محتوى المحاضرة الرابعة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: الفلسفة العربية الإسلامية
Livre: محتوى المحاضرة الرابعة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Friday 17 May 2024, 08:00

Description

.

1. تمهيد

يعتبر علم الكلام عند البعض هو البداية الأولى لنشوء (الفلسفة الإسلاميّة)، حيث كان هذا العلم مختصّاً بجانب الإيمان العقلي بالله، وكانت غايته نقل الفرد المسلم من التقليد إلى اليقين، وذلك عن طريق إثبات أصول الدين بالأدلة التي تفيد لإتمام اليقين بها. وقد ظهر علم الكلام كمحاولةٍ للتصدي للتحديات التي ظهرت نتيجة الالتقاء بالديانات السابقة لظهور الإسلام، وتحديداً الديانات القديمة التي وجدت في بلاد الرافدين منذ الأساس ومن هنا فإن هذا العلم قام من عمق الإيمان المعاكس الفلسفة التي لا تبدأ من الطبيعة أو الإيمان التسليمي، بل تكون بدايتها في تحليل البداية الأولى للمبادئ بشكلٍ عام.

2. المبحث الأول تعريف علم الكلام.

عرف الإيجي علم الكلام بقوله : " علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه[1]

  والمراد بالعقائد : ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل، وبالدينية المنسوبة إلى دين محمد[2] .

  وقال ابن خلدون في كتابه المقدمة : " هو علم يتضمن الحجج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة والمنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة "[3] .

  كما عرف التفتزاني علم الكلام بقوله: " علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية المنسوبة إلى دين محمد وإن لم تكن مطابقة للواقع لعدم إخراج الخصم من المعتزلة والجهمية والقدرية والجبرية والكرامية وغيرهم عن أن يكون من علماء الكلام وإن خطأناه أو كفرناه " .

  وذكر أيضاً تعريفاً آخر بأنه " العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية " أي العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسبة من أدلتها اليقينية، سواء توقفت على الشرع كالسمعيات أم لا، وسواء كانت من الدين في الواقع ككلام أهل الحق أو لا ككلام المخالف " .

  يستنتج من التعريفات السابقة ما يلي :

1-  إن علم الكلام يعتمد على منهـج البحث والنظر والاستدلال العقلي كوسيلة لإثبات العقائد وتقريرها مع أنها تثبت بالوحي .

2- وظيفـة علـم الكـلام هـو الاحتجـاج العقلـي على صحة العقائد ودفع شبـه ودعاوى الخصوم .

3-  إن علم الكلام يتناول جميع أصول الدين وأركانه المعروفة الستة .



[1] المواقف : للايجي، ص7 .

[2] المصدر السابق ، ص7  .

[3] مقدمة ابن خلدون. عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، ص45، مؤسسة الأعلى للمطبوعات، بيروت

3. المبحث الثاني:سبب تسميته بعلم الكلام.

كان نشأة هذا العلم في العهد الإسلامي ناتجاً عن ضرورة الرد على كل من اعتبر الدين الإسلامي بدعة، حيث كان الهدف من ظهوره إقامة البراهين والأدلّة ودحض الشبهات، ويُعتقد بأنّ جذور هذا العلم ترجع إلى عددٍ من الصحابة والتابعين.

- أن أشهر مسألة وقع فيها الخلاف بين العلماء وأصحاب المذاهب القديمة هي مسألة كلام الله تعالى فسُمي الكلام باسم أشهر أجزائه .

- لأنـه فـي بيـان طـرق الاستـدلال علـى أصـول الديـن أشبـه بالمنطق في تبييـن مسائـل الحجـة عنـد الفلاسفـة فسمى بعلم الكلام لقطع المخالفة اللفظية بين الأسمين " المنطق وعلم الكلام " .

- لأنـه يُورث المشتغل فيه القدرة على الكلام في إثبات العقائد، والرد علـى الخصـوم .

