1. مبدأ الفصل بين السلطات

تقوم دولة القانون على مبادئ و ضمانات إذا اكتملت في المجتمع توفرت لديه الشروط لكي يرقى إلى مصاف دولة قانونية فعلية، يتميز حكمها بالرشد ويسمو فيها القانون، وهذا الحكم الراشد هو الذي يسعى إلى إرساء أركان ومبادئ دولة القانون.

 تم تحديد الضمانات التي يجب أن تتوفر لقيام دولة القانون من قبل القانون الدستوري المعاصر، وتتجسد هذه الضمانات في الدستور ونتطرق في هذا الفرع إلى مبدأ الفصل بين السلطات، التعددية الحزبية والتداول على السلطة.

أولا: المقصود بمبدأ الفصل بين السلطات

يعتبر هذا المبدأ لبنة هامة في صرح دولة القانون، ولقد جاء تتويجا لنضال الشعوب من أجل سيادتها وليضع حدا للاستبداد والتسلط القائم على تركيز السلطات والانفراد بالحكم.

تم تطوير هذا المبدأ من طرف " مونتسيكيو" الذي وصل إلى أن هذه النظرية تفترض أن السلطات الثلاث الرئيسية في الدولة ( التنفيذية، التشريعية، القضائية ) تمارس عن طريق أنظمة مختلفة تكون هذه السلطات متساوية ومكملة لبعضها البعض، السلطة التنفيذية تنفذ القوانين، تسير الإدارة، تقود السياسة الخارجية وسياسة الدفاع، البرلمان يصادق على القوانين، ويراقب السلطة التنفيذية، يمارس اختصاصات مالية وفي بعض الأحيان قضائية.

ويقصد بهذا المبدأ تحقيق الفصل المتوازن بين السلطات العامة الثلاث في الدولة بحيث تحترم كل منها القواعد التي وضعها الدستور لممارسة اختصاصاتها دون أن تخرج عليه أو تعتدي على اختصاصات سلطة أخرى.

 إن مهمة السلطة التشريعية يجب أن تنحصر في سن التشريعات والقوانين المختلفة وتقوم السلطة التنفيذية بتنفيذ هذه القوانين تحقيقا للمصلحة العامة، ويعهد إلى السلطة القضائية بالفصل في المنازعات التي ترفع أمامها.

هذا من الناحية الموضوعية، أما من الناحية الشكلية فيجب ألا يسمح بتداخل هذه الأجهزة أو اندماجها في بعضها.

حسب الفقيه " مونتيسكيو" أن استقلال السلطات و الفصل بين اختصاصاتها يؤدي أن كل سلطة ستوقف السلطة الأخرى إذا ما حاولت الاعتداء على اختصاص مقرر لها أو تجاوزت حدودها فكل سلطة توقف السلطةarrêté le pouvoir   le pouvoirوهذا يحقق رقابة متبادلة بين السلطات العامة.

ولكن المبدأ لا يمنع من وجود القدر اللازم من التعاون بين السلطات العامة فيما بينها لتنفيذ وظائفها في توافق وانسجام، وبذلك يمثل مبدأ الفصل بين السلطات ضمانة أساسية لقيام الدولة القانونية، لأنه لو اجتمعت السلطات كلها في يد واحد فلن يكون هناك التزام بالدستور، ولا ضمان لمراعاة المساواة بين الأفراد واحترام لحقوقهم وحرياتهم وينتهي الأمر بإساءة استعمال هذه السلطات.

ثانيا: نشأة مبدأ الفصل بين السلطات

مبدأ الفصل بين السلطات يعتبر أحد المبادئ الجوهرية التي تتأسس عليها النظم الديمقراطية في البلاد الغربية، وفي كل نظام ديمقراطي في الواقع، وقد ارتبط هذا المبدأ باسم المفكر الفرنسي" مونتسيكيو" الذي عاش في القرن الثامن عشر( 1689- 1800) وقد عرض " مونتسيكيو" لمبدأ الفصل بين السلطات بوضوح كامل في كتابه الشهير " روح القوانين" الذي أصدره عام 1741.

