المحور الثاني: أنواع منازعات الصفقات العمومية

الجزء الثاني: المنازعات الناشئة عند تنفيذ الصفقة

إن الغرض الأساسي من إبرام الصفقات العمومية هو تنفيذها، قصد ترتيب آثارها القانونية بالنسبة لأطرافها، فتولد حقوق والتزامات في مواجهتهما.

غير أن ما يميز الصفقة العمومية هو عدم المساواة بين الأطراف المتعاقدة لاسيما عند تنفيذها، حيث أن تمتع المصلحة المتعاقدة بامتيازات السلطة العامة يجعلها في مركز غير متساوي مع المتعامل معها، لاسيما في حالة تعسفها في استعمال امتيازاتها أو تخلفها عن تنفيذها مما يؤدي ذلك إلى إلحاق الضرر بالمتعاقد معها، الأمر الذي يجعله مضطرا لأن يلجأ إلى القضاء قصد إلغاء تصرف الإدارة غير المشروع أو المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه.

وعليه، فإن المنازعات التي تثور في مرحلة التنفيذ، سواء قبل التنفيذ أو أثناءه أو عند التسليم النهائي، قد تتعلق إما بإخلال المتعامل المتعاقد بالتزاماته التعاقدية تجاه المصلحة المتعاقدة، أو بإخلال هذه الأخير لالتزاماتها المالية تجاه المتعامل المتعاقد معها. كما قد تنشأ هذه المنازعات بسبب خارج عن إرادة الطرفين.

الفرع الأول: المنازعات الناشئة عن إخلال المتعامل المتعاقد بالتزاماته  

تتجسد صور اخلال المتعامل المتعاقد مع الإدارة في احدى الصور التالية: الامتناع عن التنفيذ، أو التأخير في التنفيذ، أو القيام بتنفيذ الصفقة بصورة غير لائقة أو على نحو غير متفق عليه. فيترتب على ذلك لجوء المصلحة المتعاقدة إلى توقيع جزاءات عليه، حسبما هو متفق عليه في العقد، فقد تتمثل هذه الجزاءات في: جزاءات مالية تتمثل –حسب المادة 147 من المرسوم- في فرض غرامات بسبب التأخير في التنفيذ، كما يمكن لها اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض في حالة التنفيذ غير المطابق لما تم اتفاق عليه.

كما يمكن للمصلحة المتعاقدة بما لها من امتيازات توقيع جزاءات غير مالية ، تتمثل في:    

1- الجزاءات الضاغطة: وهي جزاءات غير اتفاقية لم ترد في بنود العقد، بحيث لا يمكن للمصلحة المتعاقدة اللجوء إليها إلا في حالة ارتكاب المتعامل المتعاقد لخطأ جسيم، مع وجوب إعذاره ومنحه مهلة للتنفيذ، ويتعين على المصلحة المتعاقدة تحديد شروط اللجوء إليها قبل فرضها على المتعاقد. ومن أمثلة هذه الجزاءات: الشراء على حساب المورد، وضع المرفق تحت الحراسة، وضع المقاولة تحت الإدارة المالية.

2- الفسخ: هو أشد جزاء تفرضه المصلحة المتعاقدة على المعامل المتعاقد معها، نصت عليه المواد من 149 إلى المادة 152 من المرسوم، إذ قد تلجأ المصلحة المتعاقدة في حالة عدم تنفيذ المتعامل المتعاقد لالتزاماته التعاقدية، فتوجه له المصلحة المتعاقدة اعذارا ليفي بها أجل محدد. وإذا لم يتدارك المتعاقد تقصيره في الأجل الذي حدده الاعذار ، فإن المصلحة المتعاقدة يمكنها أن تقوم بفسخ الصفقة العمومية من جانب واحد، ويمكنها القيام بفسخ جزئي للصفقة. 

3- الاقصاء من المشاركة في الصفقات العمومية: نصت على هذا الجزاء المادة 75 من المرسوم الرئاسي 15/247، وقد حددت هذه المادة على سبيل الحصر المتعاملون الاقتصاديون الذين يتم اقصاؤهم بشكل مؤقت أو نهائي من المشاركة في الصفقات العمومية.

