1. خطوات، مستويات ، نماذج ووسائل الاستراتيجية


خطوات، مستويات، نماذج ووسائل الاستراتيجية
المحور الثالث: خطوات، مستويات، نماذج ووسائل الاستراتيجية.
الاستراتيجية هي موضوع متنوع التخصصات ليس العسكري فقط، لكن مهما اختلف الميدان الذي يركز عليه الفكر الاستراتيجي فإنه عند اعداد استراتيجية في أي ميدان معين يقتضي الامن مجموعة من المراحل وهذا المسار يعكس مقاربة ومنهج منظم علميا لا يختلف عن المقاربات الاخرى، وعلى العموم تحتوي هذه المراحل على خمس خطوات أساسية.
1- خطوات الاستراتيجية:
1-   دراسة وتحليل طبيعة المهمة.
من حيث اطارها الداخلي، الخارجي، اقليمي، دولي، و من حيث الهدف المرتبط بها ومن حيث الاعتبارات الزمانية و المكانية وعند دراسة وتحليل هذه المهمة يسهل إلى حد ما ويحدد المقاصد النهائية بكل دقة وبكل وضوح.
2-   القيام بدراسة وتدقيق العوامل و المتغيرات:
يقوم صانع القرار بدراسة وتدقيق العوامل و المتغيرات الكلية و الجزئية، الداخلية والخارجية، المرئية وغير المرئية، خاصة في عملية التنفيذ وهذا يتطلب جمع الكم و النوع الكافي من المعطيات و المعلومات الضرورية لتقييم موضوع المهمة، ولتوضيحها بشكل دقيق وهنا يتطلب الأمر جمع هذه المعلومات و المعطيات من مصادر مختلفة لضمان المصداقية و الموضوعية و المقارنة، وهنا إشكال واحد يطرح في الجانبين عندما تكون المعلومات كثيرة ومتضاربة و الحل يكون عن طريق التقييم العقلاني و الموضوعي و التأكد من المصداقية و قوة المصدر أما في شأن المواضيع التي يقل فيها المعلومات (الكم والنوع) و هو ما يؤدي بدوره إلى تشويه الغاية النهائية للاستراتيجية و هنا عادة صانع القرار هو من يدرك ذلك.
3-   وضع أساليب ومقاربات:
يركز صناع القرار على وضع أساليب أو مقاربات لمواجهة التداعيات و الانعكاسات التي يمكن أن تفرزها عملية تنفيذ الاستراتيجية، وهنا يتعلق الأمر بعملية استشراف مختلف البدائل و الصور و الاستراتيجيات التي يمكن أن يلجأ إليها الأطراف الأخرى المعنية بعملية التنفيذ و عندما يقومون بهذه المهمة يساعدهم على وضع المخططات و الأساليب الضرورية للعمل لمواجهة هذه التحديات.
4-   وضع تصورات أو اقتراحات عمل دقيقة لتحقيق الهدف:
بناءا على هذه المراحل هنا يقوم صناع القرار بوضع تصورات أو اقتراحات عمل دقيقة لتحقيق الهدف المراد تحقيقه وفي هذه التصورات تكون عملية الربط بين الامكانيات و الاجراءات اللازمة لتحقيق الأهداف في فترة زمنية محددة و هذه التصورات قد تتبع من مختلف الأطراف المعنية بهذا الشأن، قد يكون مصدرها مؤسسات رسمية أو غير رسمية ، وقد يكون مصدرها أطراف خارجية، خاصة إذا كانت الدولة تنتمي إلى تنظيمات اقليمية.
5-   اتخاذ القرار و الحسم :
مرحلة الحسم و هي الأكثر أهمية وخطورة و هي مرحلة اتخاذ القرار و الحسم النهائي و هنا يتم اختيار البديل الأكثر عقلانية لتحقيق الهدف المحدد منذ البداية.
6-   العملية الاسترجاعية.
مرحلة معالجة ما يتم تنفيذه أو ما يعرف برد فعل العملية الاسترجاعية و قد تكون سلبية او ايجابية.
2- مستويات الاستراتيجية:
الفكر الاستراتيجي يحتوي على مجموعة من المستويات مرتبة في سلم هرمي و يأتي في قمته.
السلم الهرمي لمستويات الاستراتيجية
1/1 المستوى الاول: الاستراتيجية الشاملة:
 التي تقابلها عند الانجليز grand strategie و يقابل الاثنين مصطلح أمريكي الاستراتيجية الوطنية، مهما كان المصطلح فإن هذا المستوى يتصل بذلك المشروع السياسي العام الذي تنتهجه دولة معينة و الذي يحتوي على مجموعة من الرؤى و التصورات العامة حول النهج العام السياسي للدولة.
2المستوى الثاني:الاستراتيجية القطاعية:
عند الفرنسيين الاستراتيجية العامة و هذه الاستراتيجية هي ذلك التصور المرتبط بقطاع معين، وذلك يقال أن هناك استراتيجية قطاعية في الاقتصاد ...، وهذا المستوى امتداد للمستوى الاول في قطاع من القطاعات وهنا يتم التعبير عن التصورات العامة بشكل أكثر دقة في ميدان من الميادين.
3المستوى الثالث: الاستراتيجية العملياتية:
و هنا يتم التعبير عن المتغيرات المكانية و الزمانية بشكل دقيق، وتحدد الموارد والامكانات اللازمة لتحقيق الاهداف، أي أنه يتم تحويل الصور إلى عمل ملموس.
