1. المطلب الأول: الحماية غير المباشرة للبيئة

كان القانون الدولي الإنساني من الناحية التقليدية يركِّز على البشر من حيث نطاقه ومن حيث مجال دراسته لذلك فإن البيئة لم يسبق أن ذُكرت في تلك النصوص، غير أنه وبطريقة غير مباشرة هناك نصوص تحمي البيئة ومنها على سبيل المثال الأحكام المتعلقة بحماية الأملاك الخاصة، وحماية الأعيان المدنية، وأيضا الأحكام  الخاصة بتحريم بعض الأسلحة(1).

الفرع الأول: مرحلة إهتمام القانون الدولي الإنساني بالأفراد المدنيين.

        منذ نشأة القانون الإتفاقي الإنساني وهو يركز على حماية البشر والمدنيين وتنظيم أساليب ووسائل الحرب، فلم يكن يهتم بالبيئة على اعتبار أنه مفهوم حيث النشأة، غير أن ذلك لم يمنع من حماية هذه الأخيرة بطريقة غير مباشرة، وهذا ما يتضح من الإتفاقيات الآتية:

أولا: إتفاقية لاهاي الثالثة 1899 .

نجح مؤتمر 1899 في اعتماد إتفاقية بشأن قوانين الحرب البرية وأعرافها و ألحقت بها لائحة، وتتضمن هذه اللائحة (اللائحة المتعلقة بالحرب البرية) وهي مجموعة القواعد المتعلقة بجميع جوانب الحرب البرية التي تمكنت الدول المتعاقدة من التوصل إلى اتفاق بشأنها، ومنها ما يتعلق بحماية البيئة الذي ذكر بطريقة غير مباشرة ومن أبرز ما ذكرت المادة 25 الحظر المفروض على قصف المدن المجردة من وسائل الدفاع، والأعيان الثقافية .....الخ(1).

ثانيا : إتفاقية لاهاي لسنة 1907.

خرج مؤتمر لاهاي الثاني للسلام بـ 13 إتفاقية أغلبها متعلق بالحروب البحرية وهي 08 ومن أهم ما جاءت به هذه الإتفاقيات.

1    ـ وضعية السفن التجارية في الحروب: تحدثت الإتفاقية السادسة عن وضع السفن التجارية، وتقوم الإتفاقية على مبدأ التمييز بين السفن التجارية والسفن البحرية عند انطلاق العمليات العدائية، أما الإتفاقية السابعة فتتعلق بتحويل السفن البحرية إلى سفن حربية، حيث أنه ومن خلال استقراء هذه الاتفاقية فإنه لا يظهر أي أثر مباشر أو نية لحماية البيئة البحرية، ما جعل هذه الأخيرة عرضة للتلوث أثناء الحربين العالميتين(2).

2         زرع الألغام: شملت الاتفاقية الثامنة المتعلقة باستخدام ألغام التماس البحرية الاتوماتيكية والتي فرضت قيودا معينة على استخدام هذه الألغام وعلى استخدام الطربيدات وكانت هذه القيود في غالب  الأحيان لصالح السفن التجارية(3).

غير أنه مع التطور العلمي والتكنولوجي ظهرت أنواع جديدة من الألغام المغناطيسية السمعية، والعاملة بالضغط، ومرتكنة إلى مرساة، وأكثر هذه الأنواع لم تشملها اتفاقية لاهاي الثامنة لأنها لم تكن معروفة يوم توقيع الاتفاقية، حيث تمنع المادة 02 من هذه الاتفاقية الحصار عن طريق الألغام بزرعها أمام مداخل الشواطئ الموانئ للدول المعادية بهدف منع الملاحة البحرية، وهذا نظر لما أحدثته من دمار هائل بالبيئة البحرية لهذه الدول وبسواحلها.

