القسم الثالث: آليات التسوية الودية في إطار قانون الإجراءات المدنية والإدارية

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: منازعات الصفقات العمومية
كتاب: القسم الثالث: آليات التسوية الودية في إطار قانون الإجراءات المدنية والإدارية
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Thursday، 2 May 2024، 11:43 PM

الوصف

فرض التزايد المضطرد لحجم القضايا أمام القضاء وتعقيدها المستمر، وتكاثر الطعون التي رسمها القانون من أجل حماية الأفراد ومصالحهم، على المشرع إيجاد حلول قانونية وضع آليات من شأنها فض منازعات الخصوم أمام العدالة بأيسر الإجراءات وبأقل التكاليف، وفي وقت قصير ومعلوم تحقيقا وتدعيما لعدالة المنشودة بين الأفراد والجماعات.

ومن بين الوسائل التي نص عليها المشرع في قانون الإجراءات المدنية والإدارية بغرض المساهمة في تخفيف الضغط على الجهات القضائية واعتبرها حلولا بديلة لفض النزاعات، هي: التحكيم، الصلح، والوساطة. لكن هذه الحلول لا تعني ابدا تخلي الدولة عن ممارسة سلطاتها الدستورية في إصدار الأحكام، وحماية الأفراد، لذلك فقد نظم القانون بكيفية دقيقة اللجوء إلى هذه الطرق البديلة التي تم تحت رقابة القاضي.

وقد نص المشرع على هذه الوسائل البديلة لحل النزاعات في الكتاب الرابع من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، غير أنه خص الكتاب الخامس منه على الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية، حيث نص على الصلح والتحكيم لحل المنازعات الإدارية إجمالا، ولكنه لم يدرج الوساطة ضمن هذه الوسائل وهو ما يجعلنا نتساءل، هل تجوز الوساطة في منازعات الصفقات العمومية، وما مدى نجاعة هذه الآليات في تسوية المنازعات التي تثور عند تنفيذ الصفقات العمومية؟.

1. المحور الأول: الصلح القضائي كآلية لتسوية منازعات الصفقات العمومية

اعتبر المشرع إجراء الصلح من بين إحدى الطرق البديلة لتسوية النزاعات، كما جعله مبدأ إجرائيا يجوز للقاضي إجراؤه بين الخصوم أثناء سير الخصومة في أي نزاع قائم، وهو ما نصت عليه المادة 4 من ق إ م إ.

أما في إطار المنازعة الإدارية فقد أجازت المادة 970 ق إ م إ إجراء الصلح في مادة القضاء الكامل، وفي أي مرحلة تكون عليها الخصومة. ويتم ذلك إما بسعي من الخصوم أو بمبادرة من رئيس تشكيلة الحكم، وذلك بعد موافقة الخصوم، وينتهي الصلح بتحرير محضر يدون فيه ما تم الإتفاق عليه، ويؤدي الصلح إلى انهاء النزاع، ويكون الأمر غير قابل لأي طعن.

ويهدف الصلح إلى قطع النزاع وديا بناء على إرادة الأطراف، ويرى جانب من الفقه الفرنسي أن عقد الصلح يتضمن مجموعة من الأحكام المختلطة، فهو منصوص عليه في القانون المدني الذي بين النظام القانوني لصلح، من تعريف وتحديد لطبيعته، بينما يتولى قانون الإجراءات المدنية بيان الإجراءات المتبعة فيه.

1.1. الجزء الأول: مفهوم الصلح

الفرع 1: تعريف الصلح 

 عرف التقنين المدني الجزائري الصلح في المادة 459 بأنه: "عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا، وذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن ححقه".

وعرف الفقه الصلح بأنه عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو محتملا وذلك من خلال التنازل المتبادل.

كما يعرف أيضا بأنه اتفاق حول حق متنازع فيه بين شخصي بمقتضاه يتنازل أحدهم عن إدعائه مقابل تنازل الآخر عن إدعائه أو مقابل أداء شيء ما.

الفرع 2: خصائص الصلح

من خلال هذه التعريفات يمكن أن نخلص أن الصلح يمتاز بخصائص تميزه عن بعض المصطلحات، والمتمثلة في:

1- أن الصلح من عقود المعاوضة، لأن فيه تنازل طرف لآخر جزء من حقوقه التي يدعيها، مقابل نزول المتعاقد الآخر عن جزء ما يدعيه كذلك.

2- أن الصلح عقد ملزم لجانبين، حيث يلتزم كل طرف فيه اتجاه الآخر بالتنازل عما يدعيه، فلا يقوم عقد الصلح دون تنازل.

3- أن الصلح قد يكون عقدا محددا أو احتماليا وذلك بحسب تعيين أو عدم تعيين العوض الذي يناله كل طرف، فهذا صلحا محددا، أما إذا لم يحد العوض كنا أمام صلح احتمالي.

4- أن الصلح عقد رضائي لا يشترط فيه القانون شكلا خاصا، بل العقد يعد قائما بمجرد تبادل ارادتين متقابلتين بالإيجاب والقبول. وبالتالي فهو يثبت بالكتابة أو بغيرها من وسائل الإثبات.

الفرع 3: تمييز الصلح عن غيره من المفاهيم.

