المبادئ التي تقوم عليها الأنظمة السياسية المعاصرة.
الموقع: | Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2 |
المقرر: | الأنظمة السياسية |
كتاب: | المبادئ التي تقوم عليها الأنظمة السياسية المعاصرة. |
طبع بواسطة: | Visiteur anonyme |
التاريخ: | Saturday، 23 November 2024، 1:45 PM |
الوصف
تتمثل هذه المبادئ في:
مبدأ الفصل بين السلطات.
التداول علي السلطة.
التعددية الحزبية و النظام الإنتخابي.
1. مبدأ الفصل بين السلطات
تقوم دولة القانون على مبادئ و ضمانات إذا اكتملت في المجتمع توفرت لديه الشروط لكي يرقى إلى مصاف دولة قانونية فعلية، يتميز حكمها بالرشد ويسمو فيها القانون، وهذا الحكم الراشد هو الذي يسعى إلى إرساء أركان ومبادئ دولة القانون.
تم تحديد الضمانات التي يجب أن تتوفر لقيام دولة القانون من قبل القانون الدستوري المعاصر، وتتجسد هذه الضمانات في الدستور ونتطرق في هذا الفرع إلى مبدأ الفصل بين السلطات، التعددية الحزبية والتداول على السلطة.
أولا: المقصود بمبدأ الفصل بين السلطات
يعتبر هذا المبدأ لبنة هامة في صرح دولة القانون، ولقد جاء تتويجا لنضال الشعوب من أجل سيادتها وليضع حدا للاستبداد والتسلط القائم على تركيز السلطات والانفراد بالحكم.
تم تطوير هذا المبدأ من طرف " مونتسيكيو" الذي وصل إلى أن هذه النظرية تفترض أن السلطات الثلاث الرئيسية في الدولة ( التنفيذية، التشريعية، القضائية ) تمارس عن طريق أنظمة مختلفة تكون هذه السلطات متساوية ومكملة لبعضها البعض، السلطة التنفيذية تنفذ القوانين، تسير الإدارة، تقود السياسة الخارجية وسياسة الدفاع، البرلمان يصادق على القوانين، ويراقب السلطة التنفيذية، يمارس اختصاصات مالية وفي بعض الأحيان قضائية.
ويقصد بهذا المبدأ تحقيق الفصل المتوازن بين السلطات العامة الثلاث في الدولة بحيث تحترم كل منها القواعد التي وضعها الدستور لممارسة اختصاصاتها دون أن تخرج عليه أو تعتدي على اختصاصات سلطة أخرى.
إن مهمة السلطة التشريعية يجب أن تنحصر في سن التشريعات والقوانين المختلفة وتقوم السلطة التنفيذية بتنفيذ هذه القوانين تحقيقا للمصلحة العامة، ويعهد إلى السلطة القضائية بالفصل في المنازعات التي ترفع أمامها.
هذا من الناحية الموضوعية، أما من الناحية الشكلية فيجب ألا يسمح بتداخل هذه الأجهزة أو اندماجها في بعضها.
حسب الفقيه " مونتيسكيو" أن استقلال السلطات و الفصل بين اختصاصاتها يؤدي أن كل سلطة ستوقف السلطة الأخرى إذا ما حاولت الاعتداء على اختصاص مقرر لها أو تجاوزت حدودها فكل سلطة توقف السلطةarrêté le pouvoir le pouvoirوهذا يحقق رقابة متبادلة بين السلطات العامة.
ولكن المبدأ لا يمنع من وجود القدر اللازم من التعاون بين السلطات العامة فيما بينها لتنفيذ وظائفها في توافق وانسجام، وبذلك يمثل مبدأ الفصل بين السلطات ضمانة أساسية لقيام الدولة القانونية، لأنه لو اجتمعت السلطات كلها في يد واحد فلن يكون هناك التزام بالدستور، ولا ضمان لمراعاة المساواة بين الأفراد واحترام لحقوقهم وحرياتهم وينتهي الأمر بإساءة استعمال هذه السلطات.
ثانيا: نشأة مبدأ الفصل بين السلطات
مبدأ الفصل بين السلطات يعتبر أحد المبادئ الجوهرية التي تتأسس عليها النظم الديمقراطية في البلاد الغربية، وفي كل نظام ديمقراطي في الواقع، وقد ارتبط هذا المبدأ باسم المفكر الفرنسي" مونتسيكيو" الذي عاش في القرن الثامن عشر( 1689- 1800) وقد عرض " مونتسيكيو" لمبدأ الفصل بين السلطات بوضوح كامل في كتابه الشهير " روح القوانين" الذي أصدره عام 1741.
والحقيقة أن " مونتسيكيو" لم يكن أول من أعلن هذا المبدأ، فأفلاطون وأرسطو وهم فلاسفة الإغريق الكبار في العصر ما قبل الميلاد، سبقا أن أشارا إلى مبدأ الفصل بين السلطات كذلك الفيلسوف الإنجليزي" جون لوك" " John loke"، وهو من فلاسفة القرن السابع عشر سبق أن كتب عن هذا قبل "مونتسيكيو".
وقد طبقت إنجلترا مبدأ الفصل بين السلطات ابتداءا من القرن السابع عشر(17) متأثرة بفكرة فيلسوفها" جون لوك"، بالإضافة إلى التجارب العلمية الإنجليزية في تطور نظام الحكم البرلماني فيها.
ولكن رغم أن مبدأ الفصل بين السلطات ظهر في الفكر السياسي قبل عهد الفيلسوف الفرنسي" مونتسيكيو"، إلى أن ''مونتسيكيو'' كان له الفضل الكبير في إبراز مضمون هذا المبدأ ومزاياه بوضوح، وصياغة محكمة دقيقة، لذلك كان من الطبيعي أن يرتبط هذا المبدأ باسمه ويقترن به وبكتابه المشهور" روح القوانين".
في نظر " مونتسكيو" فإن التقسيم الثلاثي للسلطة بمعناه العملي، ليس مجرد نتيجة للظاهرة السياسية، بل أنه الوسيلة الناجعة التي تمنع الاستعمال التعسفي للسلطة، لذلك يجب أن تقسم السلطة إلى ثلاث سلطات، ( تنفيذية، تشريعية، قضائية ).
وقد استفاد" مونتسيكيو" في شرحه الفصل بين السلطات بأفكار ''جون لوك'' وتجربة إنجلترا خلال القرنين السابع والثامن عشر(17 و18)، فكانت التجربة الإنجليزية نحو إقرار وتدعيم نظام الحكم البرلماني الذي بدأت تتضح معالمه في إنجلترا يطبق هذا المبدأ على نحو مثالي.
ولقد تكرس مبدأ الفصل بين السلطات في المجتمعات الغربية، بعد أن ناد به الفيلسوف الفرنسي" مونتسيكيو" واستقر به العمل في مختلف الأنظمة الديمقراطية وأصبح اليوم يعد من الأركان الأساسية في الدولة القانونية.
و حسب الكثير من الفقهاء إن مبدأ الفصل بين السلطات تبنته الدولة الإسلامية في مختلف أطوارها فتجلى بوضوح في تعاون الأمراء والفقهاء والأعيان في القيام بوظائف الحكم واقتسام السلطات، فإن كان الأمراء يحتلون مركز الرئاسة والخلافة، ويتركون وظيفة القضاء والعلماء والفقهاء ومهمة التشريع لأولي الحل والعقد وهم الأعيان، وأهل العصبة وكذلك العلماء وأهل الفتوى.
لكن هذا التقسيم لم يكن دائما هو السائد على أرض الواقع إذ أن الكثير من حكام الدولة الإسلامية كان يستبد بالسلطة ويركزها بيده ولكن المبدأ العام عند سلفنا كان هو الفصل وليس الجمع بين السلطات.
