5. المبحث الرابع:عوامل نشأة علم الكلام

عوامل نشأة علم الكلام :

  لم ينشأ علم الكلام في المجتمع المسلم من فراغ، وإنما كانت هناك جملة عوامل أدت إلى ظهور هذا العلم، ومن هذه العوامل :

- الغزو الثقافي الأجنبي :

  لقد اتسعت الفتوحات الإسلاميـة حتى بلاد فارس والشام ومصر حيث الثقافات الفلسفيـة الإلحاديـة المختلفـة التـي انتشـرت للتشكيـك فـي الإسلام، مما جعل المسلمين يتسلحون للرد على هـؤلاء بنفس أسلوبهم الـذي كان يعتمد على الفلسفة والمنطق[1] ولكن هناك من تأثر بهذه الأفكار الغازية فتبناها وأخذ يدافـع عنها رغم مخالفتها للعقيدة الإسلامية .

- الخلافات السياسية :

  لعبت الأحداث السياسية في البيئة الإسلامية دوراً هاماً في نشأة علم الكلام، وذلك لارتباطها بالعقائد التي أدت إلى ظهور فرق دينية - كالخوارج والشيعة - تتجادل حول العقيدة، حيث حاول كل فريق تأييد رأيه بتأويل الآيات القرآنية، واضعاً من الحديث ما يناسب رأيه، مما أدى ذلك إلى صبغ العقيدة بصبغة فلسفية عقلية[2] .

-  حركة الترجمة :

  أدى اتساع الفتوحات الإسلامية إلى دخول أقطـار ذات حضارة فكرية متعددة مما أحـدث اتصـالات بيـن الإسلام وتلك الحضارات - خاصة الفلسفة اليونانية وبالتحديد آراء أرسطو وسقراط وأفلاطـون - وترجمتها إلى اللغة العربية، واطلعوا عليها للاستفـادة ممـا فيها من حق، والرد على الباطل منهـا، فكان لهذا أثـره الذي يتضح فيمـا قبلـه المسلمون مـن تلك الأفكار والعلوم التي اطلعوا عليها، أو فيما رفضوه وردوا عليه وعدوه مخالفاً لعقيدة الإسلام[3].

-  الآيات المتشابهة :

  وجود الآيات المتشابهة في القرآن الكريم أحدث نوعاً من الخلاف بين بعض طوائف المسلمين من حيث بيان معانيها، فأدى ذلك إلى حدوث الجدل والمناقشات فيما بينهم، فكان أصحاب كل رأي يحاولون تأييد وجهة نظرهم، مما نتج عن ذلك ظهور أسلوب التأويل الذي استخدمتـه بعض الفرق الكلاميـة لتدلل على صحة موقفها، وكان بعضهم لا يرمي من وراء ذلك إلا إحداث الفتنة والبلبلـة الفكريـة. كما قال الله تعالى:هوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[4]. وهذا دفع بعض علماء المسلمين لدراسة أفكـار هذه الفرق والرد عليهـا، بنفس أسلوبهـا الذي استعملته، فأدى ذلك إلى ظهور علم الكلام .

-  طبيعة العقل البشري :

  خلق الله تعالـى عقـول الناس مع اختلاف كبير بينهم فـي الفكـر والفهم والعلم، ولهذا كان من الطبيعي أن يختلف النـاس، تبعـاً لمـا يثيرونـه مـن إشكـالات وتساؤلات، ومـن هـذه التساؤلات التي أُثيـرت رؤيـة الله عز وجل واستواؤه على العرش، وخلـود الجنـة والنـار، فكان لها الأثر الواضـح على نشوء بعض الآراء الكلامية، فحاول كل فريق أن يبحث وينظر ويتأمل استجابـة لدعوة القرآن الكريم للإنسان أن يتدبر وأن يتفكر.



[1] انظر تاريخ الفكر الفلسفي : د. أبو ريان ، ص248، ص249، وانظر : الفرق الكلامية للمغربي، ص61.

[2] انظر : تاريخ الفكر الفلسفي، ص250، الفرق الكلامية الإسلامية، ص56 .

[3] المرجع نفسه ص96

[4] سورة آل عمران:الآية7