1. المطلب الأول : دواعي الاهتمام الدولي بحماية البيئة:

إن ضرورة تضافر الجهود الدولية لحماية البيئة حتمته ظروف مختلفة تتراوح مابين الأسباب الطبيعية بما تنطوي علية من ظواهر ذات طابع جغرافي و مناخي، و ظروف اقتصادية و اجتماعية تنطوي على علاقة البيئة بالتنمية التي تعد محور الحياة و حقا من حقوق الإنسان ووسيلة تحقيق رفاهه و ضمان سبل عيشه، إلا ان التنمية رتبت بعض الظواهر السلبة لخروجها عن إطارها العام و هو مايستدعي تعاون دولي من أجل تحقيق ذات الغرض

الفرع الأول : الأسباب الطبيعية و المناخية:

 تعاني البيئة من عديد الظواهر السلبية التي تضر بالنظام البيئي وعلى رأسها مشكل التلوث و الذي يمكن تقسيمه بحسب المعيار الجغرافي إلى تلوث محلي لا يتعدى الحيز الإقليمي لمكان مصدره، و تلوث عابر للحدود قد عرفته اتفاقية جنيف بشأن التلوث بعيد المدى لسنة 1979 بأنه يكون مصدره عضوي موجود كليا أو جزئيا في منطقة تخضع للاختصاص الوطني لدولة، و يحدث آثاره الضارة في منطقة تخضع للإختصاص الوطني لدولة أخرى. وهو ما يقتضي تعاون دولي لمحاربته أو التقليل منه، و أمثلة هذه التلوث كثيرة أبرزها انفجار المفاعل النووي تشرنوبل 1986، و غرق حاملة النفظ توري كانيون 1967، وغيرها.

بالإضافة إلى المشاكل المناخية و التي تنطوي على الاحتباس الحراري نتيجة ارتفاع تركيز غازات الدفيئة الخضراء في الغلاف الجوي و ما نتج عنها من نتائج كارثية على البيئة كذوبان الجليد في القطب ين الشمالي و الجنوبي و ارتفاع منسوب مياه البحار و المحيطات و غرق عديد الجزر، بالإضافة إلى تصحر و الجفاف اللذان أصبحا يميزان مناطق شاسعة من الكرة الأرضية. و كذا تآكل طبقة الأوزون والذي هو عبارة عن غاز موجود في طبقة الجو العليا  وظيفته الحماية من تسرب الأشعة فوق البنفسجية وهو ما انعكس سلبا على الإنسان و إنتاجية الكائنات الحية و أدى إلى عديد الأمراض الجلدية السرطانية، و نقص المناعة و غيرها.

الفرع الثاني : الأسباب الإقتصادية و الاجتماعية .

هناك علاقة وطيدة بين التدهور البيئي و عملية التنمية، حيث أن الاستغلال غير الرشيد للموارد الطبيعية من أجل تحقيق التنمية الإقتصادية ترك اثار سلبية على قدرة الموارد في التجدد و هو ما يهدد استمرارية دورة الحياة على الأرض و يحرم الأجيال المستقبلية من تحقق نمائها. بالاضافة الى ماتخلفه عملية التنمية المعتمدة لاسيما على مجال التصنيع من مخلفات التلوث الصناعي و الذي أصاب جميع عناصر البيئ (الهوائية، البرية، المائية) و كذا بصفة مباشرة على الانسان، لاسيما مع اتساع استخدام المواد الخطرة على البيئة و اتساع استهلاك الطاقة الذي أدى إلى زيادة كميات الكربون.

أما الأسباب الإجتماعية فتتمثل بالخصوص في تدهور الوضع الصحي للأفراد ذو العلاقة المباشرة بتدهور المحيط و الإخلال بالحق في العيش في بيئة نظيفة، و يظهر ذلك أما بارتفاع نسبة المرضى أو زيادة أنواع الأمراض أو بالوفيات، كما يؤدي اختلال النظام البيئي إلى انتشار الأوبئة المستعصية الناتجة عن المياه الملوثة أو اشعاعات المصانع، أو تلوث الأغذية بمصادر مختلفة، و الأمراض المستعصية كالأنفلونزا  أو كذلك جنون البقر المعتبر مثالا واقعيا عن اختلال التوازن البيئي.

الفرع الثاني : الأسباب القانونية.

انطلاقا من واقع و حالة البيئة وما أصابها خاصة بداية من العشرين كنتيجة للاستغلال غير العقلاني للموارد و تسارع وتيرة التصنيع من جهة، و الخسائر الناجمة عن الحربين العالميتين اللتان ميزتا هذا القرن أين شهدت استعمال الإنسان لمختلف الأسلحة التدميرية و أخطرها على الإطلاق ( أسلحة كيماوية، نووية، بكتريولوجية) وغيرها ألحقت أضرارا لا تحصى بالبيئة، وهو ما حتم على المجتمع الدولي التدخل من أجل وضع منظومة قانونية في حالة السلم و كذا في حالة الحرب.

بالنسبة للتنظيم القانوني في حالة السلم فهو من أجل مواجهة المعضلات التي سبق لنا عرضها وهذا بسبب عالمية الأضرار التي تلحق بالبيئة، و لكون البيئة تراث مشترك للإنسانية بسبب أنها كل لايتجزأ ، لذا فالحق في البيئة من الحقوق التضامنية أو الجماعية لذا فالأمر يستدعي تضافر جهود الكافة من أجل تقرير ثم تفعيل حمايتها. بالاضافة الى اعتبار البيئة كحق من حقوق الانسان الأساسية و المرتبط بحقه في الوجود أو الحياة، لذا تم صياغته بالحق في العيش في بيئة سليمة أو نظيفة، وهو ماتم تكريسه بموجب المادة الأولى من اعلان البيئة 1972 استوكهولم، و كرسته عديد النصوص الدولية الأخرى و دساتير الدول. و هو ما يرتب حق كل فرد في العيش في بيئة غير مهددة و التمتع بها، و واجب كل دولة أولا ثم الفرد في المحافظة عليها و تحسينها و هو أمر لا يتأتى بعيدا عن التنظيم القانوني.

أما دواعي وضع نظام قانوني في حالة الحرب فيفرضه ذلك التهديد الكبير و اللامتناهي أكبر منه في حالة السلم بسبب استخدام الأسلحة الذي يمكن أن يلحق بالبيئة أضرار لايمكن إصلاحها،  ويتم التعاون الدولي من أجل تقرير نصوص قانونية دولية ترمي إلى تجريم الضرر البيئي الناجم عن النزاع المسلح من جهة، و من أجل مراعاة التناسب بين ضرورات الحرب و الذي يقصد به مراعاة الضرر الذي قد يلحق بالخصم و المزايا العسكرية التي يمكن تحقيقها و يسعى مبدأ التناسب الى اقامة التوازن البيئة كحق انساني و الضرورة الحربية.