المحور الثاني: أنواع منازعات الصفقات العمومية

الجزء الأول: المنازعات الناتجة عن ابرام الصفقة العمومية

 

يقصد بهذه المنازعات، المنازعات التي تنشأ في المرحلة التمهيدية لإبرام الصفقة العمومية، بسبب وجود مخالفات في دفتر الشروط ومخالفة الإدارة للأشكال والإجراءات المقررة قانونا، إذ أن الصفقة العمومية لا يمكن إبرامها إلا وفقا لإجراءات خاصة ومحددة مسبقا، فهي ترتبط بالمال مما يجعل ابرامها يخضع لمبدأ الشفافية والمساواة والمنافسة، وبالتالي فإن أي اخلال لهذه المبادئ يؤدي إلى نشوء نزاعات، ومن هنا تظهر المنازعات التي تنشأ في مرحلة الإبرام والمتمثلة في:

الاخلال بمبدأ الشفافية: إن الاخلال بالشفافية في إجراءات الصفقات العمومية تخلق جنحة المحاباة التي امتدت إلى عقود القانون العام، ونظرا لما تنطوي عليه هذه الجريمة من اهدار للمال العام والفساد في مجال الصفقات العمومية، فقد أقر المشرع بوجوب مكافحة الفساد وضبط قانون لمكافحته، كما نص في المرسوم الرئاسي المنظم للصفقات العمومية على مكافحة الفساد في المواد من 88 إلى 94 منه.

ومن جهة أخرى أقر وجوب اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز الشفافية في تسيير الأموال العمومية، حيث أكد على ضرورة تكريس القواعد التالية التي تحقق مبدأ الشفافية والمتمثلة في:

-       علانية المعلومات المتعلقة بإجراءات [رام الصفقات العمومية.

-       الاعداد المسبق لشروط المشاركة والانتقاء.

-       وضع معايير موضوعية ودقيقة لاتخاذ القرارات المتعلقة بابرام الصفقات العمومية.

-       ممارسة كل طرق الطعن الادارية والقضائية في حالة عدم احترام قواعد الإبرام.

فمن خلال هذه القواعد سالفة الذكر نجد أن مبدأ الشفافية يقوم على مبدأ العلانية الذي يعد وسيلة ضمان واحترام للقانون، فهي تحقق اجتناب الإدارة لأجواء الشك في التعامل، ويحقق النزاهة في مرحلة الإبرام. وخلق جو المنافسة ويحقق الإعلان عن الصفقة الذي يجب أن يكون يجب أن يكون له بيانات خاصة ليتسنى للكافة العلم التام بموضوع الصفقة.

الاخلال بمبدأ المساواة بين المتنافسين: أكد المرسوم الرئاسي 15/247 على ضرورة احترام هذا المبدأ، وذلك للاستعمال الحسن للمال العام، حيث نصت المادة 5 من المرسوم على أنه: "لضمان نجاعة الطلبات العمومية والاستعمال الحسن للمال العام، يجب أن تراعى في الصفقات العمومية مبادئ حرية الوصول للطلبات العمومية والمساواة في معاملة المرشحين وشفافية الإجراءات، ضمن احترام أحكام هذا المرسوم".

وعليه فإنه لا يجوز للإدارة أن تمنح فرصة التنافس لبعض الأشخاص دون البعض الآخر، ولكن يحق لها أن تحدد من لهم الحق الاشتراك في الصفقة ابتداء دون الاخلال بمبدأ المساواة.

الاخلال بمبدأ العلنية (الاشهار): تلتزم الإدارة بإعلان الصفقة العمومية وذلك بنشرها في الجرائد اليومية، حيث نصت المادة 61 من المرسوم الرئاسي 15/247 على أنه: "يكون اللجوء إلى الاشهار الصحفي إلزامي في الحالات الآتية: طلب العروض المفتوح، طلب العروض المفتوح مع اشتراط قدرات دنيا، طلب العروض المحدود، المسابقة، التراضي بعد الاستشارة، عند الاقتضاء". ومبدأ العلنية يشمل جميع مراحل ابرام الصفقة وكل مخالفة لهذا الإجراء يتيح للمتضرر المطالبة بحقوقه باستعمال الوسائل القانونية.

وبتحقق مبدأ العلنية يتحقق معه مبدأ حرية المنافسة العامة[1]، الذي يتعين على الإدارة أن تقف موقف المحايد ازاء المنافسين.

وعليه، نخلص إلى أن المنازعات الناشئة في مرحلة التنفيذ ترجع بالأساس إلى مخالفة الإدارة المتعاقدة لإجراءات وشروط إبرام الصفقات العمومية،  فقد تكون مخالفتها لكيفية إبرام الصفقة كأن تختار طريقة التراضي على حساب طلب العروض، أو قد تكون المخالفة في قواعد الاشهار المنصوص عليها في المادتين 61 و 62 من المرسوم الرئاسي 15/247، وكذا المادة 65 المتعلقة باللغة.

ولتسوية النزاع القائم في مرحلة الغبرام، مكن المشرع المتعهد المتضرر من اخلال المصلحة المتعاقد، الخيار بين رفع الطعن الإداري أمام لجنة الصفقات العمومية المختصة –حسب المادة 82 من المرسوم- وذلك في حالة احتجاجه على قرار المنح المؤق للصفقة أو إلغائه، أو في حالة إعلان عدم الجدوى أو إلغائه. أو أن يرفع دعوى استعجاليه أمام المحكمة الإدارية المختصة وذلك في حالة اخلال المصلحة المتعاقدة بقواعد الاشهار والمنافسة، طبقا للمادة 946 من ق.إ.م.إ.