أما في الدولة العربية المعاصرة، فهو مبدأ متواجد في معظم الأنظمة المعاصرة من الناحية القانونية الدستورية، أما كواقع فلا نلاحظ له وجود فعلي، لا في الملكيات ولا في الجمهوريات رغم أننا نمتلك اتحادا للبرلمانات العربية الصورية التي لا تتعدى في جوهرها وظيفة الغرف التسجيلية.
ففي بعض دول العالم الثالث بصفة عامة، نجد أنه رغم إقرار دساتير هذه الدول لمبدأ الفصل بين السلطات بشكل مباشر أو غير مباشر فإن هذا الإقرار لا يعني إعمال هذا المبدأ وتطبيقه في الواقع، فموقع المبدأ في هذه الأنظمة يخضع لأوضاع كل دولة، وللأسس النظرية والقيم والمثل العليا لمجتمعاتها ولظروفها السياسية والاجتماعية وحتى للمرافق النظرية، مما يؤكد هشاشة هذه الأنظمة وضعفها وبنيوية وهيكلة نظمها الدستورية، فدساتيرها لا تعكس الواقع السياسي ولا ما يحدث في الواقع، فمسألة تنظيم السلطة في دول العالم الثالث تتحكم فيها بالدرجة الأولى الممارسة الفعلية للسلطة، والأوضاع الخاصة بهذه البلدان.
ثالثا: مضمون مبدأ الفصل بين السلطات
يحتل مبدأ الفصل بين السلطات العامة في الدولة مكانة هامة في الفقه الدستوري الحديث، حتى أنه يعتبر حجر الزاوية في النظم النيابية وهو ضمان أساسي من ضمانات قيام الدولة القانونية، لماذا احتل فصل السلطات هذه المكانة المهمة لدرجة أن هذه النظرية أصبحت عند الدستوريين أساس تصنيف الأنظمة السياسية، فهناك أنظمة ذات فصل للسلطات( فصل جامد أو مرن).
تهدف نظرية الفصل بين السلطات إلى تحقيق التوازن عن طريق آليات أو خلق سلطة معاكسة، أي أن كل سلطة توقف الأخرى عند تجاوزها لحدودها المنصوص عليها قانونيا، فالهدف هو خلق حكومة متطورة تحمي الحرية السياسية، و نظام الفصل بين السلطات يمكن تطبيقه في التقسيم الفدرالي للدولة أو الجهوي و اللامركزي.
وبقدر ما تكون الانتخابات مؤشرا ووسيلة لاستقلالية الدولة اتجاه المجتمع، تمر دون أن يلحظها أحد تصبح الإجراءات القانونية المترتبة عن مبدأ فصل السلطات المركزية، في كل شرح للقانون الدستوري وكما أقرته المادة 16 من إعلان الحقوق لسنة 1789- السارية المفعول حاليا- أن كل مجتمع لا تتوفر فيه ضمانة للحقوق مؤمنة ولا فصل للسلطات محدد ليس له دستور البتة، لقد استطاع علماء القانون لمدة طويلة أن يخلطوا ما بين فصل السلطات والدستور وما بين الدستور والحرية، تاركين الإيديولوجيات القانونية الليبرالية تنطلق على سجيتها.
غير أنه علينا أن نعيد قراءة "مونتسيكيو" ونكتشف أن كل حديث علماء القانون غائب عنه، ولا يرتكز تحليل "مونتسيكيو" كما ساد الاعتقاد على مراقبة المؤسسات الإنجليزية في عصره بل على تحديده للحرية السياسية.
إن الفصل السادس من دستور إنجلترا هو قسم من الكتاب الحادي عشر وعنوانه كالتالي:" في القوانين التي تشكل الحرية السياسية في علاقتها مع الدستور"، وقد كرست الفصول الأربعة الأولى من الكتاب لتحديد الحرية، وهنا تقع بالتحديد نقطة انطلاق "مونتسيكيو" وهمه الأساسي.
حيث يرى "مونتسيكيو" أن تركيز السلطات العامة في هيئة واحدة أو في يد فرد واحد، من شأنه أن يؤدي حتما إلى الاستبداد وضياع الحريات الفردية، حتى ولو كانت تلك الهيئة هي مجلس نيابي شعبي، فلابد أن ينتج عن تركيز السلطات في مثل هذا المجلس شيوع الحكم المطلق وإهدار الحريات.
ويبني "مونتسيكيو" هذا الرأي على ملاحظة الحقيقة الواقعية التي أبرزها التاريخ، وهي أنه في كل مرة تتجمع السلطة أو السلطات في قبضة فرد أو هيئة واحدة، كانت النتيجة دائما واحدة وهي سيادة الديكتاتورية والاستبداد، وفي النهاية اختفاء حريات الأفراد.
لذلك يرى" مونتسيكيو" أنه لكي نضمن حريات الأفراد وحقوقهم لابد من تقسيم وتوزيع سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية و القضائية على هيئات منفصلة ومتوازنة وفي ظل هذا الفصل بين السلطات يكون لكل هيئة أو سلطة من السلطات الثلاث حق التقرير في حدود وظيفتها، كما يكون لها وسائل لتقييد السلطة الأخرى ومنعها من الانحراف، ويركز "مونتسيكيو" على هذه الفكرة الأخيرة قائلا أنه يجب على السلطة أن توقف السلطةLe pouvoir arrêté le pouvoir"''.
بمعنى أن كل سلطة من السلطات الثلاث يجب أن تراقب السلطة الأخرى، وأن تلك الرقابة المتبادلة بين السلطات بالذات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من شأنها أن تحقق الحماية لحقوق وحريات الأفراد وأن تحقق سيادة الشرعية في الدولة.
وقد أثرت فكرة "مونتسيكيو" عن مبدأ الفصل بين السلطات في الدول الديمقراطية التي اعتنقت هذا المبدأ في دساتيرها.
فبجانب انجلترا التي كانت تطبق مبدأ الفصل بين السلطات، بناء على نظام الحكم البرلماني الذي بدأت تطوراته منذ القرن السابع عشر (17)، فقد تلقفت الولايات المتحدة الأمريكية والثورة الفرنسية مبدأ فصل السلطات وطبقته على الفور في دساتيرها منذ نهاية القرن الثامن عشر ( 18).
ولكن دستور الولايات المتحدة الصادر عام 1787، وكذلك أول دستور فرنسي عقب الثورة وهو دستور 1791 قد أخذ بمعنى متطرف يتضمن الفصل الجامد والمطلق بين السلطات، وعلى نحو تحول دون التعاون بينهما وهذا ما لا يستقيم مع واقع عمل الحكومات في ظل الأنظمة السياسية المختلفة، وذلك على خلاف الفكرة الأصلية لـ: "مونتسيكيو" والتي تفيد الفصل المرن بين السلطات بحيث يتحقق التعاون والرقابة المتبادلة بينهما وبالذات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ولكن يلاحظ أن الدساتير الفرنسية اللاحقة عملت على تحقيق تلك المرونة التي ناد بها "مونتسيكيو"، والتي تؤدي إلى تحقيق التقييد المتبادل بين السلطات أو الرقابة المتبادلة بينها بجانب قدر من التعاون.
مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور الجزائري
لقد عالج الدستور الجزائري مبدأ الفصل بين السلطات بحيث خصص لكل منهما بابا معينا يحدد لها مفاهيمها وصلاحيتها ولكن الدستور الجزائري لسنة 1976، استعمل مصطلح الوظيفة بدل السلطة ربما إيحاء منه بوجوب وحدة القيادة واعتبار الهيئات العمومية مضطلعة بخدمة الشعب صاحب السيادة، لأن الدستور قد أعلن مرات عديدة مبدأ سيادة الشعب بل تضمنت المادة الخامسة منه صراحة ( السيادة للشعب، يباشرها عن طريق الاستفتاء أو بواسطة منتخبين).
