1. المحور الأول: الصلح القضائي كآلية لتسوية منازعات الصفقات العمومية

1.2. الجزء الثاني: مجالات إجراء الصلح في المادة الإدارية

تقتصر مجالات إجراء الصلح حسب المادة 970 من ق.إ. م.إ على دعاوى القضاء الكامل والتي تعد دعوى التعويض أهم أنواعها، وفي مادة العقود الإدارية ومنها الصفقات العمومية.

الفرع 1: الصلح في دعوى التعويض

تلجأ الإدارة العامة لأداء نشاطها إلى القيام بالعديد من التصرفات والأعمال التي ترد أساسا إلى:

أعمال مادية: وهي الأعمال التي تقوم بها الإدارة إما بصفة إرادية تنفيذا لعمل تشريعي، أو عمل عمل إداري دون أن يكون قصدها إحداث مركز قانوني جديد، أو بصفة غير إرادية والمتمثل في الأعمال التي تقع من الإدارة نتيجة خطأ.

أعمال قانونية: تفصح الإدارة من خلالها الإدارة عن إرادتها ونيتها في ترتيب أثر قانوني، فتارة تقوم بها مستندة إلى توافق إرادتين، كما هو الحال في العقود الإدارية، وتارة أخرى مستندة إلى إرادتها المنفردة بما لها من امتيازات السلطة العامة[8].

الفرع 2: الصلح في مادة العقود الإدارية

نميز في هذا الصدد بين المنازعات التي لا يجوز فيها الصلح، والمنازعات التي يجوز فيها الصلح في إطار العقود الإدارية.

1- المنازعات التي لا يجوز فيها الصلح: تتمثل هذه المنازعات في:

أ- القرارات الإدارية المنفصلة عن عملية التعاقد: يمكن الطعن فيها بالإلغاء من قبل الغير لأن سبيل المتعاقد هو قضاء التعويض أمام القاضي. أما التعاقد فلا يمكنن أن يلجأ إلى القضاء من أجل التعويض، ومن ثم فقد قدم له مجلس الدولة الفرنسي باب قضاء الإلغاء[9]

ب- طعون المستفيدين في حالة عقود الإمتياز: يتقدم المنتفع إلى الجهة الإدارية المختصة طالبا منها أن تتدخل بناء على سلطاتها الإدارية لتجبر الملتزم على احترام شروط العقد فإذا رفضت الإدارة التدخل صراحة أو ضمنا، حق للمنتفع أن يطعن في هذا القرار أمام قاضي الإلغاء، ويكون القرار غير مشروع إذا ثبت فعلا أن الملتزم لم يحترم شروط العقد.

2- المنازعات التي يجوز فيها الصلح: نميز في هذا الصدد بين حالتين:

الأولى: النزاعات التي تكون الأشخاص العمومية المذكورة في المادة 800 ق.إ.م.إ طرفا فيها، حيث أن هذه النزاعات هي نزاعات إدارية يجوز أن تخضع للصلح المتعلق بحل النزاعات الإدارية، والذي يحدد مجاه القضاء الكامل.

الثانية: المنازعات التي تكون المؤسسات المذكورة في الفقرة الأخيرة من المادة 06 من المرسوم الرئاسي 15/247 طرفا فيها، فإذا كيفت النزاعات المتعلقة بها على أنها نزاعات إدارية، فإنها تخضع للصلح المتعلق بالنزاعات الإدارية في مجال القضاء الكامل، طبقا للمادة 970 ق.إ.م,إ، أما إذا كيفت على أنها نزاعات عادية فإنها تخضع للصلح المتعلق بالنزاعات العامة.

الفرع 3: مراحل إجراء الصلح ودور القاضي الإداري فيه

لم يحدد المشرع الإجراءات التي يتم بموجبها إجراء الصلح، وإنما فتح المجال واسعا للقاضي، وفقا لما يراه مناسبا بشأن الكيفية مادام ذلك يحقق نتيجة.

1- مراحل إجراء الصلح

تتمثل مراحل الصلح في ثلاثة مراحل هي: مرحلة المبادرة بالصلح، انعقاد الصلح، محضر الصلح.

أ- المبادرة بالصلح

تنص المادة 972 ق.إ.م.إ: "يتم إجراء الصلح بسعي من الخصوم أو بمبادرة من رئيس تشكيلة الحكم، بعد موافقة الخصوم". وعليه، فإنه لا يجوز للقاضي أن يفوض غيره في القيام بمحاولة الصلح لأنها من المهام الأساسية للقاضي.