والحقيقة أن " مونتسيكيو" لم يكن أول من أعلن هذا المبدأ، فأفلاطون وأرسطو وهم فلاسفة الإغريق الكبار في العصر ما قبل الميلاد، سبقا أن أشارا إلى مبدأ الفصل بين السلطات كذلك الفيلسوف الإنجليزي" جون لوك" " John loke"، وهو من فلاسفة القرن السابع عشر سبق أن كتب عن هذا قبل "مونتسيكيو".

وقد طبقت إنجلترا مبدأ الفصل بين السلطات ابتداءا من القرن السابع عشر(17) متأثرة بفكرة فيلسوفها" جون لوك"، بالإضافة إلى التجارب العلمية الإنجليزية في تطور نظام الحكم البرلماني فيها.

ولكن رغم أن مبدأ الفصل بين السلطات ظهر في الفكر السياسي قبل عهد الفيلسوف الفرنسي" مونتسيكيو"، إلى أن ''مونتسيكيو'' كان له الفضل الكبير في إبراز مضمون هذا المبدأ ومزاياه بوضوح، وصياغة محكمة دقيقة، لذلك كان من الطبيعي أن يرتبط هذا المبدأ باسمه ويقترن به وبكتابه المشهور" روح القوانين".

في نظر " مونتسكيو" فإن التقسيم الثلاثي للسلطة بمعناه العملي، ليس مجرد نتيجة للظاهرة السياسية، بل أنه الوسيلة الناجعة التي تمنع الاستعمال التعسفي للسلطة، لذلك يجب أن تقسم السلطة إلى ثلاث سلطات، ( تنفيذية، تشريعية، قضائية ).

وقد استفاد" مونتسيكيو" في شرحه الفصل بين السلطات بأفكار ''جون لوك'' وتجربة إنجلترا خلال القرنين السابع والثامن عشر(17 و18)، فكانت التجربة الإنجليزية نحو إقرار وتدعيم نظام الحكم البرلماني الذي بدأت تتضح معالمه في إنجلترا يطبق هذا المبدأ على نحو مثالي.

ولقد تكرس مبدأ الفصل بين السلطات في المجتمعات الغربية، بعد أن ناد به الفيلسوف الفرنسي" مونتسيكيو" واستقر به العمل في مختلف الأنظمة الديمقراطية وأصبح اليوم يعد من الأركان الأساسية في الدولة القانونية.

و حسب الكثير من الفقهاء إن مبدأ الفصل بين السلطات تبنته الدولة الإسلامية في مختلف أطوارها فتجلى بوضوح في تعاون الأمراء والفقهاء والأعيان في القيام بوظائف الحكم واقتسام السلطات، فإن كان الأمراء يحتلون مركز الرئاسة والخلافة، ويتركون وظيفة القضاء والعلماء والفقهاء ومهمة التشريع لأولي الحل والعقد وهم الأعيان، وأهل العصبة وكذلك العلماء وأهل الفتوى.

لكن هذا التقسيم لم يكن دائما هو السائد على أرض الواقع إذ أن الكثير من حكام الدولة الإسلامية كان يستبد بالسلطة ويركزها بيده ولكن المبدأ العام عند سلفنا كان هو الفصل وليس الجمع بين السلطات.

أما في الدولة العربية المعاصرة، فهو مبدأ متواجد في معظم الأنظمة المعاصرة من الناحية القانونية الدستورية، أما كواقع فلا نلاحظ له وجود فعلي، لا في الملكيات ولا في الجمهوريات رغم أننا نمتلك اتحادا للبرلمانات العربية الصورية التي لا تتعدى في جوهرها وظيفة الغرف التسجيلية.

ففي بعض دول العالم الثالث بصفة عامة، نجد أنه رغم إقرار دساتير هذه الدول لمبدأ الفصل بين السلطات بشكل مباشر أو غير مباشر فإن هذا الإقرار لا يعني إعمال هذا المبدأ وتطبيقه في الواقع، فموقع المبدأ في هذه الأنظمة يخضع لأوضاع كل دولة، وللأسس النظرية والقيم والمثل العليا لمجتمعاتها ولظروفها السياسية والاجتماعية وحتى للمرافق النظرية، مما يؤكد هشاشة هذه الأنظمة وضعفها وبنيوية وهيكلة نظمها الدستورية، فدساتيرها لا تعكس الواقع السياسي ولا ما يحدث في الواقع، فمسألة تنظيم السلطة في دول العالم الثالث تتحكم فيها بالدرجة الأولى الممارسة الفعلية للسلطة، والأوضاع الخاصة بهذه البلدان.

