2. الأغراض الحديثة للضبط الإداري

2.1. حماية البيئة من خلال حماية الآداب العامة

       بعدما توسع القضاء الإداري الفرنسي في تفسير النظام العام، وجعله تأثيرًا على النظام العام المادي ذي المظهر الخارجي، أصبح النظام الأ..... أما يسمى بالأخلاق العامة، هو الآخر يدخل في إطار النظام العام، حيث أصبحت الآداب العامة[1] عنصرًا جديدا في عناصر النظام العام التي تسعى سلطات الضبط الإداري إلى حمايتها[2].

-             وقد برر مجلس الدولة الفرنسي هذا التوجه من خلال أحكامه القضائية التي أصدرها والتي تضمنت أحقية سلطات وهيئات الضبط الإداري العام في التدخل لحماية الآداب العامة، حيث قضي بمشروعية قرار حظر عرض المطبوعات التي تقتصر على وصف الجرائم والفضائح والأمور المثيرة للغرائز، وكذا مشروعية قرارات عمدة مدينة نيس بشأن منع عرض بعض الأفلام التي تتنافى مع الآداب العامة في قضية (Lutitia)[3].

-             ولكن السؤال المطروح، ما علاقة حماية الضبط الإداري العام للآداب العامة في المجتمع مع حماية البيئة فيه؟

-                           لاشك أن التلوث المادي، الذي يعتري البيئة أو إحدى عناصرها، يؤدي إلى إفساد البيئة وتصبح عناصرها الملوثة مصدر ضرر للإنسان في صحته وسلامته وراحته، ونفس الحال بالنسبة للأفعال المنافسة للآداب العامة والأخلاق، فهي تعدّ نوعًا من أنواع التلوث الأدبي أو المعنوي لبيئة المجتمع ويجب حمايتها منه.

-             والأكثر من ذلك، قد تؤدي الأعمال المنافية للآداب العامة إلى تلوث البيئة وإفسادها بالمعنى المادي، فمثلا تفشي الدعارة في المجتمع من شأنه أن يؤثر على انتشار الأمراض وبالتالي الإضرار بالصحة العامة[4].

-             كما إن أعمال التلوث المادي، قد تنطوي هي الأخرى عن إنحراف أخلاقي ف..... النفايات الخطرة في أراضي الدول الفقيرة عمل يدل على انحراف أخلاقي، وربان السفينة الذي يحافظ على نظافة شواطئ دولته ويلقى بنفاياته الضارة على مقربة من شواطئ دولة أخرى لسبب في تلوث مياهها، يرتكب عملاً يتنافى مع قواعد الأخلاق والآداب العامة، وبالتالي فالعلاقة بين حماية الآداب العامة وحماية البيئة علاقة تبادلية وثيقة[5].

-             ورغم هذا، إلاّ أن حماية الضبط الإداري للآداب العامة يبقى حماية محدودة م...... بحماية العناصر الأخرى للنظام العام البيئي، ذلك أن أكثر مجال تتدخل فيه سلطات الضبط الإداري يتمثل في المظاهر المادية الخارجية المحسوسة دون المسائل الأخلاقية أو النفسية أو الأدبية ما لم تترجم إلى أعمال مادية تبرر تدخل هيئات الضبط الإداري.

-             ومع ذلك، تبدو أهمية حماية الآداب والأخلاق العامة لوقاية وصيانة البيئة من الأفعال التي تهدد صحتها وسلامتها، مما يتطلب وعيًا وثقافة وتربية بيئة تلقن في مختلف المراحل الدراسية وذلك أن الإلمام بالقضايا البيئية لا يعتبر ضرورة قصوى فقط بل منهجًا أخلاقيا وسلوكيا اتجاه البيئة[6].



[1] يقصد بالآداب العامة الأصول الأساسية للأخلاق في الجماعة، أي مجموع الأسس الأخلاقية الضرورية لكيان المجتمع وبقائه سليمًا من الإنحلال ولا يقصد منها كل الأخلاق وإنما تلك التي تعتبر لازمة لوجود الجماعة وتفرض على الجميع احترامها وعدم المساس بها أو الانتقاص منها. راجع: د. حسن كبيرة، المدخل إلى القانون، منشأة المعارف، الإسكندرية، د. س. ن، ص 51.

[2] ماجد راغب الحلو، المرجع السابق، ص40.

[3] اسماعيل نجم الدين زنكنة، المرجع السابق، ص287. تتلخص وقائع قضية (Lutitia) التي أصدر مجلس الدولة الفرنسي قراره فيها في 18/12/1959، بأن عميد نيس منع عرض 3 أفلام سنمائية حصلت ترخيص من الوزير المختص، وقد ....... في قرار العميد الشركة المنتجة للأفراد م على اعتبارها عاملة على ترخيص بالعرض من السلطات المركزية حيث ذهب مجلس الدولة الفرنسي إلى أن ممارسة سلطة الضبط من هيئة عليا لا يمنع تدخل سلطات الضبط المحلية (خاصة العمدة) إذا كانت الظروف المحلية تبرر اتخاذ إجراءات أكثر تشدداً من الإجراء الذي اتخذ للازمة برمتها، وقد حدد م الدولة سببين استند العمدة عليهما في قراراته، الأول: وجود تهديد مادي للنظام وهو تهديد بإشارة الشغب والمظاهرات المصحوبة بالعنف، أما السبب الثاني وهو تهديد الأخلاق العامية بالنظر إلى الجانب الأخلاقي الذي تعرضت الأفلام، مما يدل أخذ م الدولة الفرنسي الجانب الأخلاقي للنظام العام.

[4] اسماعيل نجم الدين زنكنه، المرجع السابق، ص288.

[5] عارف صالح مخلف، الإدارة البيئية الحماية الإدارية للبيئة، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، الأردن، 2009، ص250-251.

[6] المرجع نفسه، ص253.