2. المطلب الثاني: مرحلة الإهتمام الفعلي لحماية البيئة.

ساهم مؤتمر استوكهولم 1972 حول البيئة إلى إجراء تعديلات على القانون الاتفاقي الإنساني وذلك لإعطاء الحماية للبيئية الطبيعية أثناء النزاعات المسلحة، بحيث ركزت مجمل الإتفاقيات السابقة على حماية المدنيين والأعيان المدنية من خلال منع استعمال الأسلحة المحرمة والقصف العشوائي واستخدام الألغام البحرية، ومن خلال التطور الحاصل في مفهوم البيئة أبرمت اتفاقيات دولية إنسانية تعالج موضوع حماية البيئة أو الطبيعية .(2)

الفرع الأول : الإتفاقية المتعلقة بمنع التقنيات المعدلة للبيئة لغايات عسكرية أو عدائية .

أبرمت هذه الاتفاقية في العاشرديسمبر 1976 كردة فعل على قيام الو.أ.م بتدمير الغابات والحقول الزراعية في الفيتنام خلال الحرب الأمريكية الفيتنامية من أجل القضاء على الثوار ما أثر على حالة المناخ وتغيير طبيعة تلك المنطقة، هذه الأفعال أدت إلى وعي العالم وانشغاله بخطورة هذه التصرفات المضرة بالبيئة.

ما كان حافزا لعقد اتفاقية دولية تمنع استخدام تقنيات تحدث تغيرات بالبيئة، اتفاقية 1976 والتي دخلت حيز التنفيذ في 05/10/1978 مع إمكانية تطبيقها في وقت السلم والحرب(3).

وتتضمن الإتفاقية من عشرة (10) مواد ومرفق للإتفاقية، ويندرج في مقدمة الأحكام المتضمنة في الاتفاقية حسب نص المادة الأولى.

1-    تتعهد كل دولة طرف في هذه الاتفاقية بعدم استخدام تقنيات التغيير في البيئة ذات الأثر الواسع أو الطويلة البقاء أو الشديدة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية كوسيلة لإلحاق الدمار الخسائر أو الأضرار بأية دولة طرف أخرى .

2-    تتعهد كل دولة طرف في هذه الإتفاقية بأن لا تساعد أو تشجع أو تحض أية دولة أو مجموعة من الدول أو أية منظمة دولية على الإضطلاع بأنشطة منافية لأحكام الفقرة 1 وعرَّفت نفس المادة المقصود بتقنيات تغيير البيئة بأنها أي تقنية لإحداث تغيير عن طريق التأثير المتعمد في العمليات الطبيعية، أو في دينامكية الكرة الأرضية أو تركيبها أو تشكيلها، بما في ذلك مجموعات أحيائها المحلية وغلافها الصخري وغلافها المائي وغلافها الجوي أو في دينامكية الفضاء الخارجي أو تركيبه أو تشكيله(1).

ويتضح من نص المادة الأولى من الإتفاقية أن المحظور هو الإستعمال، حيث لا يندرج في نطاق الحظر التحضير لهذه النشاطات الممنوعة ولا البحوث المتعلقة بها ، كما يشير الحال إلى أن العسكريين متمسكون بمتابعة بحوثهم في هذا الميدان، وكان من الأجدر أن تقوم بهذه البحوث أجهزة مدنية، وأن تكون نتائجها معلنة(2) .  كما يلاحظ أن النص المعمول به يشوبه الغموض ويتضح ذلك من خلال اشتراط الاتفاقية أن تكون التعديلات التي تتعرض لها البيئة ذات نطاق واسع أو خطير، وحدد الإتفاق التوضيحي للمادة الأولى من الاتفاقية أن المقصود باستخدام تقنيات التغيير في البيئة واسعة الإنتشار بواسطة استخدام التقنيات العدائية المعدلة للبيئة الطبيعية يجب أن تقاس بعدة مئات الأميال المربعة، أما الفترة الزمنية المطلوبة حتى يعتبر الضرر دائما ومن ثم محظورا هو أن يمتد إلى عدة شهور أو ما يقارب الفصل، أما كلمة "خطيرا " فالمقصود بها الإختلاف أو الضرر الحقيقي الذي يهدد حياة البشر والمصادر الطبيعية والاقتصادية أو أي موارد أخرى، ولم يرد أي ذكر لموضوع التهديد باستخدام الوسائل المعدلة للبيئة لغايات عسكرية أو التحضير لهذه الأعمال ضمن نصوص هذه الاتفاقية.(3)

كما ألزمت هذه الاتفاقية الدول الأطراف بتيسير أوسع لتبادل ممكن للمعلومات العلمية والتقنية عن استخدام تقنيات التغيير في البيئة للأغراض السلمية، ويكون إسهام الدولة في ذلك إما فرادى أو مع غيرها من الدول أو المنظمات الدولية على سبيل صون البيئة وتحسينها واستخدامها في الأغراض السلمية(4) .

كما نصت هذه الاتفاقية على مبدأ التشاور و التعاون فيما بين الدول بحل المشاكل كما يحق لكل دولة طرف في هذه الاتفاقية أن تتقدم بشكوى إذا رأت أن لديها ما يدعوها إلى الاعتقاد بأن دولة طرفا أخرى تنتهك الالتزامات الناشئة عن أحكام هذه الاتفاقية(1).