هذه الهرمية يعتقد بأنها تسمح لكل جهة بالتخصص و التركيز على مستوى معين ويسمح من توسيع دائرة اتخاذ القرار ويسمح بتنويع المصادر و الاقتراحات و المساهمة في تحديد الاهداف و الاولويات و لكن مع ذلك هذا التنوع و التقسيم الثلاثي يجب أن يمتد إلى احداث تناقضات، الامر الذي يؤدي إلى تشويه المقاصد النهائية للاستراتيجية، ولكن مع ذلك مهما كان مستوى الاستراتيجية و المصطلحات فإن لكل استراتيجية وجهين: هجومية (مباشرة وغير مباشرة) و تكون موجهة لتغيير الوضع القائم داخليا و اقليميا و دوليا، دفاعية ترتبط بالحفاظ على الوضع القائم.
ج – نماذج الاستراتيجية:
 هي ابتكار الفكر الاستراتيجي الفرنسي و اجتهد في وضعها الجنرال بوفر حددها في خمس نماذج و هي عبارة عن طرق التعامل مع حالات الاختلاف بين قوتين في اطار علاقات القوة.
النموذج1:
 هو النموذج المرتبط بالحالات التي تكون فيها وسائل الدولة وقدراتها قوية ومتعددة و متنوعة و لكن الهدف المراد تحقيقه هو هدف متواضع وغير حساس وغير هام أو أننا بصدد دولة تمتلك قوة كبيرة وتتعامل مع طرف ضعيف، هنا يعتقد أن المخرج لا يكون في شكل مواجهة مباشرة أو استعمال قوة اكبر ويعتمد نموذج التهديد وهو كاف لارغام الطرف الآخر على قبول شروط معينة أو يمتنع عن القيام بسلوكات واجراءات التي لا يريد قيامها.
وهذا النموذج استعمل في العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد السوفييتي وسمي بنموذج التهديد المباشر وكان بمثابة احدى أسس استراتيجية الردع النووي.
النموذج2:
هنا بعكس الحالة 1 هنا يكون الهدف متواضع ولكن الامكانيات ضعيفة وقليلة وغير متنوعة كما هو الحال بالنسبة للحالة1 هنا يتم اللجوء غلى صيغة الافعال المخادعة السياسية و الدبلوماسية عن طريق التصريحات و التلميح ويسمى هذا النموذج بنموذج الضغط غير المباشر .
النموذج 3 :
 يتعلق بالحالة التي تكون فيها الوسائل محدودة لكن الهدف مهم وحساس وحيوي بالنسبة للدولة، هذه الحالة اختلاف بسيط بينها وبين النموذج 2 وهنا ينصح باتباع نموذج القرارات التي تحتوي على الاستعمال المحدود للقوة و التهديد المباشر و فيه تناقض لأن التهديد المباشر يقترن بالوسائل المتوفرة و القوة الكبيرة، ويسمى في بعض الأحيان بنموذج الافعال المتتابعة. و هو حال الدول ذات الإمكانية الدفاعية الضعيفة.

النموذج4:
هو متعلق بالحالات التي تكون فيها حرية الحركة واسعة لطرف معين ولكن الامكانيات التي التي يمتلكها او يوظفها هاذا الطرف هي امكانيات ضعيفة لا يمكن ان تحقق النصر العسكري لهذا الطرف، ليس هناك استعجال وهناك خيارات بالمقارنة مع الامكانيات، وهاذا ينطبق على ما يسمى بالنزاعات طويلة الأمد(المزمنة).
 مثل حروب التحرير وهنا يعتقد بوفر أن النموذج الامثل هو الاعتماد على حرب العصابات التي هي ليست موجهة لتحقيق النصر العسكري وانما الهدف منها هو التأثير السيكولوجي على الطرف الآخر وهاذا قد يكون له دور في النتيجة النهائية للمواجهة، وهذا النموذج استعمل في كل حروب التحرير خاصة في مناطق جغرافية معينة ويعتبر ماوتسي تونغ من بين الاكثر تنظيرا له.
النموذج5:
 هذا النموذج متعلق بالحالات التي تكون فيها الامكانيات و الوسائل معتبرة قوية، و يتعلق الامر بنزاع من جهة عنيف ومن جهة ثانية محدود رمنيا بمعنى ان مرور وقت معين قد يفضي إلى تكريس الأمر الواقع.
مثلا لو تدخلت المغرب واستولت على اقليم من أقاليم الجزائر هنا التدخل المباشر حسب الامكانيات و الهدف المهم لهذه الحرب و هذا النموذج يهدف إلى تحقيق الانتصار العسكري وهو ما ميز النزاعات المسلحة في العصور القديمة و رائده هو كلاوزوفيتس.
د – وسائل الاستراتيجية:
 عند تنفيذ وتطبيق وبلورة الاستراتيجية كل هذا يتطلب تجنيد وتسخير كل الامكانات و الموارد التي يحتوي عليها المجتمع ككل و طريقة توظيف واستعمال هذه الموارد تتوقف عليها النتيجة النهائية لكل استراتيجية إلى جانب كل هذا العقلانية و الخبرة لهما دور مهم في استعمال و توظيف الموارد، كما تعتبر وفرة وتنوع الوسائل تعطي حرية مناورة للدولة ولكنها لا تحدد النتيجة النهائية للاستراتيجية.