قد يتشابه الصلح ببعض المفاهيم والمصطلحات وقد يختلف معها، ومن هذه المصطلحات التحكيم، الوساطة، الصلح غير القضائي، التظلم الإداري، وترك الخصومة.

 1: تمييز الصلح عن التحكيم:

يتفق الصلح مع التحكيم في أن كل منهما يستند إلى الإرادات الخاصة، وكلاهما يؤدي إلى حسم النزاع، ويستندان إلى عقد يبرمه أطراف النزاع، فأساس كل منهما تصرف قانوني، فعقد اصلح هو أساس العمل التصالحي وعقد التحكيم هو أساس حكم التحكيم، ولذلك فإن كل من العملين يتأثر بما يصيب العقد من عيوب، فبطلان عقد الصلح يؤدي إلى بطلان العمل التصالحي وبطلان اتفاق التحكيم يؤدي إلى بطلان حكم المحكم وانعدامه[1].

ومثلما توجد نقاط يتفق فيها الصلح مع التحكيم، فإنهما يختلفان في أن الجهة التي تقوم بالصلح هو القاضي، بينما المحكمين في التحكيم ليسوا قضاة بل أشخاص مؤهلين للقيام بالتحكيم.

كما أن يوجد اختلاف بين القاضي المصالح والمحكم يكمن في طبيعة ولاية كل منهما، فالقاضي يستمد ولايته من القانون وحده، أما المحكم فيستمدها من إرادة الأطراف في النزاع ولا يرجع بالضرورة إلى القوانين التكميلية والتفسيرية. أما القاضي فإنه يجب عليه وهو بصد مباشرة عملية الصلح أن لا يخرج عن سلطته الأصلية، فقعد التحكيم إذا عقد نسبي بالنسبة للأشخاص ونسبي بالنسبة لموضوعه، بحيث لا يلزم بما ورد فيه، أما احكم الصادر بالصلح فهو مطلق الحجية بما ورد فيه في مواجهة جميع الأطراف[2].

 2: تمييز الصلح عن الوساطة

تعرف الوساطة على أنها طريق بديل لحل النزاع بصفة ودية، تعتمد في جوهرها على وجود طرف ثالث يكون محايد ومستقل ومحل ثقة من طرف الخصوم، يتولى مهمة تلقي وجهات نظرهم وتقريبها من أجل مساعدتهم على التوصل بأنفسهم إلى حل رضائي لنزاع القائم بينهم. وتتشابه الوساطة مع الصلح، من حيث الهدف وهو انهاء الخصومة بالطرق الودية، تكون من طرف شخص ثالث لا علاقة له بالنزاع، ويخضع كل من محضر الصلح والمحضر الذي يعده الوسيط إلى مصادقة القاضي بأمر غير قابل لطعن، ويعد كل منهما سندا تنفيذيا طبقا لمواد 995 إلى المادة 1006 ق إ م إ، أما من حيث الحجية فعقد الصلح ينتج عقد رضائي بينما الوساطة تنتهي بتقديم حلول في شكل اقتراحات أو توصيات للأطراف الذين يأخذون بها أو يرفضونها، لأن القضية ترجع أمام القاضي في التاريخ المحدد لها مسبقا، كما لا يجوز الكشف عن الوساطة كونها تم في سرية. أما الصلح فيتم في الجلسة أمام القاضي، ويختلفان كذلك في كون القاضي ملزم بعرض الوساطة على الخصوم أما الصلح فهو إجراء جوازي يتم بسعي من القاضي والخصوم.  

 3: تمييز الصلح القضائي عن الصلح غير القضائي

يعتبر الصلح قضائيا متى صادقت المحكمة عليه، وإلا فإنه يعتبر صلحا غير قضائيا، وإذا كان الصلح القضائي والصلح غير القضائي يشترط لصحتهما توافر أهلية التصرف في الأطراف وخلوها من عيوب البطلان إلا أن الصلح القضائي يتطلب لكي يصبح صلحا قضائيا حضور الطرفين أمام المحكمة وإقرارها بالتصالح وتوقيعهما على محضر الصلح بالإضافة إلى تصديق القاضي على ذلك المحضر[3].

4: تمييز الصلح عن التظلم الإداري

التظلم الإداري هو التجاء صاحب الشأن إلى الإدارة مدعيا بأن قرارها معيبا، مستهدفا إلغاؤه أو تعديله أو سحبه خلال المواعيد القانونية المقررة.

ومنه فإن الصلح يتشابه مع التظلم من حيث الهدف، فكلاهما يهدف إلى تجنب الدعاوى الإدارية، وإجراءاتها إلا أنه يمكن القول أن التظلم صلحا، فالتظلم إجراء إداري لكنه في نفس الوقت قد يكون شرطا لقبول الدعوى، والصلح إجراء يلي الدعوى إلى القضاء.

كما يختلفان من حيث الجهة التي تنظر فيه، فالصلح يتم أمام القضاء وبسعي منه أو من الخصوم أنفسهم، بينما التظلم يتم أمام الجهات الإدارية سواء كانت مصدرة القرار أو التي تعلوها مباشرة. كذلك من حيث المواعيد فقد حددت المادة 830 ق. إ. م. إ آجال التظلم، أما الصلح فهو غير محدد بمواعيد طبقا للمادة 971 ق. إ. م. إ، إذ يجوز إجراء الصلح في أية مرحلة تكون عليها الخصومة[4].

