1. المحور الأول: الصلح القضائي كآلية لتسوية منازعات الصفقات العمومية

1.1. الجزء الأول: مفهوم الصلح

الفرع 1: تعريف الصلح 

 عرف التقنين المدني الجزائري الصلح في المادة 459 بأنه: "عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا، وذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن ححقه".

وعرف الفقه الصلح بأنه عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو محتملا وذلك من خلال التنازل المتبادل.

كما يعرف أيضا بأنه اتفاق حول حق متنازع فيه بين شخصي بمقتضاه يتنازل أحدهم عن إدعائه مقابل تنازل الآخر عن إدعائه أو مقابل أداء شيء ما.

الفرع 2: خصائص الصلح

من خلال هذه التعريفات يمكن أن نخلص أن الصلح يمتاز بخصائص تميزه عن بعض المصطلحات، والمتمثلة في:

1- أن الصلح من عقود المعاوضة، لأن فيه تنازل طرف لآخر جزء من حقوقه التي يدعيها، مقابل نزول المتعاقد الآخر عن جزء ما يدعيه كذلك.

2- أن الصلح عقد ملزم لجانبين، حيث يلتزم كل طرف فيه اتجاه الآخر بالتنازل عما يدعيه، فلا يقوم عقد الصلح دون تنازل.

3- أن الصلح قد يكون عقدا محددا أو احتماليا وذلك بحسب تعيين أو عدم تعيين العوض الذي يناله كل طرف، فهذا صلحا محددا، أما إذا لم يحد العوض كنا أمام صلح احتمالي.

4- أن الصلح عقد رضائي لا يشترط فيه القانون شكلا خاصا، بل العقد يعد قائما بمجرد تبادل ارادتين متقابلتين بالإيجاب والقبول. وبالتالي فهو يثبت بالكتابة أو بغيرها من وسائل الإثبات.

الفرع 3: تمييز الصلح عن غيره من المفاهيم.

قد يتشابه الصلح ببعض المفاهيم والمصطلحات وقد يختلف معها، ومن هذه المصطلحات التحكيم، الوساطة، الصلح غير القضائي، التظلم الإداري، وترك الخصومة.

 1: تمييز الصلح عن التحكيم:

يتفق الصلح مع التحكيم في أن كل منهما يستند إلى الإرادات الخاصة، وكلاهما يؤدي إلى حسم النزاع، ويستندان إلى عقد يبرمه أطراف النزاع، فأساس كل منهما تصرف قانوني، فعقد اصلح هو أساس العمل التصالحي وعقد التحكيم هو أساس حكم التحكيم، ولذلك فإن كل من العملين يتأثر بما يصيب العقد من عيوب، فبطلان عقد الصلح يؤدي إلى بطلان العمل التصالحي وبطلان اتفاق التحكيم يؤدي إلى بطلان حكم المحكم وانعدامه[1].

ومثلما توجد نقاط يتفق فيها الصلح مع التحكيم، فإنهما يختلفان في أن الجهة التي تقوم بالصلح هو القاضي، بينما المحكمين في التحكيم ليسوا قضاة بل أشخاص مؤهلين للقيام بالتحكيم.

كما أن يوجد اختلاف بين القاضي المصالح والمحكم يكمن في طبيعة ولاية كل منهما، فالقاضي يستمد ولايته من القانون وحده، أما المحكم فيستمدها من إرادة الأطراف في النزاع ولا يرجع بالضرورة إلى القوانين التكميلية والتفسيرية. أما القاضي فإنه يجب عليه وهو بصد مباشرة عملية الصلح أن لا يخرج عن سلطته الأصلية، فقعد التحكيم إذا عقد نسبي بالنسبة للأشخاص ونسبي بالنسبة لموضوعه، بحيث لا يلزم بما ورد فيه، أما احكم الصادر بالصلح فهو مطلق الحجية بما ورد فيه في مواجهة جميع الأطراف[2].

 2: تمييز الصلح عن الوساطة

تعرف الوساطة على أنها طريق بديل لحل النزاع بصفة ودية، تعتمد في جوهرها على وجود طرف ثالث يكون محايد ومستقل ومحل ثقة من طرف الخصوم، يتولى مهمة تلقي وجهات نظرهم وتقريبها من أجل مساعدتهم على التوصل بأنفسهم إلى حل رضائي لنزاع القائم بينهم. وتتشابه الوساطة مع الصلح، من حيث الهدف وهو انهاء الخصومة بالطرق الودية، تكون من طرف شخص ثالث لا علاقة له بالنزاع، ويخضع كل من محضر الصلح والمحضر الذي يعده الوسيط إلى مصادقة القاضي بأمر غير قابل لطعن، ويعد كل منهما سندا تنفيذيا طبقا لمواد 995 إلى المادة 1006 ق إ م إ، أما من حيث الحجية فعقد الصلح ينتج عقد رضائي بينما الوساطة تنتهي بتقديم حلول في شكل اقتراحات أو توصيات للأطراف الذين يأخذون بها أو يرفضونها، لأن القضية ترجع أمام القاضي في التاريخ المحدد لها مسبقا، كما لا يجوز الكشف عن الوساطة كونها تم في سرية. أما الصلح فيتم في الجلسة أمام القاضي، ويختلفان كذلك في كون القاضي ملزم بعرض الوساطة على الخصوم أما الصلح فهو إجراء جوازي يتم بسعي من القاضي والخصوم.  

