الطبيعة القانونية لبطاقات الائتمان الالكترونية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: وسائل الإئتمان الإلكتروني
Livre: الطبيعة القانونية لبطاقات الائتمان الالكترونية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Tuesday 19 March 2024, 04:39

Description

لقد أثارت الطبيعة أو الأساس القانوني لبطاقة الائتمان خلافا وانقساما بين الفقه، نظراً لحداثة هذه البطاقة، وانفرادها ببعض الخصائص التي تميزها عن غيرها من وسائل الدفع الأخرى كونها متعددة الأطراف وتتشابك العلاقات القانونية التي تجمع بين أطرافها. لذلك لا بد من تحديد الطبيعة القانونية لبطاقة الائتمان وذلك لإيجـاد نظـام قانوني متطور يمكن تطبيق أحكامه على بطاقات الائتمان ونظامهـا ومميزاتهـا، باعتبارها أداة وفاء وأداة ائتمان في نفس الوقت، وكذا الوصول الى قواعد قانونية تحكم العلاقات الناشئة بين أطرافها. وانطلاقاً من هذا نجد أن هناك عدة آراء فقهية حاولت تحديد الأساس القانوني لبطاقة الائتمان، وتنقسم هذه الآراء إلى اتجاهين. كالآتي:

1. المطلب الأول: الاتجاه الأول لتحديد الطبيعة القانونية لبطاقات الائتمان

ويذهب هذا الاتجاه في تحديد الطبيعة القانونية لبطاقات الائتمان إلى تكييف كـل عقد من العقود التي يؤدي وجودها إلى وجود النظام القانوني لهذه البطاقات، وعلى وجه الخصوص العقد الذي يربط مصدر البطاقة بالحامل، والعقد الذي يـتم بـين مصدر البطاقة والتاجر، باعتبار أن هذين العقدين هما أساس نظام بطاقات الائتمان حيث يستقل كل عقد من هذين العقدين عن الآخر بطبيعته القانونية، لذلك سـوف نتناول تحديد الطبيعة القانونية لكل عقد من هذه العقود على النحو التالي:

1.1. الفرع الأول: الطبيعة القانونية للعقد الذي يربط بين مصدر البطاقة وحاملها

العقد الذي يربط بين مصدر البطاقة وحاملها هو عقد محـدد المـدة يـسمى بعقـد الانضمام[1]، تبرمه الجهة المصدرة للبطاقة مع أي شخص يريد ذلك ويتوافر على الشروط المطلوبة، فهي علاقة عقدية تنجز عنها التزامـات متقابلـة ينـصب موضوعها على التزام الجهة المصدرة بـضمان الوفـاء بمشتريات الحامل من خلال اعتماد مخصص له باعتبارها مدينة للتاجر، و بالمقابل يلتـزم الحامل بصفة أساسية بتحمل قيمة الفائدة ورسوم الاشتراك إضافة إلى ثمن مشترياته باعتباره مديناً للجهة المصدرة، وتنتهي هـذه العلاقـة ببلوغ الأجـل المتفق عليه. وتتميز العلاقة الناشئة عن استخدام بطاقة الائتمـان بالطـابع الرضـائي حيث يتولى الطرف الأول "الجهة المصدرة للبطاقة" إعداد عقد الانضمام ليعرض لاحقاً على الطرف الآخر والذي ينحصر دوره في مجرد قبول أو رفض الانضمام إليه، فينعقد العقد بمجرد ارتباط الإيجاب بالقبول عند تبادل الطرفين التعبير عن الإرادة بالشكل القانوني بما يحقق التطابق بين الإرادتين على وجه يجزم بوجود التراضي. وجرى العرف التجاري في عقود الإنضمام أن تعد الجهة المصدرة للبطاقة العقـد بكل شروطه وضوابط نفاذه وتخرجه في شكل "طلب" مطبوع وتضعه في متناول الجمهور ويتعين على الشخص الذي يرغب في الحصول على خدمات البطاقة أن يطّلع على الطلب ليدون عليه البيانات المتعلقة بشخصه كما تحددها الجهـة التـي أعدت العقد، ثم يوقعه بعد أن يكون قد أقر بعلمه وقناعته بالالتزامات التي يتحملها والحقوق التي يتمتع بها دون أن يكون له حق مناقشتها، وينعقد العقد بعـد ذلـك بمجرد موافقة الجهة مصدرة البطاقة على قبول هذا الطلب[2].