3 ــ القصف البحري: نظَّمته الاتفاقية التاسعة التي نقلت إلى الحرب البحرية قواعد القصف البرية حيث تذكر الاتفاقية في مادتها الأولى الحظر على قصف المدن المجردة من وسائل الدفاع، وتورد مادتها الثانية تعريف للأعيان مثل المنشآت البحرية والأشكال الهندسية التي يمكن استعمالها في تلبية احتياجات الأسطول الحربي المعادي والتي رغم وجودها في نطاق هذه المدن المجردة من وسائل الدفاع تعتبر أهدافا عسكرية ومن ثمة يجوز قصفها مع مراعاة القيام بإنذار مسبق بالقصف، وباحترام المستشفيات، ومؤسسات الإحسان والمؤسسات العلمية والأثرية والأبنيةالدينية(1).

الفرع الثاني : مرحلة إهتمام القانون الدولي الإنساني بالبيئة بصورة غير مكتملة.

        يتجسد هذا الاهتمام في بروتوكولجنيفلعام 1925، حيث يحظر استخدام الغازات السامة والوسائل البيولوجية في الحرب وأصبح ساري المفعول في عام 1928 وكذلك ما يتعلق باتفاقية الأسلحة البيولوجية لعام 1972 بالإضافة إلى اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 التي تمنح حماية ضمنية للبيئة من خلال الحماية المقررة للسكان المدنيين والمقاتلين وقت الحرب، ومنع تدمير الأموال المنقولة وغير المنقولة.

أولا : بروتوكول جنيف 1925.

في بداية القرن العشرين حصلت اكتشافات في التكنولوجيا الأمر الذي جعل الدول تنتبه لأهمية الأسلحة البيولوجية والوسائل والغازات السامة ولقدرتها التدميرية الهائلة فبدأت تتسابق لتطوير هذا السلاح لاستخدامه في الحرب، ما حذى بالمجتمع الدولي إلى الإسراع لوضع بروتوكول يحرم استخدام هذا السلاح الذي يفتك بالإنسان والحيوان والنبات وبالنظر كذلك إلى لا محدوديته وسرعة انتشاره بفعل العوامل الطبيعية، ولقد اعترف هذا البروتوكول بأن استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الوسائل والمواد والأجهزة المشابهة قد أدين من قبل الرأي العام للعالم المتحضر، وأن استخدامها محظور في المعاهدات الدولية(2).

إضافة إلى ما تقدم فإن استعمال هذه الأسلحة يؤدي إلى الإضرار بالبيئة بأنواعها الثلاثة البرية، الجوية والبحرية، كما يقوم بروتوكول جنيف بحظر استعمال الأسلحة الجرثومية غير أنه لا يحظر إنتاج أو تخزين وتطوير مثل هذه الأسلحة، وهذا ما تمت إعادة معالجته في الاتفاقية المبرمة سنة 1972، ويمكن الكشف عن الآثار التي تطال البيئة من جراء استخدام الوسائل الحربية البيولوجية مثلما حدث جرَّاء التجربة البريطانية في جزيرة "Gruinar" والتي تم إجراء تجارب على البكتيريا التي تسبب مرض ( الجمرة) وهو مرض يصاب به الإنسان والحيوان على حد السواء وقد جعلت هذه التجربة الجزيرة مكانا غير صالح للسكن حتى اليوم، والسبب يعودإلى النمو والتكاثر الكبير لهذه المكروبات الدقيقة التي أُدخلت إلى الجزيرة والتي عدت جزءا من نظامها البيئي(1).

    تجدر الإشارة إلى أنه وحتى عام 2007 كانت هناك 134 دولة قد صادقت على بروتوكول جنيف، ومع ذلك فقد تحفظت أغلبية الأطراف بحق الرد بالمثل إذا اُستخدمت الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية ضدها، فقد صادقت الولايات المتحدة الأمريكية على البروتوكول سنة 1975 متحفظة في ذلك الوقت بحق استخدام الأسلحة الكيميائية في الرد بالمثل على الدول التي لا تتقيد بالبروتوكول، ثم ألغت ذلك التحفظ وصار الإلغاء نافذ المفعول مع التوقيع على اتفاقية الأسلحة الكيمائية في يناير 1993، و من الدول التي سحبت تحفظها بشأن الأسلحة الجرثومية والسمية بريطانيا سنة 1991، وكوريا الجنوبية سنة 2002 وغيرها من الدول(2).

