4. العلاقة بين الفلسفة والعلم

-العلاقة بين الفلسفة والعلم:

     رغم الاختلاف والتمايز بين كل من العلم والفلسفة إلا أن هذا لا ينفي وجود علاقة وظيفية بينهما قائمة على التكامل والتداخل،ولقد شبّه أليكس رونبرج علاقة الفلسفة بالعلم بعلاقة الناقد بالمبدع،ففلسفة العلم ما هي في جوهرها إلا نقد للعلم،وهي تقوم بما يقوم به الناقد في مجال من المجالات من تحليل وتفسير العمل محل النقد ثم تقييمه وإيضاح مدى اقترابه أو ابتعاده عن الصورة المثلى للإبداع[1].

   إذن إن الفلسفة تُخضع العلم للدراسة النقدية من ناحية الموضوع والمنهج والنتائج،كون أن العلم كما يقول هايدغر"لا يفكر في ذاته"،أي أنه لا يعتني كثيرا بذاكرته -على حد تعبير  يمنى طريف الخولي-ولا يلتفت إلى ماضيه،وهنا تضطلع الفلسفة بهذا الدور أي التفكير في ذات العلم في منهجه ومنطقه وخصائص المعرفة العلمية وشروطها[2].

   وانطلاقا من هذه العلاقة تولد فلسفة العلوم والتي تعتبر حلقة الوصل بين الفلسفة والعلم،فهي إذن الدراسة النقدية لمبادئ العلوم وفروضها ونتائجها وقوانينها التي تقوم عليها،ومن ثمة الكشف عن أصولها وأبعادها الابستمولوجية التي تقبع خلفها.

  نشأت فلسفة العلم من حيث كونها مبحثا أكاديميا متخصصا في النصف الأول من القرن التاسع عشر،هذه الحقبة شهدت ذروة من ذرى المجد العلمي والثروة العلمية التكنولوجية[3]،لذا فإنه فرع جديد من فروع الفلسفة يقصر اهتمامه بالعلم دون غيره من المواضيع،لكن هذا لا ينفي مطلقا وجود مثل هذه الدراسات من قبل،والتي كانت متضمنة في الكثير من نظريات الفلاسفة،حيث أن الكثير مما تقوم به فلسفة العلوم على صعيد المفاهيم والطرق المعرفية والمنطقية والمناهج،قد قام به الفلاسفة والعلماء من قبل،حتى وإن لم يكن المصطلح قد استخدم عندهم لأنه ظهر حديثا،وما الدراسات النقدية للطرق المعرفية والمنطقية إلا جزء من العمل الذي تقوم به فلسفة العلم[4].



[1]  أليكس رونبرج:فلسفة العلم،مرجع سابق،ص 09.

[2]  يمنى طريف الحولي:ص11.

[3]  المرجع نفسه،الصفحة نفسها

[4] محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم، العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،ص ص 131،132.