محاضرة الاستيطان الأوربي في الأمريكيتين

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: تاريخ أوربا والأمريكيتين في الفترة الحديثة والمعاصرة
Livre: محاضرة الاستيطان الأوربي في الأمريكيتين
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Sunday 19 May 2024, 15:14

Description

تتناول المحاضرة  المحاولات الأولى لاستكشاف القارتين الأمريكيتين، ومراحل تطور الاستيطان الأوربي هناك، ومناطق نفوذ أهم القوى الاستعمارية التي سيطرت على العالم الجديد

المحاولات الأولى لاكتشاف أمريكا

إن تاريخ قارة أمريكا؛ تاريخ مُحاط بالغموض والأسرار، ويُعتقد أنّ السكان الأصليين لهذه البلاد هم من الهنود، الذين هاجروا من شمال آسيا إلى ألاسكا، ومنها اتّجهوا جنوبا إلى المناطق الأكثر دفئا بحثا عن أسباب الحياة. ولعلّ أوّل من رأى سواحل أمريكا من الأوربيين هم طلائع الإسكندنافيين المغامرين ( الفايكينغ vikings) الذين وصلوا إلى جزيرة جرينلند عام 985م.

* محاولات المسلمين الاستكشافية: ساهم المسلمون بدورهم في محاولات استكشاف الجهة الغربية لبحر الظلمات (المحيط الأطلسي)، ونذكر في هذا الصدد محاولتين: الأولى قام بها مجموعة من الشباب الأندلسي في القرن الرابع الهجري وعددهم ثمانية، وقد ذكر هذه المحاولة الجغرافي المغربي الإدريسي، والمحاولة الثانية هي تلك التي قام بها ملك مالي "أبو بكر الثاني"، الذي تولى الحكم سنة 703هـــ/ 1303

وبحسب المصادر التاريخية الأوربية فإنّ الفضل في اكتشاف أمريكا يعود إلى كريستوف كولومبس، رغم أنّ هذا الأخير ومن رافقه من البحارة والمغامرون كانوا يعتقدون أنّهم وصلوا إلى جزر الهند، ولم يُكتشف الخطأ إلا بين سنوات 1519-1522م، عندما عبرت رحلات "ماجلان" الاستكشافية بمحاذاة الساحل الجنوبي للقارة الأمريكية وشقّت طريقها إلى آسيا، وحقق أوّل رحلة حول العالم التي أثبتت كروية الأرض.

     .

الحملات الأوربية واكتشاف العالم الجديد

 يعتبر أمريكوفيسبوتشي (وهو فلورنسي نسبة إلى مدينة فلورنس بإيطاليا والذي ولد عام 1454م)، الشخصية الثانية بعد كريستوف كولومبس التي لعبت دورا كبيرا في اكتشاف العالم الجديد، حيث قام بأربع رحلات متتالية إلى هناك بين أعوام 1497م- 1503م.

عمل فيسبوتشي لحساب ملوك اسبانيا والبرتغال، وتوغّل كثيرا بمحاذاة الشاطئ الجنوبي الأمريكي بين عامي 1501-1502م، ووصل إلى مصب نهر لابلاتا بالأرجنتين، حيث لم يجد أي تشابه مع الشواطئ الهندية، وهذا ما دفعه للاعتقاد بأنّه أمام أرض جديدة غير متصلة بالعالم القديم، وقد نُشرت في أوربا عدّة رسائل من فيسبوتشي يثبت فيها نظريته، وتمّ ذلك برعاية العالم الألزاسي مارتن وولدسيميلر waldseemuller (رسام خرائط) رفقة عالم آخر هو: ماتياس رينغمان Mathias ringman، وهو ما جعل هذين العالمين الجغرافيين يطلقان اسم فيسبوتشي (أمريكو) على القارة الجديدة (أمريكا) سنة 1507م.

بعد فيسبوتشي أتى الدور على مكتشف اسباني هو بالبوا balboa الذي قدّم دليلا جديدا على صحة اكتشافات فيسبوتشي وواصل اكتشافاته، حيث قاد مئات الرجال عبر قناة بنما، إلى أن وصل إلى المحيط الهادي.