 وهنا يلاحظ أن الوسائل التي تتطلبها عملية تنفيذ الاستراتيجية غير موحدة عبر العصور مثلا الوسائل تختلف في عصر الاسلحة النووية عنها في الاسلحة التقليدية حيث تختلف وسائل كل عصر وكل استراتيجية ، ولكن مع ذلك في الغالب كل هذه الاستراتيجيات تعتمد على نوعين من الوسائل "مادية" و " معنوية" و التي تمتد من العامل العسكري أو الاقتصادي إلى غاية العمل الدعائي المعنوي و العبرة من كيفية المفاضلة و المزج بين الوسائل لاستعمالها في شكل تصاعدي، فالوسائل المادية تشتمل على كل ما هو اقتصادي و طبيعة وحجم الآلة العسكرية و الصناعية و الحالة المالية و الاقتصادية و الاجتماعية للدولة، وعندما تتوفر هذه المصادر بشكل متنوع وقوي تمنح الدولة حرية مناورة واسعة و هذا ما يعط نوع من الدفع و القوة لتحقيق مقاصد الاستراتيجية ويندرج كذلك ضمنها الوسائل السياسية الداخلية كسب الرأي العام ، توحيد الجبهة الداخلية و خارجية في النشاط الدبلوماسي تحالفات و كسب تأييد.
كما يندرج ضمنها كذلك الوسائل العسكرية الجانب التنظيمي، القدرة الدفاعية الانتاج الصناعي العسكري، فعالية الاسلحة، قوة وخبرة جهاز الاستخبارات.
أما بالنسبة للوسائل المعنوية فهي تحتوي على المباديء و المبررات الأيديولوجية و الدينية التي يمكن أن تضفي على السلوك الاستراتيجي طابع الشرعية.
أنواع الإستراتيجية
للإستراتيجية العديد من النماذج والأشكال ويتوقف كل نموذج على الموقف الذي وضعت له فعند دراسة الاستراتيجي لأي معضلة ويود وضع إستراتيجية محددة لها فإنه يضطر إلى تبني موقف يتلائم مع العقيدة الصالحة في الوضع المتواجد به وبالتالي سيواجه اختيار أحد النماذج أو الأشكال الإستراتيجية وللمساهمة في تقليص هذه المشكلة حصر الجنرال (اندريه بوفر) في كتابه (مدخل إلى الإستراتيجية) هذه النماذج والأشكال الأستراتيجية في نوعين رئيسيين هما الإستراتيجية المباشرة والغير المباشرة، ولخص آرإءه فيها نظريا في الآتي
الإستراتيجية المباشرة
تعتمد في جوهرها على فكرة البحث عن النتيجة الحاسمة وذلك باستخدام القوة العسكرية أو التلوح بها وهي نابعة من إستراتيجية كلاوزفيتز، والتي تعتبر تعميقا للعقيدة المبنية أساساً على مبدأ (الديناميكية العقلانية) التي كانت مصدر الهام للقادة العسكريين في الحربين العالميتين السابقتين وأصبحت في عصرنا الحالي أساس المجابهة الذرية
الإستراتيجية الغير مباشرة
تعتبر مصدر إلهام جميع أنواع الصراعات في هذا العصر حيث لا تبحث عن الحل المباشر عن طريق الصدام المسلح ولكن تستخدم وسائل غير مباشرة سياسية أو إقتصادية أو غيرها وتستخدم القوة العسكرية في عمليات محددة متعاقبة تتخللها مفاوضات، وقد اشتهر هذا النوع من الإستراتيجية حيث أصبح استخدام الإستراتيجية المباشرة محدوداً لأنها قد تتصاعد ويؤدى إلى مواجهة ذرية يحاول العالم أن يتفاداها حاليا وأصبحت الإستراتيجية الغير مباشرة هي الوحيدة التي يمكن استخدامها بعد أن شل التهديد بالخطر النووي إمكانية العمل بالإستراتيجية المباشرة في أغلب المواقف، ولذلك أصبحت النظريات التي تستخدمها الإستراتيجية الغير مباشرة معقدة وشديدة الدقة وأغلب أساساتها غامضة وانحسر دورها فيما يعرف بالحروب الباردة بين القوى العظمي وقد استخدمت كثيرا في المجال العسكري وخاصة بعد أن أبرز (ليدل هارت) ما يعرف الآن (بنظرية الهجوم الغير مباشر) والتي اعتبرت أفضل الاستراتيجيات العسكرية المعاصرة والتي تعتمد أساسا على عدم الدخول مع الخصم في مواجهة إلا بعد العمل على وجود ظروف ملائمة لصالحنا بمعنى عدم مجابهة الخصم في إختبار مباشر للقوة ولكن يجب قبل مجابهتة إزعاجه ومفاجأته وزعزعة توازنه باتجاهات غير متوقعة بغرض إرباكه وإضعافه للحصول على أفضل النتائج لصالحنا عند مواجهته مباشرة