- لأن العلماء الذين كانـوا يشتغلون فـي تدوينه يصنعون في عناوين كتبهم . الكلام في كذا ... الكلام في كذا ... الكلام في كذا فسمي بذلك .

...

4. المبحث الثالث:موضوع علم الكلام.

لما كان علم الكلام يقوم على إثبات العقائد الدينية والرد على شبهات الخصوم، فإن موضوعه يتناول الأمور الاعتقادية التي كُلفنا بتصديقها بقلوبنا، واعتقادها بأنفسنا مع الإقرار والنطق باللسان. يقول الإيجي في بيانه لموضوع علم الكلام : " هو ذات الله إذ يبحث فيه عن صفاته وأفعاله في الدنيا كحدوث العالم وفي الآخرة كالحشر وأحكامه، وفيهما - الدنيا والآخرة - كبعث الرسول ونصب الإمام والثواب والعقاب " .

  وقصد المتكلمون من وراء هذه المباحث إثبات حدوث العالم، والرد على الفلاسفة الزاعمين قدمه، وإثبات حدوث العالم يدل على وُجود المحدِث الذي أحدثه .

 ولكن الإمام السفاريني عندما يتحدث عن موضوع علم الكلام يبين أن موضوعه إثبات العقائد الدينية، ويخالف الإمام الإيجي في كونه يبحث في ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله، لأن هذه الأمور إنما تؤخذ من النصوص القرآنية والأخبار النبوية وليس من القواعد الكلامية فيقول : " وموضوعه هو المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية إذ موضوع كل علم ما يبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية، ولا شك أن يُبحث في هذا العلم عن أحوال الصانع، من القدم والوحدة والقدرة والإرادة وغيرها ليعتقد ثبوتها له تعالى، وأحوال الجسم والعرض من الحدوث والافتقار والتركيب من الأجزاء وقبول الفناء ونحو ذلك ليثبت للصانع ما ذُكر مما هو عقيدة إسلامية أو وسيلة إليها، وكل هذا بحث عن أحوال المعلوم كإثبات العقائد الدينية، وهذا أولى من زعم أن موضوعـه ذات الله تعالى وتقدس للبحث عن صفاته وأفعاله، واعلم أنا لا نأخذ الاعتقادات الإسلامية من القواعد الكلامية، بل إنما نأخذها من النصوص القرآنية والأخبار النبوية، وليس القصد بالأوضاع الكلامية إلا دفع شبه الخصوم والفرق الضالة"[1] .



[1] لوامع الأنوار البهية : للسفاريني،  ج1،  ص5 .

5. المبحث الرابع:عوامل نشأة علم الكلام

عوامل نشأة علم الكلام :

  لم ينشأ علم الكلام في المجتمع المسلم من فراغ، وإنما كانت هناك جملة عوامل أدت إلى ظهور هذا العلم، ومن هذه العوامل :

- الغزو الثقافي الأجنبي :

  لقد اتسعت الفتوحات الإسلاميـة حتى بلاد فارس والشام ومصر حيث الثقافات الفلسفيـة الإلحاديـة المختلفـة التـي انتشـرت للتشكيـك فـي الإسلام، مما جعل المسلمين يتسلحون للرد على هـؤلاء بنفس أسلوبهم الـذي كان يعتمد على الفلسفة والمنطق[1] ولكن هناك من تأثر بهذه الأفكار الغازية فتبناها وأخذ يدافـع عنها رغم مخالفتها للعقيدة الإسلامية .

- الخلافات السياسية :

  لعبت الأحداث السياسية في البيئة الإسلامية دوراً هاماً في نشأة علم الكلام، وذلك لارتباطها بالعقائد التي أدت إلى ظهور فرق دينية - كالخوارج والشيعة - تتجادل حول العقيدة، حيث حاول كل فريق تأييد رأيه بتأويل الآيات القرآنية، واضعاً من الحديث ما يناسب رأيه، مما أدى ذلك إلى صبغ العقيدة بصبغة فلسفية عقلية[2] .