2-1: الحملات الاستكشافية الاسبانية: سبقت اسبانيا غيرها من الأمم الأوربية في استكشاف واستيطان العالم الجديد، فقد قاد هرناندو كورتيز hernando cortez حملة مسلحة ضد المكسيك واحتلها عام 1521م وجعلها مستعمرة اسبانية، ونجحت حملاته أيضا في التقدم شمالا حتى الحدود الجنوبية الحالية للولايات المتحدة الأمريكية، وقضى على كل المقاومات التي أبداها الهنود هناك، كما ألغى احتفالاتهم الدينية وعمل على تنصير السكان، واستطاع كورتيز توسيع ممتلكات التاج الاسباني بشكل كبير، مستعملا وسائل النهب والتقتيل والترهيب، وفي النهاية توفي بإشبيلية الاسبانية في عزلة تامة سنة 1547م.

والواقع أنّ الوجود الاسباني تركّز بأمريكا الجنوبية، ومن هناك استهدفت الحملات الاستكشافية المكسيك وبيرو. ففي سنة 1524م، أبحر "فرانسيسكو بيزارو" من بنما باتجاه البيرو للبحث عن الذهب، وبالفعل تمكّن من تحقيق مبتغاه؛ مما جعله يعود إلى اسبانيا لإخبار ملكها باكتشافاته، والحصول على إذن لاكتشاف الأراضي الجديدة، وعاود الإبحار بعدها إلى أمريكا الجنوبية عام 1531م، واستأنف حملته التي تمخّض عنها السيطرة على بلاد الإنكا عام 1533م، وأصبحت البيرو قاعدة لكل العمليات الاسبانية المتعاقبة على أمريكا، فقد احتلت بعد ذلك الإكوادور، كما أرسلت حملة لاكتشاف بوليفيا والتشيلي، وقد قتل "بيزارو" سنة 1541م.

فيما بعد؛ وصل بونس دوليون Bonce de Léon إلى فلوريدا، لكنه فشل في محاولته تأسيس مستعمرة في منطقة تامبا... وجاء بعده هرناندو دو دوتو Hernando de doto في عام 1541م واكتشف نهر المسيسيبي الذي يمر في قلب أمريكا الشمالية ، وتواصلت الجهود الاسبانية، إلى أن تحقق أول استيطان أوربي دائم في أمريكا الشمالية بمستعمرة سانت أوغسطين في فلوريدا، وكان ذلك عام 1565م، فقد بنى الأسبان قلعة كبيرة لحماية هذه المستعمرة من هجمات الهنود.

2-2: الكشوفات الإنجليزية في أمريكا الشمالية: عَبَر رجل إيطالي يدعى جون كابوت  John cabot المحيط الأطلسي وكان يقود سفينة إنجليزية، وتوغل باتجاه الشمال مستكشفاً البرادور و نيوفوندلاند، ثم قام الإنجليز بتأسيس أول مستعمرة لهم في أمريكا الشمالية عام 1607م، وسموها جيمس تاون Jamestown تكريما لملك إنجلترا.

أما المستعمرة الإنجليزية الثانية، فقد تأسّست في بليموث Plymouth، كوّنتها جماعة دينية بروتستانتية تعرف باسم البيوريتان Puritains (المتطهّرون) عام 1620م، الذين وصلوا على متن سفينة صغيرة، قادمين من هولندا فراراً من الاضطهاد الذي تعرّضوا له هناك، بعدما أبدوا رغبتهم في إصلاح الكنيسة الإنجليزية (الأنجليكانية).