ثالثا: مضمون مبدأ الفصل بين السلطات

يحتل مبدأ الفصل بين السلطات العامة في الدولة مكانة هامة في الفقه الدستوري الحديث، حتى أنه يعتبر حجر الزاوية في النظم النيابية وهو ضمان أساسي من ضمانات قيام الدولة القانونية، لماذا احتل فصل السلطات هذه المكانة المهمة لدرجة أن هذه النظرية أصبحت عند الدستوريين أساس تصنيف الأنظمة السياسية، فهناك أنظمة ذات فصل للسلطات( فصل جامد أو مرن).

 تهدف نظرية الفصل بين السلطات إلى تحقيق التوازن عن طريق آليات أو خلق سلطة معاكسة، أي أن كل سلطة توقف الأخرى عند تجاوزها لحدودها المنصوص عليها قانونيا، فالهدف هو خلق حكومة متطورة تحمي الحرية السياسية، و نظام الفصل بين السلطات يمكن تطبيقه في التقسيم الفدرالي للدولة أو الجهوي و اللامركزي.

وبقدر ما تكون الانتخابات مؤشرا ووسيلة لاستقلالية الدولة اتجاه المجتمع، تمر دون أن يلحظها أحد تصبح الإجراءات القانونية المترتبة عن مبدأ فصل السلطات المركزية، في كل شرح للقانون الدستوري وكما أقرته المادة 16 من إعلان الحقوق لسنة 1789- السارية المفعول حاليا- أن كل مجتمع لا تتوفر فيه ضمانة للحقوق مؤمنة ولا فصل للسلطات محدد ليس له دستور البتة، لقد استطاع علماء القانون لمدة طويلة أن يخلطوا ما بين فصل السلطات والدستور وما بين الدستور والحرية، تاركين الإيديولوجيات القانونية الليبرالية تنطلق على سجيتها.

غير أنه علينا أن نعيد قراءة "مونتسيكيو" ونكتشف أن كل حديث علماء القانون غائب عنه، ولا يرتكز تحليل "مونتسيكيو" كما ساد الاعتقاد على مراقبة المؤسسات الإنجليزية في عصره بل على تحديده للحرية السياسية.

 إن الفصل السادس من دستور إنجلترا هو قسم من الكتاب الحادي عشر وعنوانه كالتالي:" في القوانين التي تشكل الحرية السياسية في علاقتها مع الدستور"، وقد كرست الفصول الأربعة الأولى من الكتاب لتحديد الحرية، وهنا تقع بالتحديد نقطة انطلاق "مونتسيكيو" وهمه الأساسي.

حيث يرى "مونتسيكيو" أن تركيز السلطات العامة في هيئة واحدة أو في يد فرد واحد، من شأنه أن يؤدي حتما إلى الاستبداد وضياع الحريات الفردية، حتى ولو كانت تلك الهيئة هي مجلس نيابي شعبي، فلابد أن ينتج عن تركيز السلطات في مثل هذا المجلس شيوع الحكم المطلق وإهدار الحريات.

ويبني "مونتسيكيو" هذا الرأي على ملاحظة الحقيقة الواقعية التي أبرزها التاريخ، وهي أنه في كل مرة تتجمع السلطة أو السلطات في قبضة فرد أو هيئة واحدة، كانت النتيجة دائما واحدة وهي سيادة الديكتاتورية والاستبداد، وفي النهاية اختفاء حريات الأفراد.

لذلك يرى" مونتسيكيو" أنه لكي نضمن حريات الأفراد وحقوقهم لابد من تقسيم وتوزيع سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية و القضائية على هيئات منفصلة ومتوازنة وفي ظل هذا الفصل بين السلطات يكون لكل هيئة أو سلطة من السلطات الثلاث حق التقرير في حدود وظيفتها، كما يكون لها وسائل لتقييد السلطة الأخرى ومنعها من الانحراف، ويركز "مونتسيكيو" على هذه الفكرة الأخيرة قائلا أنه يجب على السلطة أن توقف السلطةLe pouvoir arrêté le pouvoir"''.

