2. النظرية البيروقراطية

المبحث الثاني: النظرية البيروقراطية

تعتبر نظرية البيروقراطية كما وصفها ماكس فيبر هي البداية لنظرية التنظيم العلمية، وقد هدف فيبر من نظريته عن البيروقراطية إلى وصف الجهاز الإداري للتنظيمات وكيف يؤثر على الأدء والسلوك التنظيمي.

وكان فيبر يقصد بتعبير البيروقراطية أن يصف النموذج المثالي Ideal Type للتنظيم والذي يقوم على اساس من التقسيم الاداري والعمل المكتبي.

ويعتبر مفهوم البيروقراطية من المفاهيم الغامضة نسبياً لما تتضمنه من معان متعددة، وفق الهدف من استعماله، وذلك أن مصطلح البيروقراطية Bureaucracy يتكون من كلمتين Bureau بمعنى مكتب و Cracy بمعنى حكم، والكلمة في مجموعها تعني سلطة المكتب أو حكم المكتب، وبعبارة أخرى فإن البيروقراطية تعني أسلوب ممارسة العمل الإداري من خلال التنظيم المكتبي الذي يكتسب سلطته من خلال هذا التنظيم، ومن جهة أخرى، فإن كلمة Bureaucrats تعني الموظفين المكتبيين، أي الذين يعملون في الوظائف المكتبية والإدارية في المكاتب الحكومية. وتتعدد معاني المفهوم في الاستعمالات التي شاع فيها, فعلى سبيل المثال

- قد تعني البيروقراطية تنظيما إداريا ضخماً يتسم بخصائص ومميزات معينة.

- وقد تعني مجموعه الإجراءات التي يجب إتباعها في مباشرة العمل الحكومي بصورة عامة داخل المكاتب أو التنظيمات الإدارية.

- وقد تستعمل البيروقراطية السلطة التي يمارسها الموظف العام، أو التنظيم الإداري الحكومي.
-
وقد تعني البيروقراطية الدور Role الذي يمارسه الموظفون العموميون في إطار النظام السياسي وذلك لتنفيذ السياسة العامة في الدولة.

-يمكن النظر إلى البيروقراطية من خلال خصائص بناء التنظيم على أساس أنها مرادفة لمفهوم بناء السلطة الهرمية Hierarchical في التنظيم الإداري والذي يتحقق فيه تقسيم واضح للعمل.
-
هناك اتجاه يقول بأن البيروقراطية نمط معين من السلوك الذي يعتمد على القواعد Rules والإجراءات المحددة سلفاً.

- قد تتحدد فكرة البيروقراطية على أساس أنها تعني ذلك التنظيم الذي يحقق أكبر قدر من الكفاية في الإدارة وفي تحديد الوسائل التي تحكم التنظيم الاجتماعي بدقة.

- قد يعني مفهوم البيروقراطية معنى آخر يتسم بالسلبية حيث تعتبر البيروقراطية مصدراً للروتين وتعقيد الإجراءات وصعوبة التعامل مع الجماهير.

- ونحن نرى أن البيروقراطية تعني ذلك التنظيم الإداري الضخم الذي يتسم بتقسيم الأعمال وتوزيعها في شكل واجبات رسمية محددة على الوظائف، حيث يتم تنظيم العلاقات والسلطان بينها بأسلوب هرمي لتحقيق أكبر قدر من الكفاية الإدارية لإنجاز أهداف التنظيم.

والبيروقراطية كتنظيم إداري ضحم ترجع في نشأتها التاريخية إلى تواجد أقدم حكومة عرفها التاريخ في الحضارات القديمة، منذ الحضارة المصرية القديمة، حيث شهدة الإدارة المصرية القديمة خاصة في الفترة مابين ( 2900 – 2475 ق.م) تنظيما وتنسيقاً للجهاز الحكومي على درجة عالية من الكفاءة يدل على مدى تقدم الإدارة آنذاك.

وفي عهد الإمبراطور شن الكبير الذي يرجع تاريخه إلى عام 2200ق.م. كانت الإدارة في الصين القديمة على مستوى عالي من التنظيم الحكومي. وفي فترة ما بعد القرن السابع قبل الميلاد، شهدت الإدارة الصينية، في عهد كونفوشيوس وغيره من فلاسفة الصين، أستقراراً سياسياً واجتماعياً وإدارياً نتيجة لتطبيق القوانين، ونتيجة لتطبيق نظم الامتحانات في شغل الوظائف الإدارية.