لقد تعرضت هذه الاتفاقية إلى انتقادات من عدة جوانب على أساس أنها تضعف الحماية المقررة لبيئة الإنسان في مواجهة استخدام القوة المسلحة في إطار نزاع مسلح أو لمجرد محاولة المساس المتعمد بالبيئة لأغراض عسكرية أو عدائية، حيث أن الاتفاقية لم تشمل تغيير البيئة الناتج عن الاستعمال المباشر أو العرضي لوسائل الحرب التقليدية أو أسلحة الدمار الشامل، كما اقتصر الخطر المحتوى في الاتفاقية على الأغراض والغايات العسكرية أو أية أغراض أخرى عدائية، وعليه الحظر هنايتبع النيةوهي عنصر ذاتي، بالإضافة إلى أن أحكام الاتفاقية لا تحظر الاستخدام السلمي لهذه التقنيات لتصنيفها على أنها تدبير للحد من سباق التسليح(2) .

وتنص المادة 08 من الاتفاقية على إجراءات مراجعة دورية لدراسة تطبيق الاتفاقية، وقد عقد المؤتمر الأول للمراجعة في جنيف 1984، غير أنه وفي ضوء الأضرار التي لحقت البيئة أثناء حرب الخليج الثانية ثار الجدل بخصوص هذه الاتفاقية فضلا عن الانتقادات التي وجهت إليها ومن بينها أن مجال تطبيقها لا يغطي الأضرار اللاحقة بالبيئة بسبب وسائل القتال التقليدية تم عقد المؤتمر الثاني للمراجعة عام 1992(3).

الفرع الثاني: بروتوكول جنيف الأول لسنة 1977.

  من الثابت كذلك أن هذا الملحق جاء كرد فعل على الحرب الفيتنامية الأمريكية ويتعلق مضمون هذا البروتوكول بتحريم الحرب الإيكولوجية، حيث يتضمن مادتين تعالجان على وجه التحديد مسألة حماية البيئة في فترة النزاع المسلح الدولي وقد أُدرجت هاتين المادتين إدراكا لأهمية احترام البيئة الذي اتسمت به مرحلة السبعينات وذلك لغاية توفير وتأمين الحماية للبيئة بذاتها، حيث تنص المادة 35 على أنه : " يحظر استخدام وسائل أو أساليب للقتال، يقصد بها أو قد يتوقع منها أن تلحق بالبيئة الطبيعية أضرارا بالغة واسعة الانتشار، طويلة الأمد" تتعلق هذه المادة بالوسائل وأساليب أو وسيلة من أساليب القتال التي تؤدي إلى أضرار جسيمة بالبيئة حتى ولو كان ذلك عرضيا(1).

كما تضمنت المادة الالتزام بحماية البيئة الطبيعية من خلال ما ورد في المادة 55 من البروتوكول الأول ينصها على أنه :

  1. تراعى أثناء القتال حماية البيئة الطبيعية من الأضرار البالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد، وتتضمن هذه الحماية حظر استخدام أساليب أو وسائل القتال التي يقصد بها أو يتوقع منها أن تسبب مثل هذه الأضرار بالبيئة الطبيعية ومن ثمة تضر بصحة أو بقاء الإنسان.
  2. تحظر هجمات الردع التي تشن ضد البيئة الطبيعية .

ومن المهم الإشارة إلى أن هذه المادة تستهدف حماية المدنيين من الأثار العدائية، إضافة إلى شمولها سياقا أوسع وهو سياق حماية الممتلكات ذات الطابع المدني التي يتناولها الفصل الثالث من البروتوكول الأول ، وقد عبرت تعليقات شبه رسمية نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول نصوص البروتوكولين الأهمية الحيوية للطبيعة والحاجة إلى إدخال بعض قواعد حمايتها المقررة في وقت السلم إلى قانون المنازعات، وقد لاحظ بعض الفقهاء أن إغفال نص المادة 55 إضافة وصف المدنيين كان متعمدا وقصد به التأكيد على أن الأضرار التي تصيب البيئة يمكن أن تصيب السكان المدنيين والعسكريين على حد السواء.(2)

 

 

 

 

 

 



(2) بن سالم رضاــ نفس المرجع السابق ، ص 34.

(3)عمر محمود أحمد ــ ( حماية البيئة في القانون الدولي الإنساني وقت النزاع المسلح ) المجلة الأردنية للعلوم التطبيقية ، جامعة العلوم التطبيقية ـ العدد الأول ـ عمان ــ الأردن ــ سنة 2008 ، ص 04 .

(1)ـ المادة الثالثة من الاتفاقية .

(2)ــ نفس المرجع السابق ، ص 36.

(3)عمر محمود أعمر ــ نفس المرجع السابق ، ص 04.

(4) المادة 03 من الاتفاقية.

(1)المادة 05 من الاتفاقية .

(2)د. صلاح الدين عامرــ(حماية البيئة إبان النزاعات المسلحة) المجلة المصرية للقانون الدولي ـ عدد 49 – سنة 1993، ص 38.

(3)نفس المرجع السابق ــ ص 38.

(1) بن سالم رضا ـ نفس المرجع السابق، ص 39.

(2)بن سالم رضا ــ نفس المرجع السابق، ص 44.