وقد اختلف الفقه في تحديد الطبيعة القانونية لعقود الإنضمام، حيث أنه انقسم إلى فريقين[3]: الفريق الأول ينكر صفة العقد لهذا النوع من العقود ويعتبره من عقود الإذعان، والفريق الثاني يعتبـره كأي عقد من العقود الرضائية.

أولا/ الفريق الأول: ويستند في رأيه إلى ما يشوب رضا حامل البطاقة من شبه إكراه باعتبار أنه لا يملك حق مناقشة شروط العقد، ناهيك عن عدم مـشاركته في إعداده، حيث ينحصر رضاه في قبول التعاقد أو رفضه فقط، وبالتالي فإن ما يسمى بالقبول أو الموافقة العامة التي تـصدر عـن حامل البطاقة ليس في حقيقته إلا رضا لإرادة الطرف الآخر الذي أعد العقد، ومن ثـم يكون رضا حامل البطاقة أي الطرف المذعن، رضا شكليا أو غيـر حقيقـي .

ثانيا/ الفريق الثاني: يستند هذا الفريق في رأيه على أن هذا العقد قد تم بين طرفين غير متساويين أين يهـيمن أحدهما على العقد، إلا أن ذلك لا ينفي في رأيهم أن العقد يتم بتوافـق تـام بـين إرادتين بصرف النظر عن محتوى كل منهما. وعلى ذلك يعد الرضا الصادر عن حامل البطاقة رضا حقيقيا وليس شكليا، لأنه تصرف إرادي سـليم يعبر عن قناعه حامل البطاقة والذي يرى أن من مصلحته أن يوافق على العقد دون مناقشة شروطه. ويرى أصحاب هذا الرأي أن عدم التساوي في المركز القانوني للطرفين في العقد ناتج عن وضع اقتصادي أو اجتماعي خارج العقد لكن ذلك لا يمنع القـول بقيـام العقد لأن وجود الرضا في العقد لا يفترض بالضرورة قيام تساوي فـي المركـز القانوني بين طرفيه أو توازن فعلي بين التزاماتهما، وإنما يقتـضي تـوافر إرادة حرة لكل منهما عند التعاقد بحيث يكون لكل منهما اختيار قبول أو رفـض العقـد وبهذا المفهوم يكون الرضا ثابت في العقد لأن الإرادة موجودة وقائمة لكـل مـن طرفيه، ويترتب على ذلك أن القول بان الطرف المذعن أجبر على الاختيار تحت وطأة حاجته إلى الخدمة التي يوفرها له الطرف الآخر الذي غالبـاً مـا يكـون محتكراً للخدمة، هو قول غير دقيق، لأن موافقة الحامل على التعاقد تحقـق لـه بطريقة ما العوض المادي الذي فقده من العقد.

وفي ظل عدم وجود تشريع مختص يضمن الحمايـة القانونيـة لطـرف التعاقـد الضعيف (حامل البطاقة) ضد أي من الشروط التعسفية التي قد يوافق عليها عنـد ملئه لطلب الحصول على البطاقة من الجهة المصدرة، نجد أن كثيراً من الـدول التي تتعامل ببطاقات الائتمان و التي لا تملك تشريعا ينظم العلاقة بين أطرافها، قد وفرت الحماية للطرف المذعن حامل البطاقة من خلال قواعد الحمايـة التقليديـة التي يوفرها القانون للمتعاقدين وذلك من خلال منح القاضي سلطة رفع التعـسف عن الطرف المذعن، وبالتالي يمكن لحامل البطاقة أن يطلب من القـضاة تعـديل الشروط التعسفية المجحفة بالنسبة له أو إعفائه من تنفيـذها أو استبعادها.