   كتقييم لأحكام البروتوكول فإنه نص على تحريم استعمال الأسلحة البيولوجية بالإضافة إلى أنه يحظر استحداث أو إنتاج أو تخزين الأسلحة البيولوجية، غير أنه لا ينص

على آليات أو إجراءات تتبع في حال انتهكت أيا من الدول نصوص البروتوكول مستخدمة السلاح البيولوجي في نزاعاتها المسلحة(3).

ثانيا: إتفاقية الأسلحة البيولوجية لعام 1972.

اجتمع في جنيف في أغطس 1969 ممثلو أثنى عشر (12) دولة من دول عدم الانحياز مطالبين بصدور قرار من الأمم المتحدة يمنع استعمال الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في أية منازعة دولية، حيث أسفرتالمفاوضات التي قامت بها لجنة نزع السلاح إلى عقد اتفاق دولي أقرت الجمعية العامة نصه في ديسمبر 1971 وفي العاشر من أبريل 1972 فتح باب التوقيع على الاتفاقية ودخلت حيز النفاذ في 26 مارس 1975(1)،   وحسب تعريف الأمم المتحدة في العام 1969 تعد الأسلحة البيولوجية كائنات حية تتنوع طبائعها، أو مواد ملوثة مشتقة من تلك الأجسام هدفها هو التسبب في الإصابة بأمراض أو في موت البشر أو الحيوانات أو النباتات، بفاعلية تتوقف على قدرتها على التوالد في أجسام البشر أو الحيوانات أو النباتات المتعرضة للهجوم، وتنقسم الأسلحة البيولوجية إلى 05 أنواع هي الفيروسات، البكتيريا، الأجسام الدقيقة، السموم المشتقة من الفطريات، التوكسينات.

  تتكونالإتفاقية من ديباجة وخمس عشر مادة وهذه المعاهدة تناولت في أحكامها التعهدات والتدابير الواجب على الدول اتخاذها للوصول إلى نزع شامل وكامل للأسلحة البيولوجية من خلال عدم إنتاج أو استحداث أو تخزين أو نقل أو التشجيع على تصنيعها(2).

  كما أدرجت الإتفاقية ضرورة التشاور والتعاون فيما بين الدول لحل أي مشاكل تتعلق بالإتفاقية، كما يحق لأي دولة طرف أن تقترح إدخال تعديلات عليها والتي تصبح نافذة المفعول متى نالت قبول أغلبية الدول الأطراف(3).

  ويمكن تلخيص أهم ما دارت حوله الاتفاقية في التدمير أي التزام الدول بنزع السلاح عن طريق تدمير جميع العوامل والتكسينات والمعدات ووسائل الإيصال المذكورة في المادة الأولى منها أو تحويلها إلى أغراض سلمية ووقائية، كذلك دار موضوع الإتفاقية حول التدابير التنفيذية الوطنية والمتمثلة في التدابير اللازمة لحظر ومنع استحداث أو إنتاج أو تخزين أو إنتاج هذه الأسلحة، ثم مبدأ التشاور والتعاون، وتقديم المساعدة في حالة تعرض طرف في الاتفاقية للخطر نتيجة خرق الإتفاقية والذي يستوجب تقديم شكوى .

ثالثا: إتفاقيات جنيف الأربع 1949 وبروتوكولاتها.