5: تمييز الصلح عن ترك الخصومة

يقصد بترك الخصومة نزول المدعي عن الخصومة التي أنشأها وعن كافة إجراءاتها بما في ذلك عريضة افتتاح الدعوى، مع احتفاظه بأصل الحق الذي يدعيه، فالمدعي بالرغم من أنه هو الذي بدأ الخصومة قد يرى أن من مصلحته تركها وإنهاؤها دون حكم في الموضوع، فربما تسرع في دعواه قبل أن تكتمل لديه الأدلة التي تمكنه من كسبها.

فعليه فإن الصلح يختلف عن ترك الخصومة، لأن الصلح هو تنازل متبادل بين الطرفين عن جزء من حقوقهما، أما في ترك الخصومة فإن التنازل عن الحقوق والإدعاءات يكون من طرف واحد. كما أنه في ترك الخصومة يمكن لتاركها إعادة وتجديد النزاع، أما في الصلح فإنه إذا أنهي النزاع فلا يمكن للمتصالح ذلك.

الفرع 4: الطبيعة القانونية للصلح

لتحديد الطبيعة القانونية للصلح، ظهرت عدة اشكالات في ذلك، ومنها:

 هل الصلح يكيف على أنه إجراء إداري أم أنه إجراء قضائي؟

الفرضية الأولى: من أجل معرفة طبيعة الصلح، فإنه يتم بالرجوع إلى تطبيق المعايير القضائية المعروفة في القانون الإداري، كما يلي:

1- الصلح إجراء إداري: طبقا للمعيار المادي الذي يرتكز على طبيعة النشاط الإداري المعتبر، يلاحظ أن الصلح هدفه الوحيد هو حل النزاع القائم بين الطرفين المتنازعين، والمتعلق بنشاط إداري، ما يكيف على أنه إجراء إداري.

2- الصلح إجراء قضائي: حسب المعيار العضوي الذي يرتكز على صفة الأشخاص أو الهيئة المختصة بإجراء الصلح، هذه الهيئة تتجسد في شخص القاضي الذي يتولى إما إصدار قرار الصلح وإما تحرير محضر الصلح، وبالتالي فإن العملية الصلحية متضمة داخل العملية القضائية عموما، وكذلك الحال بالنسبة للمعيار الإجرائي الذي يعتمد على الإجراءات الواجب إتباعها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

الفرضية الثانية: هل يكيف الصلح على أنه ذو طبيعة كاشفة أم أنه ذو طبيعة مقررة؟.

1- الصلح ذو طبيعة كاشفة: يرى البعض أن الصلح ذو طبيعة كاشفة فهو يؤكد فقط حق أو واقعة مادية موجودة وقائمة، وما دوره إلا المصادقة عليها. ويرتكز هذا الرأي على القاعدة العامة الواردة في القانون المدني المتعلق بالصلح الذي تم خارج ساحة القضاء ثم يلجؤون إلى القاضي من أجل المصادقة عليها، فهذا الرأي تجاهل الدور الإيجابي للقاضي.

إن هذا الرأي لا يخلو من الحقيقة ذلك أن الصلح عموما هو كسائر العقود يتوافر على محل رضا وسبب، ومتى توفرت هذه الشروط تحقق، وأنه فوق كل هذا كله فهو إتفاق كثيرا ما يقع خارج الدائر القضائية ويقدم لها لاحقا لكي تقوم بالمصادقة عليه، فهو إذن يتم بمعزل عن دائرة قضائية إلا تلك التي تقوم بختمه.

2- الصلح ذو طبيعة مقررة: يرى هذا الرأي أن القرار الصادر بإثبات إتفاق الصلح أنه ذو طبيعة تقريرية، ذلك أن القاضي المصالح لا يقوم فقط بالمصادقة على إتفاق الطرفين بالصلح، ولكنه يساهك أيضا في بناء مشروع الصلح من خلال إدارته لجلسة الصلح مستعملا سلطته في الأمر والنهي، وفقا لمبدأ المشروعية، وينتهي بقرار له نفس الآثار القانونية لأي قرار قضائي آخر[5].

1.2. الجزء الثاني: مجالات إجراء الصلح في المادة الإدارية

تقتصر مجالات إجراء الصلح حسب المادة 970 من ق.إ. م.إ على دعاوى القضاء الكامل والتي تعد دعوى التعويض أهم أنواعها، وفي مادة العقود الإدارية ومنها الصفقات العمومية.

الفرع 1: الصلح في دعوى التعويض

تلجأ الإدارة العامة لأداء نشاطها إلى القيام بالعديد من التصرفات والأعمال التي ترد أساسا إلى:

أعمال مادية: وهي الأعمال التي تقوم بها الإدارة إما بصفة إرادية تنفيذا لعمل تشريعي، أو عمل عمل إداري دون أن يكون قصدها إحداث مركز قانوني جديد، أو بصفة غير إرادية والمتمثل في الأعمال التي تقع من الإدارة نتيجة خطأ.