-  حركة الترجمة :

  أدى اتساع الفتوحات الإسلامية إلى دخول أقطـار ذات حضارة فكرية متعددة مما أحـدث اتصـالات بيـن الإسلام وتلك الحضارات - خاصة الفلسفة اليونانية وبالتحديد آراء أرسطو وسقراط وأفلاطـون - وترجمتها إلى اللغة العربية، واطلعوا عليها للاستفـادة ممـا فيها من حق، والرد على الباطل منهـا، فكان لهذا أثـره الذي يتضح فيمـا قبلـه المسلمون مـن تلك الأفكار والعلوم التي اطلعوا عليها، أو فيما رفضوه وردوا عليه وعدوه مخالفاً لعقيدة الإسلام[3].

-  الآيات المتشابهة :

  وجود الآيات المتشابهة في القرآن الكريم أحدث نوعاً من الخلاف بين بعض طوائف المسلمين من حيث بيان معانيها، فأدى ذلك إلى حدوث الجدل والمناقشات فيما بينهم، فكان أصحاب كل رأي يحاولون تأييد وجهة نظرهم، مما نتج عن ذلك ظهور أسلوب التأويل الذي استخدمتـه بعض الفرق الكلاميـة لتدلل على صحة موقفها، وكان بعضهم لا يرمي من وراء ذلك إلا إحداث الفتنة والبلبلـة الفكريـة. كما قال الله تعالى:هوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[4]. وهذا دفع بعض علماء المسلمين لدراسة أفكـار هذه الفرق والرد عليهـا، بنفس أسلوبهـا الذي استعملته، فأدى ذلك إلى ظهور علم الكلام .

-  طبيعة العقل البشري :

  خلق الله تعالـى عقـول الناس مع اختلاف كبير بينهم فـي الفكـر والفهم والعلم، ولهذا كان من الطبيعي أن يختلف النـاس، تبعـاً لمـا يثيرونـه مـن إشكـالات وتساؤلات، ومـن هـذه التساؤلات التي أُثيـرت رؤيـة الله عز وجل واستواؤه على العرش، وخلـود الجنـة والنـار، فكان لها الأثر الواضـح على نشوء بعض الآراء الكلامية، فحاول كل فريق أن يبحث وينظر ويتأمل استجابـة لدعوة القرآن الكريم للإنسان أن يتدبر وأن يتفكر.



[1] انظر تاريخ الفكر الفلسفي : د. أبو ريان ، ص248، ص249، وانظر : الفرق الكلامية للمغربي، ص61.

[2] انظر : تاريخ الفكر الفلسفي، ص250، الفرق الكلامية الإسلامية، ص56 .

[3] المرجع نفسه ص96

[4] سورة آل عمران:الآية7

6. المبحث الخامس

فائدة علم الكلام في نظر علماء الكلام :

  يرى الإمام الإيجي – وهو من علماء الكلام - أن فائدة علم الكلام تتمثل في :

- إرشاد المسترشدين بإيضاح الحجة، وإلزام المعاندين بإقامة الحجة .

- الترقي من حضيض التقليد إلى ذروة اليقين .

- حفظ قواعد الدين عن أن تزلها شبه المبطلين .

- أنه أساس للعلوم الشرعية وعليه تبنى وإليه يؤول أخذها واقتباسها .

- صحة النية والاعتقاد، إذ بها يرجى قبول العمل، وغاية ذلك كله الفوز بسعادة الدارين.

  وأما الإمام السفاريني فيحدد فائدة علم الكلام بقوله : " ومنفعته في الدنيا انتظام أمر المعاش بالمحافظة على العدل والمعاملة التي يحتاج إليها في إبقاء النوع الإنساني على وجـه لا يؤدي إلـى الفسـاد، وفـي الآخـرة النجـاة مـن العـذاب المرتب على الكفر وسوء الاعتقاد " .

