2. المحور الثاني: التحكيم كآلية لتسوية منازعات الصفقات العمومية

2.1. الجزء الأول: مفهوم التحكيم

الفرع الأول: تعريف التحكيم وخصائصه 

أولا: تعريف التحكيم: التحكيم هو الاتفاق على طرح النزاع على محكم أو أكثر ليفصلوا فيه بدلا من المحكمة المختصة به، والاتفاق على التحكيم في نزاع معين يسمى مشارطة التحكيم أو اتفاق التحكيم أو العقد التحكيمي". 

بالاستناد إلى التعاريف السابقة يتبين أن للتحكيم عناصر هي: 

1- إحالة النزاع على طرف ثالث من غير القضاء يسمى المحكم للفصل فيه بحكم أو بقرار حاسم وملزم للأطراف.

2- وجود محكمة تحكيم مشكلة لهذا الغرض حسب الاتفاق المبرم بينهم.

3- محل التحكيم هو الفصل في النزاع القائم أو المحتمل بين الخصوم بقرار نهائي ملزم. فالتحكيم يقوم أساسا على الإرادة الحرة لأطراف التي تحكم كافة جوانب اتفاق التحكيم، وبالتالي فهو وسيلة رضائية اختيارية لا ينعقد إلا برضى كافة الأطراف على أسلوبه وإجراءاته وموضوعه والقانون الواجب التطبيق[1].

ثانيا: خصائص التحكيم: يمتاز التحكيم بالخصائص التالية:

1- بساطة الإجراءات: حيث نجد أن هيئة التحكيم تتمتع بحرية واسعة أوسع من القضاء الوطني في كل ما يتعلق بإجراءات التقاضي، مثل التبليغات وإدارة الجلسات وتنظيمها. فهي تبعد ما أمكن عن الإجراءات الشكلية التي عادة ما تكون أمام القضاء طويلة ومملة ولا فائدة منها سوى التقيد بحرفية النصوص القانونية الخاصة بالإجراءات وذلك على حساب موضوع وجوهر النزاع والنتيجة الطبيعية أن يصدر قرار التحكيم خلال وقت أقصر بشطل ملموس فيما لو عرض النزاع ذاته على القضاء[2].

2- سرية التحكيم: يمكن التحكيم للأطراف المحافظة على أسرارهم التي تكون لهم مصلحة كبيرة في عدم إذاعتها وشيوعها، ولما ألزم القانون المحكم بكتمان السر المهني فذلك إشارة تدل دلالة واضحة على أن الاخلال من جانب المحكم بهذا الالتزام القانوني يعرضه للعقوبة إلا أن تدخل القضاء الوطني من أجل النظر في الطعن ببطلان الحكم التحكيمي أمام محكمة الاستئناف قد يحد نسبيا من السرية التي يتوخاها الطرفان من خلال ما تتميز به إجراءات التقاضي من علنية الجلسات.

  3- اختيار أطراف النزاع لمحكمهم: هذه الميزة ينفرد بها التحكيم لأن حالة اللجوء إلى القضاء لا يمكن لأطراف اختيار قاضيهم، وهو ما يولد الثقة في هؤلاء المحكمين الذين وقع عليهم الاختيار ولاسيما إذا كان النزاع متعلقا بمسائل فنية يصعب على القاضي الفصل فيها دون إحالتها على خبير في الموضوع الذي يستغرق وقتا طويلا، ناهيك عن إجهادهم ماليا.

الفرع الثاني: أنواع التحكيم

يتنوع التحكيم بحسب المعيار الذي اعتمده الفقه، إلى الأنواع التالية:

أولا: من حيث حرية اتجاه إرادة الأطراف: حسب هذا المعيار ينقسم التحكيم إلى قسمين أو نوعين: تحكيم إجباري وتحكيم اختياري.

أ- التحكيم الاختياري: يعرف على أنه توافق إرادة ذووا الشأن على عرض النزاع القائم بينهم أو المحتمل على فرد أو أفراد عاديين يختارون للفصل وفقا للنظام أو وفقا لقواعد العدالة دون عرضه على قضاة الدولة[3].