[1]- بيار آميل طوبيا، بطاقة الاعتماد و العلاقات التعاقدية المنبثقة عنها( دراسة تحليلية مقارنة على ضوء أحدث قرارات النقض الصادرة عن محكمة التمييز الفرنسية)، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2000 م، ص 42.

 

[2]- فداء يحيى احمد الحمود، النظام القانوني لبطاقة الائتمان، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان، الأردن، 1999 م، ص 38.

[3]- امجد حمدان عسكر الجهني، مرجع سابق، ص 55.

1.2. الفرع الثاني: الطبيعة القانونية للعقد الذي يربط مُصدر البطاقة والتاجر

هناك عقد ينظم العلاقة بين البنـك مـصدر البطاقة والتاجر الذي اشترى منه العميل حامل البطاقة، وهو عقد مستقل يبرم بين الطـرفين، ويطلق عليه أحياناً عقـد المورد وأحياناُ عقد التاجر[1]، ويلتزم البنـك مصدر البطاقة من خلاله بدفع ثمن المشتريات التي ورّدها التاجر للعميـل حامـل بطاقـة الائتمان مقابل عمولة. ولكي تشرع الجهة المصدرة للبطاقة في الإعلان عن طـرح خـدمات بطاقـات الائتمان فلا بد أن تكون قد دخلت في علاقة أو علاقات تعاقدية مع تاجر أو عـدد من التجار تضمن من خلالها حصول من تتعاقد معهم لاحقاً من أفراد أو هيئات على السلع أو الخدمات التي يرغبون بالحصول عليها من أولئك التجار، ولهذا تكون اتفاقيـة التـاجر هـي الأساس القانوني الأول في جعل بطاقة الائتمان وسيلة وفاء بالالتزام[2].

وبالتالي يمكن تعريف اتفاقية التاجر على أنها :عقد يلتزم بموجبه أحد الأطـراف وهو بنك في الغالب، بتسديد قيمة المشتريات والخدمات التي يقدمها الطرف الآخر وهو التاجر لمستخدم البطاقة الصادرة من الطرف الأول، مقابل أن يلتزم الطرف الآخر (التاجر) بقبول البطاقات الصادرة من الطـرف الأول (البنك) كوسـيلة وفـاء. وتتميز هذه الاتفاقية المبرمة بين المصدر للبطاقة والتاجر بعدة خصائص كغيرها من العقـود، وإن كانت من العقود غير المسماة لعدم وجود تنظيم تشريعي لها، وهذه الخصائص هي أنها:

  • من العقود الرضائية الملزمة للجانبين.
  •  كما انها من عقود المعاوضة.
  • تعتبر عقد مستقل بذاته.
  • من العقود الواردة على تقديم الخدمات.


[1]- سميحة القليوبي، الأوراق التجارية، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 1987 م، ص 311.

[2]- علي جمال الدين عوض، مرجع سابق، ص 432.

1.3. الفرع الثالث: الطبيعة القانونية للعقد الذي يربط بين حامل البطاقة والتاجر

تتحدد طبيعة العلاقة بين هذين الطرفين على حسب العقد الذي أبرم بينهما فهـو إما عقد بيع أو عقد تقديم خدمات ، محله الانتفاع بين الطرفين وهـو مستقل تماماً عن أي عقد آخر بين أشخاص بطاقة الائتمان. حيث يرى الفقه أنـه لا يؤثر فيه عقد الانضمام (المبرم بـين العميـل والبنـك) ولا عقـد التـاجر أو المورد (المبرم بين البنك وبين التاجر)، ولا توجد أي صعوبة في تكييف الطبيعة القانونية الناشئة عن هذه العلاقة لأنها تتحدد حسب طبيعـة العقـد المبـرم بـين الطرفين وما يرتبه من حقوق والتزامات على عاتق كل طرف منهما[1]. فمثلاً ان كانت العلاقة بين حامل البطاقة وبين التاجر هي عقد بيـع، فإنـه تنطبق بينهما كافة أحكام وشروط والتزامات عقد البيع الواردة في القانون المدني إلا في مسألة واحدة فقط هي طريقة دفع الثمن، حيث أن المشتري (حامل البطاقة) يتسلم الشيء المبيع من التاجر البائع، في حين أن هذا الأخير لا يقبض الثمن مباشرة من المشتري، بل يقبل بطاقة الائتمان كوسيلة دفع، أما الوفاء الفعلي فإنـه يتم من قِبل البنك مصدر البطاقة استناداً إلى العقد المبرم بين هـذا البنـك وبـين التاجر.



