النظرية النسبية العامة

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: مقياس فلسفة العلوم
كتاب: النظرية النسبية العامة
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Friday، 17 May 2024، 12:56 PM

1. تمهيد

  بعد أن أثبت أينشتاين نظريته النسبية الخاصة أراد توسيع نظريته لتشمل المجموعات المستعجلة أي التي تتحرط بسرعة عاجلة،فبزغت بذلك النظرية النسبية العامة لذا فما هو المقصود بالنسبية العامة؟وماهي مبادؤها؟وما هي الأبعاد الفلسفية التي انبثقت عنها؟

2. لماذا النظرية النسبية العامة؟

  أراد أينشتاين أن تكون النظرية النسبية العامة بحثا يدرس القوى الحقيقية للنجوم والمذنبات والشهب والمجرات،وكل جسم متحرك في الفراغ الكوني الواسع،وهي نظرية عامة شاملة في الهندسة الكونية،تفسّر الكون وتستوعب ديناميكيته وكيفية تماسك الأجزاء فيه،وتضفي عليه معنى جديدا ليعطي تصورا جديدا للكون،ولتحلّ الإشكال الذي اعترى الحقيقة للمكان والزمان،والكتلة التي أصبحت جركة،وكيف يصبح لهذا الكون شكله ومادته،وقد انهارت هذه الأخيرة وتبخرت وأصبحت عبارة عن إشعاع غير منظور[1].



 عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية،مرجع سابق،ص134.[1]

3. أهم مبادئ النسبية العامة

  ينظر الكثير من الباحثين إلى النظرية النسبية العامة على أنها نظرية في العلم،تتصف بكونها نظرية رياضية برموز فيزيائية،وهي في مضمونها فلكية تحوي فروضا رياضية يمكن برهنتها،حيث ترسم هذه النظرية تصورا للكون لا يمكن فهمه أو إدراكه بسهولة ،إلا أن أينشتاين ومن جاء بعده قد دعموا نتائج هذه النظرية بتجارب تقبل الملاحظة أعطت تفسيرا جديدا لحركات الأجسام الكونية وجاذبيتها،ومن مبادئها نجد:

3.1. المتصل الزمكاني:Space-time continum

من بين الاعتقادات التي رسخت في أذهاننا في حياتنا اليومية القيام بتحديد مكان وزمان كل واقعة تحدث،فنقول أنها جرت في مكان ما وفي زمان ما،ونقصد عادة بالمكان المسافات التي تفصل بين المدن أو بين المدن أو بين كوكب الأرض وبقية الكواكب والنجوم مثلا،ونقصد بالزمان المسافات الزمنية التي تفصل بين لحظة وأخرى،سواء سميناها ثانية أو دقيقة أو ساعة أو سنة عادية أو سنة ضوئية،لذا فإننا اعتدنا الحديث عن المكان والزمان بصفة منفصلة،فلماذا لا ندمجهما في إطار واحد لتحديد الأشياء بدل إطارين منفصلين ومختلفين هما :المكان والزمان؟وهذا ما جاء به اينشتاين في هذه النظرية حيث يتحدث عن الزمكان،وهي نفس الفكرة التي قال بها العالم مينوفسكي Minoviski أي محاولة دمج الزمان والمكان في عالم واحد،فسمي بذلك عالم مينوفسكي،فماذا نعني بهذا العالَم؟

   لقد اعتدنا العيش في مكان إقليدي ذي ثلاثة أبعاد (طول ،عرض،عمق)،فإذا أردنا تحديد مكان المصباح في الغرفة،فنقول أنه موجود على بعد ثلاثة أمتار من الجدار ومترين من الباب،وأما الزمان فنقول إنه ظل مشتعلا لمدة نصف ساعة من دقيقة كذا إلى دقيقة كذا،ولكن لا يمكننا تحديد المصباح زمانيا ومكانيا معا،فتحديد الموقع لا يتوقف على الزمان،كما أن تحديد زمن الاشتعال لا يتوقف على موقعه،أي أننا اعتدنا الفصل بين المكان والزمان واعتبارهما إطارين مستقلين عن بعضهما البعض[1].

 لكن نظرية النسبية ترفض هذا الفصل لأنه يقوم على اعتبار الزمان والمكان مطلقين،في حين أنهما نسبيان،فلكل ملاحظ زمانه الخاص ومكانه الخاص.