أعمال قانونية: تفصح الإدارة من خلالها الإدارة عن إرادتها ونيتها في ترتيب أثر قانوني، فتارة تقوم بها مستندة إلى توافق إرادتين، كما هو الحال في العقود الإدارية، وتارة أخرى مستندة إلى إرادتها المنفردة بما لها من امتيازات السلطة العامة[8].

الفرع 2: الصلح في مادة العقود الإدارية

نميز في هذا الصدد بين المنازعات التي لا يجوز فيها الصلح، والمنازعات التي يجوز فيها الصلح في إطار العقود الإدارية.

1- المنازعات التي لا يجوز فيها الصلح: تتمثل هذه المنازعات في:

أ- القرارات الإدارية المنفصلة عن عملية التعاقد: يمكن الطعن فيها بالإلغاء من قبل الغير لأن سبيل المتعاقد هو قضاء التعويض أمام القاضي. أما التعاقد فلا يمكنن أن يلجأ إلى القضاء من أجل التعويض، ومن ثم فقد قدم له مجلس الدولة الفرنسي باب قضاء الإلغاء[9]

ب- طعون المستفيدين في حالة عقود الإمتياز: يتقدم المنتفع إلى الجهة الإدارية المختصة طالبا منها أن تتدخل بناء على سلطاتها الإدارية لتجبر الملتزم على احترام شروط العقد فإذا رفضت الإدارة التدخل صراحة أو ضمنا، حق للمنتفع أن يطعن في هذا القرار أمام قاضي الإلغاء، ويكون القرار غير مشروع إذا ثبت فعلا أن الملتزم لم يحترم شروط العقد.

2- المنازعات التي يجوز فيها الصلح: نميز في هذا الصدد بين حالتين:

الأولى: النزاعات التي تكون الأشخاص العمومية المذكورة في المادة 800 ق.إ.م.إ طرفا فيها، حيث أن هذه النزاعات هي نزاعات إدارية يجوز أن تخضع للصلح المتعلق بحل النزاعات الإدارية، والذي يحدد مجاه القضاء الكامل.

الثانية: المنازعات التي تكون المؤسسات المذكورة في الفقرة الأخيرة من المادة 06 من المرسوم الرئاسي 15/247 طرفا فيها، فإذا كيفت النزاعات المتعلقة بها على أنها نزاعات إدارية، فإنها تخضع للصلح المتعلق بالنزاعات الإدارية في مجال القضاء الكامل، طبقا للمادة 970 ق.إ.م,إ، أما إذا كيفت على أنها نزاعات عادية فإنها تخضع للصلح المتعلق بالنزاعات العامة.

الفرع 3: مراحل إجراء الصلح ودور القاضي الإداري فيه

لم يحدد المشرع الإجراءات التي يتم بموجبها إجراء الصلح، وإنما فتح المجال واسعا للقاضي، وفقا لما يراه مناسبا بشأن الكيفية مادام ذلك يحقق نتيجة.

1- مراحل إجراء الصلح

تتمثل مراحل الصلح في ثلاثة مراحل هي: مرحلة المبادرة بالصلح، انعقاد الصلح، محضر الصلح.

أ- المبادرة بالصلح

تنص المادة 972 ق.إ.م.إ: "يتم إجراء الصلح بسعي من الخصوم أو بمبادرة من رئيس تشكيلة الحكم، بعد موافقة الخصوم". وعليه، فإنه لا يجوز للقاضي أن يفوض غيره في القيام بمحاولة الصلح لأنها من المهام الأساسية للقاضي.

ب- انعقاد الصلح

لا يكفي أن يكون هناك عقد صلح صحيح وقائم بين الطرفين ولو كان هذا الصلح مثبتا في ورقة عرفية، أي أنه تم بسعي من الخصوم وقاما بتحرير ورقة عرفية موقع عليها من الطرفين، يلزم بالإضافة إلى ذلك أن يحضر طرفي النزاع بنفسهما أو يوكل بوكالة خاصة بالصلح أمام المحكمة وأنه موافق على الصلح ولن يأتي ذلك، إلا إذا حضر الطرفان وقاما بالتوقيع عليه، وإذا تدخل الغير في الدعوى فلا يجوز للمحكمة التصدي عن الصلح إلا بعد الفصل في مدى صحة التدخل[10].

ومنه يكون للقاضي سلطة تقديرية في تحديد الوقت والمكان المناسبين لإجراءات عملية الصلح، ويختلف ذلك حسب وقائع وظروف كل قضية، فالقاضي يقوم بمحاولة التوفيق في أول جلسة أو أثناء اتخاذ إجراء التحقيق أو في لحظة الحضور الشخصي، كما يجوز عرض الصلح بعد قفل باب المرافعات وذلك إذا فتح أحد الخصوم باب المرافعة من جديد، أما عن مكان إجراء الصلح فيكون إما في مكتب القاضي أو في قاعة الجلسات على أن تتم هذه المحاولة بحضور الخصوم شخصيا.

 ج- محضر الصلح

حسب نص المادة 973 من ق.إ.م.إ، فإنه إذا حصل صلح يحرر رئيس تشكيلة الحكم محضرا يبين فيه ما تم الاتفاق عليه، ويأمر بتسوية النزاع وغلق الملف.