ب- انعقاد الصلح

لا يكفي أن يكون هناك عقد صلح صحيح وقائم بين الطرفين ولو كان هذا الصلح مثبتا في ورقة عرفية، أي أنه تم بسعي من الخصوم وقاما بتحرير ورقة عرفية موقع عليها من الطرفين، يلزم بالإضافة إلى ذلك أن يحضر طرفي النزاع بنفسهما أو يوكل بوكالة خاصة بالصلح أمام المحكمة وأنه موافق على الصلح ولن يأتي ذلك، إلا إذا حضر الطرفان وقاما بالتوقيع عليه، وإذا تدخل الغير في الدعوى فلا يجوز للمحكمة التصدي عن الصلح إلا بعد الفصل في مدى صحة التدخل[10].

ومنه يكون للقاضي سلطة تقديرية في تحديد الوقت والمكان المناسبين لإجراءات عملية الصلح، ويختلف ذلك حسب وقائع وظروف كل قضية، فالقاضي يقوم بمحاولة التوفيق في أول جلسة أو أثناء اتخاذ إجراء التحقيق أو في لحظة الحضور الشخصي، كما يجوز عرض الصلح بعد قفل باب المرافعات وذلك إذا فتح أحد الخصوم باب المرافعة من جديد، أما عن مكان إجراء الصلح فيكون إما في مكتب القاضي أو في قاعة الجلسات على أن تتم هذه المحاولة بحضور الخصوم شخصيا.

 ج- محضر الصلح

حسب نص المادة 973 من ق.إ.م.إ، فإنه إذا حصل صلح يحرر رئيس تشكيلة الحكم محضرا يبين فيه ما تم الاتفاق عليه، ويأمر بتسوية النزاع وغلق الملف.

في التطبيقات القضائية المتعلقة بمسألة الصلح تكون المحاضر مطبوعة متضمنة جميع البيانات المختلفة المتعلقة بالأطراف والموضوع والنتيجة المتوصل إليها، وقد يحرر المحضر على وثيقة بيضاء يدون فيها القاضي تاريخ ومكان إجراء الصلح والأطراف الحاضرة والتصريحات، ويتم تسجيل هذا المحضر في سجل خاص بجلسات الصلح ويترك أصل النسخة لدى أمانة الضبط التي يرجع إليها عند الحاجة[11]



[1] - عبد الكريم عروي، الطرق البديلة في حل النزاعات القضائية، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2012، ص.12. أنظر أيضا: 

- نبيل صقر، الوسيط في شرح قانون الإجراءات المدنية والإدارية، دار الهدى، الجزائر، 2009، ص. 568.

[2] - شفيقة بن صاولة، الصلح في المادة الإدارية، الطبعة ألأولى، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2006، ص.46.

[3] -الأنصاري حسن النيداني، الصلح القضائي، دراسة تأصيلية وتحليلية لدور المحكمة في الصلح والتوفيق بين الخصوم، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 2001، ص ص. 150-151. أنظر أيضا:

- محمود السيد عمر التحيوي، أنواع التحكيم وتمييزه عن الصلح والوكالة والخبرة، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 2002، ص.80.

[4] - عبد الكريم عروي، الطرق البديلة في حل النزاعات القضائية، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2012، ص ص.24-25.

[5] - لمياء دودو، الصلح والوساطة في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية، مذكرة ماستر، كلية الحقوق والعلوم الساسية، جامعة بسكرة، 2013، ص.29.

[6] -الأنصاري حسن النيداني، الصلح القضائي، دراسة تأصيلية وتحليلية لدور المحكمة في الصلح والتوفيق بين الخصوم، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 2001، ص.81.

[7] -الأنصاري حسن النيداني، الصلح القضائي، دراسة تأصيلية وتحليلية لدور المحكمة في الصلح والتوفيق بين الخصوم، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 2001، ص.82.

[8] -محمد الصغير بعلي، الوسيط في المنازعات الإدارية، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة، الجزائر، 2009، ص. 221.

[9] - عبد الله طلبة، الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، منشورات جامعة حلب، سوريا، دون سنة نشر، ص. 61.

[10] - عبد الكريم عروي، الطرق البديلة في حل النزاعات القضائية، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2012، ص ص.64.

[11] - عبد الكريم عروي، الطرق البديلة في حل النزاعات القضائية، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2012، ص ص.66.