ولقد عرفت الإدارة اليونانية القديمة بعض المبادئ الإدارية مثل مبدأ دوران الوظيفة كما عرفت مبدأ الخدمة العامة والذي يتمثل في التأكيد على أن المصلحة العامة تسمو على المصالح الشخصية، وهو مايعتبر من الخصائص المميزة للسلوك الإداري الجيد في ا لبيروقراطيات الحديثة.
وقد عرفت الإدارة الرومانية القديمة، خاصة، في الفترة مابين عام 500 ق.م. وحتى عام 14 ميلادية الكثير من التطورات التي كان لها الأثر الكبير في تنظيم الجهاز الحكومي تأثرت بها الإدارات الأوربية فيما بعد.

ولقد شهدت الحضارة الإسلامية الكثير من الممارسات الإدارية المتقدمة مثل اختيار الأفراد للوظائف العامة على أساس مبدأ الجدارة، كما فرقت بين عمالة (التفويض) وعمالة (التنفيذ) وهذه التفرقة هي التي عرفتها الإدارة الحديثة بصورة التفرقة بين الوظائف الاستشارية والوظائف التنفيذية.
كذلك عرفت الإدارة الإسلامية مبدأ تفويض السلطة وتقسيم العمل، كما طبقت مبدأ الشورى في نظم الحكم والإدارة.

مما سبق، يتضح لنا أن ظاهرة البيروقراطية قد تعلقت أساساً ، وفق نشأتها التاريخية وظاهرة هذه النشأة ونموها وأسبابها بالوظيفة العامة والإدارة الحكومية.

بيد أن البيروقراطية كموضوع يستثير عمة العلماء ارتبط بعالم الاجتماعي الألماني (ماكس فيبر 1864م - 1920م) والتي أثارت كتاباته عن البيروقراطية العديد من التعليات والمزيد من الأبحاث والدراسات.

دراسات ماكس فيبر

يكاد جميع الباحثون في العلوم الإدارية على أن أهم الدراسات التي أسهم بها ماكس فيبر، فيما يتعلق بالدراسات التنظيمية والإدارية، هي كتاباته الخاصة بنظرية السلطة هذه الدراسات قادته إلى تحليل كثير من التنظيمات وأساليب وانسباب خطوط السلطة داخل هذه التنظيمات، وهذه الدراسات كانت تدور في نطاق اهتماماته الأساسية التي توضح لماذا يطيع الأفراد الأوامر التي تصدر اليهم ؟ ... ولماذا يقوم الأشخاص بأداء الأعمال وفقاً للتعليمات التي تنساب إليهم في حدود الأوامر المشددة والتي تتلخص في مفهوم "إصدع بما تؤمر" وقد قام في هذه الدراسة بتوضيح أسلوب إكساب الشرعية لممارسة السلطة داخل هذه التنظيمات وقسمها إلى ثلاثة أنواع.

النوع الأول : السلطة البطولية

النوع الثاني : السلطة التقليدية

النوع الثالث : السلطة القانونية الرشيدة.

وقد أوضح في دراساته الفرق بين هذه الأنواع، مع أعترافه بأن هذه الأنواع الثلاثة يمكن أن يتضمنها تنظيم واحد.

كما أوضح في دراسته، أن النوع الأول يمارس السلطة من خلال المواصفات الشخصية التي يتحلى بها القائد، ولذلك استخدم كلمة Charism وهي مقتبسة من اللغة اليونانية والتي توضح مدى تحلى الإنسان بمواصفات غير عادية، وتمكنه من ممارسة سلطاته بالأسلوب الذي يحقق له قدراً هائلا من ضبط النفس، وطاقة استثنائية في ممارسة هذه السلطة في التأثير على العاملين معه بحيث يتقبلون هذه التعليمات أو هذه التوجيهات برحابة صدر ورضي كامل. وقد أدى هذا إلى اتجاه عدد من العلماء والمفكرين الذين تأثروا بدراسات ماكس فيبر إلى البحث عن سمات وصفات هؤلاء القادة.
أما فيما يتعلق بالنوع الثاني القائم على " العلاقات التقليدية" فإن القائد يمارس سلطته من خلال موقعة في التنظيم. وكثيراً ما يمارس مثل هذه القائد سلطته من خلال العادات والتقاليد المتوازنة، وقد ضرب ماس فيبر في بحوثه الكثير من الأمثلة التي توضح هذه الأسلوب، ومن بينها الأساليب التي أدار بها الإقطاعيون ممتلكاتهم ومنشآتهم الواسعة، وأوضح أن المراكز الإدارية كانت تنتقل بالوراثة من الأب إلى الإبن.