وفي الحقيقة إن هذين النوعين من الإستراتيجية يتعايشان ويتكاملان مع بعضها البعض والدليل على ذلك هو أن الحوار العالمي الحالي حوار ذري نابعاً من الإستراتيجية المباشرة والتي تهدف إلى إبطال وشل القوى المعادية الكبيرة إقتصادياً وعسكريا بإقامة نظام ردع نووي رهيب، بينما نجد أن أشكال من الحوار السياسي يتسلسل من حين لآخر من شروخ هذا الحوار العالمي ويتخذ مسارا على هذه الإستراتيجية الغير مباشرة وهكذا فالإستراتيجيه مثل الموسيقى لها نغمات وطبقات عالية وأخرى منخفضة يتوقف اختيار النغمة المناسبه على الموقف وعلى الغاية
الخداع العسكري هو مجمل الإجراءات التي تتخذ لغرض إخفاء العمليات الحقيقية عن العدو ودفعه إلى التوجه نحو عمليات غير حقيقية ، وتشتيت قواه بشكل يسمح للعمليات الحقيقية أن تحقـق نتائـج فاعـلة فـي خلخـلةتـوازن قـوات العدو ما يـؤدي إلى إنهياره مادياً ومعناوياً
( الحرب خدعة ، أعمل ما أستطعت على تفريق عدونا ) صاحب هذه المقولة هو النبي الكريم محمد بن عبدالله عليـه الصـــلاة والســـلام ، كـان ذلـك فـي غـزوة الأحـزاب حينـما خاطـب الصحابـي الجليل نعيم بن مسعود عندما أتى رسـول الله علـيه الصــلاة والســـلام ليشهر إسلامه ويستشيره فيما يستطيع عمله من أجل الإسلام والمسلمين ، ولقد أكد الرسول القائد عليه الصلاة والسلام بقوله هذا على أهمية الخدعة في تشتيت قوات العدو ودورها الحاسم في تحطيم تفوق العدو وإحباط إرادته القتالية.
وقد تابع قادة الإسلام تطوير مفهوم الخدعة في الحرب ، وكانت الخدعة تأخذ عندهم طابع الإخفاء والتمويه تارة و طابع الحرب النفسية تارة أخرى ، ومن الأمثلة :
ما قام به القائد المسلم القعقاع بن عمر حين قام بتقسيم قواته قبيل وصوله إلى القادسية حيث شكلها مجموعات قتالية تضم كل مجموعة مئة مقاتل بدأت تصل هذه القوات بفواصل منتظمة وبصورة مستمرة مما أصاب الفرس بأحباط كبير وإنهيار في الروح المعنوية أعتقاداً منهم بوصول إمدادات متتالية لانهاية لها لدعم الجيش الإسلامي .
ما الخدعة التي قام بها سيف الله المسلول خالد أبن الوليد في معركة مؤتة إلاَّ أحدى الخدع الحربية التي سجلها التاريخ ووقف عندها مبهوراً بهذه العبقرية الفذة ، فقد توجه المسلمون لملاقاة الروم، وعند وصولهم إلى بلده معان جنوب الأردن بلغهم أن الروم قد حشدوا جيشاً عظيماً قوامه مائة ألف من الروم وأنضم إليه جيش آخر من القبائل الموالية للروم يُقدر بمائة ألف أخرى، وصل جيش المسلمين إلى منطقة مؤتة جنوب الأردن، فوجدوا جموع الروم وحلفائهم قد تجمعوا فيها، فبدأت المعركة ودب الحماس في قلوب المسلمين فقاتل زيد بن حارثة حتى أستشهد، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب، فقاتل إلى أن نال الشهادة ، ثم أخذ الراية عبدالله بن رواحة فقاتل حتى التحق بصاحبيه شهيداً.
في ظل هذا الموقف العصيب بعد مقتل القادة الثلاثة، حمل الراية ثابت بن أقرم رضي الله عنه ونادى المسلمين ليؤمروا أحداً عليهم، فطلبوا منه أن يكون قائدهم، لكنه رفض، لإنه كان يرى من هو أكفأ منه في قيادة الجيش، فأجتمع رأي المسلمين على إمرة خالد بن الوليد، رضي الله عنه.
فكر خالد بن الوليد بأمر الجيش وأنه إن بقي على هذا الحال سيهلك لا محالة، فسارع إلى ابتكار خطة جديدة غير مألوفة للعدو يقلب من خلالها موازين المعركة، فجعل مجموعة من الفرسان تعدو بالخيل خلف الجيش تثير غباراً كثيفاً، وتعلو أصواتهم بالتهليل والتكبير، مع تبديل الرايات، فجعل الميمنة ميسرة والمقدمة مؤخرة، فظن الروم أن مددا كبيراً يأتي للمسلمين ، فدب الرعب في قلوبهم، وعندما أنسحب خالد ابن الوليد بالجيش بطريقة منظمة، ظن الروم أنها مكيدة وخدعة رسمت لهم بحنكة، فلم يلحقوا بالمسلمين، وعاد الجيـــش إلــى المدينة المنورة سالماً .
حصان طروادة :
تروي الأسطورة أن الإغريق قاموا بحصار لطروادة دام عشر سنوات، فأستعصت عليهم ولم يتمكنوا من فتحها ، فأبتدعوا حيلة تمكنهم من فتح المدينة والسيطرة عليها فقاموا ببناء حصانٍ كبيرٍ من الخشب أجوف دخل فيه جزءٌ المحاربين الإغريق ، أما بقية الجيش فتظاهر بالإنسحاب بينما في الواقع كان يختبئ في إنتظار نجاح الخطة ،قام الإغريق بتقديم هذا الحصان كهدية للطرواديين وتم قبول الحصان على أساس أنه عرض سلام، وتم إدخاله إلى المدينة في إحتفال كبير.