في التطبيقات القضائية المتعلقة بمسألة الصلح تكون المحاضر مطبوعة متضمنة جميع البيانات المختلفة المتعلقة بالأطراف والموضوع والنتيجة المتوصل إليها، وقد يحرر المحضر على وثيقة بيضاء يدون فيها القاضي تاريخ ومكان إجراء الصلح والأطراف الحاضرة والتصريحات، ويتم تسجيل هذا المحضر في سجل خاص بجلسات الصلح ويترك أصل النسخة لدى أمانة الضبط التي يرجع إليها عند الحاجة[11]



[1] - عبد الكريم عروي، الطرق البديلة في حل النزاعات القضائية، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2012، ص.12. أنظر أيضا: 

- نبيل صقر، الوسيط في شرح قانون الإجراءات المدنية والإدارية، دار الهدى، الجزائر، 2009، ص. 568.

[2] - شفيقة بن صاولة، الصلح في المادة الإدارية، الطبعة ألأولى، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2006، ص.46.

[3] -الأنصاري حسن النيداني، الصلح القضائي، دراسة تأصيلية وتحليلية لدور المحكمة في الصلح والتوفيق بين الخصوم، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 2001، ص ص. 150-151. أنظر أيضا:

- محمود السيد عمر التحيوي، أنواع التحكيم وتمييزه عن الصلح والوكالة والخبرة، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 2002، ص.80.

[4] - عبد الكريم عروي، الطرق البديلة في حل النزاعات القضائية، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2012، ص ص.24-25.

[5] - لمياء دودو، الصلح والوساطة في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية، مذكرة ماستر، كلية الحقوق والعلوم الساسية، جامعة بسكرة، 2013، ص.29.

[6] -الأنصاري حسن النيداني، الصلح القضائي، دراسة تأصيلية وتحليلية لدور المحكمة في الصلح والتوفيق بين الخصوم، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 2001، ص.81.

[7] -الأنصاري حسن النيداني، الصلح القضائي، دراسة تأصيلية وتحليلية لدور المحكمة في الصلح والتوفيق بين الخصوم، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 2001، ص.82.

[8] -محمد الصغير بعلي، الوسيط في المنازعات الإدارية، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة، الجزائر، 2009، ص. 221.

[9] - عبد الله طلبة، الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، منشورات جامعة حلب، سوريا، دون سنة نشر، ص. 61.

[10] - عبد الكريم عروي، الطرق البديلة في حل النزاعات القضائية، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2012، ص ص.64.

[11] - عبد الكريم عروي، الطرق البديلة في حل النزاعات القضائية، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2012، ص ص.66.

2. المحور الثاني: التحكيم كآلية لتسوية منازعات الصفقات العمومية

يعد التحكيم عملية قانونية مركبة تقوم على اتفاق أطراف النزاع على عرض خلافهم على محكم أو أكثر للفصل فيه[1]، ويقوم التحكيم على إجازة المشرع وإرادة الخصوم. وقد كانت الجزائر قد تبنت موقفا معرضا للتحكيم بشكل عام متأثرة بجملة من العوامل التاريخية، وقد اعكس ذلك على موقف المشرع في التحكيم في عقود الدولة وظهر ذلك جليا بنص قانوني واضح يحضر الأشخاص المعنوية العامة اللجوء إلى التحكيم، ولا يجيزه في منازعات العقود الإدارية الداخلية. غير أنه نظرا للتقدم العلمي والتكنولوجي وللمزايا التي يحققها التحكيم من بساطة الاجراءات وسرعة القرار وطابعه السري.

وعلى إثر تعديل قانون الصفقات العمومية وكذا صدور قانون الاجراءات المدنية والادارية تغيرت نظرة المشرع للتحكيم في مجال الصفقات العمومية واتجهت نحو اجازته وتشجيع استعماله في حل النزاع المتعلق بالصفقة العمومية. 

لذلك سنتطرق في الجزء الأول لمفهوم التحكيم، ثم نتطرق في الجزء الثاني لتطبيق التحكيم في مجال منازعات الصفقات العمومية.


[1] - عبد العزيز عبد المنعم خليفة، التحكيم في منازعات العقود الإدارية الداخلية والدولية، ط 1، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2006، ص 12.

2.1. الجزء الأول: مفهوم التحكيم

الفرع الأول: تعريف التحكيم وخصائصه 

أولا: تعريف التحكيم: التحكيم هو الاتفاق على طرح النزاع على محكم أو أكثر ليفصلوا فيه بدلا من المحكمة المختصة به، والاتفاق على التحكيم في نزاع معين يسمى مشارطة التحكيم أو اتفاق التحكيم أو العقد التحكيمي". 

بالاستناد إلى التعاريف السابقة يتبين أن للتحكيم عناصر هي: 

1- إحالة النزاع على طرف ثالث من غير القضاء يسمى المحكم للفصل فيه بحكم أو بقرار حاسم وملزم للأطراف.

2- وجود محكمة تحكيم مشكلة لهذا الغرض حسب الاتفاق المبرم بينهم.

