3. المفاهيم الاساسية في التحليل الواقعي الجديد

وتتمثل في النظام الدولي، فوضوية النظام الدولي، توازن القوى، الأمن وعليه:

النظام الدولي: (International System)

          اتخذ الواقعيون الجدد من النظام الدولي موضوعا رئيسيا لدراسة وتحليل السياسة الدولية استنادا إلى الأفكار النظامية والبنيوية المقتبسة من نظرية النظم لـ"مورتن كابلان" فالنظام حسب- المفهوم السلوكي- هو مجموعة من الوحدات المتفاعلة فيما بينها لتشكيل وحدة متماسكة هي النظام.

وإذا كانت فكرة النظام تقدم كإختيار للوحدات وكقياس لدرجة التفاعل فيما بينها، فإن مفهوم البنية (Structure) وثيق الصلة وملازم لمفهوم النظام.

     وعليه يرى والتز أن النظام الدولي يتشكل من بنية (Structure) ووحدات متفاعلة (Interracting unites) وفي اعتقاده أن البنية هي المكون الرئيسي للنظام الذي يجعل التفكير في النظام كله ممكنا، لذلك يقدم والتز تعريفا للبنية الدولية بالاعتماد على ثلاث أمور:

          - المبدأ الذي يحكم تنظيم الوحدات.

          - واختلاف الوحدات ووظائفها.

          - وتوزيع القدرات المادية بين الوحدات.

          فالمبدأ المنظم في السياسة الدولية حسب والتز هو: الفوضى(Anarchy)، وهي بالنسبة له ثابتة، وعلى العكس من السياسة الداخلية فإن الوحدات هنا على هذا المستوى ليست مختلفة وظيفيا، فالنظام الدولي يتميز بالتفاعل بين الوحدات بوظائف متشابهة (خصائص الوحدات)، وحسبه يبقى الاختلاف فقط في عنصر توزيع القدرات المادية.

          كما يميز والتز بين التغير داخل بنية النظام الدولي (أي تغير وحداته)،وتغير بنية النظام الدولي ذاتها فتغير هذه البنية هو تغير في عدد القوى الكبرى أو في قدراتها، حيث يقول: "...التفكير في البنية كما أحدده سوف يحد من مشكلة فصل التحولات على مستوى الوحدات من التحولات على مستوى النظام، وإذا كنا مهتمين بالتأثيرات المختلفة المتوقعة في نظم مختلفة فيجب أن نكون قادرين على تمييز تحولات الأنساق(Changes of systems) من التحولات ضمن الأنساق (Changes wilhin systems).

          وهو ما يبرز السمة المادية للواقعية الجديدة، التي ترى بأن بنية النظام الدولي تتحدد بتوزيع الإمكانيات والقدرات المادية تحت الفوضى أي يمكن تعريف بنية النظام الدولي وفهمها بالتعرف على كيفية توزيع الإمكانيات المادية تحت الفوضى وان أي تغير في بنية النظام الدولي يمكن قياسه ومعرفته بالتحولات من توزيع قطبي إلى آخر فقط.

 توازن القوى: (The balance of power)

          تعتبر واقعية والتز الجديدة تطورا ملحوظا للرؤى الحديثة لنظريته حول توازن القوى بمفهومه المعاصر والذي يعرف موازين القوى من حيث عدد الأقطاب الكائنة في الميزان والذي يتحدد عدد الأقطاب بعدد الدول التي بواسطتها أن يهدد بقاء بعضها بعضا بشكل خطير.

          فوفقا لتصور مورغانتو تعتمد القوى على قدراتها الذاتية لتحقيق التوازن مع غيرها من القوى، في حين يرفض إنشاء الأحلاف كأداة لتحقيقه، وذلك لإيمانه بالاعتماد على الذات (Self Reliance) كمبدأ حاكم لتصرف تلك القوى في حين والتز يقبل بتحقيقه من خلال عناصر القوة الداخلية وعناصر القوة الخارجية معا فما توازن القوى-كما قال هارولد لازويل (Harold Lasswell) إلا بناء من علاقات القوة يهدف للحفاظ على الوضع القائم وأية محاولة لتغييره، تثير رد فعل مقاوم باتجاه إعادة تنصيبه.

          وعلى خلاف مورغانتو الذي يعتبر نظام التعددية القطبية (Multipolarity) الأكثر استقرارا يرى والتز ومعظم الواقعيون الجدد أن نظام الثنائية القطبية (Bipolarity) هو النظام الأكثر استقرارا فوالتز يرى بأن للأنظمة الثنائية القطبية مميزات جوهرية وحقيقة أكثر وأفضل من تلك التي تتسم بها الأنظمة المتعددة الأقطاب ففي الأنظمة ثنائية القطبية تكون احتمالات خطأ الدول المهمة في حساب قوتها النسبية احتمالات ضئيلة بسبب ضآلة الشكوك التي تواجهها حول التهديدات المحتملة كما أن احتمالات دخولها في حرب عن طريق الخطأ تكون قليلة جدا.

          ففي نظام القطبيق يكون من السهل عليهما إدارة مشاكل العالم المشتركة بشكل أفضل مما لو كانوا أقطابا عديدة، فهذه الأخيرة تكون غير متوازنة وأكثر عرضة للنزاعات والحروب.

