1. المطلب الأول: الاتجاه الأول لتحديد الطبيعة القانونية لبطاقات الائتمان

1.1. الفرع الأول: الطبيعة القانونية للعقد الذي يربط بين مصدر البطاقة وحاملها

العقد الذي يربط بين مصدر البطاقة وحاملها هو عقد محـدد المـدة يـسمى بعقـد الانضمام[1]، تبرمه الجهة المصدرة للبطاقة مع أي شخص يريد ذلك ويتوافر على الشروط المطلوبة، فهي علاقة عقدية تنجز عنها التزامـات متقابلـة ينـصب موضوعها على التزام الجهة المصدرة بـضمان الوفـاء بمشتريات الحامل من خلال اعتماد مخصص له باعتبارها مدينة للتاجر، و بالمقابل يلتـزم الحامل بصفة أساسية بتحمل قيمة الفائدة ورسوم الاشتراك إضافة إلى ثمن مشترياته باعتباره مديناً للجهة المصدرة، وتنتهي هـذه العلاقـة ببلوغ الأجـل المتفق عليه. وتتميز العلاقة الناشئة عن استخدام بطاقة الائتمـان بالطـابع الرضـائي حيث يتولى الطرف الأول "الجهة المصدرة للبطاقة" إعداد عقد الانضمام ليعرض لاحقاً على الطرف الآخر والذي ينحصر دوره في مجرد قبول أو رفض الانضمام إليه، فينعقد العقد بمجرد ارتباط الإيجاب بالقبول عند تبادل الطرفين التعبير عن الإرادة بالشكل القانوني بما يحقق التطابق بين الإرادتين على وجه يجزم بوجود التراضي. وجرى العرف التجاري في عقود الإنضمام أن تعد الجهة المصدرة للبطاقة العقـد بكل شروطه وضوابط نفاذه وتخرجه في شكل "طلب" مطبوع وتضعه في متناول الجمهور ويتعين على الشخص الذي يرغب في الحصول على خدمات البطاقة أن يطّلع على الطلب ليدون عليه البيانات المتعلقة بشخصه كما تحددها الجهـة التـي أعدت العقد، ثم يوقعه بعد أن يكون قد أقر بعلمه وقناعته بالالتزامات التي يتحملها والحقوق التي يتمتع بها دون أن يكون له حق مناقشتها، وينعقد العقد بعـد ذلـك بمجرد موافقة الجهة مصدرة البطاقة على قبول هذا الطلب[2].

وقد اختلف الفقه في تحديد الطبيعة القانونية لعقود الإنضمام، حيث أنه انقسم إلى فريقين[3]: الفريق الأول ينكر صفة العقد لهذا النوع من العقود ويعتبره من عقود الإذعان، والفريق الثاني يعتبـره كأي عقد من العقود الرضائية.

أولا/ الفريق الأول: ويستند في رأيه إلى ما يشوب رضا حامل البطاقة من شبه إكراه باعتبار أنه لا يملك حق مناقشة شروط العقد، ناهيك عن عدم مـشاركته في إعداده، حيث ينحصر رضاه في قبول التعاقد أو رفضه فقط، وبالتالي فإن ما يسمى بالقبول أو الموافقة العامة التي تـصدر عـن حامل البطاقة ليس في حقيقته إلا رضا لإرادة الطرف الآخر الذي أعد العقد، ومن ثـم يكون رضا حامل البطاقة أي الطرف المذعن، رضا شكليا أو غيـر حقيقـي .

ثانيا/ الفريق الثاني: يستند هذا الفريق في رأيه على أن هذا العقد قد تم بين طرفين غير متساويين أين يهـيمن أحدهما على العقد، إلا أن ذلك لا ينفي في رأيهم أن العقد يتم بتوافـق تـام بـين إرادتين بصرف النظر عن محتوى كل منهما. وعلى ذلك يعد الرضا الصادر عن حامل البطاقة رضا حقيقيا وليس شكليا، لأنه تصرف إرادي سـليم يعبر عن قناعه حامل البطاقة والذي يرى أن من مصلحته أن يوافق على العقد دون مناقشة شروطه. ويرى أصحاب هذا الرأي أن عدم التساوي في المركز القانوني للطرفين في العقد ناتج عن وضع اقتصادي أو اجتماعي خارج العقد لكن ذلك لا يمنع القـول بقيـام العقد لأن وجود الرضا في العقد لا يفترض بالضرورة قيام تساوي فـي المركـز القانوني بين طرفيه أو توازن فعلي بين التزاماتهما، وإنما يقتـضي تـوافر إرادة حرة لكل منهما عند التعاقد بحيث يكون لكل منهما اختيار قبول أو رفـض العقـد وبهذا المفهوم يكون الرضا ثابت في العقد لأن الإرادة موجودة وقائمة لكـل مـن طرفيه، ويترتب على ذلك أن القول بان الطرف المذعن أجبر على الاختيار تحت وطأة حاجته إلى الخدمة التي يوفرها له الطرف الآخر الذي غالبـاً مـا يكـون محتكراً للخدمة، هو قول غير دقيق، لأن موافقة الحامل على التعاقد تحقـق لـه بطريقة ما العوض المادي الذي فقده من العقد.

وفي ظل عدم وجود تشريع مختص يضمن الحمايـة القانونيـة لطـرف التعاقـد الضعيف (حامل البطاقة) ضد أي من الشروط التعسفية التي قد يوافق عليها عنـد ملئه لطلب الحصول على البطاقة من الجهة المصدرة، نجد أن كثيراً من الـدول التي تتعامل ببطاقات الائتمان و التي لا تملك تشريعا ينظم العلاقة بين أطرافها، قد وفرت الحماية للطرف المذعن حامل البطاقة من خلال قواعد الحمايـة التقليديـة التي يوفرها القانون للمتعاقدين وذلك من خلال منح القاضي سلطة رفع التعـسف عن الطرف المذعن، وبالتالي يمكن لحامل البطاقة أن يطلب من القـضاة تعـديل الشروط التعسفية المجحفة بالنسبة له أو إعفائه من تنفيـذها أو استبعادها.



[1]- بيار آميل طوبيا، بطاقة الاعتماد و العلاقات التعاقدية المنبثقة عنها( دراسة تحليلية مقارنة على ضوء أحدث قرارات النقض الصادرة عن محكمة التمييز الفرنسية)، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2000 م، ص 42.

 

[2]- فداء يحيى احمد الحمود، النظام القانوني لبطاقة الائتمان، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان، الأردن، 1999 م، ص 38.

[3]- امجد حمدان عسكر الجهني، مرجع سابق، ص 55.