الحملات الأوربية واكتشاف العالم الجديد

 يعتبر أمريكوفيسبوتشي (وهو فلورنسي نسبة إلى مدينة فلورنس بإيطاليا والذي ولد عام 1454م)، الشخصية الثانية بعد كريستوف كولومبس التي لعبت دورا كبيرا في اكتشاف العالم الجديد، حيث قام بأربع رحلات متتالية إلى هناك بين أعوام 1497م- 1503م.

عمل فيسبوتشي لحساب ملوك اسبانيا والبرتغال، وتوغّل كثيرا بمحاذاة الشاطئ الجنوبي الأمريكي بين عامي 1501-1502م، ووصل إلى مصب نهر لابلاتا بالأرجنتين، حيث لم يجد أي تشابه مع الشواطئ الهندية، وهذا ما دفعه للاعتقاد بأنّه أمام أرض جديدة غير متصلة بالعالم القديم، وقد نُشرت في أوربا عدّة رسائل من فيسبوتشي يثبت فيها نظريته، وتمّ ذلك برعاية العالم الألزاسي مارتن وولدسيميلر waldseemuller (رسام خرائط) رفقة عالم آخر هو: ماتياس رينغمان Mathias ringman، وهو ما جعل هذين العالمين الجغرافيين يطلقان اسم فيسبوتشي (أمريكو) على القارة الجديدة (أمريكا) سنة 1507م.

بعد فيسبوتشي أتى الدور على مكتشف اسباني هو بالبوا balboa الذي قدّم دليلا جديدا على صحة اكتشافات فيسبوتشي وواصل اكتشافاته، حيث قاد مئات الرجال عبر قناة بنما، إلى أن وصل إلى المحيط الهادي.

2-1: الحملات الاستكشافية الاسبانية: سبقت اسبانيا غيرها من الأمم الأوربية في استكشاف واستيطان العالم الجديد، فقد قاد هرناندو كورتيز hernando cortez حملة مسلحة ضد المكسيك واحتلها عام 1521م وجعلها مستعمرة اسبانية، ونجحت حملاته أيضا في التقدم شمالا حتى الحدود الجنوبية الحالية للولايات المتحدة الأمريكية، وقضى على كل المقاومات التي أبداها الهنود هناك، كما ألغى احتفالاتهم الدينية وعمل على تنصير السكان، واستطاع كورتيز توسيع ممتلكات التاج الاسباني بشكل كبير، مستعملا وسائل النهب والتقتيل والترهيب، وفي النهاية توفي بإشبيلية الاسبانية في عزلة تامة سنة 1547م.

والواقع أنّ الوجود الاسباني تركّز بأمريكا الجنوبية، ومن هناك استهدفت الحملات الاستكشافية المكسيك وبيرو. ففي سنة 1524م، أبحر "فرانسيسكو بيزارو" من بنما باتجاه البيرو للبحث عن الذهب، وبالفعل تمكّن من تحقيق مبتغاه؛ مما جعله يعود إلى اسبانيا لإخبار ملكها باكتشافاته، والحصول على إذن لاكتشاف الأراضي الجديدة، وعاود الإبحار بعدها إلى أمريكا الجنوبية عام 1531م، واستأنف حملته التي تمخّض عنها السيطرة على بلاد الإنكا عام 1533م، وأصبحت البيرو قاعدة لكل العمليات الاسبانية المتعاقبة على أمريكا، فقد احتلت بعد ذلك الإكوادور، كما أرسلت حملة لاكتشاف بوليفيا والتشيلي، وقد قتل "بيزارو" سنة 1541م.

فيما بعد؛ وصل بونس دوليون Bonce de Léon إلى فلوريدا، لكنه فشل في محاولته تأسيس مستعمرة في منطقة تامبا... وجاء بعده هرناندو دو دوتو Hernando de doto في عام 1541م واكتشف نهر المسيسيبي الذي يمر في قلب أمريكا الشمالية ، وتواصلت الجهود الاسبانية، إلى أن تحقق أول استيطان أوربي دائم في أمريكا الشمالية بمستعمرة سانت أوغسطين في فلوريدا، وكان ذلك عام 1565م، فقد بنى الأسبان قلعة كبيرة لحماية هذه المستعمرة من هجمات الهنود.

