصدار الاحكام او تنفيذ العقوبات دون محكمة مشكلة طبقا للقانون .؟ و مكفول امامها جميع الضمانات القضائية المتعارف عليها في النظم القانونية المتمدنة.

و الخلاصة انه اذا كان للدول الاطراف في العهد الاول للحقوق المدنية و السياسية ان تحلل من التزاماتها باحترام حقوق الانسان في اوقات الطوارئ و منها حالة النزاع المسلح وفقا للشروط و الوضاع المنصوص عليها في المادة الرابعة من هذا العهد فانه ليس لها في جميع الاحوال ان تتحلل من الالتزام ببعض الحقوق المنصوص عليها في العهد و المذكورة انفا و التي ندعوا مع الفقه الى تطويرها و التوسع فيها و ليس لها ان تتحلل من التزاماتها الدولية الاخرى  و منها التزاماتها بمقتضى القانون الدولي الانساني .