  فالمكان الذي تحدده المسطرة أي طولها،يختلف طولا وقصرا بين ملاحظ وآخر،وإذا كان أحدهما يتحرك في اتجاه طول المسطرة،فالطول هنا يتعلق بالحركة والحركة زمان،ومن هنا يكون المكان والزمان مرتبطان في نظرية النسبية،ويتعلق أحدهما بالآخر،ومن هنا فالعالم بأسره هو متصل زمكاني ،وكل حقيقية إنما توجد في الزمان والمكان معا،ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر،وبما أن كل شيء في الطبيعة في حالة حركة،فالأبعاد الثلاثة هي حدود غير واقعية للأحداث الطبيعية،ولكن الحقيقة ليست ثلاثية في أبعادها،ولكنها رباعية،إنها المكان والزمان معا في متصل واحد،ولكنهما يظهران منفصلين دائما في إحساسنا،بدليل أننا إذا أردنا تتبع الزمان فإننا نتبعه في المكان.

   يقول أينشتاين:"إننا سجناء الحواس المحدودة،ولهذا نعجز عن رواية هذه الحقيقة وتصورها،وكل ما في الكون من أحداث تثبت أن هذه النظرية ليست تركيبة فرضية برموز رياضية،وإنما هي حقيقة،فالزمان غير منفصل عن المكان،وإنما هما نسيج واحد"[2].

  وإذا كان لا يمكننا تحديد الزمان إلا بالمكان أو العكس فإنه لا يمكننا الحديث عن الكون كله،على أنه بأسره في لحظة زمانية واحدة، وهكذا تؤدي نظرية النسبية في الزمان والمكان إلى مراجعة قانون الجاذبية كما وضعه نيوتن،وكذلك تجب مراجعة الهندسة المستوية لإقليدس لتوضع على أساس جديد فقد بات ما يبدو خطّا مستقيما عند ملاحظ ما لا يكون كذلك عند ملاحظ آخر في مكان آخر،وهنا يتحول العالَم الطبيعي من عالَم الطبيعة الصلبة إلى جملة من الحوادث المتسلسلة أو المتتابعة،فالأجسام المادية ماهي إلا خط طويل من الحوادث المرتبطة بأنواع من العلاقات يوحي إلينا بفكرتي الزمان والمكان ،ولكي نحدد وضع حادثة من حوادث العالم فإنه يلزمنا أربعة أرقام:أحدهم يدل على اللحظة الزمانية والثلاثة الأخرى تدل على أبعاد المكان الثلاثة ،مثلا عند حادثة سقوط طائرة ما فإننا نحدد وضعها بأربعة  أرقام هي خط الطول والعرض والارتفاع عن سطح البحر،ثم الوقت بحساب غرينيتش.

   وهنا يتأكد لنا أنه لكي نفهم العالم الفيزيائي فهما صحيحا لا بد من تدريب الخيال بحيث نتصور كما يريد العلم الحديث وهو تصور مخالف للمعتدات العادية والإدراك الفطري.



[1]  محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص358.

[2]  عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية،مرجع سابق،ص133.

3.2. مفهوم الجاذبية

بما أن الزمان والمكان مستقلان غير منفصلان فإنهما يشكلان نسيجا واحدا ،وهذا النسيج عند أينشتاين هو"المجال"fieldالذي تدور فيه كل الحركات الكونية ،ويستخدم اينشتاين مصطلح المجال للرد على نظرية نيوتن ،وبالتحديد الجاذبية النيوتونية،ففي الوقت الذي يعتبر فيه نيوتن الجاذبية قوةforceكامنة في الأجسام تجذب بعضها بعضا وتؤثر عن بعدaction à distance،ولكن اينشتاين يرفض نظرية التأثير عن بعد ،وينكر أن تكون للجاذبية قوة،فالأجسام لا تشد بعضها بعضا،ولكنها تخلق مجالا،إذ يقول:"كل جسم يحدث اضطرابا في الصفات القياسية للفضاء حوله كما تحدث السمكة اضطرابا في الماء حولها ويتكون تيار من الماء تسير فيه ذرات الغبار وتخلق حوله مجالا نتيجة التغيرات التي تحدث في الزمان والمكان،إن هذه الذرات العالقة لا تتحرك بقوة السمكة،بل تتحرك وفقا للمجال"[1].

 لقد كان أينشتاين يطمح إلى تفسير الكون بأجمعه بمبدأ واحد هو المجال،أي أنه كان يحاول إرجاع قوانين الفيزياء كلها إلى قوانين المجال،ومعلوم أن الفيزياء الكلاسيكية تفسر الحوادث الطبيعية كلها بالمادة والحركة،لكن النسبية جاءت لتعوض هذا التفسير بالمجال،أي أن الحركة هي المجال،وهكذا أصبح الواقع الطبيعي الصغري أو الكبري يُفسَّر بمبدأين هما :المادة والمجال.

