3. أهم مبادئ النسبية العامة

3.1. المتصل الزمكاني:Space-time continum

من بين الاعتقادات التي رسخت في أذهاننا في حياتنا اليومية القيام بتحديد مكان وزمان كل واقعة تحدث،فنقول أنها جرت في مكان ما وفي زمان ما،ونقصد عادة بالمكان المسافات التي تفصل بين المدن أو بين المدن أو بين كوكب الأرض وبقية الكواكب والنجوم مثلا،ونقصد بالزمان المسافات الزمنية التي تفصل بين لحظة وأخرى،سواء سميناها ثانية أو دقيقة أو ساعة أو سنة عادية أو سنة ضوئية،لذا فإننا اعتدنا الحديث عن المكان والزمان بصفة منفصلة،فلماذا لا ندمجهما في إطار واحد لتحديد الأشياء بدل إطارين منفصلين ومختلفين هما :المكان والزمان؟وهذا ما جاء به اينشتاين في هذه النظرية حيث يتحدث عن الزمكان،وهي نفس الفكرة التي قال بها العالم مينوفسكي Minoviski أي محاولة دمج الزمان والمكان في عالم واحد،فسمي بذلك عالم مينوفسكي،فماذا نعني بهذا العالَم؟

   لقد اعتدنا العيش في مكان إقليدي ذي ثلاثة أبعاد (طول ،عرض،عمق)،فإذا أردنا تحديد مكان المصباح في الغرفة،فنقول أنه موجود على بعد ثلاثة أمتار من الجدار ومترين من الباب،وأما الزمان فنقول إنه ظل مشتعلا لمدة نصف ساعة من دقيقة كذا إلى دقيقة كذا،ولكن لا يمكننا تحديد المصباح زمانيا ومكانيا معا،فتحديد الموقع لا يتوقف على الزمان،كما أن تحديد زمن الاشتعال لا يتوقف على موقعه،أي أننا اعتدنا الفصل بين المكان والزمان واعتبارهما إطارين مستقلين عن بعضهما البعض[1].

 لكن نظرية النسبية ترفض هذا الفصل لأنه يقوم على اعتبار الزمان والمكان مطلقين،في حين أنهما نسبيان،فلكل ملاحظ زمانه الخاص ومكانه الخاص.

  فالمكان الذي تحدده المسطرة أي طولها،يختلف طولا وقصرا بين ملاحظ وآخر،وإذا كان أحدهما يتحرك في اتجاه طول المسطرة،فالطول هنا يتعلق بالحركة والحركة زمان،ومن هنا يكون المكان والزمان مرتبطان في نظرية النسبية،ويتعلق أحدهما بالآخر،ومن هنا فالعالم بأسره هو متصل زمكاني ،وكل حقيقية إنما توجد في الزمان والمكان معا،ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر،وبما أن كل شيء في الطبيعة في حالة حركة،فالأبعاد الثلاثة هي حدود غير واقعية للأحداث الطبيعية،ولكن الحقيقة ليست ثلاثية في أبعادها،ولكنها رباعية،إنها المكان والزمان معا في متصل واحد،ولكنهما يظهران منفصلين دائما في إحساسنا،بدليل أننا إذا أردنا تتبع الزمان فإننا نتبعه في المكان.

   يقول أينشتاين:"إننا سجناء الحواس المحدودة،ولهذا نعجز عن رواية هذه الحقيقة وتصورها،وكل ما في الكون من أحداث تثبت أن هذه النظرية ليست تركيبة فرضية برموز رياضية،وإنما هي حقيقة،فالزمان غير منفصل عن المكان،وإنما هما نسيج واحد"[2].

  وإذا كان لا يمكننا تحديد الزمان إلا بالمكان أو العكس فإنه لا يمكننا الحديث عن الكون كله،على أنه بأسره في لحظة زمانية واحدة، وهكذا تؤدي نظرية النسبية في الزمان والمكان إلى مراجعة قانون الجاذبية كما وضعه نيوتن،وكذلك تجب مراجعة الهندسة المستوية لإقليدس لتوضع على أساس جديد فقد بات ما يبدو خطّا مستقيما عند ملاحظ ما لا يكون كذلك عند ملاحظ آخر في مكان آخر،وهنا يتحول العالَم الطبيعي من عالَم الطبيعة الصلبة إلى جملة من الحوادث المتسلسلة أو المتتابعة،فالأجسام المادية ماهي إلا خط طويل من الحوادث المرتبطة بأنواع من العلاقات يوحي إلينا بفكرتي الزمان والمكان ،ولكي نحدد وضع حادثة من حوادث العالم فإنه يلزمنا أربعة أرقام:أحدهم يدل على اللحظة الزمانية والثلاثة الأخرى تدل على أبعاد المكان الثلاثة ،مثلا عند حادثة سقوط طائرة ما فإننا نحدد وضعها بأربعة  أرقام هي خط الطول والعرض والارتفاع عن سطح البحر،ثم الوقت بحساب غرينيتش.

   وهنا يتأكد لنا أنه لكي نفهم العالم الفيزيائي فهما صحيحا لا بد من تدريب الخيال بحيث نتصور كما يريد العلم الحديث وهو تصور مخالف للمعتدات العادية والإدراك الفطري.



[1]  محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص358.

[2]  عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية،مرجع سابق،ص133.