لكن الدستور الجزائري لسنة 1976 قد سبّق من حيث الترتيب، السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية بل حدد صلاحيات هذه الأخيرة على سبيل الحصر، وهذا ما اقتضته المادة 151، التي أدخلت ضمن صلاحيات السلطة التنفيذية، كل من لم يدرج بصريح النص ضمن صلاحيات السلطة التشريعية، وبذلك فقدت هذه الأخيرة أهم صلاحياتها التقليدية المتعلقة بتوزيع الصلاحيات، طالما نظمها الدستور بصريح العبارة.
أما المادة 153 من الدستور فقد انتهكت صراحة مبدأ احتكار السلطة التشريعية لسن قوانين بحيث خولت هذه المادة لرئيس الجمهورية، صلاحيات إصدار أوامر في مستوى قيمة النصوص التشريعية وقيدت ذلك بفترة ما بين الدورات أي دورتي المجلس التشريعي، كما قيدتها بوجوب عرضها للموافقة في أول دورة مقبلة.
بصدد القيد الأول، ليس هناك ما يمنع من تقديم أي مشروع قانوني للمجلس التشريعي، أو تأخيره وفيما يخص القيد الثاني، إن إصدار قواعد قانونية نافذة ثم عرضها بعد مدة للموافقة لأول دورة من شأنه أن يجعل المجلس التشريعي أمام الأمر الواقع اعتبارا للحقوق التي اكتسبتها هذه النصوص.
أما في دستور 1989 نجده قد أحل مبدأ الفصل بين السلطات والتعددية السياسية والحزبية محل مبدأ وحدة السلطة والحزب الواحد، فوزع السلطات إلى تشريعية، قضائية، تنفيذية، وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات وأسند الدستور لكل سلطة اختصاصاتها، وبالفعل فقد كرس دستور 1996 هذا المبدأ، كما كرس ثنائية السلطة التنفيذية ولم يكتف بهذا بل أسس ثنائية الجهاز التشريعي، وتبنى ازدواجية القضاء، فعمق بذلك التجربة الديمقراطية، وذهب بعيدا في تجسيد مبدأ الفصل بين السلطات.
رابعا: مزايا مبدأ الفصل بين السلطات
يحتوي مبدأ الفصل بين السلطات على عدة مزايا نجملها فيما يلي:
1/ حماية الحريات ومنع الاستبداد
هي الميزة الأولى والأساسية لمبدأ الفصل بين السلطات، والمبرر الأساسي للأخذ بهذا المبدأ، فلا توجد الحريات ولا حماية لها دون الفصل بين السلطات وبالذات الفصل بين السلطتين التشريعية التي تضع القوانين وبين السلطة التنفيذية التي تتولى تنفيذها، لذا يؤكد "مونتسيكيو": "إن الحرية لا توجد إلا في الحكومات المعتدلة، ولكن حتى في الدول المعتدلة لا توجد الحرية دائما، فهي تتحقق فقط حينما تتقيد السلطة ويمتنع إساءة استعمالها، ومن الخطر جمع السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية في يد شخص واحد أو هيئة واحدة، وتنتفي الحرية أيضا إذا لم تكن السلطة القضائية مستقلة عن سلطتي التشريع و التنفيذ.
ويستطرد "مونتسيكيو" قائلا:" إن التجربة الأبدية المستمرة تؤكد أن كل إنسان يملك سلطة ما بطبيعته لإساءة استخدامها إذ يشترط في استعمالها أن يجد قيودا توقفه، إن الفضيلة السياسية ذاتها تحتاج إلى حدود، ولكي لا تتحقق إساءة استعمال السلطة، يجب أن نعمل على أن السلطة توقف السلطة، أي يجب أن تفصل بين السلطات حتى تقيد كل سلطة الأخرى بناء على وسائل للرقابة المتبادلة بين السلطات، وهكذا يكون مبدأ الفصل بين السلطات بما يحققه من رقابة متبادلة هو الكفيل بصيانة حقوق الأفراد وحرياتهم، لأن البديل هو جمع السلطات وتركيزها في يد واحدة أو هيئة واحدة لابد وأن تؤدي إلى التحكم والاستبداد وضياع هذه الحقوق والحريات.
2/ إتقان وحسن أداء وظائف الدولة
يحقق مبدأ الفصل بين السلطات تقسيم العمل والتخصص، الذي من شأنه أن يحقق إتقان كل هيئة لوظيفتها وحسن أدائها، فمن الثابت أن التخصص وتقسيم العمل يؤدي إلى إتقان العمل ليس فقط في مجال علم الإدارة بل أيضا في المجال السياسي، فقد لاحظ "مونتسيكيو" أن وظائف الدولة هي ثلاث وظائف، الوظيفة التشريعية التي تتمثل في صنع وإقرار القوانين وتعديلها، والوظيفة التنفيذية التي تتضمن تنفيذ هذه القوانين وإقامة الأمن والعلاقات الدبلوماسية، وأخيرا الوظيفة القضائية التي تتمثل في تطبيق القوانين على المنازعات بين الأفراد ( أو بين الأفراد والإدارة التنفيذية).
ومن ثمة يكون من الضروري توزيع الوظائف الثلاث على هيئات منفصلة تراقب بعضها بعضا للأجل حسن أداء كل هيئة لوظيفتها نتيجة تخصصها، وقد لاحظ "مونتسيكيو" أن وظيفة التشريع تتطلب مجلس كبير العدد حتى تضمن عدالته وحسن صياغته، ولذلك فالبرلمان المنتخب هو الهيئة الملائمة للقيام بوظيفة التشريع، وكذلك الوظيفة التنفيذية للقوانين لا يمكن أن تعطى لمجلس كبير العدد، بل من الأفضل للفاعلية والسرعة أن تتولاها حكومة محدودة العدد، و الوظيفة القضائية يجب أن تتولاها هيئة قضائية متخصصة، وتتميز ببعدها عن الصراع السياسي لضمان العبرة في تفسير وتطبيق القانون في المنازع.
2. التداول على السلطة
الحقيقة أنه ليس هناك ديمقراطية ليبرالية أو تعددية سياسية من دون احتمال وقوع التناوب على السلطة، فالحكم ليس حكرا أبديا بيد أحد الأحزاب.
ومع خروج مصطلح التداول على السلطة من دائرة الواقع السياسي العربي ازداد الحديث عن إمكانات الانتقال الديمقراطي للحكم في البلاد العربية، وعن أهم معوقاته، لكن بقي مفهوم التداول أو على الأقل شق منه مبهما لا نستطيع تعريفه وحصره، وذلك لإشكالات تتعلق بمفارقات في علاقة السياسي L’Homme politique بالسياسة La politique من جهة، ومن جهة أخرى لتنوع أشكال تطبيقات التداول في الديمقراطية الحديثة.
أولا: مفهوم التداول على السلطة
إن محاولة تعريف مفهوم التداول على السلطة لا تخلو من صعوبات وإشكالات ترتبط بتعدد وجوه التداول، وتنوع لوازم إمكانه مما يعرقل عملية حصره في إطار مفهوم واحد، ولكن التأكيد على عملية التداول من حيث هو آلية لصعود قوى سياسية من المعارضة إلى السلطة ونزول أخرى من السلطة إلى المعارضة القادر على تحقيق أقدار من الإجماع والاتفاق على عملية التعريف. يعرف " شارل ديباش" التداول على السلطة بكونه" مبدأ ديمقراطي لا يمكن- وفقه- لأي حزب سياسي أن يبقى في السلطة إلى ما لا نهاية له، ويجب أن يعوض بتيار سياسي آخر". أما " جان لوي كرمون" فيعتبر أنه " وضمن احترام النظام السياسي القائم يدخل التداول تغييرا في الأدوار بين قوى سياسية في المعارضة أدخلها الاقتراع العام إلى السلطة وقوى سياسية أخرى تخلت بشكل ظرفي عن السلطة لكي تدخل إلى المعارضة ".
