مضمون المحاضرة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: مقياس الضبط الإداري البيئي
Livre: مضمون المحاضرة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Wednesday 24 April 2024, 08:49

Description

لا يمكن الإحاطة بمفهوم الضبط الإداري إلا بتحديد أهدافه، باعتبار أن الضبط قيد يرد على الحقوق والحريات والذي يمثل المجال الخصب للانحراف في استعمال السلطة لذا فلزاما علينا تحديد أغراضه، و يمكننا تقسيم أغراض الضبط الإداري غلى أغراض تقليدية

1. الأغراض التقليدية للضبط الإداري البيئي

تتفرع هذه الأغراض إلى ثلاث فئات 

1.1. الأمن البيئي العام

والمقصود هنا اتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها طمأنينة المواطنين على أنفسهم وأموالهم بما يحقق ا....... الأمن والنظام داخل المجتمع مثال ذلك تنظيم المرور ومنع الكوارث والحوادث سواء كانت بفعل الإنسان أو الطبيعة[1].

       وعلى ذلك فإنه يعتبر داخلا في مفهوم الأمن العام حماية البيئة التي يحيا فيها الإنسان عن طريق الوقاية من المخاطر والمشاكل التي تؤدي إلى تدهورها، واتخاذ ما يلزم من وسائل للحفاظ عليها وكذلك الحفاظ على الموارد الطبيعية من المخاطر التي تهددها.

       فحماية البيئة في جزء كبير منها هي حماية للأمن العام، حيث فرضت التطورات الحديثة على الإدارة التزاما بتحقيق الأمن في صورة المختلفة منها الأمن البيئي[2]، فهناك الكثير من المشروعات العملاقة مثل مصانع الاسمنت والحديد ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، ومشاريع الاتصالات، وغيرها، وهي مشروعات من شأنها إن يترتب عليها إضرار بيئية جسيمة، في حال عدم تقيدها بالاشتراطات والنظم البيئية المقررة مما سيؤدي في هذه الحالة إلى اضطراب الأمن العام في المجتمع[3] إلا أنه من خلال دراسات المردود البيئي تستطيع الجهات البيئية المعنية في الحد من المردودات البيئية السلبية لهذه المشروعات والتزامها بالتقييد بالخط البيئي الأمن المحدد لها.

       ويسعى الأمن البيئي إلى تحقيق أقصى حماية للبيئة بكافة جوانبها، ومنع أي تعد عليها قبل حدوثه منعا لوقوع الضرر من هذا الأخير، الذي قد لا يمكن تداركه وذلك عن طريق اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية سواء من خلال القوانين واللوائح التي تمنح التصرفات التي تؤدي إلى هذا الضرر أو باستخدام وسائل الملاحظة والمتابعة والقياس وضبط الفاعل وأدوات الجريمة، في حالة ارتكاب جرائم التعدي على البيئة من خلال تطبيق القوانين التي تعاقب على هذه الجرائم[4].



[1] مجدي مدحت النهري، مبادئ القانون الإداري، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000-2001، ص330.

[2] مصطلح الأمن البيئي مصطلح حديث نسبيًا ارتبط ظهوره بالتداعيات والحوداث البيئية التي كانت ساحة الخليج صرحًا لها أبان الحرب العرافية الإيرانية، ثم حرب تقرير الكويت عام 1991، فمن خلال دراسة الأثار الناجمة عن هذه التداعيات على البيئة أثبت التجارب على أرض الواقع لانعدام  الأمن تراجعت عن فكرة الهجمات العسكرية المساحة، لتبرز لنا مصدراً جديدًا من مصادر انعدام الأمن وهو الاعتداء على البيئة، وتهديد الأمن البيئي الذي يؤثر تأثيرًا مباشرًا على الثروات الطبيعية وصحة الإنسان، ومن ثم على المستوى الاقتصادي للدول للتفصيل راجع: طارق إبراهيم الدسوقي عطية، الأمن البيئي، المرجع السابق، ص ص 317-322. / وكاود فوستير، المرجع السابق، ص65.