لكن ما الفرق بين المادة والمجال؟

  يقول أينشتاين إننا قبل اكتشاف نظرية النسبية كنا نميّز بين المادة والمجال،باعتبار أن المادة والمجال،باعتبار أن المادة لها كتلة وأن المجال لا كتلة له،وبعبارة أخرى:المادة تمثل كتلة والمجال يمثل طاقة،ولكن هذا التصور قد تغير مع النسبية حيث تحولت المادة مع النسبية الخاصة إلى خزان هائل من الطاقة أو الطاقة هي عبارة عن مادة،وبالتالي لم يعد في إمكاننا التمييز بين المادة والمجال من ناحية الكيف،بل هو اختلاف كمي فقط ،نظرا لأن كلا منهما عبارة عن طاقة ولكنهما يختلفان من ناحية الكم،فما نسميه مادة هو عبارة عن  طاقة هائلة مركزة ومكثفة في إحدى نقاط المجال[2].

  وبهذا يمكن القول أن المادة توجد حينما توجد الطاقة مركزة بشكل هائل،ويوجد المجال حيثما توجد المادة أقل تركيزا،وبالتالي فإن الفرق بينهما فرق كمي لا كيفي،وإذا صح هذا الكلام فسيكون العالم الذي نعيش فيه عبارة عن بحر ينساب فيه ماء رقراق،توجد فيه بعض التجاعيد،هنا وهناك،فصفحة الماء هي المجال والتجاعيد هي المادة[3].

  وبهذا التوحيد بين المجال والمادة أصبح بإمكاننا عن طريق المعادلات الرياضية أن نحسب شكل وتركيب مجال جسم معين عن طريق كتلته،وتسمى هذه المعادلات بمعادلات التركيب  structure   equations وأرفق بها مجموعة من معادلات الحركة لحساب حركة أي جسم يقع في ذلك المجال.وبهذه المعادلات تمكن أينشتاين من أن يتنبأ بظواهر طبيعية وفلكية،ومثال ذلك :أن حركة عطارد حول الشمس ظلت لغزا  حتى فسّرتها هذه المعادلات،فالظاهرة التي كانت تحيّر العلماء أن هذا الكوكب الصغير ينحرف عن مداره بمقدار معين كل عدد معيّن من السنين ،وأن المجال الذي يدور فيه ينتقل من مكانه بمعنى من الزمن،ولذا فإن معادلات أينشتاين تكون بمقدار الانحراف بالضبط،وأعاد أينشتاين سبب هذا الانحراف إلى شدة اقتراب عطارد من الشمس وسرعة دورانه وعظم جاذبية الشمس.

  وانطلاقا من هذا التفسير فسّر اينشتاين  دوران الأرض حول الشمس لا بسبب قوة الجذب ولكن بسبب خصائص المجال الذي تخلقه الشمس حولها،والأرض لا تجد مدارا تسير فيه سوى هذا المدار الالدائري ،وكل الكواكب المحكومة في مداراتها بخطوط دائرية هي انجذابات المجال حول الأجسام الأكثر منها جاذبية،وهي ظاهرة أشبه بظاهرة القصور،فالأجسام قاصرة أن تتعدى مجالاتها المرسومة.

  ولقد استعان اينشتاين بهندسة ريمان حول المكان الكروي،وأصبحت الجاذبية عنده جزءا من هندسة المكان حول المكان الكروي وأصبحت الجاذبية عنده جزءا من هندسة المكان،المكان منحنى كروي ،لكن الكروية ليست كاملة وإنما بها تشويهات ،ونتوءات ترجع إلى كثافة المادة ،والمادة تتحرك بقصور ذاتي على سطح الكرة.إذ يقول "لولا هندسة ريمان لما تمكنت من اكتشاف النسبية".