من التعريفين يتجلى التركيز على الجانب الوظيفي للتداول من حيث كونه آلية لإدارة الدخول والخروج إلى السلطة وإلى المعارضة بين تيارات سياسية مختلفة، لكن في حقيقة الأمر أن إشكالية التداول على السلطة هي أعمق من ذلك بكثير، فهي تكشف عن طبيعة الحالة الاجتماعية برمتها في صراعات أطرافها وتحالفاتهم وفي درجة الوعي السياسي العام، لذلك كان التحقق الفعلي لمبدأ التداول مرهونا بشروط مسبقة هي شرط إمكانه.
فمبدأ التداول على السلطة سلميا بين الاتجاهات السياسية المنظمة، مبدأ مركزي من مبادئ الدستور الديمقراطي، وتبادل السلطة يجب أن يكون وفق نتائج الاقتراع العام وما يسفر عنه من اختيارات الناخبين، وعلى أحكام الدستور الديمقراطي أن توجد المؤسسات وتخلق الآليات التي تسمح بتداول السلطة سلميا.
ثانيا: شروط التداول على السلطة
أ- التعددية الحزبية
يقصد بالتعددية الحزبية وجود حياة حزبية مستقرة، سواء أكانت متجسدة في نظام الثنائية الحزبية، كما هو عليه الحال في الولايات المتحدة الأمريكية أو نظام متعدد الأحزاب المقرر في معظم الدول الأوربية و في بلدان أخرى ذات النهج الديمقراطي التعددي.
ولئن كان النظام الاستبدادي ومن أجل الحفاظ على وحدة الدولة والمجتمع، التجأ إلى قمع الاختلاف بين المكونات السياسية للمجتمع وتعويضها بنمطية واتجاه في الغالب يمر من ضمائر الجمع وتعويضها ما أمكن بضمير المفرد، فإن النظام الديمقراطي سعى جاهدا إلى الإبقاء على مبدأ الاختلاف قائما، ولكن مع تنظيمه وتقنينه لكي لا يتحول إلى خلاف. إن التعدد في الأحزاب والفئات السياسية هو من أهم شروط التداول على السلطة إذ تنعدم في نظام الحزب الواحد حرية الاختيار بين تيارات سياسية مختلفة، وأن الاعتراف بأوجه الاختلاف في المجتمع والتعامل السليم معه يتطلب في المقام الأول أن يكون لوجود التعددية معنى سياسي ملموس يتمثل في أن يكون لكل اتجاه سياسي حق دستوري في المشاركة السياسية، والتأثير في القرارات العامة، وهذا ما يجب أن يتضمنه الدستور الديمقراطي من خلال ضمانات تطبيق مبدأ تداول السلطة.
ب- الانتخابات
يشترط التداول الديمقراطي على السلطة، الإجراء الدوري لانتخابات حرة ونزيهة، وإذا كان لفظ التداول يطلق على عملية الدخول والخروج من السلطة، فإن الانتخابات هي الأداة التي تتم بها العملية، وعلى العموم لابد أن يجري الاقتراع بشكل حر وعام ومباشر وسري، ويبقى اختيار طريقة الاقتراع المطبقتان حتى الآن في الديمقراطيات الحديثة، الاقتراع بأغلبية الأصوات والاقتراع بمبدأ النسبية، أمرا موكول إلى كل بلد حسب ما يرتضيه. خضعت الانتخابات في ظل الدولة الليبرالية إلى عدة تطورات، حتى أصبحت تنافسية تقتضي اختيارا حرا، من طرف الناخبين أو البرامج والأحزاب السياسية، كما يقوم الاقتراع على الحق في التنافس والاختلاف والصراع المبني على الاحترام المتبادل، وكل ما من شأنه أن يسمح سيادة الأغلبية المقابل لعدم هدر حقوق الأقلية.
إن الانتخابات هي الضامن الأساسي لعودة تيار سياسي إلى السلطة بعد الخروج منها، وهي تمثل إحدى أهم المحطات التي يمارس فيها الشعب سيادته ودوره كفيصل وحكم بين التيارات السياسية المتنافسة في البلاد.
ج- الاتفاق حول مؤسسات الدولة وحكم الأغلبية في ظل احترام الأقلية
يفترض التداول على السلطة اتفاقا أوليا على مؤسسات الدولة، إن التداول هو ليس تغيير للدولة وإنما هو تغيير في الدولة، وهو ليس تبديلا لنظام بقدر ما هو تغيير للنخبة الحاكمة فقط. إن التداول على تسلم أجهزة الدولة من أجل تطبيق قناعات وخيارات وبرامج الفئات والأحزاب السياسية الصاعدة إلى السلطة، من خلال المؤسسات القائمة ( مؤسسة الرئاسة، مؤسسة القضاء، مؤسسة الجيش...الخ)، هذه المؤسسات التي لا يمكن تحويرها في الغالب إلا بعد استشارة شعبية موسعة وتنقيحات دستورية عميقة بعد الحصول على إجماع داخل الطبقة السياسية، ويلاحظ بأن دساتير بعض البلدان تحضر أي تعديل على بعض موادها كالنظام الجمهوري في فرنسا أو فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للمواطن في كثير من الدساتير الأخرى. ونظرا لأهمية التداول على السلطة ولدوافع سياسية طالب البعض، على الصعيد الدولي، صياغة مبدأ قانوني يمنع بمقتضاه الدول من الاعتراف بالحكومات التي تستولي على زمام السلطة عن طريق العنف، أي خلافا لما تقرره القواعد الدستورية. مما سبق إن مبدأ تداول السلطة هو تعبير عملي عن مبدأ الشعب مصدر السلطات، كما أنه تطبيق لمبدأ حكم الأغلبية، وقد توصلت الديمقراطية الدستورية إلى تقييد حق الأغلبية، بقيود دستورية ترتضيها الأقلية، عند التفاوض على نصوص الدستور، والهدف من هذه القيود منع استبداد الأغلبية وصيانة حق الأقليات، وإعطائها حقها في المعارضة الدستورية والنقد العلني لممارسات الأغلبية في الحكم.
ثالثا: أشكال التداول على السلطة
يتم تقسيم التداول عادة بالنظر إلى حجم سيطرة النخبة السياسية الصاعدة إلى الحكم على السلطتين التنفيذية والتشريعية والذي يتعلق عادة بتوقيت ونتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
أ- التداول المطلق
هو التداول الذي تدخل على إثره السلطة بكاملها إلى المعارضة، ويتأتى هذا النوع من التداول في النظام البرلماني، إثر فوز حزب أو تكتل حزبي متجانس من المعارضة بالأغلبية المطلقة من الأصوات في الاقتراع العام، مما يؤهله إلى تشكيل الحكومة بمفرده. كذلك، يمكن أن يحصل تداول مطلق على السلطة في النظامين الرئاسي ونصف الرئاسي إذ كان عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في فترة زمنية واحدة مما يتيح للرئيس والأغلبية البرلمانية أن يكونا من تكتل أو حزب واحد قادر على أن يشكل الحكومة بمفرده. ويتواجد التداول المطلق خصوصا في نظام الحزبين le bipartisme، حيث يكون هناك حزبين كبيرين يتناوبان من أجل السيطرة على السلطة والحكم، كما هو الشأن في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا( الحزبان العمالي والمحافظ)، إلى جانب الحزب الليبرالي، وحزب شيوعي صغير ومجموعات صغيرة، لكن لا أحد منها يستطيع الحصول على الأغلبية المطلقة من المقاعد البرلمانية. وحقيقة، يعتبر التداول المطلق على السلطة أعظم وأهم تغيير يمكن أن يحصل في نظام سياسي ما بشكل سلمي وديمقراطي.