 - فوضوية النظام الدولي:( Anarchic international system)

          من وجهة نظر الواقعيون الجدد المبدأ التنظيمي للنظام الدولي يأخذ شكل الفوضوية (Anarchic)  عكس الهيراركية (Hierarchy) أو التسلسلية التي تميز النظم الداخلية في الغالب والفوضى وفقا لدعاة الواقعية هي انتقاد سلطة دولية، وهذه الحالة لا تسمح فقط بحدوث حروب، بل تجعل من الصعب جدا بالنسبة للدول الوصول إلى غاياتها طالما أنه لا توجد هناك مؤسسات أو هيئة عليا بإمكانها فرض وسن القوانين الدولية.

          فالفوضوية تعرف بأنها خاصية للبيئة التي تتفاعل ضمنها الدول... أي غياب سلطة مركزية فوق الدول، ويميز الواقعيون بين حالتي الفوضى(Anarchic) واللانظام (Choos) رغم أن حالة اللانظام قد تسود العالم لفترات قصيرة كما في حالة الحروب العالمية، أما فوضوية النظام الدولي فيمكن فهمها عند ملاحظة الاختلاف بين النظم الدولية والداخلية، والذي يكمن في وجود السلطة المركزية التي تقوم على فرض النظام والتصرف كحكم بين المتخاصمين. إذ يرى الواقعيون أن غياب سلطة مركزية يساعد على فهم وتفسير لماذا الدول تعتمد على القوة، والاحتفاظ بها وزيادتها في مواجهة الدول الأخرى.

-الأمــــن: (Security)

          يعتبر مفهوم الأمن من المفاهيم التي تم مراجعتها من قبل الواقعيين الجدد، وينطلق الواقعيون الجدد في ذلك من فكرة اعتبار أن الأمن من اختصاص الدولة فقط، فكينث والتز يقول: في ظل الفوضى، الأمن هو الهدف الأسمى لكن فقط عندما يكون بقاء واستمراريته الدول مضمونا ستبحث هذه الأخيرة عن أهداف أخرى مثل الهدوء، الربح والقوة.

          غير أنهم أحدثوا مراجعة في قضية زيادة القوة والقدرات العسكرية كمبدأ تقليدي لدى الواقعيين الكلاسيكيين وذلك بفرضيتهم المرتبطة بالجانب الأمني والتي مفادها أن الدولة تعمل على زيادة قدراتها العسكرية ليس من أجل القوة في حد ذاتها كما يقول مورغانتو وإنما فقط من أجل الدفاع عن أمنها وإقليمها وذلك بالتقليص من مخاطر "المأزق الأمني" (Dilemme de Sécurité) والتي مفادها أن تحقيق الأمن للدولة (أ) يؤدي إلى حالة ألا أمن بالنسبة للدولة (ب) وذلك نتيجة تسلح الأولى، والسباق نحو التسلح يؤدي إلى ضعف الدولة (ب) لعدم امتلاكها للتكنولوجيا العسكرية الحديثة مما يؤدي إلى حالة انكشاف أمني لها.

          ففي ظل الطبيعة الفوضوية للسياسة الدولية فإن الدول تشك ببعضها البعض وتضع أسوأ حالات التحليل لنيات بعضها البعض، لذلك يبقى الضمان الأساسي لأمن الدول هو اعتمادها على قدراتها الذاتية حيث يقول والتز الوحدات في سعيها لتحقيق أهدافها والحفاظ على أمنها في حالة فوضوية... عليها الاعتماد على الوسائل والإجراءات التي باستطاعتها تشكيلها بذاتها، فمبدأ "اللهم- نفسي" هو بشكل حتمي مبدأ التصرف في النظام الفوضوي بالإضافة إلى بناء توازنات عسكرية (تقليدية، نووية)، وبالتالي فإن الأمن حسب الواقعيون الجدد يبقى هو الغاية القصوى مادام هناك حالة فوضى في النظام الدولي، وهو ما تؤكده مقولة كينث والتز (K.waltz) إن الدول تتنافس دوما من أجل الرفاهية والأمن والتنافس أدى ويؤدي دوما إلى النزاع.

          لذا تبقى القوة هي مؤشر أساسي ومركزي لتحقيق الأمن، إلا أننا نشير هنا إلى أن المفهوم الشامل للقوة قد اختفى من أطروحات الاتجاه البنيوي، حيث ركز أنصاره فقط على الجوانب المادية للقوة، وهكذا أصبحت القوة تعرف بأنها: "استخدام دولة لمواردها المادية لإجبار دولة أخرى على فعل شيء لا ترغب في القيام به".

          ولقد سيطر المفهوم المادي للقوة على المدرسة الواقعية إلى درجة أنها أصبحت تفسر الحياة الاجتماعية من خلال تحليل التباين في متغير واحد هو توزيع إمكانيات القوة المادية الموضوعية. فوالتز يستبعد ما أورده مورغانتو من عناصر القوة المعنوية من قبيل الخصائص القومية والروح المعنوية والإيديولوجيا وشكل نظام الحكم والميل العام إلى المسالمة أو القتال ويركز على الجوانب المادية في تعريف القوة. فهو يعرف الدول الكبرى بأنها الدول التي تمتلك إقليما واسعا وعددا كبيرا من السكان وموارد وفيرة، واقتصادا كفؤا وجيشا قويا ونظاما سياسيا مستقرا عالي الكفاءة.

    ويعود سبب تحول الواقعية نحو المادية حسب (Samuel Barkin)كتابه في (Realist Constructivism) إلى تحول دارسي العلوم السياسية إلى استخدام المناهج السلوكية التي تهتم بالقياس، ونزوعهم إلى افتراض رشد صانع القرار السياسي، أي أن التركيز على عناصر القوة المادية كان محاولة لحل مشكلة قياس القوة.