2-3: الفرنسيون وحركة الكشف: اهتمت فرنسا هي الأخرى بحركة الكشف والاستعمار في العالم الجديد، فكان فيرازانو Verrazano قد اكتشف تحت لواء العلم الفرنسي، الساحل الأطلسي الشمالي من منطقة كارولينا الشمالية والجنوبية إلى نيوفوندلاند، وحدث ذلك عام 1524م. ثمّ جاء مستكشف آخر هو 'جاك كارتييه jacques cartier  وشقّ طريقه في نهر سانت لورنس وصولا إلى مونتريال في كندا عام 1535م. بعدها أسّس صامويل شامبلين Samuel Champlain (كان جنديا وبحارا سابقا) مدينة كيبيك Québec بكندا عام 1608م، وكانت هذه أول مستعمرة في فرنسا الجديدة. كما قام الفرنسيون بعدها باستكشاف بحيرة متشيجان عام 1634م، وقد لعبت جماعات الجزويت (اليسوعيون) الكاثوليكية؛ دورا بارزا في عمليات الاستعمار والغزو، فتوغّل المبشرون الفرنسيون المتحمّسون في كيبيك عبر المسيسيبي، يحملون معهم الصلوات الكنسية والطقوس الكاثوليكية إلى الهنود الحمر، وعليه فالفرنسيون كانوا تجّارا ومبشرين قبل أن يكونوا مستعمرين.

وجّهت الحكومة الفرنسية اهتمامها فيما بعد لميدان الاستعمار، وهذا بفضل سياسة الوزير كولبير Colbert الذي كان أوّل من أدرك أهمية التجارة البحرية، فقامت الشركات الفرنسية بالتجارة مع جميع أنحاء العالم، ومن بينها 'شركة فرنسا الجديدة'، التي ساهمت في استعمار أمريكا الشمالية، ونتيجة لذلك سيطر الفرنسيون على المنطقة الممتدة من كندا شمالا إلى خليج المكسيك جنوبا، محيطين بالمستعمرات الإنجليزية من جهتي الشمال والغرب، مما حال دون  توسّع الإنجليز غربا، ومن هنا بدأ الصراع المباشر بين الطرفين في العالم الجديد.

2- 4: التواجد الهولندي: ابتداء من عام 1614م، استقرّ الهولنديون على ضفاف نهر هدسون، وكان هدفهم اقتصادي بحت، وقد تركزّت جهودهم بشكل خاص على استيطان أمريكا الجنوبية، حيث استطاعت 'شركة الهند الغربية الهولندية' زيادة مساحات الأراضي وتأسيس عدّة مستعمرات؛ منها مستعمرة جويانا (guiana)، كما استولى الهولنديون على عدّة مناطق وصولا إلى أمريكا الشمالية حيث مستعمرة نيو أمستردام.

         وفي عام 1674م تنازلوا عن ممتلكاتهم الأمريكية لصالح إنجلترا، بما في ذلك منطقة 'نيو أمستردام' (مدينة نيويورك الآن).وعليه يمكننا تفسير تقلّص مناطق النفوذ الهولندي والسويدي في أمريكا باحتدام التنافس الأوربي هناك، وعدم قدرتهم على تطوير قدراتهم العسكرية البحرية والبرية مقارنة بالإنجليز والفرنسيين.

تطور المستعمرات الأوربية بالعالم الجديد

أرست حركة الكشوفات الجغرافية والاستعمار نظام التفرقة العنصرية؛ حيث كان الرجال البيض هم الأسياد دوما والآخرون مهما اختلفت ألوانهم وأجناسهم وعقيدتهم هم العبيد.

1-3: المستعمرات الإسبانية: سيطرت إسبانيا على معظم أرجاء أمريكا الجنوبية باستثناء البرازيل؛ كما امتد نفوذها إلى مناطق من أمريكا الوسطى والشمالية،

         والملاحظ أن تركيز الإسبان انصبّ على أمريكا الوسطى والجنوبية؛ أين تمّ وضع السكان المحليين (الهنود)  تحت سيطرة العسكريين وكبار التجار، وانتهج الاستعمار الاستيطاني الإسباني هناك أسلوب القوة والعنف لإخضاع تلك الشعوب، كما استخدم القسوة والسلب والنهب لاستغلال ثروات البلاد المستعمَرة، وسخّر الهنود والزنوج المجلوبين من إفريقيا لفتح المناجم الغنية والعمل بها، كما عمل الإسبان كل ما بوسعهم للاستحواذ على كنوز العلم الجديد من ذهب وفضّة.. وغيرهما.