بمعنى أن كل سلطة من السلطات الثلاث يجب أن تراقب السلطة الأخرى، وأن تلك الرقابة المتبادلة بين السلطات بالذات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من شأنها أن تحقق الحماية لحقوق وحريات الأفراد وأن تحقق سيادة الشرعية في الدولة.

وقد أثرت فكرة "مونتسيكيو" عن مبدأ الفصل بين السلطات في الدول الديمقراطية  التي اعتنقت هذا المبدأ في دساتيرها.

فبجانب انجلترا التي كانت تطبق مبدأ الفصل بين السلطات، بناء على نظام الحكم البرلماني الذي بدأت تطوراته منذ القرن السابع عشر (17)، فقد تلقفت الولايات المتحدة الأمريكية والثورة الفرنسية مبدأ فصل السلطات وطبقته على الفور في دساتيرها منذ نهاية القرن الثامن عشر ( 18).

ولكن دستور الولايات المتحدة الصادر عام 1787، وكذلك أول دستور فرنسي عقب الثورة وهو دستور 1791 قد أخذ بمعنى متطرف يتضمن الفصل الجامد والمطلق بين السلطات، وعلى نحو تحول دون التعاون بينهما وهذا ما لا يستقيم مع واقع عمل الحكومات في ظل الأنظمة السياسية المختلفة، وذلك على خلاف الفكرة الأصلية لـ: "مونتسيكيو" والتي تفيد الفصل المرن بين السلطات بحيث يتحقق التعاون والرقابة المتبادلة بينهما وبالذات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ولكن يلاحظ أن الدساتير الفرنسية اللاحقة عملت على تحقيق تلك المرونة التي ناد بها "مونتسيكيو"، والتي تؤدي إلى تحقيق التقييد المتبادل بين السلطات أو الرقابة المتبادلة بينها بجانب قدر من التعاون.

مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور الجزائري

لقد عالج الدستور الجزائري مبدأ الفصل بين السلطات بحيث خصص لكل منهما بابا معينا يحدد لها مفاهيمها وصلاحيتها ولكن الدستور الجزائري لسنة 1976، استعمل مصطلح الوظيفة بدل السلطة ربما إيحاء منه بوجوب وحدة القيادة واعتبار الهيئات العمومية مضطلعة بخدمة الشعب صاحب السيادة، لأن الدستور قد أعلن مرات عديدة مبدأ سيادة الشعب بل تضمنت المادة الخامسة منه صراحة ( السيادة للشعب، يباشرها عن طريق الاستفتاء أو بواسطة منتخبين).

لكن الدستور الجزائري لسنة 1976 قد سبّق من حيث الترتيب، السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية بل حدد صلاحيات هذه الأخيرة على سبيل الحصر، وهذا ما اقتضته المادة 151، التي أدخلت ضمن صلاحيات السلطة التنفيذية، كل من لم يدرج بصريح النص ضمن صلاحيات السلطة التشريعية، وبذلك فقدت هذه الأخيرة أهم صلاحياتها التقليدية المتعلقة بتوزيع الصلاحيات، طالما نظمها الدستور بصريح العبارة.

أما المادة 153 من الدستور فقد انتهكت صراحة مبدأ احتكار السلطة التشريعية لسن قوانين بحيث خولت هذه المادة لرئيس الجمهورية، صلاحيات إصدار أوامر في مستوى قيمة النصوص التشريعية وقيدت ذلك بفترة ما بين الدورات أي دورتي المجلس التشريعي، كما قيدتها بوجوب عرضها للموافقة في أول دورة مقبلة.

بصدد القيد الأول، ليس هناك ما يمنع من تقديم أي مشروع قانوني للمجلس التشريعي، أو تأخيره وفيما يخص القيد الثاني، إن إصدار قواعد قانونية نافذة ثم عرضها بعد مدة للموافقة لأول دورة من شأنه أن يجعل المجلس التشريعي أمام الأمر الواقع اعتبارا للحقوق التي اكتسبتها هذه النصوص.