ب- التداول النسبي
هو التداول الذي يدخل فيه قسم فقط من السلطة إلى صف المعارضة، ويوجد في النظامين الرئاسي ونصف الرئاسي حيث يتم انتخاب الرئيس والبرلمان في فترات زمنية متباعدة، إذ وعلى نقيض التداول المطلق، حيث تنتمي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية إلى كتلة أو حزب سياسي واحد حاصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات، فإن التداول النسبي يتيح سيطرة طرف من المعارضة على قسم فقط من السلطة، والحزب الحاكم على القسم الآخر، أي أن تنتمي أغلبية البرلمان إلى حزب أو كتلة سياسية في الوقت الذي ينتمي الرئيس إلى حزب أو كتلة سياسية أخرى.
ويوجد هذا النوع من التداول خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ عادة ما لا يكون الرئيس من الأغلبية المسيطرة على الكونجرس، ففي الفترة الفاصلة بين 1944 وسنة 1988، لم يحصل تداول مطلق على السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية إلا مرة واحدة، وذلك في سنة 1952 في عهد الرئيس " إزنهاور".
ج- التداول عبر وسيط
يوجد هذا النوع من التداول على السلطة خصوصا في ألمانيا، إذ بحكم عدم حصول أي حزب على الأغلبية المطلقة في البرلمان يتم التداول عبر ترجيح حزب ثالث، كفة أحد الحزبين الرئيسيين،( الحزب الديمقراطي والحزب الاجتماعي الديمقراطي) من أجل تشكيل الحكومة، وقد لعب الحزب الليبرالي لفترات طويلة المرجح لكفة أحد هذين الحزبين من أجل السيطرة على السلطة.
وكثيرا ما يأخذ الحزب الثالث بالبرلمان في هذا النوع من التداول حجما أكبر مما هو عليه في حقيقة الأمر، وغالبا ما يفرض على الحزب الذي اختار ترجيحه من أجل تشكيل الحكومة تنازلات سياسية. إن الحكومة في هذا النوع من التداول كثيرا ما تكون غير قوية، وذلك إبعاد الشك التي تعتريها من أن ينفرط عقد التحالف بين الحزبين الذين يؤلفانها، على عكس ما هو موجود عادة في نظام الحزبين، حيث يكون للحزب الفائز في الانتخابات القدرة على تشكيل الحكومة بمفرده ودون الحاجة إلى الاستعانة بأقلية أخرى في البرلمان.
مما سبق هناك إجماع حاصل لدى الأنظمة السياسية على اعتبار التداول على السلطة آلية منظمة للحياة السياسية، بالإضافة إلى اعتبار التداول كونه اتفاقا على حل المشاكل السياسية والاجتماعية بطرق سلمية وتعاقدية، وهو ما تصبو إلى تحقيقه الديمقراطية. كما يعكس تنوع أشكال التداول على السلطة درجة الإجماع الحاصل إزاء النخبة السياسية الحاكمة، إذ يعتبر التداول المطلق رغبة إلى تغيير جذري في السلطة لدى الناخب، في حين يعكس التداول النسبي رغبة في تغييرات جزئية وأكثر بطئا، أما التداول عبر وسيط فيعبر عن رفض الناخبين لنظام الحزبين وهيمنة حزب أو اثنين فقط على الحياة السياسية. كما يعتبر تعدد أشكال التداول على السلطة، عن تنوع وجوه النظام الديمقراطي من حيث هو نظام وتعاقد سياسي واجتماعي وليد تجربة تاريخية وفضاء ثقافي معينين.
3. التعددية الحزبية و النظام الانتخابي الجزائري.
لا يمكن الحكم على دولة ما أنها دولة قانون إلا في ظل التعددية الحزبية، فلا وجود لدولة القانون في ظل الأحادية الحزبية، وعليه نتطرق إلى مضمون التعددية الحزبية وأهدافها ثم نتناول تجربة التعددية الحزبية في الجزائر.
أولا: مضمون التعددية الحزبية
إذا كانت الحرية تفترض الخيار وتقبل الرأي الآخر، فإن المجتمع لا محالة سيكون تعدديا، حيث يصعب قيام دولة القانون في نطاق الأحادية ونظام الحزب الواحد الذي يقوم على الاحتكار والانفراد بالملك، وليس من مفر للنظام السياسي العربي من التعددية السياسية، فهي الطريق الوحيد لحكم القانون وتوازن القوى على الصعيد الاجتماعي. والتعددية رحمة والقبول بها يعني القبول بمبدأ التداول على السلطة بين الأحزاب السياسية، فالديمقراطية باعتبارها تكرس حكم الشعب والسيادة الشعبية تتطلب التعددية السياسية الإيديولوجية Le pluralisme idéologique. فلكي يمارس الشعب حريته السياسية في وضع دستوره واختيار نظامه السياسي والاجتماعي، لابد من وجود إطار من الحرية الفكرية والإيديولوجية، وليس بمجرد رأي واحد وإيديولوجية واحدة مفروضة مسبقا، كما في النظم الماركسية وهذا هو المقصود بالتعددية السياسية.
إن فكرة الأحزاب السياسية قديمة تطورت بتطور مفهوم الدولة والحياة البرلمانية، وما يلاحظ أن جميع التعاريف التي تناولت الأحزاب السياسية تمحورت حول إظهار الإيديولوجية الحزبية من جهة والقوة التنظيمية من جهة أخرى ومن هنا كانت الصعوبة في إعطاء تعريف موحد جامع نظرا لاختلاف العقيدة والمقاصد لكل حزب وتنوع الأدوار التي يقوم بها.
ومن بين التعريفات التي ساقها الفقه للأحزاب السياسية أنها:" مجموعة من الأفراد تجمعهم فكرة معينة تدفعهم للعمل المتواصل في سبيل استلام السلطة أو الاشتراك في السلطة وذلك لتحقيق أهداف معينة.
فمن خلال هذا التعريف يتعين اجتماع أربعة شروط في المؤسسة التي تعتبر حزبا وهي:
-استمرارية التنظيم.
-إقامة علاقة مستقرة على المستوى المحلي والقومي.
-الرغبة في الوصول إلى السلطة وممارستها.
- الاهتمام بالحصول على سند شعبي من خلال الانتخابات.
والتعددية السياسية والحزبية قوتها وقيمتها النوعية ليس في عدد الأحزاب وكثرتها، وإن كان طبيعي أن تقبل المجتمعات التي عانت من ويلات الكبت والانغلاق السياسي على الكثرة الحزبية في مرحلة أولى، فهذا التهافت على الأحزاب هو من قبيل التعطش للنضال السياسي والحرية في التعبير، والأجدر بالمجتمعات ذات الرصيد الحضاري أن تستقر ديناميكية الحياة السياسية فيها على حزبين أساسيين، يميل أحدهما جهة اليمين فيجمع المحافظين وأنصار التراث، ويميل الآخر نحو الشمال فيجمع الليبراليون والمجددين وأهل اليسار. على أن ينشط الحزبين وفقا لأحكام الدستور ويتفقان في الدفاع عن كيان الدولة ومصالحها العليا وثوابتها الأساسية، بهذا تستقيم التعددية ولا بأس أن يوجد إلى جانب هذين الحزبين الأساسيين أحزاب أخرى ثانوية، تكون روافد لها وتختص بالدفاع عن حقوق الأقليات والجمعيات المدنية والخيرية والبيئة الطبيعية والقصر والمعوقين وما إلى ذلك من مرافق اجتماعية وحيوية.