[3] سليمان يونس الحبوني، الضبط الإداري البيئي، جامعة المنصورة، ص26.

[4] عبد الله جاد الرب أحمد، حماية البيئة من التلوث في القانون الإداري والفقه الإسلامي أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة اسيطو، 2009، ص 395-396.

1.2. السكينة البيئية العامة

       ويقصد بها تنظيم مظاهر الحياة في المجتمع بما يسمح للأفراد مباشرة نشاطهم دون ازعاج ضوضاء أو تعطيل، مثال ذلك[1]:

-                                            منع استخدام الأجهزة والمعدات التي تحدث ضوضاء تتجاوز المعدلات المشروع بها قانونا.

-                                            مكافحة الباعة المتجولين لتأثيرهم الضار على الصحة والنظافة العامة.

-                                            تنظيم استخدام الطرق العامة أو أرصفة الطرق.

       والواقع أن حماية البيئة من التلوث وثيق الصلة والمحافظة على السكينة العامة والهدوء العام كأحد عناصر النظام العام، وعليه من خلال دراسات تقييم المردود البيئي، تتمكن سلطات الضبط الإداري المعنية بحماية البيئة من وضع الاشتراطات الكفيلة بمنع الضوضاء وحماية الأفراد من الآثار الناجمة عن التلوث السمعي، ومن ثم توفير السكينة للمواطنين مما يؤدي إلى استناد الأمن والأمان في المجتمع[2].



[1] عبد القادر الشخيلي، حماية البيئة في ضوء الشريعة والقانون والإدارة والتربية والإعلام، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنا، 2010، ص196.

[2] سليمان يونس الحبوني، المرجع السابق، ص28.

1.3. الصحة البيئية العامة

      ويقصد بها الإجراءات التي تمارسها هيئات الضبط الإداري من أجل حماية المواطنين من الأمراض سواء للوقاية منها أو لمنع انتشارها[1].

      كذلك يقصد بها الإجراءات الكفيلة بالمحافظات على صحة الجمهور وحمايته من الأوبئة، وعلى الإدارة أن تتخذ كل الإحتياطات اللازمة الحفاظ على صحة المواطنين ووقايتهم شر الأمراض، من ذلك على سبيل المثال وجوب اتخاذ إجراءات ضابطة لرعاية نظافة الأماكن العامة والطرق، وكيفية التخلص من الفضلات وضرورة توفر شروط صحية معنية في العقارات وأماكن العمل وغيرها من المنشآت، وعمليات التطعيم اللازمة ضد الأمراض المعدية.

       كذلك يقصد بها في مجال الضبط الإداري الإجراءات التي تهدف إلى1:

-                                            تحقيق الوقاية من الأمراض ومنع انتشارها.

-                                            المحافظة على الصحة العامة مثل تنقية مياه الشرب من الجراثيم ... إلخ.

-                                            القضاء على كل ما من شأنه المساس بصحة الإنسان والحيوان.



[1] سليمان يونس الحبوني، المرجع السابق، ص29.

2. الأغراض الحديثة للضبط الإداري

إضافة للأغراض التقليدية للضبط الإداري البيئي اتجه البعض إلى خلق أغراض جديدة تتماشى وظروف المجتمعات الحديثة وتنوع نشاط الدولة واتساع مجالها والتي لها عالقة بحماية البيئة.

2.1. حماية البيئة من خلال حماية الآداب العامة

       بعدما توسع القضاء الإداري الفرنسي في تفسير النظام العام، وجعله تأثيرًا على النظام العام المادي ذي المظهر الخارجي، أصبح النظام الأ..... أما يسمى بالأخلاق العامة، هو الآخر يدخل في إطار النظام العام، حيث أصبحت الآداب العامة[1] عنصرًا جديدا في عناصر النظام العام التي تسعى سلطات الضبط الإداري إلى حمايتها[2].