2-2: الكشوفات الإنجليزية في أمريكا الشمالية: عَبَر رجل إيطالي يدعى جون كابوت  John cabot المحيط الأطلسي وكان يقود سفينة إنجليزية، وتوغل باتجاه الشمال مستكشفاً البرادور و نيوفوندلاند، ثم قام الإنجليز بتأسيس أول مستعمرة لهم في أمريكا الشمالية عام 1607م، وسموها جيمس تاون Jamestown تكريما لملك إنجلترا.

أما المستعمرة الإنجليزية الثانية، فقد تأسّست في بليموث Plymouth، كوّنتها جماعة دينية بروتستانتية تعرف باسم البيوريتان Puritains (المتطهّرون) عام 1620م، الذين وصلوا على متن سفينة صغيرة، قادمين من هولندا فراراً من الاضطهاد الذي تعرّضوا له هناك، بعدما أبدوا رغبتهم في إصلاح الكنيسة الإنجليزية (الأنجليكانية).

2-3: الفرنسيون وحركة الكشف: اهتمت فرنسا هي الأخرى بحركة الكشف والاستعمار في العالم الجديد، فكان فيرازانو Verrazano قد اكتشف تحت لواء العلم الفرنسي، الساحل الأطلسي الشمالي من منطقة كارولينا الشمالية والجنوبية إلى نيوفوندلاند، وحدث ذلك عام 1524م. ثمّ جاء مستكشف آخر هو 'جاك كارتييه jacques cartier  وشقّ طريقه في نهر سانت لورنس وصولا إلى مونتريال في كندا عام 1535م. بعدها أسّس صامويل شامبلين Samuel Champlain (كان جنديا وبحارا سابقا) مدينة كيبيك Québec بكندا عام 1608م، وكانت هذه أول مستعمرة في فرنسا الجديدة. كما قام الفرنسيون بعدها باستكشاف بحيرة متشيجان عام 1634م، وقد لعبت جماعات الجزويت (اليسوعيون) الكاثوليكية؛ دورا بارزا في عمليات الاستعمار والغزو، فتوغّل المبشرون الفرنسيون المتحمّسون في كيبيك عبر المسيسيبي، يحملون معهم الصلوات الكنسية والطقوس الكاثوليكية إلى الهنود الحمر، وعليه فالفرنسيون كانوا تجّارا ومبشرين قبل أن يكونوا مستعمرين.

وجّهت الحكومة الفرنسية اهتمامها فيما بعد لميدان الاستعمار، وهذا بفضل سياسة الوزير كولبير Colbert الذي كان أوّل من أدرك أهمية التجارة البحرية، فقامت الشركات الفرنسية بالتجارة مع جميع أنحاء العالم، ومن بينها 'شركة فرنسا الجديدة'، التي ساهمت في استعمار أمريكا الشمالية، ونتيجة لذلك سيطر الفرنسيون على المنطقة الممتدة من كندا شمالا إلى خليج المكسيك جنوبا، محيطين بالمستعمرات الإنجليزية من جهتي الشمال والغرب، مما حال دون  توسّع الإنجليز غربا، ومن هنا بدأ الصراع المباشر بين الطرفين في العالم الجديد.

2- 4: التواجد الهولندي: ابتداء من عام 1614م، استقرّ الهولنديون على ضفاف نهر هدسون، وكان هدفهم اقتصادي بحت، وقد تركزّت جهودهم بشكل خاص على استيطان أمريكا الجنوبية، حيث استطاعت 'شركة الهند الغربية الهولندية' زيادة مساحات الأراضي وتأسيس عدّة مستعمرات؛ منها مستعمرة جويانا (guiana)، كما استولى الهولنديون على عدّة مناطق وصولا إلى أمريكا الشمالية حيث مستعمرة نيو أمستردام.

         وفي عام 1674م تنازلوا عن ممتلكاتهم الأمريكية لصالح إنجلترا، بما في ذلك منطقة 'نيو أمستردام' (مدينة نيويورك الآن).وعليه يمكننا تفسير تقلّص مناطق النفوذ الهولندي والسويدي في أمريكا باحتدام التنافس الأوربي هناك، وعدم قدرتهم على تطوير قدراتهم العسكرية البحرية والبرية مقارنة بالإنجليز والفرنسيين.