الفرع الثاني: المنازعات الناشئة نتيجة اخلال المصلحة المتعاقدة بالتزاماتها

قد تكون هذه النزاعات ناشئة بسبب اخلال الإدارة بالتزاماتها المالية وغير المالية اتجاه المتعاقد معها، وإما قد تكون نزاعات ناشئة بفعل ممارسة الإدارة للسلطات الممنوحة لها:

1- الصورة الأولى: النزاعات الناشئة بسبب اخلال الإدارة بالتزاماتها المالية وبالتزاماتها غير المالية اتجاه المتعاقد معها:

- فقد يحدث إخلال المصلحة بالتزاماتها المالية في حالة عدم تسديد المقابل المالي المتفق عليه، أو التأخير في تسديده وفق الآجال المتفق عليها، كما قد تنشأ نزاعات بسبب رفض الإدارة المتعاقدة مراجعة الأسعار أثناء التنفيذ، أو بسبب حجز مبلغ الضمان بعد التسليم. وقد تنشأ أيضا نزاعات بين المصلحة المتعاقدة والمناول في عقد المناولة الذي نصت عليه المادة 43/ف 2 من المرسوم الرئاسي 15/247.

- ويكون إخلال المصلحة بالتزاماتها العقدية غير المالية في حالة عدم تقديم المواد الضرورية لتنفيذ الصفقة، أو عدم تسليم الأرضية التي سوف يقام عليها المشروع.

2– الصورة الثانية: النزاعات الناشئة بفعل ممارسة الإدارة للسلطات الممنوحة لها

يمكن للمصلحة المتعاقدة أن تتعسف في استعمال سلطاتها، فتستخدمها على نحو غير مشروع مما قد يسبب أضرار للمتعاقد معها، كما قد تستعمل سلطاتها بصفة مشروعة ولكن مع ذلك تسبب ضررا للمتعاقد معها، وفي كلا الحالتين توجبان حق التعويض للمتعامل المتعاقد المتضرر من سلطاتها.

الفرع الثالث: النزاعات الناشئة بسبب خارج عن إرادة طرفي الصفقة (أحداث غير متوقعة)

قد تنشأ نزاعات حول تنفيذ الصفقة ترجع لأسباب خارجة عن إرادة الطرفين بسبب وقائع وأحداث غير متوفعة تؤدي إلى استحالة التنفيذ، وبالتالي ترتب أضرارا تستوجب حق التعويض للمتعاقد المتضرر وتأخذ هذه النزاعات عدة أشكال.

-  نزاعات بسبب صعوبات مادية غير متوقعة: كأن تكون أرضية التنفيذ ذات طبيعة استثنائية غير متوقعة، فتزيد من الأعباء المالية على المتعاقد، مما يؤدي إلى تعويض المتعاقد المرهق.

-  نزاعات بسبب حدوث قوة قاهرة: القوة القاهرة هي حادث مستقل عن إرادة طرفي العقد وغير متوقعة، تحول بصورة مطلقة عن تنفيذ مجموع الالتزامات العقدية أو بعضها.

-  نزاعات بسبب حدوث ظرف طارئ: هي ظروف غير متوقعة، ولكن لا تؤدي إلى استحالة التنفيذ وإنما تؤدي إلى وقوع المتعاقد في خسارة مع بقائه ملتزما بالمتابعة، وهنا وجب على الإدارة تحمل جزء من هذه الخسارة، مثل رفع أسعار المواد الضرورية للصفقة أو ندرتها. ويترتب على نظرية الظروف الطارئة حصول المتعاقد على تعويض جزئي من الإدارة تحت رقابة القضاء.



[1] - لكن هذا المبدأ ليس مبدأ مطلق بل ترد عليه قيود تقتضيها المصلحة العامة، التي تسمح للإدارة العامة ابعاد بعض الراغبين بالتعاقد إما مؤقتا أو نهائيا مع الإدارة، وذلك في حالات تتمثل في: عند تأخر انجاز الصفقة عن المدة المتفق عليها، إذا وقع من المتعاقد غش أو خطأ جسيم في ابرام الصفقة أو تنفيذها، إذا امتنع عن أداء التأمين النهائي أو إذا وقع منه احتيال في تعامله.  

لحسين بن شيخ آث ملويا، قانون الإجراءات الإدارية، دار هومة، الجزائر، 2012، ص.636 وما بعدها.