بعد استقراء إتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 لا نجد أي نص صريح متعلق بالبيئة والتي نصت بشكل محوري على حماية المدينين وممتلكاتهم خلال النزاعات المسلحة والإحتلال والذين يجب أن تتم حمايتهم، حيث تنص المادة 147 من إتفاقية جنيف الرابعة أن الأفعال كالقتل، والتعذيب والمعاملة اللإنسانية وتعمد إحداث آلام شديدة أو إلحاق أضرار خطيرة بالسلامة البدنية أو بالصحة تجاه الأشخاص المحميين بهذه الاتفاقية وباقي الأعمال من نفس الصنف لا تبرره ضرورات حربية، ويعتبر خرقا صارخا لهذه الاتفاقية كما نصت المادة 53 من نفس الإتفاقية على أنه يحظر على دولة الإحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة، ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة أو المنظمات الإجتماعية أو التعاونية إلا إذا كانت العمليات الحربية حتما تقتضي ذلك(1) .

    يدخل ضمن ما نصت عليه المادتان سالفتا الذكر المصادر الطبيعية للبيئة التي غالبا ما تكون ملكا للأشخاص الخواص المدنيين، ويعتبر الاعتداء عليها أو تحطيمها جريمة ولا تبرره ضرورة عسكرية، وكمثال على ذلك حرق الأشجار وتدمير السفن في البحر(2).

   أما بالنسبة لبروتوكول جنيف الأول لسنة 1977 فإن القاعدة الأساسية لحماية الأعيان المدنية من أثار الأعمال العدائية حسب ما ورد في نص المادة 48 ، فإنها بطريقة غير مباشرة توفر حماية للبيئة كذلك بقولها على أن تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية ، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان والأعيان المدنية وكذا المادة 54 التي تنص في فقرتها الثانية على حظر مهاجمة المناطق الزراعية التي تنتج والمحاصيل والماشية وشبكات وأشغال الري كأسلوب لتجويع المدنيين في الحرب.

   كما تضمن البروتوكول الثاني لسنة 1977 اتفاقيات جنيف حماية للبيئة بطريقة غير مباشرة كذلك لاسيما في نصوص المواد 14 المتعلقة بحماية الأعيان اللازمة لحياة الإنسان، والمادة 15 حول حماية الأشكال الهندسية والمنشآت المحتوية، والمادة 16 لحماية الأعيان الثقافية وأماكن العبادة(1).



(1)بن سالم رضا، حماية البيئة البحرية أثناء النزاعات المسلحة في البحار،  مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائرـ الجزائر، 2004، ص 22.

(1)فريتس كالسهوفن ــ ضوابط تحكم خوض الحرب ــ مدخل للقانون الدولي الإنساني ــ دار الوثائق والكتب القوميةــ اللجنة الدولية للصليب الأحمر ــ ب.ط ــ جنيف ــ 2004 ، ص 26.

(2)بن سالم رضاــ نفس المرجع السابق ، ص 25.

(3)فريتسكالسهوفن ــ نفس المرجع السابق ، ص 29.

(1)فريتسكالسهوفن ــ نفس المرجع السابق.

(2)أ.هنون حسن محمد رمضان ــ الأسلحة البيولوجية في ضوء القانون الدولي العام ــ دار الكتب القانون ــ مصر ـ ب.ط ــ سنة 2012 ، ص 75.

(1)بن سالم رضا– نفس المرجع السابق ، ص 32.

(2)من الدول التي سحبت تحفظها ايرلندا ( 1972)، استراليا(1989)، نيوزيلاندا(1989)، منغوليا (1990)، تشيكوسلوفاكيا(1990)، بلغاريا(1991)، كندا ( 1991) ، شيكي (1991)، رومانيا (1991)، بريطانيا (1991) .

(3)أ. هنوف حسن محمد رمضان ــ نفس المرجع السابق ، ص 78.

(1)أ. هنوف حسن محمد رمضان ـ نفس المرجع السابق ، ص 81.

(2)المادة الأولى من اتفاقية خطر استحداث وانتاج الأسلحة البكتريولوجيةوالتكسينية وتدميرها .

(3)المادة 05 و 11 من الاتفاقية .

(1)UNEP-protecting the environmentduringarmedconflict – novembre  2009-page 17.

(2)نفس المرجع السابق ـ ص 17.

(1)نفس المرجع السابق ــ ص 18-19.