أحتفل الطرواديون برفع الحصار وعند حلول الليل خرج المحاربون من الحصان فقاموا بفتح بوابات المدينة للسماح لبقية الجيش بدخولها، ومع حلول الصباح كانت المدينة قد سقطت في أيدي الأغريق .
ولقد تطـور مفهوم الخدعة تطوراً كبيراً عبر تاريخ الحروب والصراعات لأهميتها في ترجيح الكفة في الحروب لمن يستطع التفوق في توظيفها .
يكفي إن الإستراتيجية أستعارت أسمها منالستراتاجم( Stratagem) بمعنى (الخدعة أو الحيلة ) ومن المتفق عليه إنه ما من شيء يستطيع تفعيل النشاط الإستراتيجي مثل الخدعة ، وأيضاً الرغبـة فـي تحقيـق لسبـق والنجـاح فـي المباغـتة كان لِزاماً اللجوء للحيلـة والخـداع للوصـول للهـدف المخطـط لـه ، ومـع تطـور وسائـل الإتصال الحديثة والتقدم الكبير في مجال الاستطلاع والتقـدم الهائـل فـي العمليـات الإستخباراتية وتفنن الجاسوسية في مهارات الحرب النفسية ، كل هذه العوامـل أسهمـت كثيراً في تطويـر التخطيط للعمليات الخداعية ووضعها في خدمة الهدف الأستراتيجي .
وحينما نتكلم عن اللجوء للحيلة والخداع لا يعني هذا إنه منطلق من موقف ضعف فقط ، بل كثيراً ما يتم اللجوء إلى الخداع من موقع قوة بهدف تحقيق مبدأ المحافظة على القوات ، وذلك بإخضاع العدو مع عدم المجازفة بأرواح المقاتلين بقدر الإمكان .
والخدعة وسيلة تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تتمثل في :
1 ـ تضليــــــل العــــــدو ووسائـــــط
إستطلاعه .
2 ـ اعداد القوات لتحقيق مبدأ المباغتة
3 ـ إعاقة العدو في محاولته للتقدم .
الأســـس والمبـــادئ العــــــامة
للخداع في العمليات الحربية
من المعروف إنَّ المباغتة ( المفاجأة ) لـها تأثيـر كبيـر ، فـي نتائج المعارك الحربية بحكم إنها أحد مبادئ الحرب الأساسية، ودورها رئيسي وحاسمٌ فـي تحقيـق النـصر، فـي أي صـراع مسلح، فالقائد الذي ينجح في تطبيق وسائل الخداع بصورة جيدة يتمكن من إنتزاع المبادرة من العدو المتفوق عليـه ، وبذلـك تتهـيأ لـه الظـروف المناسبـة لإلحـاق الهزيمة بقـوات العـدو المتفوقة، بأقل قدر من القوات والوسائل المستخدمة ، وفي أقصر وقت ممكن، وبأقل خسائر في القوات. والخداع إحدى الطرق الرئيسة ، التي يمكن عن طريقها تحقيق المفاجأة في المعركة ، بدءاً من مرحلة الإعداد للمعركة إلى إدارتها ، إلى أن يصل إلى فرض الإرادة على العدو.
ولقد استخدم الخداع مرات عديدة ً، في الماضي، وبالرجوع إلى الوثائق التاريخية نجد أن الخداع في الحرب لعب دوراً رئيسياً وحيوياً في التأثيرعلى نتائج الصراعات عبر التاريخ .
الخداع هو علم عسكري قائم على تنسيق الإجراءات الخاصة بإخفاء الحقائق لإقناع العدو بإتجاه مغاير للعمـل الفعلـي ، تقـوده إلى إتخاذ القرارات الخاطئة، التي تؤدي إلى تهيئة الظروف المناسبة، لإعداد القوات وإستخدامها لتحقيق الأهداف المخطط لها .
وينقسم الخداع إلى جزئيين رئيسيين هما :ــ
[] الخداع السلبي و يعنى السرية والأمن، والعمل على حرمان العدو من الحصول على معلومات حقيقية عن القوات ، وذلك بإنشاء مواقع ومعدات، تحاكى القوات الحقيقية أمام وسائل الاستطلاع البصري والحراري والراداري، كإقامة مواقع هيكلية لمختلف الأسلحة .
[] الخداع الإيجابي و يعنى إختراق وسائل جمع وتحليل المعلومات المعادية ، ولفت إنتباهها إلى أهداف خادعة، مما يؤدي إلى بناء تقديرات وقرارات خاطئة .