[1]- علي جمال الدين عوض، مرجع سابق، ص 432.

2. المطلب الثاني: الاتجاه الثاني لتحديد الطبيعة القانونية لبطاقات الائتمان

يرى الاتجاه الثاني أن محاولة الفقه التقليدي إدخال نظام بطاقات الائتمان تحـت القوالب التشريعية التقليدية يعتبر عقبة أمام التطور الذي تقوم عليـه المعـاملات التجارية التي لا تعرف الجمود، لذلك يرى هذا الاتجاه ضرورة التحليل القـانوني للأنظمة الحديثة ووضع الأنظمة القانونية الخاصة بها، ويتشكك هذا الاتجاه حـول مقدرة أي نظام قانوني أو تقليدي على احتواء نظام بطاقات الائتمان ويرى أن لها طبيعة خاصة[1].

يتـضح مما سبق أن جلّ المحاولات الفقهية والقضائية لتحديد الطبيعة القانونية لبطاقات الائتمـان لم تسلم من النقد، وذلك لكون هذه الوسيلة (بطاقات الائتمان) تعتبر وسيلة حديثة لا يمكن لأي قالب من القوالب القانونية التقليدية أن يفسر جميع العلاقـات القانونية المتشابكة الناتجة عنها، وذلك  نظراً لارتباطهـا بـالتطور الاقتـصادي والتكنولـوجي للمعاملات التجارية.

الا أنه يمكن القول بأن بطاقات الائتمان تتمتع بطبيعة خاصة، نظراً لتعدد أطرافها وتشابك العلاقات القانونية الناشئة عنها حيث تحكمها عقود متعددة ومستقلة عن بعضها البعض، مما يترتب على ذلك انعدام الترابط بينهما، لذ لا يمكن أن نخضعها لنظام قانوني واحد من الأنظمة التي حدد المشرع أحكامها، فيجب علينا أن ننظر إلى كل علاقة قانونية على حده ونجعل كل عقد يحكمه نظام قانوني خاص به، فالعقد المبرم بين البنك المصدر للبطاقة والحامل يطبق عليه أحكام الاعتماد المستندي لمنح الأخير ائتمان أو اعتماد مفتوح مع تسليمه بطاقة الائتمان التي تمكنه من استخدام هذا الاعتماد، أما العقد المبرم بين الحامل والتاجر يحكمه عقد البيع، والعقد المبرم بين التاجر والبنك تطبق عليه أحكام الوكالة أو الإنابة في الوفاء بدين الحامل باعتبار أن البنك نائباً عن الحامل في الوفاء بدينه للتاجر. وهذا يعني أن بطاقة الائتمان تتكون من عدة عقود مختلفة ولكنها مشتركة في الغرض أو الهدف من إبرامها وهو توفير أداة مصرفية الكترونية تحقق وظيفتي الوفاء والائتمان[2].

كما تجدر الاشارة الى أن معظم الدول العربية لا تملك تشريعاً خاصا بهذا النوع من البطاقات، وذلك لكون هذه الوسيلة  في كثير من الدول من الوسائل الحديثة ، لذلك كان من الضروري لمشرعي هذه الدول الانتظار حتى يستقر النظام القانوني لهذه البطاقات ومن ثم محاولة تطويعها لكي تتفق مع صيغ القوانين الموجودة عندهم، ومن ثم يمكـن وضـع نظـام تشريعي محدد يتصدى لهذا النوع المستجد من أدوات الائتمان.



[1]- نبيل محمد أحمد صبيح ، بعض الجوانب القانونية لبطاقات الوفاء و الائتمان المصرفية، مقال منشور في مجلة الحقوق، جامعة الكويت، العدد 01، مارس 2003 م، ص 262.

[2]- حسام باقر عبد الأمير، طاقات الائتمان المصرفية ، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد، العراق، 1999 م، ص 123.