-             وقد برر مجلس الدولة الفرنسي هذا التوجه من خلال أحكامه القضائية التي أصدرها والتي تضمنت أحقية سلطات وهيئات الضبط الإداري العام في التدخل لحماية الآداب العامة، حيث قضي بمشروعية قرار حظر عرض المطبوعات التي تقتصر على وصف الجرائم والفضائح والأمور المثيرة للغرائز، وكذا مشروعية قرارات عمدة مدينة نيس بشأن منع عرض بعض الأفلام التي تتنافى مع الآداب العامة في قضية (Lutitia)[3].

-             ولكن السؤال المطروح، ما علاقة حماية الضبط الإداري العام للآداب العامة في المجتمع مع حماية البيئة فيه؟

-                           لاشك أن التلوث المادي، الذي يعتري البيئة أو إحدى عناصرها، يؤدي إلى إفساد البيئة وتصبح عناصرها الملوثة مصدر ضرر للإنسان في صحته وسلامته وراحته، ونفس الحال بالنسبة للأفعال المنافسة للآداب العامة والأخلاق، فهي تعدّ نوعًا من أنواع التلوث الأدبي أو المعنوي لبيئة المجتمع ويجب حمايتها منه.

-             والأكثر من ذلك، قد تؤدي الأعمال المنافية للآداب العامة إلى تلوث البيئة وإفسادها بالمعنى المادي، فمثلا تفشي الدعارة في المجتمع من شأنه أن يؤثر على انتشار الأمراض وبالتالي الإضرار بالصحة العامة[4].

-             كما إن أعمال التلوث المادي، قد تنطوي هي الأخرى عن إنحراف أخلاقي ف..... النفايات الخطرة في أراضي الدول الفقيرة عمل يدل على انحراف أخلاقي، وربان السفينة الذي يحافظ على نظافة شواطئ دولته ويلقى بنفاياته الضارة على مقربة من شواطئ دولة أخرى لسبب في تلوث مياهها، يرتكب عملاً يتنافى مع قواعد الأخلاق والآداب العامة، وبالتالي فالعلاقة بين حماية الآداب العامة وحماية البيئة علاقة تبادلية وثيقة[5].

-             ورغم هذا، إلاّ أن حماية الضبط الإداري للآداب العامة يبقى حماية محدودة م...... بحماية العناصر الأخرى للنظام العام البيئي، ذلك أن أكثر مجال تتدخل فيه سلطات الضبط الإداري يتمثل في المظاهر المادية الخارجية المحسوسة دون المسائل الأخلاقية أو النفسية أو الأدبية ما لم تترجم إلى أعمال مادية تبرر تدخل هيئات الضبط الإداري.

-             ومع ذلك، تبدو أهمية حماية الآداب والأخلاق العامة لوقاية وصيانة البيئة من الأفعال التي تهدد صحتها وسلامتها، مما يتطلب وعيًا وثقافة وتربية بيئة تلقن في مختلف المراحل الدراسية وذلك أن الإلمام بالقضايا البيئية لا يعتبر ضرورة قصوى فقط بل منهجًا أخلاقيا وسلوكيا اتجاه البيئة[6].



[1] يقصد بالآداب العامة الأصول الأساسية للأخلاق في الجماعة، أي مجموع الأسس الأخلاقية الضرورية لكيان المجتمع وبقائه سليمًا من الإنحلال ولا يقصد منها كل الأخلاق وإنما تلك التي تعتبر لازمة لوجود الجماعة وتفرض على الجميع احترامها وعدم المساس بها أو الانتقاص منها. راجع: د. حسن كبيرة، المدخل إلى القانون، منشأة المعارف، الإسكندرية، د. س. ن، ص 51.

[2] ماجد راغب الحلو، المرجع السابق، ص40.