ثانيا: أهداف التعددية الحزبية
كرس الدستور الفرنسي لسنة 1952 لأول مرة فكرة الأحزاب السياسية بصفة رسمية من خلال المادة الرابعة التي نصت " الأحزاب والتجمعات السياسية تتنافس عن طريق الانتخابات، تتكون وتمارس نشاطها بحرية، لابد أن تحترم مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية "، من هذه المادة يتبين أن الأحزاب السياسية تتنافس بالبرامج والمشاريع وتتداول على السلطة عن طريق الانتخاب الحر، إذ يتقدم كل حزب ببرنامجه أمام ممثلي الشعب في البرلمان، فيحوز ثقتهم أو يحرمها وإذا اضطر الأمر يحل البرلمان ويعاد انتخاب ممثلي الشعب، فإذا ما أعيد انتخابهم وأصروا على رفض برنامج الحكومة تحل هذه الأخيرة وتستبدل وهكذا دواليك، إلى أن يتحقق التوازن وتتجلى العبرة من وجود حكم ومعارضة له، تراقبه وتحفزه في نفس الوقت.
أما رئيس الدولة فينتخب عن طريق الاقتراع العام في الجمهوريات، ويتوارث الملك كما تقتضيه أعراف البلاد في المملكات والإمارات، فلا يضر هذا بجوهر دولة القانون ولا يهم من يكون رأس الدولة هل هو ملك أم رئيس إذا نفذ مفعول القانون والدستور في باقي أجهزتها ودواليب الحكم فيها، فإذا التزم الكل بحكم القانون التزم الرأس الذي هو رمزها واستقام مبدأ سمو القانون ليعلو فوق الجميع حكاما ومحكومين. ومثلما هو الحال في تجاربنا الراهنة فإن مصداقية الانتخابات لا تتحقق بسهولة فوق ساحة النضال السياسي، وتستوجب المشاركة الفعلية للمواطنين في دعمهم لمجهود بناء دولة القانون، بالتوعية والمشاركة في التنظيمات المهنية والنقابية والسياسية والنضال من أجل مستقبل مزدهر لأبنائهم.
أ- النظام الانتخابي الجزائري من الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية
إن تبني التعددية الحزبية من قبل نظام سياسي معين بعد أن أعتمد لمدة طويلة الحزب الواحد يكون نتيجة لخلفيات وأسباب متعددة. النظام الانتخابي المطبق في الجزائر منذ 1963 إلى غاية صدور دستور 23/02/1989 كان أداة معدة لتأمين بقاء الحزب الواحد في الحكم، أكثر مما هو وسيلة لضمان ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية في المجتمع. فتكريس نظام منطق الحزب الواحد في الدستورين السابقين ( 1963، 1976) جعل من إجراء الانتخابات عمليات شكلية لا تعبر عن إرادة الناخبين الحقيقية ولا عن الاتجاهات السياسية المختلفة، المتواجدة واقعيا في المجتمع الجزائري. وفي سياق الحزب الواحد كانت الوظائف المختلفة في الأجهزة المركزية أو اللامركزية حكرا على مناضلي جبهة التحرير الوطني، التي انفردت بحق الترشيحات دون منافس والممارسة الفعلية للسلطة على مختلف الأصعدة.
ومما سبق يتضح أن النظام والقانون الانتخابيين في الجزائر خلال النظام القديم لا يمكن أن نضفي عليها الصفة الانتخابية بالمفهوم الدقيق للمصطلح، لفقدانهما العنصر الأساسي، المتمثل في التنافس وهو وحده الذي يجعل حدا فاصلا بين الأنظمة الكلية الأحادية وبين الأنظمة التعددية التي تقبل التنافس بين الأفكار والبرامج والأشخاص.
وقبل أن نتطرق إلى مفهوم الانتخاب في ظل النظام القانوني الجديد، يجدر بنا أن نقف ولو باختصار عند حوادث أكتوبر 1988 والتغييرات السياسية الناتجة عنها.
ب- حوادث أكتوبر 1988 والتغييرات السياسية
تعتبر حوادث 1988 وما نتج عنها، بداية جديدة لإدخال إصلاحات سياسية كانت نتيجتها فسح المجال أمام إنشاء أحزاب سياسية وجمعيات وتدعيم نظام القضاء وحرية الصحافة وتحييد الجيش وإبعاده من الحلبة السياسية نظريا. والأسباب المؤدية إلى حوادث أكتوبر 1988 يمكن إبرازها في نقطتين:
أولا: تدني الوضع الاقتصادي والاجتماعي للفرد الجزائري، وعجز الدولة عن تحقيق مطالب الجماهير والمتمثلة في العمل والسكن وتحسين المستوى المعيشي بصفة عامة.
ثانيا: على المستوى السياسي، ويتمثل في إقدام النظام السياسي على تهميش الجماهير الشعبية وعدم إشراكها في رسم السياسة العامة وفي اتخاذ القرارات التي تهم المواطن وتمس حياته اليومية. والذي لا ينبغي تجاهله هو أن الاضطرابات التي عرفتها الجزائر كانت وراءها أسباب عديدة منها تأثير العوامل الاجتماعية من بطالة وتفاوت اجتماعي والعوامل الثقافية المتمثلة في مطلب اللغة وأزمة الهوية، إضافة إلى العوامل الاقتصادية المتمثلة في الانكماش الاقتصادي ومشكلة المديونية في ظل تدهور القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، بحيث لم يعد بمقدور السلطة السيطرة على الأسعار، فضلا عن وتوقف التصنيع الصناعي، وضعف الإنتاج الفلاحي وقلة مردودية المؤسسات الاقتصادية التي وصل عجزها إلى ما يقارب 110 مليار دينار، كما أن الفلاحة سجلت عجزا قدره 15 مليار دينار تولت خزينة الدولة دفعها دون مقابل وارتفعت ديون الجزائر من مليار دولار سنة 1979 إلى 19 مليار دولار سنة 1988.
يضاف إلى ذلك ظهور طبقة بورجوازية، وما من شك فيه أن السلطة السياسية لم تكن لتخفى عليها هذه المسائل وكذا المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع، فقد حاولت في إطار النظام الاشتراكي معالجة الأوضاع عن طريق إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة هيكليا ثم ماليا، وإعادة تنظيم الفلاحة هدفها بعث النشاط في القطاعين ومنحهما استقلالية كبيرة اتجاه السلطة الوصية، ومع ذلك فقد ظهر اتجاه محافظ اتخذ موقفا مناهضا لتلك الإصلاحات، بدعوى أنها تهدف إلى إفراغ الاختيار الاشتراكي من محتواه، فوجد الرئيس نفسه مضطرا لاتخاذ موقف معتدل تفاديا للانقسام وانهيار النظام أو ظهور نظام متطرف، لكنه مع ذلك كان في الكثير من التدخلات يشجب المواقف المحافظة والتمسك بالشعارات إلى أن جاءت أحداث أكتوبر مرجحة كفة الاتجاه الإصلاحي مبعدة الاتجاه المحافظ.
بعد أحداث أكتوبر1988 والتغييرات السياسية التي ترتبت عنها من تعددية حزبية وغيرها، والتي جسدها دستور1989، ندرس تحديد مفهوم الانتخاب في ظل النظام القانوني الجديد. ج- مفهوم الانتخاب في النظام القانوني الجديد بظهور دستور23/02/1989 انتقل المجتمع والنظام الجزائريان إلى عهد التعددية السياسية والحزبية، مجسدا ومكرسا في المادة 40 من الدستور الجديد حيث جاء فيها على الخصوص:" الحق في إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف به، ولا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقلال البلاد وسيادة الشعب"، وبناء على هذا التحول في النظام السياسي وانتقاله من وحدوية الحزب إلى التعددية الحزبية كان منطقيا وضروريا أن يطرأ تغيير جذري على النظام الانتخابي، حتى ينسجم مع التوجه والنظرة الجديدين للسلطة وممارستها وخاصة بعد أن أكدت المادتان6-7 من الدستور على أن الشعب هو مصدر السلطات، وأنه صاحب السيادة، مع التحفظ الذي أبداه حول إسناد السيادة للشعب بالمفهوم الغربي وما يتضمنه ذلك من مخالفة كبيرة للمفهوم الإسلامي للسيادة.