  وهذه الفائدة تتحقق في حال الرد على المبتدعة والمنحرفين والدفاع عن مذهب السلف وأهـل السنـة. أمـا فـي حـال الدعـوة إلـى باطـل أو الدفاع عن باطل فهو كلام مرفوض منهي عنه بل هو تنطع نهى عنه الرسول وتوعد صاحبـه بالهلاك عندما قال : " هلك المتنطعون " قالها ثلاثاً . ولذلك قال الإمام الغزالي : " فاعلم أن حاصل ما يشتمل عليه علم الكلام من الأدلة التي ينتفع بها، فالقرآن والأخبار مشتملة عليـه، وما خرج عنهما فهو إما محاولة مذمومة وهي من البدع ... وإما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق لها وتطويل بنقلٍ لمقالات التي أكثرها ترهات وهذيانات تزدريها الطباع وتمجها الأسماع"[1] .



[1] إحياء علوم الدين للغزالي،ج1،ص22.

7. خاتمة

  كل هذا ولد لعلـم الكـلام أنصـار يدافعـون عنـه ويستدلـون على أهميته ومشروعيتـه ولزوم الاشتغـال بـه، كمـا ولد لـه خصـوم عارضوه معارضة شديـدة وأنكروا تعلمه أو الاشتغال به، وسوف نتعرض لكلا الطرفين من حيث أقوالهم وأدلتهم والجمع بينها .

أولاً : أنصار علم الكلام :

  ذهب فريق من المسلمين إلى نصرة علم الكلام وإبراز دوره في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، وهو عندهم مشروع من حيث الاشتغال به وأهميته ولهم في ذلك أدلة ومنها :

1- أن علم الكلام أفضل المعارف الدينية وأشرف العلوم الشرعية لأنه يتعلق بأشرف المعلومات " ذات الله تعالى " وهو أساس العلوم الدينية .

2- أنه ثبت بالدليل العقلي والنقلي أن تحصيل هذا العلم واجب :

  * أما العقلي : فهو أن المسلمين أجمعوا على وجوب معرفة الله تعالى " وما يؤدي إلىالواجب فهو واجب ". كما أن القرآن الكريم حث الناس إلى النظر والاستدلال، ومجادلة المشركين بالدليل العقلي .

  * أما النقلي : فمنها قوله تعالى :ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[1] فالمراد بالحكمة في الآية البرهان والحجة، والمراد بالمجادلة، الجدل في أصول الدين لا في فروعه لأن مجادلة الكفار تكون في الأصول .

3- إن هذا العلم ضروري لرد شبهات الملاحدة والمبتدعة وحفظ العقيـدة من المشككين وهـو يعتبـر مـن فروض الكفايـة، ولمـا كـان هـذا نوعـه فـلا غنـى للإسلام من الاشتغال به أو تدريسه.

4- إن بعض الذين نهـوا عـن الاشتغـال بـه، قـد خاضوا فيه وتكلموا في مسائله وصنفوا في ذلك وأشهرهم الإمام أبي حنيفة الذي ألف كتـاب الفقـه الأكبر وصرح فيه بكثير من علم الكلام .

  وكذلك الإمام ابن تيمية عندما رد على الفرق الباطنية والمناطق والفلاسفة مثل كتاب نقض المنطق .

  وقد كان من أشد أنصار علم الكلام والمنطق الإمام الغزالي حيث قال : " من لا معرفة له بالمنطق فلا يوثق بعلمه " .

ثانياً : خصوم علم الكلام :

  تعرض علم الكلام لمعارضة شديدة، وخاصة من الفقهاء والمحدثين، ومن ساروا سيرة السلف الصالح. مع ملاحظة أن الموقف من علم الكلام لا يتناول الأدلة العقلية والنظر العقلي، إنما يتناول المنهج والطريقة التي سلكها علماء الكلام في الاستدلال على العقيدة .