أما في دستور 1989 نجده قد أحل مبدأ الفصل بين السلطات والتعددية السياسية والحزبية محل مبدأ وحدة السلطة والحزب الواحد، فوزع السلطات إلى تشريعية، قضائية، تنفيذية، وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات وأسند الدستور لكل سلطة اختصاصاتها، وبالفعل فقد كرس دستور 1996 هذا المبدأ، كما كرس ثنائية السلطة التنفيذية ولم يكتف بهذا بل أسس ثنائية الجهاز التشريعي، وتبنى ازدواجية القضاء، فعمق بذلك التجربة الديمقراطية، وذهب بعيدا في تجسيد مبدأ الفصل بين السلطات.

رابعا: مزايا مبدأ الفصل بين السلطات

يحتوي مبدأ الفصل بين السلطات على عدة مزايا نجملها فيما يلي:

1/ حماية الحريات ومنع الاستبداد

 هي الميزة الأولى والأساسية لمبدأ الفصل بين السلطات، والمبرر الأساسي للأخذ بهذا المبدأ، فلا توجد الحريات ولا حماية لها دون الفصل بين السلطات وبالذات الفصل بين السلطتين التشريعية التي تضع القوانين وبين السلطة التنفيذية التي تتولى تنفيذها، لذا يؤكد "مونتسيكيو": "إن الحرية لا توجد إلا في الحكومات المعتدلة، ولكن حتى في الدول المعتدلة لا توجد الحرية دائما، فهي تتحقق فقط حينما تتقيد السلطة ويمتنع إساءة استعمالها، ومن الخطر جمع السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية في يد شخص واحد أو هيئة واحدة، وتنتفي الحرية أيضا إذا لم تكن السلطة القضائية مستقلة عن سلطتي التشريع و التنفيذ.

 ويستطرد "مونتسيكيو" قائلا:" إن التجربة الأبدية المستمرة تؤكد أن كل إنسان يملك سلطة ما بطبيعته لإساءة استخدامها إذ يشترط في استعمالها أن يجد قيودا توقفه، إن الفضيلة السياسية ذاتها تحتاج إلى حدود، ولكي لا تتحقق إساءة استعمال السلطة، يجب أن نعمل على أن السلطة توقف السلطة، أي يجب أن تفصل بين السلطات حتى تقيد كل سلطة الأخرى بناء على وسائل للرقابة المتبادلة بين السلطات، وهكذا يكون مبدأ الفصل بين السلطات بما يحققه من رقابة متبادلة هو الكفيل بصيانة حقوق الأفراد وحرياتهم، لأن البديل هو جمع السلطات وتركيزها في يد واحدة أو هيئة واحدة لابد وأن تؤدي إلى التحكم والاستبداد وضياع هذه الحقوق والحريات.

2/ إتقان وحسن أداء وظائف الدولة

يحقق مبدأ الفصل بين السلطات  تقسيم العمل والتخصص، الذي من شأنه أن يحقق إتقان كل هيئة لوظيفتها وحسن أدائها، فمن الثابت أن التخصص وتقسيم العمل يؤدي إلى إتقان العمل ليس فقط في مجال علم الإدارة بل أيضا في المجال السياسي، فقد لاحظ "مونتسيكيو" أن وظائف الدولة هي ثلاث وظائف، الوظيفة التشريعية التي تتمثل في صنع وإقرار القوانين وتعديلها، والوظيفة التنفيذية التي تتضمن تنفيذ هذه القوانين وإقامة الأمن والعلاقات الدبلوماسية، وأخيرا الوظيفة القضائية التي تتمثل في تطبيق القوانين على المنازعات بين الأفراد ( أو بين الأفراد والإدارة التنفيذية).

ومن ثمة يكون من الضروري توزيع الوظائف الثلاث على هيئات منفصلة تراقب بعضها بعضا للأجل حسن أداء كل هيئة لوظيفتها نتيجة تخصصها، وقد لاحظ "مونتسيكيو" أن وظيفة التشريع تتطلب مجلس كبير العدد حتى تضمن عدالته وحسن صياغته، ولذلك فالبرلمان المنتخب هو الهيئة الملائمة للقيام بوظيفة التشريع، وكذلك الوظيفة التنفيذية للقوانين لا يمكن أن تعطى لمجلس كبير العدد، بل من الأفضل للفاعلية والسرعة أن تتولاها حكومة محدودة العدد، و الوظيفة القضائية يجب أن تتولاها هيئة قضائية متخصصة، وتتميز ببعدها عن الصراع السياسي لضمان العبرة في تفسير وتطبيق القانون في المنازع.