  لذا فإن المكان الذي نعيش فيه مكان منحرف وليس مستو،وبما أن الجاذبية ليست قوة وإنما هي سقوط حر ،فالتساؤل المطروح:ما الذي يتسبب في تسارع الأجسام داخل مجال الجذب؟،يجيب أينشتاين بأن الكتلة هي من تسبب في انحراف الفضاء،وبما أن الكون الذي الذي نعيش فيه يشتمل على أجسام ذات كتل هائلة (شموس،نجوم،كواكب،مجرات)،فإنه لا بد أن يؤدي ذلك إلى انحراف الفضاء الذي يحيط بهذه الأجسام،أي لابد أن يكون المكان منحرفا،تماما كما يحدث لقطعة من الإسفنج عندما نضع عليها جسما ثقيلا،فعندما نضع في وسط قطعة من الإسفنج كرة من الرصاص فإنها تغوص مسببة في انحراف الاسفنج المحيط بها،وهكذا فالأجسام الساقطة بحرية في منطقة يوجد بها مسار منحرف بفعل كتلة ما،لابد أن تتبع  في خط سيرها شكلا منحنيا والمسار المنحرف في الفضاء هو الذي يسمى بالجاذبية.

   وهكذا فإذا كانت ميكانيكا نيوتن تفسر دوران الأرض حول الشمس بقوة الجذب الرابطة فيما بينهما حسب قانون الجاذبية،فإن نظرية النسبية المعممة تشرح ذلك كما يلي:كتلة الشمس ضخمة جدا،وهي لذلك تُحدث في الفضاء المحيط بها انحرافا حولها ،والأرض تسير في هذا الانحراف الذي يشكل مدارها حول الشمس[4].



عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية ،مرجع سابق،ص 137.[1]

[2]  محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص362.

[3]  المرجع السابق نفسه،الصفحة نفسها.

[4] محمد عابد الجابري:مرجع سابق،ص355.

3.3. االكون المتصل منحنى مقفل

  يتألف الكون عند أينشتاين من المكان والزمان الكتلة والمجال ،لكن ما طبيعة هذا الكون؟

   ففي الوقت الذي يذهب فيه قدماء المدرسة الذرية أن الكون غير محدود والمكان لا متناه،ووافقهم نيوتن معتبرين أن الكون غير محدود وإنما لانهائي لا أول له ولاآخر،وهذا يعود إلى إيمانهم بهندسة إقليدس وأن كل علاقات الكون يجب أن تُبنى من خلال هذه الهندسة المستوية والتي تعتمد في كل نظرياتها وتركيباتها على الخطوط المستقيمة ومسلمة التوازي والتسليم بأن مجموع زوايا المثلث يساوي 180°.

 لكن أينشتاين رفض هذا الرأي معتبرا أن الهندسة الإقليدية خاطئة إذا أردنا أن نفسّر بها علاقات الكون الرحيب أو حتى علاقات الكرة ،فلو حاولنا أن نبحث عن أقصر الخطوط بين لندن ونيورك،فسنجد أنه خط دائري،والسبب أن سطح الأرض كروي والسطوح الكروية لا تتناسب ولا تنطبق مع الهندسة المستوية الإقليدية،والكون شأنه شأن الأرض لأنه ليس نظاما مسطحا[1].

  لذا فإن النظرية النسبية ترى أن كل جسم يوجد في مكان وزمان يخلق حوله مجالا،وأن الفضاء حول هذا الجسم ينجذب وينحني بمقتضى خطوط هذا المجال،ومعنى هذا أن كل مادة توجد في فضاء

الكون تؤدي إلى تحدب وانحناء في سطح هذا الفضاء ،ومعنى هذا أننا لو أردنا أن نعرف مقدار المادة الكلية في فضاء الكون لأمكن أن نعرف مقدار التحدب والانحناء فيه وشكل مجاله العام بمقتضى معادلات النسبية.

   ومن هنا يكون الكون متناه ولكنه غير محدود،وأفضل تفسير لهذه العبارة أن نتصور الكون لا كسطح مستو،ولكن كسطح كروي مقفل،فلو أننا واصلنا السير في فضاء اينشتاين باتجاه واحد فلن نخرج إلى اللانهاية،بل ستعود إلى نقطة ابتدائك،وستكون حينئذ قد قمت بدوران حول الكون دون أن تصل إلى الحافة،فليس للكون حواف أو حدود،وبهذا التفسير يكون اينشتاين قد تخلص من فكرة اللامتناهي بكل ما تحمله من صعوبات علمية وفلسفية[2].

