1. اليومي وإشكالية الحياة

اليومي وإشكالية الحياة

مقدمة :

      من الإشكاليات التي أرقت فكر الإنسان هي إشكالية الحياة لما لها علاقة بسلوك الإنسان في حياته اليومية ، غير أن الجانب النظري  منها غير كاف لفهم واقع الحياة اليومية 

1 ـ فلسفة الحياة :

     لقد أراد برغسون أن يؤسس إلى ميتافزيقا جديدة ، وذلك استنادا منه إلى نتائج الأبحاث العلمية التي كانت في عصره ، إلا أنه قد تجاوز ذلك إلى أبحاث حدسية . لقد طرح برغسون في كتابه التطور الخلاق - وذلك في إطار جداله مع نظريات التطور-  فلسفة حياة شاملة . تعتبر الحياة بمفهومها الواسع صيرورة خلاقة دائمة يحملها دفع حيوي يتفتح باستمرار ، ويتمايز عبر أشكال جديدة . غير أن هذا الفهم ينطبق أكثر على الظواهر الطبيعية ، فهو يعجز على فهم الكائن الحي لأنه يتعدى المطلقية والثبات في القوانين ، ليحمل التصور الكمي والزماني والمكاني الذي تتصف به الظواهر الطبيعية . بينما فلسفة الحياة فهي تختلف عن ذلك الطرح لأنها مبنية على الديمومة ، وتعتبر جريان خلاق يحمل في ذاته ما مضى أي الماضي ، وما هو راهن أي حاضرا وما هو آت في المستقبل.

    ينقسم الدافع الحيوي الى ثلاث فئات : نبات وحيوان وإنسان ، لكن تعد غريزة الحيوان وعقل الإنسان في زمرة الكائنات الحية هما من أنماط الفعل الآداتي ، علما أن الغريزة هي الأقرب إلى الحياة . غير أن المشاركة في الدافع الحياتي الخلاق ليس ممكنا إلا عبر تعميق الوعي بالحدس ، الذي يجمع بين الغريزة والعقل .

   تعتبر فلسفة جورج سميل (g- Simmel ) أن الحياة تنزع إلى التوسع ، وذلك لغاية واحدة هي إعادة خلق ذاتها وللنمو وتجاوز أخلاقيتها الخاصة . كما أن الأمر صيرورة خلاقة تقيم الحياة وسطها نقاشا حيا مع محيطها ، الذي يشكل فضاءها وحدودها ، لتنتج أشكال حياة اجتماعية وثقافية مطبوعة بطابعها .

2 ـ الحياة اليومية ومقتضيات الراهن      

     إن التطور الكبير الذي شهدته مختلف مظاهر الحياة اليومية ، أدى إلى اتساع مجالاتها . وفي خضم ذلك يمكن القول مادام التحديد الأصلي للفلسفة من حيث هي محبة الحكمة , يقودنا إلى التحرر من الواقع اليومي. فالرجل الحكيم عند الإغريق هو الذي ينسلخ من سلطة الحياة العادية وينصرف إلى التفكير والنظر في الكون والعالم، لأن مقصد الفلسفة هو البحث عن الحقيقة بواسطة المعرفة الخالصة ، وهو ما يعرف في الوقت الراهن بحداثة الفلسفة .

    إن الحداثة الفلسفية تظهر على وجه التحديد عندما توجهت الفلسفة إلى الاكتشافات العلمية والتقنية ، أي الانتقال من الكلاسيكية إلى التأصيل ، لكن هذا التأصيل لم يفقد طبيعة التفلسف بل حافظ على كونية الفلسفة وشموليتها ، لكن ضمت إلى كنفها الحكمة العملية سواء كانت يونانية أو عربية .

3 ـ الحياة اليومية ومسألة العملي

      يعد الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط أول فيلسوف ينتقد الميتافزيقا نقدا جذريا ، وهو ما واكب تطور العلوم والتكنولوجيا والتحولات الامبريقية التجريبية . بالإضافة إلى إضافات فلسفة التنوير التي ظهرت في القرن الثامن عشر .فأصبحت بعد نقده ووضع حدوده وملكاته وشروطه تعاشر العلوم والأفكار ، كما تعاشر الحياة اليومية ، لأن مهمتها في كل ذلك هو خدمة الإنسان وتحريره بعد التفكير في وضعيته وفاعليته ونشاطه.

    إن الفلسفة مع عصر التنوير أعلنت موت الماورائيات والميتافيزيقا ، إذ يعد المشروع الكانطي هو الذي انزل العقل من الماورائيات إلى الواقع المعيش ، وذلك بالبحث عن أساس جديد غير موجود في فلسفة الحياة القديمة ، إذ لم تحقق مقصده إلا مع فلسفة الالتزام ، تلك التي تجبر الإنسان على الاهتمام الكامل بوضعيته وتغيرها . لكن بعد موت كانط ظهرت حركة الرومانطيقين ، فبرز هيجل الذي نادى بضرورة العودة إلى الواقع العيني ، واقتحام الروح المطلقة ومعرفة المطلق ، محاولا تجاوز الفكر النقدي الكانطي .