         واهتمّ الإسبان أيضا بتربية المواشي والزراعة للحصول على المنتجات المدارية كقصب السكر والكاكاو، كما نشروا اللغة الإسبانية بين السكان المحليين، وأطلقوا العنان لرجال الدين لنشر المسيحية الكاثوليكية؛ بغية تنصير هذه الشعوب، والتخفيف من حدّة النظرة العدائية لدى هذه الأخيرة تجاه الغزاة الجدد، كما نقلوا معظم مظاهر الحضارية الأوربية، وحاولوا طمس معالم الحضارات الأمريكية القائمة (الإنكا – المايا – الأزتيك). وقد نجح الاستعمار الإسباني لأمريكا في تحقيق مآربه، حيث تنصّر الملايين من الهنود الحمر، وحلّت اللغة الإسبانية محلّ اللغات المحلية، واصطبغت الحياة هناك بالصبغة الأوربية (الإسبانية تحديدا).

         كما قامت مدن جديدة بجوار مناطق المناجم والتعدين، ونشطت تجارة العبيد نحو المستعمرات الإسبانية؛ إذ تمّ جلب أكثر من 20 مليون زنجي خلال ثلاثة قرون (ق16-18م) وتسخيرهم لخدمة الأرض، بعد أن بدأ منتوج المناجم يتناقص، بفعل الاستنزاف الكبير الذي تعرّضت له تلك البلاد على يد الغزاة الإسبان.

2-3: الاستيطان البرتغالي في البرازيل: آلت البرازيل للبرتغاليين بموجب معاهدة تورديسلاس لعام 1494م، وقد بدأت رحلات الاستكشاف للحصول على الذهب والفضة والمعادن الثمينة، كما اتّخذت هذه المستعمرة كمنفى للمجرمين حتى سنة 1515م. 

بدأ مشروع الاستيطان البرتغالي الممنهج في البرازيل في عهد الملك جواو (يوحنا الثالث)، وأنشأت 15 مستعمرة  وفق 'نظام القبطانيات'، حيث كان 'القبطان' (الحاكم العام) يتمتّع بالصلاحيات المطلقة في إدارة الشؤون المدنية والعسكرية للمستعمرة، مع ضرورة دفع 5/1 من المعادن والأحجار الكريمة والمنتجات الأخرى للملك البرتغالي، وهكذا أطلقت يد القباطنة  في استعباد الأهالي، وفرض الضرائب العالية وسنّ القوانين الجائرة في حق السكان.

إداريا قسّمت البرازيل إلى منطقتين: شمالية عاصمتها مدينة 'باهيا' وجنوبية عاصمتها مدينة 'ريو دي جانيرو' واستمر هذا الوضع إلى غاية عام 1763م، حيث أُعيد توحيد البلاد تحت راية حكومة  مركزية، وصارت 'نيابة ملكية' تابعة للتاج البرتغالي، وتمّ إلغاء نظام القبطانيات.

3-3: الاستيطان الإنجليزي في أمريكا الشمالية:

         أدّى التنافس الاستعماري بين إنجلترا واسبانيا إلى حدوث أول موقعة بحرية بينهما عام 1588م، والتي كرّست تفوّق الأسطول الإنجليزي وسيطرته على الخطوط البحرية بالمحيط الأطلسي. وقد دفعت المتغيّرات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية في إنجلترا (خاصة في عهد أسرتي آل تيودور وآل ستيوارت)؛ إلى هجرة أعداد كبيرة من البريطانيين إلى أمريكا الشمالية ومحاولة الاستيطان هناك.

         كما أنّ الحكومة الإنجليزية شجّعت الاستيطان عن طريق الشركات التجارية، كأسلوب جديد من أساليب التنافس الاستعماري الأوربي في العالم الجديد. وتمّ لهذا الغرض إنشاء شركتين إنجليزيتين وتقسيم مناطق النشاط الاستيطاني بينهما:

- شركة لندن: تركّز نشاطها حول منطقة نيويورك إلى غاية رأس فير؛ بين خطي عرض 34 و 41 شمالا.