  ومن أقوال علماء السلف :

* قـال الإمـام مالك : " أرأيت إن جـاءه مـن هـو أجـدل منـه، أيـدع دينـه كـل يـوم لديـن جديـد "[2] .

* وقال الإمام الشافعي : " لأن يُبتلى العبدُ بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في علم الكلام "[3] . وقال : " لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه فرارهم من الأسد "[4] . كما حكم الإمام الشافعي على علماء الكلام : " بأن يضربوا بالجريد ويُطاف بهم في العشائر والقبائـل، ويقـال: هـذا جـزاء مـن ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام "[5].

* وقـال  الإمـام أحمـد بـن حنبـل : " لا يفلـح صاحـب كلام أبدا علماء الكلام زنادقـة "[6] .

  ويبدو أنه مـن الأدلة التي استند هؤلاء العلماء عليها في تحريمهم للاشتغال بعلم الكلام قول الرسول : " هلك المتنطعون " قالها ثلاثاً[7] . أي المتعمقون في الأمور بأكثر مما يُطلب .

  ومن خلال النظر في هذه النصوص لهؤلاء الأئمة يتبين أن كراهيتهم للخوض في علم الكلام ليست مطلقة، ولكنها منصبة على تلك الآراء التي تعتمد على الأهواء ونشر العقائد الباطلة المشككة في عقيدة المسلمين والمناوئة للكتاب والسنة، والداعية للتعصب الأعمى للرأي ولو كان باطلاً، ويؤكد هذا قول الإمام ابن تيمية : " والسلف لم يذموا جنس الكلام، فإن كل آدمي يتكلم، ولا ذموا الاستدلال والنظر والجدل الذي أمر الله به ورسوله، والاستدلال بما بينه الله سبحانه ورسوله، بل ولا ذموا كلاماً هو حق، بل ذموا الكلام الباطل، وهو المخالف للكتاب والسنة، وهو المخالف للعقل أيضاً وهو الباطل "[8].

  ويبدو أن تحذير السلف من علم الكلام راجع لأمرين :

الأول : أن هذا الذم والتحذير موجه لمن يحاول دراسة علم الكلام ليشكك في أفكار ومعتقدات المسلمين، وقد وقع هذا بالفعل مع البعض كابن سينا وغيره ممن تتلمذ على كتب الفلاسفة وتبنى أفكارهم، وأخذ يدعو لها وينشرها بين المسلمين. فالذم الوارد يكون في حق هذه الصنف من الناس .

  ولكن إن كان المقصود من دراسة علم الكلام الرد على الملحدين والمبتدعين، ليكون الرد من جنس أفكارهم، ولتكون الحجة أقوى، فهذا جائز بشرط الالتزام بالكتاب والسنة .

الثاني : أن هذا الذم موجه للعامة من الناس ولمن يُخشى عليه انحراف العقيدة، وأما في حال التمكن وعدم الخوف من وقوع الشك بعد رسوخ العقيدة الصحيحة، فلا بأس من تعلم علم الكلام للرد على المعتقدات الفاسدة، والمناظرة والجدل في ضوء الكتاب والسنة .



([1])  سورة النحل : الآية 125 .

[2] التفكير الفلسفي في الإسلام : د. عبد الحليم محمود ، ص94 ، دار المعارف، القاهرة، سنة 1984م .

[3]  تلبيس إبليس : لابن الجوزي، ص81، ط1،  دار العلم ، بيروت،  سنة 1403 .

[4] التفكير الفلسفي في الإسلام، ص93 .

[5] تلبيس إبليس، ص81 .

[6]  المصدر السابق، ص81، يرجع في بيان أقوال علماء السلف إلى إحياء علوم الدين للغزالي، ج1،  ص95 .

[7]  صحيح مسلم، ج4، ص2055، كتاب العلم، باب هلك المتنطعون،  رقم 2670  .

[8]  الفرقان بين الحق والباطل : لابن تيمية، ص105، مجموع فتاوى ابن تيمية، ج13، ص147.