أما النوع الثالث، وهو ترشيد العلاقات القانونية داخل المنشآت والوحدات من خلال الشكل البيروقراطي للتنظيم وهو التنظيم الذي يوجد في المنشآت الحديثة، ويرى فيبر أن هذه التعبير يتفق مع التطور الذي وصلت إليه مختلف الوحدات في المجتمعات المعاصرة، ذلك أن الشرعية أو قانونية السلطة يمارسها القائد من خلال مجموعة من القواعد والإجراءات. هذه القواعد والإجراءات هي التي تكسبه شرعية ممارسة السلطة في الموقع الذي يتواجد فيه أثناء الفترة الزمنية التي يصدر فيها تعليماته ويمارس فيها سلطاته، وهذه المجموعة من القواعد والإجراءات التي تمارس من خلال المراكز التي تشغلها المستويات الإدارية المختلفة في التنظيمات الضخمة والحديثة، وهي التي أطلق عليها ماس فيبر كلمة بيروقراطية.

ويلاحظ عند الإطلاع على بحوث ودراسات ماكس فيبر أنه كان يهدف إلى تحقيق تنظيم على أعلى قدر ، ويسمح هذا النظام للعاملين أو المرؤوسين بأن يتظلموا من قرارات أحد الرؤساء إلى المستوى الإداري الأعلى منه بطريقة منظمة ومحددة، ويسود هذا التنظيم الهرمي أشكال التنظيمات الضخمة كافة، العامة والخاصة على حد السواء.

6 - تعتمد إدارة التنظيم البيروقراطي على المستندات وبالتالي يوجد جهاز من الموظفين والكتبة مهمتهم الاحتفاظ بالوثائق والمستندات، وعلى هذا الأساس يرى فيبر أن مجموعة العاملين بقسم معين وما يستخدمونه من معدات ووثائق (ملفات) يكونون مكتباً.

7- يفصل التنظيم البيروقراطي المكتب عن النشاط الخاص للموظف، بمعنى أن العمل البيروقراطي يجب أن ينفصل ويبتعد عن حياة الموظف الخاصة، وعلى هذا الأساس فإن الأموال العامة والمعدات الخاصة بالتنظيم يجب أن تُفصل تماما عن الملكية الشخصية للموظف.

8 - إن الإدارة المكتبية تحتاج إلى خبرة ومران وتدريب، ومن ناحية أخرى فحين يكتمل التنظيم فإنه يتطلب عادة كل نشاط وجهد الموظف حتى ولو كانت ساعات عملة محددة بمعنى أن العمل الرسمي يأتي في المقام الأول بالنسبة لوقت الموظف ولا يمكن تأخيره لأداء أعمال خاصة.

9 - تطبق الإدارة في هذه المنظمات قواعد وتعليمات للعمل وتتصف بالشمول والعمومية والثبات النسبي، كذلك تستخدم الإدارة أنواع القواعد والتعليمات التي يمكن للموظف تعلمها وفهمها، كلما زاد فهم الموظف لتلك القواعد والإجراءات كلما ارتفعت خبرته وكفاءته.

وتلك هي خصائص التنظيم البيروقراطي كما رسمها ماس فيبر في أوائل هذا القرن وتدل على اهتمامه بتقديم نظرية مثالية تحدد نمط العمل والسلوك الواجب في التنظيم المثالي.

ومن ثم، فإن ماكس فيبر يقصد بالبيروقراطية وصف التنظيم الإداري الضخم وما يتضمنه من قواعد وتأثيره في الإدارة والسلوك التنظيمي، كل ذلك في إطار ما يجب أن يكون، كما يعدد مزايا كثيرة للتنظيم البيروقراطي، أهمها: السرعة، الانضباط، الاستقرار ، الاستمرارية، الدقة في تطبيق مبدأ التخصص، تقسم العمل، المعرفة في مسائل المستندات، الوضوح التام في خطوط السلطة وتسلسلها الهرمي، الخضوع الكامل للرؤساء، تخفيض الاحتكاك بين الأفراد وتخفيض التكلفة الإنسانية والاقتصادية للعمل.

مما سبق، يتضح أن تفكير ماكس فيبر عن البيروقراطية يختلف تماماً عن المفاهيم الشائعة عنها والتي تربط بينها وبين انخفاض الكفاءة، وتعقيد الإجراءات في الأجهزة الحكومية وصعوبة التعامل مع