3- محل التحكيم هو الفصل في النزاع القائم أو المحتمل بين الخصوم بقرار نهائي ملزم. فالتحكيم يقوم أساسا على الإرادة الحرة لأطراف التي تحكم كافة جوانب اتفاق التحكيم، وبالتالي فهو وسيلة رضائية اختيارية لا ينعقد إلا برضى كافة الأطراف على أسلوبه وإجراءاته وموضوعه والقانون الواجب التطبيق[1].

ثانيا: خصائص التحكيم: يمتاز التحكيم بالخصائص التالية:

1- بساطة الإجراءات: حيث نجد أن هيئة التحكيم تتمتع بحرية واسعة أوسع من القضاء الوطني في كل ما يتعلق بإجراءات التقاضي، مثل التبليغات وإدارة الجلسات وتنظيمها. فهي تبعد ما أمكن عن الإجراءات الشكلية التي عادة ما تكون أمام القضاء طويلة ومملة ولا فائدة منها سوى التقيد بحرفية النصوص القانونية الخاصة بالإجراءات وذلك على حساب موضوع وجوهر النزاع والنتيجة الطبيعية أن يصدر قرار التحكيم خلال وقت أقصر بشطل ملموس فيما لو عرض النزاع ذاته على القضاء[2].

2- سرية التحكيم: يمكن التحكيم للأطراف المحافظة على أسرارهم التي تكون لهم مصلحة كبيرة في عدم إذاعتها وشيوعها، ولما ألزم القانون المحكم بكتمان السر المهني فذلك إشارة تدل دلالة واضحة على أن الاخلال من جانب المحكم بهذا الالتزام القانوني يعرضه للعقوبة إلا أن تدخل القضاء الوطني من أجل النظر في الطعن ببطلان الحكم التحكيمي أمام محكمة الاستئناف قد يحد نسبيا من السرية التي يتوخاها الطرفان من خلال ما تتميز به إجراءات التقاضي من علنية الجلسات.

  3- اختيار أطراف النزاع لمحكمهم: هذه الميزة ينفرد بها التحكيم لأن حالة اللجوء إلى القضاء لا يمكن لأطراف اختيار قاضيهم، وهو ما يولد الثقة في هؤلاء المحكمين الذين وقع عليهم الاختيار ولاسيما إذا كان النزاع متعلقا بمسائل فنية يصعب على القاضي الفصل فيها دون إحالتها على خبير في الموضوع الذي يستغرق وقتا طويلا، ناهيك عن إجهادهم ماليا.

الفرع الثاني: أنواع التحكيم

يتنوع التحكيم بحسب المعيار الذي اعتمده الفقه، إلى الأنواع التالية:

أولا: من حيث حرية اتجاه إرادة الأطراف: حسب هذا المعيار ينقسم التحكيم إلى قسمين أو نوعين: تحكيم إجباري وتحكيم اختياري.

أ- التحكيم الاختياري: يعرف على أنه توافق إرادة ذووا الشأن على عرض النزاع القائم بينهم أو المحتمل على فرد أو أفراد عاديين يختارون للفصل وفقا للنظام أو وفقا لقواعد العدالة دون عرضه على قضاة الدولة[3].

ب- التحكيم الإجباري: هو التحكيم الذي يفرضه المشرع على الخصوم لتسوية بعض المنازعات لطبيعتها الخاصة، بحيث لا يستطيع الخصوم الجوء غلى القضاء لتسوية تلك المنازعات، وفي التحكيم الاجباري قد يكتفي المشرع بغرض التحكيم تاركا للخصوم الحرية في اختيار المحكم وتعيين إجراءات التحكيم، وقد لا يكفي المشرع بهذا القدر من التدخل فيضع تنظيما كاملا لاجراءات التحكيم، حيث لا يكون لإرادة الخصوم أي دور في هذا الشأن.

ثانيا: من حيث الجهة التي تقوم به: ينقسم التحكيم إلى:

أ- التحكيم الحر: وفيه تنعقد المحكمة لحسم نزاع معين أي في حالات فردية وتقتضي بعدها مهمة المحكم، وبحسب طبيعته يتولى أطراف النزاع تنظيم عملية التحكيم منذ بدايتها إلى صدور حكم التحكيم. حيث يحدد فيه الخصوم المهل والمواعيد بأنفسهم ويعينون المحكمين ويقومون بعزلهم وردهم وتحديد إجرات الدعوى التحكيمية.

ب- التحكيم المؤسسي: هو التحكيم الذي تتولاه مراكز ومنظمات وغرف التحكيم الدائمة لتمارس نشاطها التحكمي على كافة المستويات الوطنية والاقليمية والدولية، هذه المراكز لها قواعدها الخاصة بها، فعندما يلجأ إليها الأطراف فإنهم يكونون قد ارتضوا بإرادتهم الخضوع لتلك القواعد وكأنها قد أصبحت جزء من اتفاقهم، فالعبرة هنا بوجود مؤسسة التحكيم[4].

ثالثا: من حيث القانون الواجب التطبيق: حسب هذا المعيار ينقسم التحكيم إلى نوعين:

أ- التحكيم بالقانون: ويسمى كذلك بالتحكيم البسيط وهو التحكيم الذي يستند المحكم في اصداره إلى قواعد القانون، بمعناه الواسع الذي يشمل جميع القواعد القانونية مكتوبة كانت أن غير مكتوبة كالمبادئ العامة للقانون والقواعد العرفية.