- شركة بليموث: انطلقت من نيوأنجلند شمالا إلى غاية نهر بوتاموك قرب واشنطن؛ بين خطي 38 و 45 شمالا.

مع وجود منطقة داخلية للعمل المشترك بين الشركتين؛ بين خطي 38 و 41.

         وقد تمّ تأسيس أول مستعمرة إنجليزية في أمريكا الشمالية عام 1607م وحملت اسم 'جيمس تاون' تكريما للملك جيمس الأول. كما شرع الإنجليز في جلب العبيد السود للعمل بالفلاحة منذ سنة 1619م.

         أخذت الهجرات الإنجليزية طابع الهجرات الدينية منذ 1620م؛ إذ وصلت في هذه السنة جماعة من البيوريتان على متن سفينة 'ماي فلاور'، والتي كانت فاتحة لهجرات جماعات دينية أخرى، وهذا لا ينفي وجود هجرات لأغراض تجارية بحتة، وطمعا في الحصول على الذهب والفضة والاتّجار بهما.

         ومنذ عام 1629م، استطاعت الجماعات الدينية البروتستانتية (البيوريتان) تأسيس عدّة مستعمرات: ماساشوست –كنتيكت- رود آيلاند- مين- نيوهيمشير. كما استوطنت جماعات كاثوليكية (الكويكرز) ولاية ماريلاند منذ 1636 بزعامة اللورد بلتيمور. وأسس مجموعة من التجار مستعمرة كارولينا عام 1665م، فين حين وصل الكويكرز إلى بنسلفانيا عام 1682.

         و خلال ثمانون عاما من القرن السابع عشر؛ تكوّنت المستعمرات الإنجليزية على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، مع التحاق جورجيا عام 1733م، كما استطاعت إنجلترا بسط نفوذها على مناطق التواجد الهولندي والسويدي، والسيطرة على مستعمرات: نيو أمستردام (نيويورك حاليا) ونيو دلوير ونيو جرسي.

4-3: التوسّع الفرنسـي في أمريكا الشمالية:

        تأخّر الاستيطان الفرنسي في العالم الجديد إلى منتصف القرن السادس عشر ميلادي؛ حيث هاجر البروتستانت المضطهدون من طرف الكنيسة الكاثوليكية (الهوجونوت)، واستقروا في بعض مناطق البرازيل وفي فلوريدا شمالا. ومن هناك كانت أولى الرحلات الاستكشافية الفرنسية عبر الأنهار (رحلات نهرية) نحو الشمال الأمريكي؛ حيث كان صامويل دي شامبلين قد وصل إلى كندا وأسّس مدينة كيبك عام 1608م، ثم استوطن الفرنسيون المنطقة  المحاذية للمستعمرات الإنجليزية من الجهة الغربية، واستقر بعضهم في لويزيانا (نسية إلى الملك لويس14) وفي نيو أورليانز سنة 1718م. ومع ذلك بقي الاستيطان الفرنسي في العالم الجديد ضعيفا؛ بسبب قلّة أعداد المهاجرين مقارنة بالإنجليز، ونقص أفراد الجيش المتواجد هناك، حيث اقتصر الأمر على بعض الحاميات العسكرية والحصون لتأمين مناطق الاستيطان الفرنسي.

         حاولت الحكومة الفرنسية إنشاء الشركات الاستعمارية العاملة في مجال الاستيطان والتجارة البحرية، وسخّرت رجال الدين اليسوعيون (الجزويت)، والجمعيات التبشيرية اليسوعية لتعزيز النفوذ الفرنسي، وتم لهذا الغرض تأسيس الشركة الغربية الفرنسية عام 1664م، في عهد الوزير كولبير، وهذا بهدف احتكار التجارة في كندا، لاسيما في منطقتي مونتريال وكيبك.