 3: تمييز الصلح القضائي عن الصلح غير القضائي

يعتبر الصلح قضائيا متى صادقت المحكمة عليه، وإلا فإنه يعتبر صلحا غير قضائيا، وإذا كان الصلح القضائي والصلح غير القضائي يشترط لصحتهما توافر أهلية التصرف في الأطراف وخلوها من عيوب البطلان إلا أن الصلح القضائي يتطلب لكي يصبح صلحا قضائيا حضور الطرفين أمام المحكمة وإقرارها بالتصالح وتوقيعهما على محضر الصلح بالإضافة إلى تصديق القاضي على ذلك المحضر[3].

4: تمييز الصلح عن التظلم الإداري

التظلم الإداري هو التجاء صاحب الشأن إلى الإدارة مدعيا بأن قرارها معيبا، مستهدفا إلغاؤه أو تعديله أو سحبه خلال المواعيد القانونية المقررة.

ومنه فإن الصلح يتشابه مع التظلم من حيث الهدف، فكلاهما يهدف إلى تجنب الدعاوى الإدارية، وإجراءاتها إلا أنه يمكن القول أن التظلم صلحا، فالتظلم إجراء إداري لكنه في نفس الوقت قد يكون شرطا لقبول الدعوى، والصلح إجراء يلي الدعوى إلى القضاء.

كما يختلفان من حيث الجهة التي تنظر فيه، فالصلح يتم أمام القضاء وبسعي منه أو من الخصوم أنفسهم، بينما التظلم يتم أمام الجهات الإدارية سواء كانت مصدرة القرار أو التي تعلوها مباشرة. كذلك من حيث المواعيد فقد حددت المادة 830 ق. إ. م. إ آجال التظلم، أما الصلح فهو غير محدد بمواعيد طبقا للمادة 971 ق. إ. م. إ، إذ يجوز إجراء الصلح في أية مرحلة تكون عليها الخصومة[4].

5: تمييز الصلح عن ترك الخصومة

يقصد بترك الخصومة نزول المدعي عن الخصومة التي أنشأها وعن كافة إجراءاتها بما في ذلك عريضة افتتاح الدعوى، مع احتفاظه بأصل الحق الذي يدعيه، فالمدعي بالرغم من أنه هو الذي بدأ الخصومة قد يرى أن من مصلحته تركها وإنهاؤها دون حكم في الموضوع، فربما تسرع في دعواه قبل أن تكتمل لديه الأدلة التي تمكنه من كسبها.

فعليه فإن الصلح يختلف عن ترك الخصومة، لأن الصلح هو تنازل متبادل بين الطرفين عن جزء من حقوقهما، أما في ترك الخصومة فإن التنازل عن الحقوق والإدعاءات يكون من طرف واحد. كما أنه في ترك الخصومة يمكن لتاركها إعادة وتجديد النزاع، أما في الصلح فإنه إذا أنهي النزاع فلا يمكن للمتصالح ذلك.

الفرع 4: الطبيعة القانونية للصلح

لتحديد الطبيعة القانونية للصلح، ظهرت عدة اشكالات في ذلك، ومنها:

 هل الصلح يكيف على أنه إجراء إداري أم أنه إجراء قضائي؟

الفرضية الأولى: من أجل معرفة طبيعة الصلح، فإنه يتم بالرجوع إلى تطبيق المعايير القضائية المعروفة في القانون الإداري، كما يلي:

1- الصلح إجراء إداري: طبقا للمعيار المادي الذي يرتكز على طبيعة النشاط الإداري المعتبر، يلاحظ أن الصلح هدفه الوحيد هو حل النزاع القائم بين الطرفين المتنازعين، والمتعلق بنشاط إداري، ما يكيف على أنه إجراء إداري.

2- الصلح إجراء قضائي: حسب المعيار العضوي الذي يرتكز على صفة الأشخاص أو الهيئة المختصة بإجراء الصلح، هذه الهيئة تتجسد في شخص القاضي الذي يتولى إما إصدار قرار الصلح وإما تحرير محضر الصلح، وبالتالي فإن العملية الصلحية متضمة داخل العملية القضائية عموما، وكذلك الحال بالنسبة للمعيار الإجرائي الذي يعتمد على الإجراءات الواجب إتباعها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

الفرضية الثانية: هل يكيف الصلح على أنه ذو طبيعة كاشفة أم أنه ذو طبيعة مقررة؟.

1- الصلح ذو طبيعة كاشفة: يرى البعض أن الصلح ذو طبيعة كاشفة فهو يؤكد فقط حق أو واقعة مادية موجودة وقائمة، وما دوره إلا المصادقة عليها. ويرتكز هذا الرأي على القاعدة العامة الواردة في القانون المدني المتعلق بالصلح الذي تم خارج ساحة القضاء ثم يلجؤون إلى القاضي من أجل المصادقة عليها، فهذا الرأي تجاهل الدور الإيجابي للقاضي.

إن هذا الرأي لا يخلو من الحقيقة ذلك أن الصلح عموما هو كسائر العقود يتوافر على محل رضا وسبب، ومتى توفرت هذه الشروط تحقق، وأنه فوق كل هذا كله فهو إتفاق كثيرا ما يقع خارج الدائر القضائية ويقدم لها لاحقا لكي تقوم بالمصادقة عليه، فهو إذن يتم بمعزل عن دائرة قضائية إلا تلك التي تقوم بختمه.

2- الصلح ذو طبيعة مقررة: يرى هذا الرأي أن القرار الصادر بإثبات إتفاق الصلح أنه ذو طبيعة تقريرية، ذلك أن القاضي المصالح لا يقوم فقط بالمصادقة على إتفاق الطرفين بالصلح، ولكنه يساهك أيضا في بناء مشروع الصلح من خلال إدارته لجلسة الصلح مستعملا سلطته في الأمر والنهي، وفقا لمبدأ المشروعية، وينتهي بقرار له نفس الآثار القانونية لأي قرار قضائي آخر[5].