ب- التحكيم مع تفويض بالصلح: الأصل في التحكيم أنه تحكيم عادي "تحكيم بالقانون" ولا ينصرف إلى التحكيم بالصلح إلا إذا نص على ذلك فلا يصح اعتبار التحكيم بالصلح إلا إذا وضحت إرادة الخصوم وضوحا تاما وصريحا، وكانت ترمي إلى هذا، ويجب أن تفسر إرادتهم بالحيطة والحذر وعدم التوسع رعاية لذات حقوقهم.

4- من حيث النطاق الجغرافي: ينقسم التحكيم وفقا لهذا المعيار إلى:

أ- التحكيم الداخلي: ويسمى كذلك التحكيم الوطني الذي يخضع لتنظيم قانوني مختلف عن التحكيم التجاري الدولي، مصدره قواعد قانونية موضوعية وإجرائية سنها المشرع الوطني.

هذا النوع يتعلق بنزاع ترتبط كافة عناصره بإقليم الدولة، فهو لا يتضمن أي عنصر أجنبي، فأطرافه مواطنون وموضوعه يتعلق بنزاع داخلي بحت ومكان التحكيم يكون في الدولة التي ينتمي إليها الخصوم بجنسيتهم والتي يرتبط بها النزاع برابطة وثيقة.

ب- التحكيم الخارجي: يعد التحكيم دوليا إذا كان يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح القضائية لدولتين على الأقل.



[1] - بوصنوبرة خليل، القرار التحكيمي وطرق الطعن فيه وفقا للقانون الجزائري، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة قسنطينة، 2007/2008، ص.16. أنظر أيضا:

- David renders; Pierre Delvolvé; et thiery Tanquerel, L'arbitrage en droit public,Bruylant, Bruxelles, 2010, p.201. 

[2] - مناني فراح، التحكيم طريق بديل لحل النزاعات، (حسب آخر تعديل لقانون الإجراءات المدنية والإدارية)، دار الهدى، الجزائر، 2010، ص.17.

[3] - بولقواس سناء، الطرق البديلة لحل المنازعات الإدارية ذات الطابع الدولي، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، باتنة، 2011، ص.24.

[4] - الضراسي عبد الباسط محمد عبد الواسع، النظام القانوني لاتفاق التحكيم، دراسة تحليلية مقارنة، الطبعة 1، المكتب الجامعي الحديث للنشر، الاسكندرية، 2008، ص.18.

2.2. الجزء الثاني: التحكيم في العقود الإدارية

الفرع الأول: شرط التحكيم في العقود الإدارية

 نصت المادة 1007 ق.إ.م.إ يقصد بشرط التحكيم  ذلك الشرط الذي يرد في بنود العقد الذي تبرمه الدولة أو أحد الهيئات التابعة لها والمتعامل معها، بمقتضاه يتم الاتفاق على أن كل نزاع ينشأ عن تفسير الصفقة أو تنفيذها يتم الفصل فيه عن طريق التحكيم، وعلى هذا الأساس  على الأطراف التي اتفقت على ذلك أن تمتنع عن إقامة الدعوى أمام القضاء قبل أن ينظر في النزاع من قبل المحكمين.

الفرع الثاني : اتفاق التحكيم في العقود الإدارية

نصت عليه المادة 1011 ق.إ.م.إ ويسمى أيضا بمشاركة التحكيم، التي تعني اتفاق تبرمه المصلحة المتعاقدة مع المتعامل المتعاقد على اللجوء إلى التحكيم بصدد نزاع قائم فعلا بينهما يتعلق بتفسير أو تنفيذ صفقة عمومية. وتكون مبادرة التحكيم إذا كان النزاع متعلق بالولاية أو البلدية من الوالي أو رئيس المجلش الشعبي البلدي، أما إذا كان النزاع متعلق بالدولة، فإن مبادرة التحكيم تكون من الوزير المعني أو من الوزراء المعنيين. وإذا كان النزاع متعلق بمؤسسة عمومية ذات طابع إداري، يكون التحكيم بمبادرة من الممثل القانوني لها أو من ممثل السلطة الوصية التي تتبعها.

الفرع الثالث: إجراءات التحكيم

أولا: إجراءات التحكيم الداخلي: توجه إرادة طرفي الصفقة العمومية إلى التحكيم الداخلي وفق ما نصت عليه المادتين 1007 و1011 ق.إ.م.إ ويتم تعيين المحكم باتفاق الطرفين، وفي حالة عدم الاتفاق يتولى تعيين المحكم أو المحكمين من قبل رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها إبرام العقد أو محل تنفيذه.

إذا لم يحدد الطرفين أجل للتحكيم يتعين على المحكمة اتمام مهمتهم في ظرف 4 أشهر من تاريخ تعيينهم أو من تاريخ إخطار محكمة التحكيم عملا بنص المادة 1018 ق.إ.م.إ.

ثانيا: إجراءات التحكيم الدولي: الأصل أن تعيين هيئة التحكيم يكون باتفاق طرفي الصفقة العمومية في حالة ظهور صعوبة في تعيينهم فإنه للطرف الذي يهمه التعجيل أن يرفع الأمر إلى:

رئيس المحكمة الذي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم، إذا كان التحكيم يجرى في الجزائر.