         والحقّ أنّ من أسباب عدم تطوّر الاستيطان الفرنسي في العالم الجديد؛ قلة أعداد المهاجرين من الفرنسيين (تجّار وصيادين ورجال دين)، كما أنّ هجراتهم  كانت ظرفية، عكس الإنجليز الذين كانت هجراتهم بأعداد كبيرة ودائمة، ومع ذلك ازداد النفوذ الفرنسي في كندا وصولا إلى منطقة البحيرات الكبرى في عهد الكونت فرونتناك Frontenac، وأصبحت مناطق الاستيطان الفرنسي تُشكّل حزاما يُحيط بالمستعمرات الإنجليزية الثلاثة عشر وتطوّقها من الجهة الغربية. وهكذا نشب صراع مرير بين الطرفين؛ هو في الحقيقة انعكاس وصدى للحروب الفرنسية الإنجليزية في أوربا التي استمرت إلى نهاية القرن السابع عشر الميلادي.

5-3: الهولنديون في العالم الجديد: كان من أسباب هجرة الهولنديين إلى العالم الجديد؛ لثورة ضد المملكة الإسبانية (1566-1648) ثم حصولهم على الاستقلال بموجب صلح وستفاليا. وقد مثّلت رحلة البحار هودسون الذي عمل لصالح الإنجليز أساس التواجد الهولندي في أمريكا الشمالية خصوصا، حيث امتدت مستوطناتهم بين خطي عرض 40-45 شمالا، وشكّلوا مركزا تجاريا مهمّا ومحطة لجمع الفراء (الجلود) في جزيرة منهاتن (نيويورك).

         في عام 1622 تأسست 'شركة الهند الغربية الهولندية' وباشرت أعمالها الاستيطانية، لكن تواجد الهولنديين في العالم الجديد بقي محتشما، وبعد صلح وستمنستر Westminster عام 1674م، تنازل المستوطنون الهولنديون عن نيويورك للإنجليز بعد أخذ وردّ. أما جنوبا فقد استقر الهولنديون مؤقتا في منطقة جويانا بالبرازيل لمدة ثلاثين عاما، وكان ذلك تحت التهديد البرتغالي لهم.

التوسّع الإنجليزي في كندا

بفضل السياسة التوسعية لرئيس الوزراء وليام بيت Pitt؛ تمكّن الإنجليز بفضل إرسال الجماعات الإنجليزية إلى كندا  ، ثم القيام بالحملات العسكرية البحرية والبرية انطلاقا من إنجلترا ومن الداخل الأمريكي (المستعمرات الثلاثة عشر) من السيطرة على عدّة مناطق نفوذ فرنسية في كندا، وكان ذلك منذ عام 1757م، حيث احتلّ الإنجليز لويسبورغ بدايةً؛ ثم دخلوا قلعتي فرونتناك و ديكوزن، واستطاعوا ضمّ مدينة مونتريال عام 1760م، وتقلص النفوذ الفرنسي تدريجيا، إلى أن أصبحت الزعامة للإنجليز على كندا بنهاية القرن 18م.

          طبّق الإنجليز نظام حكم مباشر؛ شبيه لنظام حكم مستعمراتهم الثلاثة عشر، وتمّ إقرار الدستور الكندي عام 1791م، حيث قسّم قسمين: كندا  العليا وعاصمتها أونتاريو وكندا السفلى وعاصمتها كيبك.

         لكنّ تذمّر المزارعين الفرنسيين والإنجليز بسبب سيطرة فئة التّجار على مقاليد الحكم، جعلهم يقومون بعدة ثورات و تمرّدات، مما دفع بالحكومة الإنجليزية إلى إرسال لجنة تقصّي برئاسة المفكر 'ديرهام'، والتي اقترحت إنشاء الاتحاد الكندي مع تبعية مباشرة للندن، وهو ما تجسّد فعلا بصدور قانون الاتحاد سنة 1841م، الذي تمخّض عنه مجلس تشريعي موحّد. ليتطوّر هذا الاتحاد بدوره إلى وحدة سياسية عام 1867م، وتمّ إقرار دستور جديد، و اتّباع نظام الأقاليم بدل الولايات، حيث أصبحت أوتاوا عاصمة لكندا الموحّدة.