[3] اسماعيل نجم الدين زنكنة، المرجع السابق، ص287. تتلخص وقائع قضية (Lutitia) التي أصدر مجلس الدولة الفرنسي قراره فيها في 18/12/1959، بأن عميد نيس منع عرض 3 أفلام سنمائية حصلت ترخيص من الوزير المختص، وقد ....... في قرار العميد الشركة المنتجة للأفراد م على اعتبارها عاملة على ترخيص بالعرض من السلطات المركزية حيث ذهب مجلس الدولة الفرنسي إلى أن ممارسة سلطة الضبط من هيئة عليا لا يمنع تدخل سلطات الضبط المحلية (خاصة العمدة) إذا كانت الظروف المحلية تبرر اتخاذ إجراءات أكثر تشدداً من الإجراء الذي اتخذ للازمة برمتها، وقد حدد م الدولة سببين استند العمدة عليهما في قراراته، الأول: وجود تهديد مادي للنظام وهو تهديد بإشارة الشغب والمظاهرات المصحوبة بالعنف، أما السبب الثاني وهو تهديد الأخلاق العامية بالنظر إلى الجانب الأخلاقي الذي تعرضت الأفلام، مما يدل أخذ م الدولة الفرنسي الجانب الأخلاقي للنظام العام.

[4] اسماعيل نجم الدين زنكنه، المرجع السابق، ص288.

[5] عارف صالح مخلف، الإدارة البيئية الحماية الإدارية للبيئة، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، الأردن، 2009، ص250-251.

[6] المرجع نفسه، ص253.

2.2. حماية البيئة من خلال حماية الرونق والرواء

ذهب مجلس الدولة الفرنسي في الرقابة على أعمال هيئات الضبط الإداري إلى أبعد من الأغراض التقليدية السابق ذكرها، حيث عدّ القيمة الجمالية للمدن هدفا من أهداف الضبط الإداري العام، ففي حكم به في 9 أكتوبر 1936 صرّح بأنه صحية صلاحيات سلطات الضبط الإداري حماية القيم الجمالية، حيث جاء في الحكم بأنه: «من حيث إن نص المادة 18 والمدراء اللاحقة من قانون 29 تموز 1881 بشأن حرية لصق توزيع المحررات في الطرق العامة، فليس ثمة ما يمنع رجال الضبط من أن تتخذ وطبقا للسلطة العامة التدابير التي تقتضيها صيانة الأمن والسكينة والصحة العامة والقيم الجمالية»[1].

ومن ذلك التطور القضائي أصبح الضبط الإداري العام يشمل في أغراض حماية جمال الرونق والرواد[2]، ولكن التساؤل المطروح: ما علاقة جمال الرونق والرواد كغرض الضبط الإداري بحماية البيئة؟

إن المظهر الحسن هو المظهر الجمالي الشارع والأحياء السكنية التي يستمتع المارة برؤيتها المسرة للنظر، والتي يجب المحافظة عليها من خلال ممارسات ترسيم المباني القديمة، وتزيين تقاطعات الطرق، والاهتمام بزراعة الميادين والطرق، ونظافة المساحات الخضراء ونشر عدد كبير منها ومن الحدائق[3]، وبلاشك أن هذه الأعمال تدخل في أبجديات حماية البيئة وتحسينها.

 



[1] حيثيات هذا الحكم في أن مدير ضبط السين أصدر لائحة ضبطية تحظر توزيع المنشورات على المارة في الطرق العامة، خشبية إلقائها بعد تصفحها، فيشوه رونقها وينقص جمال روائها، وقد طعن اتحاد نقابات المطابع والنشر بباريس في هذه الملائمة مطالبا بالغائها لتجاوزها الأغراض المجدية لنشاط هيئات الضبط الإداري، فأصدر مجلس الدولة الفرنسي حكمة الذي اعترف لهذه الهيئات بصلاحيتها في إصدار مثل هذه اللوائح التي تهدف إلى حماية منظر الطرقات وحسن رونق الأحياء السكينة.

عبد الرؤوف هاشم بسيوفي، نظرية الضبط الإداري في النظم الوضعية المعاصرة والشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، الإسكندرية، 2008، ص94.

[2]

[3] اسماعيل نجم الدين زنكنة، المرجع السابق، ص289.