ولكي تنجح وسائل الخداع في تحقيق الهدف يجب الإعداد الجيد والمنسق لكل الإجراءات التي تتخذ لمراقبة العدو ، ومتابعة قدراته ، وإمكاناته وطبيعة معتقداته ، ومستواه الإدراكي مع إسباغ الصدق على المعلومات المرسلة للخصم لكي تتفق إجراءات الخداع مع الخط الطبيعي المحتمل للأحداث، وذلك بأن تكون واقعية، مع عدم المبالغة، وأن تصل الإجراءات إلى العدو عن طريق القنوات الطبيعية للمعلومات ولو أدى ذلك للإفصاح عن بعض الحقائق بما لا يضر بالخطة الأساسية كذلـك يجـب أن تتعـدد قنـوات الإتصـال مـع العـدو وصـولاً إلـى تحقيـق الخـداع الكامـل فالمعلومات المزَّيفة يجب أن تصل إلى العدو بأكثر من وسيلة، مع مسايرة هذه الإجراءات للواقع، ليقوم العدو ببناء تقديراته الخاطئة ولإتمام ذلك، تستغل كافة قنوات الاتصال لتسريـب المعلومـات المزَّيفـة مـن خلالـها، بمـا يؤكـد للعـدو صـحة مشاهداتـه ومعلوماتـه ، كـما أن السيطرة الحازمة والمركزية على كـل إجـراءات الخـداع، بواسـطة متخصصين ، وعدم السماح لغير القيادة العليا لتنفيذ أي أعمال خداعية غير مخططة، حتى لا يؤدي ذلك إلى التضارب، وكشف خطة الخداع والسرية التامة لخطط الخداع هي أفضل وسيلة تؤدي إلى نجاح العمل والمقصود هو فرض ستار من الأمن والسرية، حول الحقيقة المراد خداع العـدو عنـها، وكذلـك سريـة خـطة الخداع نفسها، حتى لا تؤدي إلى نتائج عكسية ، وأي عمل ناجح يحتاج إلى تنسيق وتضافر الجهود ، ومن هنا نجد أن خطة الخـداع تحتـاج إلــــى تنسيـق كـل الجهـود والإجـــراءات الخداعيـــة بيــــن العناصر المنـفذة كــل حســب الــدور المرســـوم لــه مع مراعاة أي تعديلات، قد تطرأ على الخطة، من حيث تنفيذ الإجراءات والتوقيت ومكان التنفيذ لأن أي تعارض في الإجـراءات، والتوقيـت ومكـان التنفـيذ، سـوف يـؤدي إلى كشف خطة الخداع.
ومعلوم أن خطة الخداع تبدأ قبل بدء العمليات الحربية بوقت طويل، وتستمر أثناء أعمال القتال وبعد إنتهائها، بهدف تحقيق مكاسب محددة، تهيئ أنسب الظروف لتحقيق الأهداف المخطط لها .
التجديد والإبتكار:
للتجديد والإبتكار في عمليات الخداع أهمية كبرى ، فهو نوع من الإبداع ويتم إختيار ذوي الكفاءة العالية والخبـرة الطويلـة فـي هـذا المـجال لتقديم إبتكاراتهم المتجددة وعرضها على القيادات لإختيار المناسب منها ومن الأفضل أن يبتعد المشرفون على خطط الخداع عن التعقيد بمعني إتباع البساطة في تنفيذ إجراءات الخداع وذلك بإستغلال كل الموارد المتيسرة والبعد عن التعقيد، خاصةً في صناعة وتجهيز النماذج الهيكلية والإبتعاد عن الأساليب المعقدة، ذات التكاليف الباهظة ، مع مراعاة سهولة نقل الأهداف الهيكلية وتركيبها وإخفائها.
الخداع ومبادئ الحرب:
الخداع في حد ذاته، ليس غاية، ولكنه وسيلة لإحداث ظروف مناسبة لتحقيق المفاجأة للعدو ، كما أنه يُساهم في تحقيق أهم المبادئ للحرب وهي إحداث المفاجأة عن طريق لفت إنتباه العـدو إلـى بديـل آخـر غيـر الهـدف الحقيقي والإيحاء بأن هناك أكثر من بديل محتمل للتحشد، مما سيضطر العدو إلى توزيع إمكاناته على بدائل عدة ، وبهذا تقل قدراته ، بسبب توزيع قواته وتفرقها ، وهكذا يتحقق التفوق المطلوب ، مع الأخد بزمام المبادرة وإخفاء الحقيقة عن العدو ، مما يضطره إلى بذل جهد ووقت أطول في البحث عن الحقيقة يؤدي إلى تأخره في إتخاذ القرارات المناسبة وهذا ما يتيح إنتـزاع المبـادرة مـن العـدو وفـرض الإرادة عليه.
والخداع بمفهومه الواسع ، خاصة أثناء الصراع المسلح يهدف إلى تضليل العدو عن خطة وإجراءات إعداد الدولة للحرب، مع إخفاء فكرة أعمال وطبيعة إدارة الصراع المسلح وإستخدام القوات، وكذلك إجراءات التنسيق مع الدول الصديقة والحليفة، وذلك من خلال التركيز على عاملين مهمين هما :
أ ـ الإيحاء لأجهزة جمع وتحليل المعلومات المعادية ، وجعلها في حالة لأخبـار والمعلومات المزَّيفة التي تنشر والاقتناع بها.
ب ـ قيـــاس رد فعـــل العدو وتحليـله. مستويات الخداع:
[ الخداع الإستراتيجي العام]
(الخداع السياسي/ الاقتصادي/ الإعلامــــي)
1ـ الخداع السياسي و يهدف إلى:
أ ـ إخفاء إعداد الدولة للحرب، وإخفاء نوايا الدولة في إدارة الصراع المسلح.
ب ـ خداع الخصم عن طبيعة استخدام القوات وكل مؤسسات الدولة العسكرية في العمليات القتالية المحتملة، والاحتفاظ بسرية موعد بدء القتال .