إن القانون الانتخابي الجزائري الجديد( عهد التعددية السياسية) ينفرد عن النظام الانتخابي السابق، بما تضمنه من أحكام تتعلق بتنظيم التنافس بين الممثلين في المجتمع والأساليب الانتخابية المتبناة من طرف المشرع و الآثار التي تترتب عن هذه الأساليب والأنماط الانتخابية على الصعيد الواقعي. وبعد حوادث أكتوبر1988 وصدور دستور23 فيفري 1989 ، الذي عدل مضمون هيئات ووظائف السلطة في البلاد وأول ما جاء به من جديد هو التعددية الحزبية والانفتاح السياسي، مما أدى إلى مصادقة المجلس الشعبي الوطني على قانون الجمعيات ذات الطابع السياسي في2 جويلية 1989 والصادر بموجب قانون 89-11 المؤرخ في 5 جويلية 1989، والذي فتح باب التنافس السياسي في الانتخابات البلدية والولائية في جوان 1990 والتشريعية في 26 ديسمبر1991 والتي أدت إلى انقلاب موازين القوى السياسية والتوازن في السلطة مما أدى إلى إيقاف المسار الانتخابي.
يتضح أن النظام الانتخابي الجزائري في ظل التعددية الحزبية هو الذي صنع أهم الأحداث الخطيرة في البلاد، منذ أن شرعت السلطات في تجسيد الحياة الديمقراطية وخاصة بعد الشروع في دمقرطة السلطات المركزية للدولة.
إن أزمة المشاركة السياسية في الجزائر تمثلت من خلال عجز المؤسسات السياسية عن استيعاب القوى السياسية والاجتماعية فقد رافق حكم الحزب الواحد إقصاء للحريات الفردية و الجماعية، وفرض أمور جاهزة منعت من خلالها روح المبادرة المبدعة، وتأكيد الأحادية المتعسفة وتراكم عناصرها لسنوات عديدة. يعتبر مبدأ التعددية الحزبية من أهم المقومات لبناء دولة القانون، فلا يمكننا الحديث عن الدولة القانونية في ظل الأحادية الحزبية. والتعددية الحزبية لا يمكن تجسيدها إلا في ظل وجود الأحزاب والجمعيات في الدولة، لكن هذا لا يعني أن التعددية الحزبية تستمد قوتها وقيمتها من كثرة الأحزاب والجمعيات، وإنما يكون بهيكلة هذه الأحزاب والجمعيات وتنظيمها، وكذلك وضع قانون أساسي لسيرها وشروطها وتحديد أهدافها ومسعاها.
والأساس في الديمقراطية حرية الرأي والتعبير أي فتح باب التنافس على مصراعيه، ونلاحظ أن المشرع الجزائري قد تناول مبدأ التعددية الحزبية في الدساتير المختلفة ونظمه بالعديد من القوانين، ولكن هل وضع المشرع الجزائري قيود وحدود لهذه الجمعيات والأحزاب؟ وهل كل شخص جدير أن يُكَوِن حزبا ويدخل المنافسة السياسية؟ بعد حوادث 05 اكتوبر1988 وتعديل الدستور في 23 فيفري 1989 وظهور الإصلاحات الاقتصادية تبعتها إصلاحات سياسية، ومنه فتح المجال للنشاط السياسي والتعددية الحزبية تبعه ظهور قانون الجمعيات ذات الطابع السياسي تحت
رقم 89/11 مؤرخ في 05 جويلية 1989 وهو قانون سمح لأي مواطن أن يؤسس جمعية ذات طابع سياسي(حزب)، شريطة أن تتوفر فيه الشروط القانونية اللازمة، ومنها تجمع 15 عضو على الأقل للتمكن من إنشاء حزب، ولذلك ظهر حوالي 65 حزبا خلال السنوات 1990 و1991، ثم تلاه صدور قانون آخر تحت
رقم 89/28 مؤرخ في 31/12/1989 والمتعلق بالاجتماعات والمظاهرات العمومية، وجاء القانون لينظم العمل العمومي والنشاط التجهيزي للأحزاب وهو مكمل للقانون 89/11 المنظم للجمعيات ذات الطابع السياسي، فهذا القانون ينظم طريقة وشروط الاجتماعات والمظاهرات العمومية للجماهير والمناضلين والأنصار في القاعات والساحات العمومية كذلك المظاهرات والمسيرات في الشوارع والطرقات.
إلا أنه بعد صدور الدستور الجديد لسنة 1996 والذي صوت عليه الشعب بتاريخ 28/11/1996، جاء قانون عضوي ينظم الأحزاب السياسية ويعيد تنظيمها القانوني وفق ما جاء من قواعد وأسس في الدستور الجديد.
لذا صدر القانون العضوي المنظم للأحزاب رقم 97-09 المؤرخ في مارس1997 والذي عدل القانون السابق المتعلق بالجمعيات ذات الطابع السياسي المؤرخ في 05/07/1989، ليتماشى مع الدستور الجديد لعام 1996، حيث أضاف هذا القانون شروط قانونية أخرى لتأسيس الأحزاب السياسية وأوجب جعل تسميتها وأسسها وأهدافها مطابقة للشروط المرعية في القانون، ومن بين هذه الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في الجمعية السياسية الشروط التالية:
1- الأهداف
يهدف الحزب السياسي في إطار أحكام المادة 42 من دستور96 إلى المشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية وسلمية، من خلال جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي دون ابتغاء هدف يدر ربحا.
2- الشروط
يجب على كل حزب سياسي أن يمتثل في جميع أنشطته إلى المبادئ والأهداف الآتية:
- عدم استعمال المكونات الأساسية للهوية الوطنية وأبعادها الثلاثة وهي الإسلام أو العروبة والأمازيغية لأغراض الدعائية الحزبية.
- نبذ العنف والإكراه كوسيلة للتعبير أو العمل السياسي أو الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها أو التنديد به.
- احترام وتجسيد مبادئ ثورة نوفمبر 1954.
- احترام الحرية الفردية والجماعية واحترام حقوق الإنسان.
- توطيد الوحدة الوطنية.
- الحفاظ على السيادة الوطنية.
- الحفاظ على أمن التراب الوطني وسلامته واستقلال البلاد.
- التمسك بالديمقراطية في إطار احترام القيم الوطنية.
- تبني التعددية السياسية.
- احترام الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة.
- احترام التداول على السلطة عن طريق الاختيار للشعب الجزائري.
3- الحدود
وتتمثل في الحدود التي لا يمكن لأي حزب أن يتعداها أو يتجاوزها وهي عدم جواز أي حزب أن يتبنى تأسيسه أو عمله على قاعدة أو أهداف تتضمن ما يلي:
الممارسات الطائفية والجهوية والإقطاعية والمحسوبية، والممارسات المخالفة للخلق الإسلامي والهوية الوطنية وكذا قيم ثورة أول نوفمبر1954 والمخلة برموز الجمهورية.
كما يجب على الحزب ألا يبني تأسيسه أو عمله على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو جهوي.
كما يندرج تأسيس أي حزب سياسي وسيره وعمله ونشاطاته ضمن الاحترام الصارم للدستور والقوانين المعمول بها، ويمتنع الحزب السياسي عن المساس بالأمن والنظام العام.
كما يمتنع عن أي تحويل لوسائله أو أي وسيلة أخرى لغرض إقامة تنظيم عسكري (أي تحريم إقامة الميلشيات)، كما يمتنع الحزب السياسي عن أي تعاون أو ربط علاقة مع طرف أجنبي، على قواعد تخالف وتناقض أحكام الدستور والقوانين المعمول بها، كما يمتنع عن أي عمل بالخارج أو الداخل يهدف إلى المساس بالدولة وبرموزها وبمؤسساتها وبمصالحها الاقتصادية والدبلوماسية، ويمتنع عن أي ارتباط أو أية علاقة من شأنهما أن يعطيانه شكل فرع أو جمعية أو تجمع سياسي أجنبي، وتحظر أية علاقة تبعية أو رقابة بين حزب سياسي ونقابة أو جمعية أو أية منظمة مدنية أخرى مهما كانت طبيعتها.