إذ أن هذه الحركة ما هي إلا عودة إلى المسيحية باعتبارها نهاية التاريخ في نظره ، ففي الدولة المطلقة يكون فيها الإنسان حرا وطلقا ، حيث نجد مثيلا للدولة المطلقة الهيجلية مدينة الله عند القديس أوغسطين .

   إن العقل النظري والعقل العملي هو سيد التفكير والعقلانية الصارمة المفتوحة هي ركيزة فلسفة الأنوار ، غير أن فلسفة كانط وجهت إلى هذه العقلانية نقدا يحدد موضوعها وميدانها وشروط إمكانها ومع ذلك بدأت الحضارة الغربية تعيش أزمتها بتصوراتها المختلفة مثل الموت والدمار والقلق ....وغيرها . حيث بدت الفلسفة الهيجلية تعيش غطرسة تمثلت في غطرسة المعرفة على الحياة، الأمر الذي جاء بصرخة نيتشه في النصف الثاني من القرن العشرين ، حيث شك في قيمة العقل .وقد اعتبر بذلك عدوا للحياة ، معتبرا أن العقل بآلياته العملية والنظرية  ومن أخلاق وقيم عامة وعدالة .....هي في النهاية تتأسس على الأمن في الحياة والجنة وخيراتها في الآخرة. هكذا يفقد الإنسان حياته ليضحي بها من أجل هذا الأمن المزعوم ، بل هو في الحقيقة يدمر ما يجعل منه إنسانا حيا يعيش حياته برغبة قوية وبقدرة على الخلق والإبداع ، وحرية القرار والإرادة. 

3 ـ فلسفة الحياة وإشكالية الحاضر

    إن من بين ضرورات التفلسف هو إرساء مبادئ تعلم كل الفضائل النظرية منها والعملية ، دون إقصاء العقل أو تمييزه أو تجزئته ، لذلك يعد أرسطو والفارابي وغيرهم الذين تكلموا عن الفلسفة معتبرين إياها تقوم على كل الفضائل ، فالفلسفة الخالية من هذه الفضائل هي فلسفة بتراء ، والذي يحصل على العلوم النظرية غير كاملة لمعرفة حقائق الأشياء ، ومن يتميز بهذه الميزات هو فيلسوف باطل . لذلك يطلق على هذا النوع من الفلاسفة بالفيلسوف البهرج . والفيلسوف البهرج هو الذي يتعلم العلوم النظرية ولم يعود إلى الأفعال الفاضلة ولا الأفعال الجمالية . إذ يكون تابعا لهواه وشهواته ، لذلك يجب ان تحصل له العلوم النظرية والعملية ، أي أن يحصل الفضائل النظرية والعملية معا .

     إن الفيلسوف البهرج لا يعير اهتمام للمجالات العلمية والاجتماعية ، فهو يترفع عن الخوض فيها ومجالاتها ، بل يبقى رهين الأفكار المجردة والتصورات المتعالية دون ربطها بحاجات الإنسان . فالفيلسوف البهرج هو الذي يهيمن عليه المجال الفلسفي والفكري ، ليجعل منه يقوم بصياغة أفكار فلاسفة كبار دون ربطها بالحياة العملية، و الذي يوجه الأفكار صوب الحياة العملية هو مفكر فقط  ، مستدلين على ذلك بأن الفيلسوف لا يستطيع أن يؤثر تأثيرا حقيقيا على المجتمع . إن البهرج يحتقر العامة ويتوجه في خطاباته إلى خاصة الخاصة . يعيش تحت وابل النظريات الكبرى ، محاولا فهم جزئياتها لكن بدون تأثير مباشر على الأحداث .

   غير أن الفلسفة هي تشخيص واقع الإنسان ومقتضياته ، حيث ينظر الفيلسوف الفرنسي كانغلام إلى فلسفة الحياة في كتابه خدمة المفاهيم أن فلسفة الحياة هي  فهم الحقائق ونقلها إلى الغير واتخاذها نموذجا . فالفلسفة هي ربط هذا التشخيص المتعلق بالواقع المعيش بإمكانية التغيير والإصلاح بحثا عن سعادة الإنسان القصوى ، فالفلسفة النظرية لا غاية لها ما لم ترتبط بالهم اليومي للإنسان وبالا يطيقا والأخلاقيات ، وان لم تحتضن الانثروبولوجيا . لأن الانثروبولوجيا مجالا علميا يرتبط فيه النظر بالعمل خدمة لسعادة الإنسان .