ب- التحكيم الإجباري: هو التحكيم الذي يفرضه المشرع على الخصوم لتسوية بعض المنازعات لطبيعتها الخاصة، بحيث لا يستطيع الخصوم الجوء غلى القضاء لتسوية تلك المنازعات، وفي التحكيم الاجباري قد يكتفي المشرع بغرض التحكيم تاركا للخصوم الحرية في اختيار المحكم وتعيين إجراءات التحكيم، وقد لا يكفي المشرع بهذا القدر من التدخل فيضع تنظيما كاملا لاجراءات التحكيم، حيث لا يكون لإرادة الخصوم أي دور في هذا الشأن.

ثانيا: من حيث الجهة التي تقوم به: ينقسم التحكيم إلى:

أ- التحكيم الحر: وفيه تنعقد المحكمة لحسم نزاع معين أي في حالات فردية وتقتضي بعدها مهمة المحكم، وبحسب طبيعته يتولى أطراف النزاع تنظيم عملية التحكيم منذ بدايتها إلى صدور حكم التحكيم. حيث يحدد فيه الخصوم المهل والمواعيد بأنفسهم ويعينون المحكمين ويقومون بعزلهم وردهم وتحديد إجرات الدعوى التحكيمية.

ب- التحكيم المؤسسي: هو التحكيم الذي تتولاه مراكز ومنظمات وغرف التحكيم الدائمة لتمارس نشاطها التحكمي على كافة المستويات الوطنية والاقليمية والدولية، هذه المراكز لها قواعدها الخاصة بها، فعندما يلجأ إليها الأطراف فإنهم يكونون قد ارتضوا بإرادتهم الخضوع لتلك القواعد وكأنها قد أصبحت جزء من اتفاقهم، فالعبرة هنا بوجود مؤسسة التحكيم[4].

ثالثا: من حيث القانون الواجب التطبيق: حسب هذا المعيار ينقسم التحكيم إلى نوعين:

أ- التحكيم بالقانون: ويسمى كذلك بالتحكيم البسيط وهو التحكيم الذي يستند المحكم في اصداره إلى قواعد القانون، بمعناه الواسع الذي يشمل جميع القواعد القانونية مكتوبة كانت أن غير مكتوبة كالمبادئ العامة للقانون والقواعد العرفية.

ب- التحكيم مع تفويض بالصلح: الأصل في التحكيم أنه تحكيم عادي "تحكيم بالقانون" ولا ينصرف إلى التحكيم بالصلح إلا إذا نص على ذلك فلا يصح اعتبار التحكيم بالصلح إلا إذا وضحت إرادة الخصوم وضوحا تاما وصريحا، وكانت ترمي إلى هذا، ويجب أن تفسر إرادتهم بالحيطة والحذر وعدم التوسع رعاية لذات حقوقهم.

4- من حيث النطاق الجغرافي: ينقسم التحكيم وفقا لهذا المعيار إلى:

أ- التحكيم الداخلي: ويسمى كذلك التحكيم الوطني الذي يخضع لتنظيم قانوني مختلف عن التحكيم التجاري الدولي، مصدره قواعد قانونية موضوعية وإجرائية سنها المشرع الوطني.

هذا النوع يتعلق بنزاع ترتبط كافة عناصره بإقليم الدولة، فهو لا يتضمن أي عنصر أجنبي، فأطرافه مواطنون وموضوعه يتعلق بنزاع داخلي بحت ومكان التحكيم يكون في الدولة التي ينتمي إليها الخصوم بجنسيتهم والتي يرتبط بها النزاع برابطة وثيقة.

ب- التحكيم الخارجي: يعد التحكيم دوليا إذا كان يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح القضائية لدولتين على الأقل.



[1] - بوصنوبرة خليل، القرار التحكيمي وطرق الطعن فيه وفقا للقانون الجزائري، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة قسنطينة، 2007/2008، ص.16. أنظر أيضا:

- David renders; Pierre Delvolvé; et thiery Tanquerel, L'arbitrage en droit public,Bruylant, Bruxelles, 2010, p.201. 

[2] - مناني فراح، التحكيم طريق بديل لحل النزاعات، (حسب آخر تعديل لقانون الإجراءات المدنية والإدارية)، دار الهدى، الجزائر، 2010، ص.17.

[3] - بولقواس سناء، الطرق البديلة لحل المنازعات الإدارية ذات الطابع الدولي، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، باتنة، 2011، ص.24.

[4] - الضراسي عبد الباسط محمد عبد الواسع، النظام القانوني لاتفاق التحكيم، دراسة تحليلية مقارنة، الطبعة 1، المكتب الجامعي الحديث للنشر، الاسكندرية، 2008، ص.18.