ثم تلي بعض الشروط التقنية التي يتطلب توافرها في أي حزب لجعله أكثر تمثيل وتوزيع عبر التراب الوطني ونذكر منها:
- اشتراط عدد المؤتمرين في المؤتمر التأسيسي للحزب أن يتراوح ما بين400 و500 مؤتمر على الأقل، وأن يمثلوا على الأقل مواطني 25 ولاية ويجب أن يمثل كل ولاية بـ16 ممثلا على الأقل، وينتخبون من قبل 2500 منخرط على الأقل، وألا يقل عدد المنخرطين في الولاية الواحدة عن 100 منخرط.
كما يلزم هذا القانون الجمعيات ذات الطابع السياسي والأحزاب الموجودة في الساحة قبل صدور هذا القانون، أن تعدل تسميتها وأسسها وأهدافها بجعلها مطابقة لأحكام هذا القانون خلال مدة شهرين ابتداء من صدوره. وألا تتجاوز هذه المدة سنة لتمتثل لأحكام هذا القانون.
ونلاحظ على هذا القانون أنه بعد فتح باب الحرية السياسية على مصراعيه والسماح بإنشاء الأحزاب السياسية وبعد تجربة قصيرة لهذه الحرية التعددية الحزبية، ونظرا للظروف التي عاشتها البلاد في العشرية الأخيرة، لجأ النظام السياسي والسلطة العليا في البلاد إلى وضع معالم وحدود لهذه الحرية السياسية، وجعل بموجب الأمر رقم 97-09 المؤرخ في 06/03/1997 الإطار القانوني الذي تنحصر فيه حرية الممارسة السياسية للأحزاب في الجزائر، وقامت بوضع حدود ومعالم يحظر تجاوزها، وكذا الأهداف والمبادئ الأساسية التي يستوجب احترامها ومراعاتها من قبل أي حزب أو جمعية سياسية ليسمح لها أن تنشط قانونا وعلنا في البلاد لتفادي الخطر والسرية كما كانت عليه بعض التنظيمات والأحزاب أيام الحزب الواحد. كما اشترط القانون الجديد على الأحزاب توسيع قاعدتها العضوية لكل حزب وانتشاره عبر القطر، حيث انتقل الحد الأدنى للمؤسسين للحزب من 15 عضو إلى 2500 منخرطا على الأقل يمثلون 25 ولاية في الجزائر، شريطة ألا يقل عددهم في الولاية الواحدة عن 100 منخرط أو عضو في الحزب إلى جانب تحديد العدد الأدنى للمؤتمرين التأسيسيين للحزب بـ400/500 ممثل، وهذا لفتح الأحزاب أمام مختلف الفئات والشرائح عبر كل الوطن، كي لا ينحصر في منطقة دون أخرى.
وأما تقييم مثل هذا القانون فمنذ 1997 لم تمر عليه مدة كافية لتجربته ميدانيا بعد، ومن الممارسات اليومية لأنشطة الأحزاب ومناضليهم، للتأكد من مدى جدواه أو تقييم أبعاد هذه القواعد ومدى صلاحياتها أو توافقها مع الحرية السياسية والحريات العامة والفردية في المجتمع وكذا تقييم الدستور الجديد الصادر في 1996.
إن الوظيفة السياسية بصدور دستور 1989 انتقلت من نظام الحزب الواحد إلى الأخذ بنظام التعددية السياسية الحزبية، ويعد الرئيس الشاذلي بن جديد أبو التعددية السياسية في الجزائر والتي فتحت الأبواب إلى كل الاتجاهات والحساسيات السياسية بما فيها الإسلامية حرية ممارسة العمل السياسي . وبالتالي قد زالت الوظيفة السياسية في الدستور الحالي بزوال الهيئة التي عهدت إليها هذه الوظيفة بزوال نظام الحزب الواحد في البلاد، وعليه بعد ميلاد العديد من الجمعيات السياسية والأحزاب على إثر قانون 89/11 المؤرخ في 05/07/1989، الذي يسمح بإنشاء الأحزاب بلغ عددها 65 حزبا وجمعية، وبعد صدور القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية الذي صدر بموجب الأمر97/09 المؤرخ في 06/03/1997، جعل حدود قانونية وضوابط للنشاط السياسي في البلاد، ومنه تحديد لمجموعة من الأهداف والشروط والحدود التي لا يسمح لأي حزب الخروج عنها، وبعد إخضاع كل الأحزاب لقواعد هذا القانون لتتماشى معها، بدءا من حزب جبهة التحرير الوطني الذي عدل برنامجه وقانونه الأساسي لجعله متطابقا مع قواعد جديدة للنشاط السياسي، تبعته أغلب الأحزاب والجمعيات السياسية، ومنها من حلت بموجب أحكام قضائية بعدم امتثالها للقواعد القانونية الجديدة بعد مرور الفترة الانتقالية، التي حددت على الأكثر بسنة ابتداء من صدور القانون 97/09 المؤرخ في 06/03/1997 طبقا للمادة 43 منه. وهناك من الأحزاب والجمعيات التي قامت بحل نفسها رافضة الخضوع والامتثال للقواعد الجديدة ونذكر من بينها مثلا: حزب الأمة والحركة الديمقراطية الجزائريةMDA .
الوظيفة السياسية التي كانت في يد الحزب الواحد، (حزب جبهة التحرير الوطني)، في البلاد ليقود العمل السياسي والحزبي، انتقلت إلى كل الأحزاب الموجودة في الساحة، والتي تنشط علنا وقانونا في إطار أحكام الدستور، خصوصا دستور1996، والقانون العضوي رقم 97/09 المؤرخ في 06/03/1997، الذي أوكل العمل السياسي للأحزاب والجمعيات السياسية و أعطاها فرصة العمل و المناقشة السياسية وفق الشروط والقواعد المحددة قانونا.
إن عملية التحول الديمقراطي والانتقال نحو التعددية السياسية في الجزائر كانت نتيجة تفاعل بين مجموعة من العوامل والمؤثرات الداخلية والخارجية والمتمثلة في عجز النظام عن معالجة الأزمات المجتمعية المختلفة، مما أدى إلى انهيار شرعيته التاريخية الثورية في ظل تنامي تنظيمات المجتمع المدني ومطالبتها بالديمقراطية.
إن ضمان ممارسة الحرية لا يتحقق فعلا إلا بإقرار إجراءات بسيطة غير مقيدة بالنسبة لحرية تكوين الأحزاب السياسية.
إلا أن القانون قد قيد تكوين الأحزاب السياسية، وذلك لعدة أسباب وأهداف ومنها أن يتوخى التقليل من إنشاء الأحزاب الطفيلية التي تعمل ضد القانون والحد من تكاثرها. مما سبق نرى أن الواقع الديمقراطي الذي جاء به دستور1989 ثم دستور 1996 والمتمثل في إقرار التعددية الحزبية، لا يتعدى أكثر من التزام شكلي بالمبادئ الديمقراطية، فالتعددية في الجزائر لم تكن نتاج تطور طبيعي لعرى المجتمع المعبرة عن احتياجاته والعاكسة لانشغالاته واختلافات فئاته، بل كانت عكس ذلك حصيلة جملة من الدوافع السياسية والإستراتيجية التي أجبرت بعض الأحزاب على الخروج إلى الساحة السياسية قبل استكمال نموها، وهكذا فإن التعددية السياسية في الجزائر بقيت محاطة بجملة من القيود، دفعت إلى تصنيفها ضمن ما يعرف بالتعددية الموجهة.
ملاحظة: تجدر الإشارة إلي أن القانون العضوي المتعلق بالانتخابات الأخير يحمل رقم01.12