4. المبحث الثالث:موضوع علم الكلام.

لما كان علم الكلام يقوم على إثبات العقائد الدينية والرد على شبهات الخصوم، فإن موضوعه يتناول الأمور الاعتقادية التي كُلفنا بتصديقها بقلوبنا، واعتقادها بأنفسنا مع الإقرار والنطق باللسان. يقول الإيجي في بيانه لموضوع علم الكلام : " هو ذات الله إذ يبحث فيه عن صفاته وأفعاله في الدنيا كحدوث العالم وفي الآخرة كالحشر وأحكامه، وفيهما - الدنيا والآخرة - كبعث الرسول ونصب الإمام والثواب والعقاب " .

  وقصد المتكلمون من وراء هذه المباحث إثبات حدوث العالم، والرد على الفلاسفة الزاعمين قدمه، وإثبات حدوث العالم يدل على وُجود المحدِث الذي أحدثه .

 ولكن الإمام السفاريني عندما يتحدث عن موضوع علم الكلام يبين أن موضوعه إثبات العقائد الدينية، ويخالف الإمام الإيجي في كونه يبحث في ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله، لأن هذه الأمور إنما تؤخذ من النصوص القرآنية والأخبار النبوية وليس من القواعد الكلامية فيقول : " وموضوعه هو المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية إذ موضوع كل علم ما يبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية، ولا شك أن يُبحث في هذا العلم عن أحوال الصانع، من القدم والوحدة والقدرة والإرادة وغيرها ليعتقد ثبوتها له تعالى، وأحوال الجسم والعرض من الحدوث والافتقار والتركيب من الأجزاء وقبول الفناء ونحو ذلك ليثبت للصانع ما ذُكر مما هو عقيدة إسلامية أو وسيلة إليها، وكل هذا بحث عن أحوال المعلوم كإثبات العقائد الدينية، وهذا أولى من زعم أن موضوعـه ذات الله تعالى وتقدس للبحث عن صفاته وأفعاله، واعلم أنا لا نأخذ الاعتقادات الإسلامية من القواعد الكلامية، بل إنما نأخذها من النصوص القرآنية والأخبار النبوية، وليس القصد بالأوضاع الكلامية إلا دفع شبه الخصوم والفرق الضالة"[1] .



[1] لوامع الأنوار البهية : للسفاريني،  ج1،  ص5 .