رئيس محكمة الجزائر إذا كان التحكيم يجرى في الخارج, واختيار الطرفين تطبيق قواعد الاجراءات المعمول بها في الجزائر.

الفرع الرابع: حجية حكم التحكيم والطعن فيه: تفصل محكمة التحكيم في النزاع يودع لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة حتى يمكن اكساؤه بالصيغة التنفيذية, وفي هذه المرحلة تنقطع صلة هيئة التحكيم بالحكم نهائيا إلا ما كان منه متعلقا بالتفسير أو تصحيح الأخطاء المادية، فيقدم من صدر الحكم لصالحه يطلب قضائي قصد الأمر بالتنفيذ بعدما اكتسابه حجية الشيء المقضي فيه، عملا بالمادة 1031 ق.إ.م.إ. إلا أن هذه الحجية تبقى نسبية تسري على طرفي النزاع دون الغير. 
أما من حيث الطعن في حكم التحكيم فقد فرق المشرع الجزائري بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي:

أولا: التحكيم الداخلي: أجاز المشرع إمكانية الطعن بالاستئناف في التحكيم الداخلي حسب المادة 1033 ق.إ.م.إ.

ثانيا: التحكيم الدولي: حسب المادة 1058 ق.إ.م.إ فإن الطعن في التحكيم الداخلي لا يسري على التحكيم الدولي، لأن أحكام هذا الأخير الصادرة في الجزائر يكون متاحا فيها الطعن بالبطلان في حالات حددتها المادة 1056 على سبيل الحصر. أما الأحكام الصادرة في الخارج فلا تقبل الطعن، باستثناء:

-   امكانية استئناف القرار الصادر برفض الاعتراف أو برفض التنفيذ المادة 1055 ق.إ.م.إ.

-   امكانية الطعن بالبطلان في الحكم الدولي الصادر في التحكيم في حالات منصوص عليها في المادة 1056 ق.إ.م.إ

3. المحور الثالث: مدى امكانية اللجوء إلى الوساطة لحل منازعات الصفقات العمومية

تعريف الوساطة: تعتبر الوساطة من الآليات الجديدة التي استحدثها قانون الاجراءات المدنية والادارية ق 09/08 لتسوية النزاعات، نظرا لما تتمتع به من مزايا، كونها توفر الوقت والجهد والنفقات على الخصوم، وقد خص المشرع الوساطة ب 12 مادة وهي من المادة 994 إلى 1005 لكنه لم يعط لها تعريفا, الأمر الذي جعل الفقه يعرفها بأنها: "آلية تقوم على أساس تدخل شخص ثالث محايد في المفاوضات بين طرفين متخاصمين، حيث يعمل هذا المحايد على تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وتسهيل التواصل بينهما، ومساعدتهما على إيجاد تسوية مناسبة للنزاع".

أشكال الوساطة: الأصل أن الوساطة تتم في شكلين:

وساطة تعاقدية: تبنى على اتفاق الأطراف على اللجوء إلى وسيط في حالة ظهور نزاع بينهما.

وساطة قضائية: التي تتم بمسعى من القاضي، غير أن المشرع الجزائري أخذ بالوساطة القضائية دون الوساطة التعاقدية عملا بنص 994 التي لم تستثن منازعات الصفقات العمومية.

جعل المشرع من الوساطة إجراء وجوبي على القاضي لكنه لا يصبح نافذا إلا بقبول الخصمين له ويتم تعيين سلطة واسعة في اتخاذ التدابير التي من شأنها المساهمة في حل النزاع.

عملية الوساطة قد تكون مطلقة تشمل كل النزاع أو جزء منه مدتها لا تتعدى 3 أشهر على الأقل. يمكن تجديدها مرة واحدة بطلب من الوسيط وبموافقة الخصوم.

انتهاء الوساطة: تنتهي الوساطة بطريقتين، دون تحقيق الهدف منها، وذلك من طرف القاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم أو بطلب من الوسيط نفسه أو بعدم الوصل لحل يرضي الطرفين. ويبقى الطريق القضائي مفتوحا لحل النزاع.

تحقيق الهدف منها أي توصل الوسيط إلى حل يرضي الطرفين فيحرر محضر يوقعه هو الوسيط والخصم ويصادق عليه القاضي المعني.

المحضر لا يقبل أي طعن يعد محضر الاتفاق من المستندات التنفيذية.

ملاحظة: بالرغم من اقرار المشرع لآلية الوساطة إلا أنه من خلال قراءتنا لقانون الاجراءات المدنية والادارية يتبين لنا أن المشرع لم يدرج الوساطة ضمن الآليات البديلة بل تكلم فقط على آليتي التحكيم والصلح. مما يفهم ضمنا أن الوساطة لا تطبق في المنازعات الادارية، وحتى من الناحية الواقعية لا نجد تطبيقا للوساطة لا على مستوى النزاع المدني أو النزاع الإداري. وتبقى أية الصلح والتحكيم من الآليات البديلة التي لا يصلح اللجوء إليها إلا في دعاوى التعويض دون دعاوى الالغاء.