3. المبحث الثاني:عوامل نشأة وتطور الفلسفة الإسلامية.

3.1. المطلب الأول:العوامل الداخلية

تمهيد:

أخذت الفلسفةُ مُسمَّياتٍ عدة، من قبيل "الحكمة" و"العرفان". وعُدَّتْ بعضُ المسمَّيات محاولةً من أصحابها للابتعاد عن دائرة التشوش والممانعة التي لفَّت مصطلح الفلسفة، ونوعًا من المقاربة مع المفاهيم الإسلامية المتسالَم عليها، كمصطلح "العرفان" الذي يجد قبولاً عند المدارس الإسلامية أكثر من مصطلح "الفلسفة"، نتيجة لتراكم مفاهيم مغلوطة عن الفلسفة بخاصة، والفلسفة الإسلامية بعامة – ما أوجد شرخًا غير صغير بين علماء المسلمين أنفسهم عن أصل الفلسفة ومنشئها ومساربها. وقد زادت دراسات المستشرقين من رقعة هذا الشرخ من خلال محاولات بعضهم والبعض ممَّن تأثر بهم من الفلاسفة العرب والمسلمين، اختزال قرون عدة من الإبداع العربي والإسلامي. ولكن أين الخلل في هذا القصور المعرفي عن الفلسفة الإسلامية وعن الإحاطة بإبداعات المسلمين؟

و دور القرآن الكريم في صياغة العقلية الإسلامية، بحيث أصبحت هذه العقلية مهيأة للنظر والإبداع الفلسفي". فالعقلية الإسلامية، ثمرة للمنهج القرآني الذي حثَّ على النظر والاعتبار والتأمل في آفاق الكون ومكنونات النفس". و قد كثر البحث في العصر العباسي في العقائد و اتخذ ألواناً لم تكن أيام النبي صلى الله عليه وسلم ولا الأولين من صحابته، وأخذت هذه البحوث تتركز ليتكون منها علم جديد يسمى علم الكلام. ولنشأته أسباب داخلية وأخرى خارجية.

العوامل الداخلية:

لقد كان للحروب الداخلية في المجتمع الإسلامي أثر هامّ في تطوير النقاش في الموضوعات العقائدية، وتوالد أسئلة جديدة تتمحور حول حكم مرتكب الكبيرة، وخلق أفعال العباد، وحرية واختيار المكلّف.. وغيرها. كذلك عملت الفتوحات على إدخال شعوب عديدة في الإسلام، لبثت مدّة طويلة في نحل كتابية أو وثنية، ولم تستطع حركة الدعوة العاجلة تحرير وعي هؤلاء المسلمين من ترسبات أديانهم ونحلهم السابقة، فنجم عن ذلك شيوع مناخ فكري مضطرب يموج برؤى متقاطعة، و سجالات صاخبة، غذّتها في فترة لاحقة أفكار ومقولات المنطق والفلسفة، والتي تدفقت من مراكز الترجمة خاصة في عصر المأمون العباسي.

        تعرض القرآن بجانب دعوته إلى التوحيد لأهم الفرق والديانات التي كانت منتشرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليهم ونقض أقوالهم. فكان طبيعياً أن يسلك علماء المسلمين مسلك القرآن في الرد على المخالفين، وكلما جدد المخالفون وجوه الطعن جدد المسلمون طرق الرد.

كاد ينتهي العصر الأول في إيمان خالص من الجدل، ولما فرغ المسلمون من الفتح واستقروا أخذوا ينظرون ويبحثون، فاستتبع هذا اختلاف وجهة نظرهم فاختلفت الآراء والمذاهب.

خلافهم في المسائل السياسية كان سبباً في الخلاف الديني. و أصبحت الأحزاب فرقاً دينية لها رأيها: فحزب "علي" تكون منه الشيعة، ومن لم يرض بعلي تكون منهم الخوارج، ومن كره خلاف المسلمين كون فرقة المرجئة وهكذا.