  أما فيما يخص طبيعة الكون ،فلقد ذهب أينشتاين إلى القول أن الكون في مجموعه ثابت،وأن أجزائه هي التي تتحرّك بالنسبة لبعضها البعض،أما ككل فهو ساكن ،،لكنه سرعان ما وافق رأي الأرصاد الفلكية التي أجمعت أن الكون يتضخم،وأن ما فيه نجوم وكواكب وشموس تنفجر في أقطاره الأربعة متباعدة عن بعضها تخلخلا مع زمن ،وأنه يبرد وتنطفئ نجومه  وتفنى مادتها،وتتحول إلى إشعاع يضيع في فضاء الكون الشائع،وبعد بلايين النسبية ،تكون جميع النجوم قد انطفأت فلا يعود هنا تبادل حرارة ولا أثر للضوء لأن دليلنا على اتجاه الزمن هو الحركة والطاقة وبدون حركة لا يوجد زمن وهذا ما يعني أن الكون له نهاية وله بداية.[3]



[1] عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية،مرجع سابق،ص139.

[2]  صلاح عثمان:الاتصال والاتناهي بين العلم والفلسفة،مرجع سابق،ص211.

عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية،مرجع سابق،ص141.[3]

3.4. نظرية المجال الموحد

 أدرك أينشتاين أن كل ما يستطيعه العلم الفيزيائي الفلكي أن يتعرف على العلاقات الرياضية الموجودة بين الكميات في هذا الكون ويكشف القوانين التي تجمعها معا في شمل واحد،فأراد بذلك أن يكشف القوانين التي تفسر حركات كل الأجرام السماوية،لاعتقاده الجازم أن الوجود منسجم في وحدة سواء تعلق الأمر بعالم الكيانات الفلكية أو عالم الذرة والمتناهيات في الصغر.

  وإذا كان المجال الكهرومغناظيسي هو من يمسك بالذرات والجزيئات ،فهو لا يختلف عن مجالات الجاذبية التي تمسك بالنجوم والكواكب والمجرات في أفلاكها ،لكن أينشتاين كان همه الوحيد أن يبحث في مجال واحد تتحقق فيه وحدة الوجود،حيث قدم سلسلة من القوانين التي تسيطر عليها ظواهر الجاذبية والكهرومغناطيسية ،وعليه ترتد كل هذه الظواهر إلى قانونين هما الجاذبية والكهرومغناطيسية.

  وهنا يذهب أينشتاين إلى أن التشابه بين ظواهر الجاذبية والظواهر الكهرومغناطيسية يدعو إلى التفكير في أن الكواكب السيارة التي تقع في مجال جاذبية الشمس والالكترونات التي تدور في المجال الكهرومغناطيسي عبارة عن قطعة مغناطيسية هائلة ،ما نتج عنه نظرية المجال الموحد.

  ومن هنا أصبح المجال الجاذبي والكهرومغناطيسي تبعا لهذه النظرية وجهين لعملة واحدة ،لكن سر هذا الاكتشاف لا يزال غامضا حتى وقتنا الحالي،ولو تم الأخذ بها فإن الفوارق بين مجالات الجاذبية والمجالات الكهرومغناطيسية فتصبح مجالا موحدا،وهو ما سينعكس على الفكر الفلسفي وتصبح فلسفة العلم من هذا المنظور مجالا لتوحيد آراء الإنسان عن العالم الطبيعي.

4. القيمة الابستمولوجية لنظرية النسبية العامة والخاصة

لقد جاءت الفيزياء الأينشتاينية بثورة مفاهيمية كبرى ضد الفيزياء الكلاسيكية وضد الأنساق الفلسفية الكلاسيكية على حد سواء برفضها فكرة المطلق،ومفهوم الثبات، وإبداعها للبعد الرابع أو المتصل الزمكاني وإلغاء مفهوم الجاذبية وتعويضها بمفهوم التجاذب الهندسي وغيرها من المفاهيم.

  وبهذا كشفت الفيزياء المعاصرة مع أينشتاين محدودية المجال الابستمولوجي الذي تنطبق عليه مقولات وأطر الفيزياء الكلاسيكية،ولقد عبر الجنرال Snuts  عن هذا التحول في خطابه الإفتتاحي بمناسبة الاحتفال المئوي للإتحاد البريطاني للعلمBritish Association of science عام 1933:"لقد سادت النظرية الميكانيكية للعالم منذ عصر غاليلو ونيوتن،أما الآن فمنذ مجيئ أينشتاين حلّ محلّها المفهوم الرياضي للكون(...)،وإذا كانت المادة أساسا بنية روحية أو عضوية فلا يمكن أن تختلف اختلافا جوهريا عن الكائن الحي (...)أو عن العقل الذي هو كائن منظم نشط"[1].



 فيليب فرانك:فلسفة العلم،الصلة بين العلم والفلسفة،ترجمة علي علي ناصف،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ص ص78،79. [1]