جـ ـ خداع العدو، في مرحلة ما بعد الصـراع المسلـح، عـن أهـداف المفاوضات ونوايا الدولة للمرحلة التالية.
2 ـ تقوم القيادة السياسية، وأجهزة اعلامها ، بدور كبير في تنفيذ الخداع الإستراتيجي العام.
3 ـ يعتمد الخداع الإستراتيجي العام في تحقيق أهدافه على الآتي:
أ ـ تغذيـة وكـالات الأنبـاء ومصـادر جمـع المعلومـات للعـدو، بصـفة منتظمة، بمعلومات دقيقة، إلى حد ما، لرسم صورة منطقية ومتكاملة.
ب ـ إمداد العدو بمعلومات ناقصة عن طريق وسائل مختلفة لبعض الحقائق، التي لا يمكن إخفاؤها.
جـ ـ تسهيل إمداد العدو بمعلومات متلاعب فيها ، من وقت لآخر، لزيادة معتقداته، لغرض تأكيد عملية الخداع
وسائل الخداع الإستراتيجي :
أ ـ وسائل سياسية: وتشمل القيادة السياسية العليا ، والمؤسسات السياسية المختلفة بالدولة.
ب ـ وسائل دبلوماسية وتتمثل في رجال السلك الدبلوماسي بالدولة والدول الأخرى، خاصة الدول، التي ترتبط بعلاقات وثيقة بأطرف النزاع.
جـ ـ وسائل إعلامية وتشمل وكالات الأنباء، والصحافة (المسموعة والمرئيـة والمقـروءة ) ومكاتـب الإعـلام، والنـشرات الإعلاميـة والإحصائية، والملحقين والإعلاميين بالسفارات الأجنبية، ومراسلي الصحف، وممثلي الدول الأجنبية.
تدار خطة الخداع بواسطة القيادة العسكرية العامة وتساندها في التنفيذ مع بعض المؤسسات والهيئات بالدولة لصالح عملية الخداع الإستراتيجية.
ـ في جميع الأحوال، يتحتم أن تتشابه الأعمال الخداعية والأعمال الحقيقية قدر الإمكان لخلق صورة متكاملة وشبه واقعية ومنطقية، يتقبلها العدو ويحتاج ذلك لقدر كبير من القوات لتقليد التحركات والمناطق الهيكلية بما فيـها من أسلحـة ومعدات، دون أي إخلال، يؤدي إلى إكتشاف الخطة الخداعية من جانب العدو.
ـ ولإستكـمال الخطـة يجـب إتـخاذ الإجراءات الفعالة المضادة لأعمال التجسـس، خاصـة فـي المناطـق المحددة لتنفيذ الإجراءات الخداعية.
ـ توافق تخطيط وتنفيذ إجراءات الخداع الإستراتيجي العسكري، مع الخداع الإستراتيجي العام، ويتم ذلك بالتنسيق الدقيق بين كل العناصر المشتركـة فـي التخطـيط والتنفيـذ.
هدف الخداع التعبوي :
ـ الحفاظ على سرية التحضير للعملية خاصة الهجومية، من حيث فكرة العملية وأسلوب إدارتها.
ـ خداع عناصر استطلاع العدو، عن مناطق التمركز الحقيقية للتجميعات الضاربـة للجيـش، وتأمينـها مـن ضربات العدو الجوية.
ـ إيهام العدو بخطة وهمية، بتقليد تجميعات القوات في مناطق هيكلية والتوسع في إنشاء الأهداف الخداعية.
ـ إخـفاء توقيـت بـدء العمليـة الإستراتيجية / التعبوية.
ـ إخفاء نظام القيادة والسيطرة على القوات.
ـ الاحتفاظ بسرية عمليات الإقتحام.
(قنوات الاتصال)
قنوات الاتصال بين المخادع والعدوهي كل الوسائل، التي يستخدمها العدو للحصول على المعلومات و التي يسعى إليها، ومنها وكالات الأنباء، والصحافة (المسموعة والمرئية والمقروءة ) ووسائل الاتصال المختلفة بين القوات، والجواسيس، والعملاء والدبلوماسيين، وأقمار الاستطلاع والتصوير، وعناصر الاستطلاع المعاديـة وعناصـر الاستطـلاع الإلكترونية وغير ذلك من الوسائل كما يمكن للمخادع إرسال ما يريد من إيماءات أو معلومات زائفة أو إظهار بعض القرائن، التي تعطى مؤشرات محددة للخصم تجعله يفسرها، طبقاً لما يريده الخداع، ويعتمد المخادع في ذلك على كل الحواس لدى الخصم (البصر، والسمع، والشم، والتذوق، واللمس) وهذه الحواس يمكن زيادة فاعليتها، بالاستفادة من التقدم التكنولوجي والاستخدام الجيد لهذه الوسائل ، طبقاً لظروف الموقف.

أساليب تنفيذ الخداع
نتيجة لتطور وسائل القتال، كان لزاماً أن يواكب هذا التطور التقدم العلمي الكبير في وسائل الحصول على المعلومات، وخاصة الوسائل الإلكترونية، وكذلك إستخدام الأقمار الصناعيـة فـي الحـصول عـلى المعلومات، حيث يتم نقل الصورة كاملة لميدان القتال وما يدور به ولذلك لزم الأمر تطوير أساليب ووسائل وطرق الخداع، ومسايرة هذا التقدم لتحقيق الهدف من الخداع بكل الأساليب، ويمكن تنفيذ الخداع بعدة أساليب، وذلك طبقاً للآتي :
الإخـفاء ويقصـد بـه تلـك الإجراءات، التي تتخذ بغرض إخفاء نوايا وخطط عمليات القوات بإخفائها أو بتقليل ظهورها والاستفادة من البيئة المحيطة، مع الاهتمام بالتخلص من العناصر التي تدل على وجودها أو نشاطها.
