7. خاتمة

  كل هذا ولد لعلـم الكـلام أنصـار يدافعـون عنـه ويستدلـون على أهميته ومشروعيتـه ولزوم الاشتغـال بـه، كمـا ولد لـه خصـوم عارضوه معارضة شديـدة وأنكروا تعلمه أو الاشتغال به، وسوف نتعرض لكلا الطرفين من حيث أقوالهم وأدلتهم والجمع بينها .

أولاً : أنصار علم الكلام :

  ذهب فريق من المسلمين إلى نصرة علم الكلام وإبراز دوره في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، وهو عندهم مشروع من حيث الاشتغال به وأهميته ولهم في ذلك أدلة ومنها :

1- أن علم الكلام أفضل المعارف الدينية وأشرف العلوم الشرعية لأنه يتعلق بأشرف المعلومات " ذات الله تعالى " وهو أساس العلوم الدينية .

2- أنه ثبت بالدليل العقلي والنقلي أن تحصيل هذا العلم واجب :

  * أما العقلي : فهو أن المسلمين أجمعوا على وجوب معرفة الله تعالى " وما يؤدي إلىالواجب فهو واجب ". كما أن القرآن الكريم حث الناس إلى النظر والاستدلال، ومجادلة المشركين بالدليل العقلي .

  * أما النقلي : فمنها قوله تعالى :ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[1] فالمراد بالحكمة في الآية البرهان والحجة، والمراد بالمجادلة، الجدل في أصول الدين لا في فروعه لأن مجادلة الكفار تكون في الأصول .

3- إن هذا العلم ضروري لرد شبهات الملاحدة والمبتدعة وحفظ العقيـدة من المشككين وهـو يعتبـر مـن فروض الكفايـة، ولمـا كـان هـذا نوعـه فـلا غنـى للإسلام من الاشتغال به أو تدريسه.

4- إن بعض الذين نهـوا عـن الاشتغـال بـه، قـد خاضوا فيه وتكلموا في مسائله وصنفوا في ذلك وأشهرهم الإمام أبي حنيفة الذي ألف كتـاب الفقـه الأكبر وصرح فيه بكثير من علم الكلام .

  وكذلك الإمام ابن تيمية عندما رد على الفرق الباطنية والمناطق والفلاسفة مثل كتاب نقض المنطق .

  وقد كان من أشد أنصار علم الكلام والمنطق الإمام الغزالي حيث قال : " من لا معرفة له بالمنطق فلا يوثق بعلمه " .

ثانياً : خصوم علم الكلام :

  تعرض علم الكلام لمعارضة شديدة، وخاصة من الفقهاء والمحدثين، ومن ساروا سيرة السلف الصالح. مع ملاحظة أن الموقف من علم الكلام لا يتناول الأدلة العقلية والنظر العقلي، إنما يتناول المنهج والطريقة التي سلكها علماء الكلام في الاستدلال على العقيدة .

  ومن أقوال علماء السلف :

* قـال الإمـام مالك : " أرأيت إن جـاءه مـن هـو أجـدل منـه، أيـدع دينـه كـل يـوم لديـن جديـد "[2] .

* وقال الإمام الشافعي : " لأن يُبتلى العبدُ بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في علم الكلام "[3] . وقال : " لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه فرارهم من الأسد "[4] . كما حكم الإمام الشافعي على علماء الكلام : " بأن يضربوا بالجريد ويُطاف بهم في العشائر والقبائـل، ويقـال: هـذا جـزاء مـن ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام "[5].

* وقـال  الإمـام أحمـد بـن حنبـل : " لا يفلـح صاحـب كلام أبدا علماء الكلام زنادقـة "[6] .

  ويبدو أنه مـن الأدلة التي استند هؤلاء العلماء عليها في تحريمهم للاشتغال بعلم الكلام قول الرسول : " هلك المتنطعون " قالها ثلاثاً[7] . أي المتعمقون في الأمور بأكثر مما يُطلب .

  ومن خلال النظر في هذه النصوص لهؤلاء الأئمة يتبين أن كراهيتهم للخوض في علم الكلام ليست مطلقة، ولكنها منصبة على تلك الآراء التي تعتمد على الأهواء ونشر العقائد الباطلة المشككة في عقيدة المسلمين والمناوئة للكتاب والسنة، والداعية للتعصب الأعمى للرأي ولو كان باطلاً، ويؤكد هذا قول الإمام ابن تيمية : " والسلف لم يذموا جنس الكلام، فإن كل آدمي يتكلم، ولا ذموا الاستدلال والنظر والجدل الذي أمر الله به ورسوله، والاستدلال بما بينه الله سبحانه ورسوله، بل ولا ذموا كلاماً هو حق، بل ذموا الكلام الباطل، وهو المخالف للكتاب والسنة، وهو المخالف للعقل أيضاً وهو الباطل "[8].

  ويبدو أن تحذير السلف من علم الكلام راجع لأمرين :

الأول : أن هذا الذم والتحذير موجه لمن يحاول دراسة علم الكلام ليشكك في أفكار ومعتقدات المسلمين، وقد وقع هذا بالفعل مع البعض كابن سينا وغيره ممن تتلمذ على كتب الفلاسفة وتبنى أفكارهم، وأخذ يدعو لها وينشرها بين المسلمين. فالذم الوارد يكون في حق هذه الصنف من الناس .

  ولكن إن كان المقصود من دراسة علم الكلام الرد على الملحدين والمبتدعين، ليكون الرد من جنس أفكارهم، ولتكون الحجة أقوى، فهذا جائز بشرط الالتزام بالكتاب والسنة .

الثاني : أن هذا الذم موجه للعامة من الناس ولمن يُخشى عليه انحراف العقيدة، وأما في حال التمكن وعدم الخوف من وقوع الشك بعد رسوخ العقيدة الصحيحة، فلا بأس من تعلم علم الكلام للرد على المعتقدات الفاسدة، والمناظرة والجدل في ضوء الكتاب والسنة .



([1])  سورة النحل : الآية 125 .

[2] التفكير الفلسفي في الإسلام : د. عبد الحليم محمود ، ص94 ، دار المعارف، القاهرة، سنة 1984م .

[3]  تلبيس إبليس : لابن الجوزي، ص81، ط1،  دار العلم ، بيروت،  سنة 1403 .

[4] التفكير الفلسفي في الإسلام، ص93 .

[5] تلبيس إبليس، ص81 .

[6]  المصدر السابق، ص81، يرجع في بيان أقوال علماء السلف إلى إحياء علوم الدين للغزالي، ج1،  ص95 .

[7]  صحيح مسلم، ج4، ص2055، كتاب العلم، باب هلك المتنطعون،  رقم 2670  .

[8]  الفرقان بين الحق والباطل : لابن تيمية، ص105، مجموع فتاوى ابن تيمية، ج13، ص147.