ولتحقيق الإخفاء بصورة جيدة يجب التقيد ببعض الإجراءات منها:
[ التقيد الحازم بالسرية التامة، عند التنظيـم والتحضيـر والتخطيـط للعمليـة ، النـظام الدقيـق فـي تداول وحفـظ وثائـق الخـطة والخطـط التكميلية ، إعداد الوثائق المهمة من نسخة واحدة وبخط اليد، مع إعطائها درجة سرية عالية ، التقليل من عدد المشتركين في التخطيط إلى أقل عدد ممكـن ، ووضـع نظـام دقيـق للمواصلات الإشارية بمختلف الوسائل، فيما يتعلق بالخطة، مع وضع نظام محكم لمكافحة أعمال التجسس].
( المقلدات " النمـادج الهيكلية " )
يقصد به تقليد الأهداف المختلفة في المناطق الهيكلية، التي تعد لغرض خداع إستطلاع العدو، عن الوضع الحقيقي للتجمعات الرئيسة، وبالتالي إخفاء إتجاه الضربة الرئيسة، ولفت إنتباه العدو لاتجاهات خادعة تؤدي إلى إستنزاف جهوده.
وعند إنشاء الأهداف الهيكلية، يجب مراعاة ، أن تكون مطابقة إلى حد ما للهدف الحقيقي وأن تكون سهلة الإستخدام والنقل وبساطة التركيب وقوة التحمل وخفة الوزن ، وذات تكلفة مناسبة حتى لاتكون عبء على الدولة ، والتركيز على إخفائها بشكل مناسب يوحي للعدو بأنها مختفية وفـي الواقـع هـي واضحـة لإستطلاعاته حتى تزداد قناعته بإنها حقيقية ، كما يمكن الاستعانة ببعض الأهداف المدمَّرة، أو المعطلة بجعلها أهدافاً هيكلية ، وأفضل الأهداف الهيكلية ما هو مصنوع من المطاط، بحيث يمكن نفخه أو تفريغه بكل يسر لتضليل:

التضليل هو مجموعة من الإجراءات، تهدف إلى تغذية العدو بمعلومات زائفة، تتخللها بعض المعلومات الحقيقية، بحيث يصعب معها معرفة الزائف من هذه المعلومات، ويصبح من المؤكد تصديقها، وتؤدي بالعدو إلى تقدير خاطئ للموقف واتخاذ قرارات خاطئة ، و يتميز هذا الأسلوب بإمكانية استخدامه على كل مستويات الخداع، ولقنوات الاتصال وإرسال المعلومات دورٌ رئيسٌ في وصول المعلومات المزَّيفة إلى العدو. الخداع السياسي:

تعتبر الوسائل السياسية هي القنوات الرئيسـة للدولـة لتنفيـذ خـطة الخـداع السياسي ، والتي يجب أن تستخدم بأسلوب دقيق ومنسق، مع الوضع في الاعتبار الارتباط الوثيق بين الخداع السياسـي والخـداع العسكـري والخداع السياسي تشترك في تنفيذه كـل أجـهزة الدولـة السياسـية والدبلوماسية، داخل وخارج البلاد ويدار نشاطه عن طريق (الخطب السياسية، والتصريحات الصحفية والمحادثات الرسمية مع السفراء والوفود الأجنبية، والرسائل المتبادلة والزيارات...).
الخداع الإعلامي:

ينفذ الخداع الأعلامي عن طريق سياسة إعلامية متكاملة تُسَخِر لهذا السبب وذلك بإتباع أساليب علمية دقيقة، بدس الأخبار المزَّيفة، وأن يتم استخدام أسلوب تحليل المضمون الإخباري في وسائل الإعلام كافة لكشف اتجاهات الدول المعادية ، مع مراعاة التعامل بحذر مع المعلومات المزيفة ، و يمتاز الخداع الإعلامي بكثرة وسائله وإنتشارها، إذ إنه أسرع الطرق لوصول المعلومات إلى الجهات التي لها سلطة إتخاذ القرار وكذلك إمكانية إشراك الدول الصديقة والحليفة بأجهزتها الإعلامية في تنفيذ خطة الخداع .
ويدخل الخداع الأعلامي في إطار الخطة الخداعية العامة ويخدم أغراضها ، والغاية منه إعطاء التدابير المختلفة شكلاً من المصداقية والشىء الذي يجب التركيز عليه هو تأمين تطابق الخداع الأعلامي من التدابير الخداعية الأخرى لأن العدو لا يركن إلى الخبر المنشور فقط ولكنه يسعى إلى التحقق بالمقارنة مع المعلومات الأخرى المتوفرة لديه وإذا تطابقـت المعلومـات نجحـت خـطة الخداع وإذا لـم يجـد مـن الدلائـل والمؤشــــرات ما يؤكـد صحتــه أكتشف زيفه وأسقطه من حسابه .