المحاضرة الأولى:
- مدخل إلى علم النفس البيئي:
1- نشأة علم النفس البيئي:
إن الدراسة العلمية لتأثيرات البيئة على السلوك يمكن أن نجد أثرها في الدراسات العلمية لعلم النفس في القرن التاسع عشر عندما اختبر علماء النفس الفيسيولوجيون الإدراك الإنساني لمنبهات بيئية كالضوء والضغط والصوت وغيرها.
سابقا كان علم النفس البيئي يسمى علم النفس المعماري Psychology Architectural حيث كان هذا العلم هو الباعث على ظهور علم النفس البيئي الذي يؤكد دور الموقف الفيزيائي (المادي) في استثارة السلوك الانساني. كما كان للنظرية الجشطالتية دور في ظهور علم البيئي حيث اعتقدوا أن البشر لديهم ميل فطري إلى تنظيم عالمهم الإدراكي في ابسط صورة ممكنة فالبشر مفطورون على جمع الأشياء وتصنيفها على أساس التشابه. من هنا فهم علماء نفس البيئة أن البشر يقومون بدور ايجابي في بناء وصياغة ادراكاتهم البيئية،. أن نظرية المجال (لكيرت ليفين) في الاربعينات من القرن العشرين 1947 وعمله على الجماعات البشرية وحراكها وهو اول من استخدم البيئة في بحوثه النفسية وان كان قد استخدم البيئة الاجتماعية حيث اعتقد ان السلوك (س) تحدده الشخصية(ش) والبيئة (ب) وعلى ذلك تصبح المعادلة:
س= ف (ش × ب) أي السلوك = وظيفة (الشخصية × البيئة)
كما اعتمد علم نفس البيئة في نشأته على علم النفس الاجتماعي الذي يرى علاقة وثيقة بين السلوك البشري والبيئة الفيزيقية المحيطة به.
وشكلت فترة خمسينات وستينات القرن الماضي بداياته، و الذي كان تركيزه آنذاك على الخصائص الفيزيقية (المادية) للبيئة التي يحدث فيها السلوك الإنساني، بهدف الحصول على فهم أفضل للعلاقة بين السلوك والبيئة المادية. و بحسب كل من Bonnes & Secchiaroli (1995) فإن ظهوره كان في الـ و م أ ، تحديدا سنة 8195 عندما شكل كل من Ittelson & Proshansky فريق بحث تابع لجامعة مدينة نيويورك الغرض منه بحث كيف يمكن للبيئة (التصميمات) المكانية أو العمرانية لمستشفى الأمراض العقلية أن يؤثر في سلوك المرضى.
ويعتبر Ittelson أول من استعمل مصطلح علم النفس البيئي. وتعد 1970 في نظر باحثين في هذا الحقل البداية الحقيقية لظهور هذا الفرع من خلال صدور كتاب لكل منProshansky, Rivlin & Ittelson بعنوان Environmental Psychology: Man and his physical setting علم النفس البيئي: الإنسان وبيئته الفيزيقية. أين تعرضوا فيه للعلاقة بين البيئات الفيزيقية لمستشفيات الأمراض العقلية وسلوك المرضى داخله، وإلى دراسات متنوعة للعلاقة بين السلوك الإنساني والخصائص الفيزيقية للبيئة.
2- تعريف علم النفس البيئي:
العديد من الباحثين في هذا الحقل قدموا الكثير من التعريفات وإن اختلفوا فيما بينهم حولها، إلا أنهم اتفقوا على أن التعريفات التي لا تتضمن العلاقة بين السلوك الإنساني والبيئة تعريفات ناقصة.
لهذا نجد تعريف (1987 (Gifford الذي يشير فيه أن:" علم النفس البيئي يهتم بدراسة المعاملات التي تجري بين الأفراد والبيئات المادية".
بالإضافة إلى تركيز التعريفات أعلاه على البيئات المادية المبنية، في الإشارة إلى تأثير التصميم العمراني على السلوك، يظهر بوضوح أنّ وحدة التحليل فيه هي العلاقة فرد- بيئة، مع تركيزه على التأثيرات المتبادلة بينهما. وأنّ البيئة ليست وحدها من تؤثر في الأفراد، فكذلك الأفراد يؤثرون بدورهم في البيئة.
من هنا نجد أن تأثير البيئة المشيدة في السلوك وثيق لا يكاد ينفصم، ويشير كاسيدي (2013) Cassidy, إلى أن التأثير الأساسي للبيئات المشيدة يكون عبر المعنى الذي اكتسبته هذه المباني والعمارات في أذهان الناس من خلال التفاعلات الاجتماعية. أي من خلال المعاني التي يضفيها الناس على الهياكل المختلفة التي يبنونها، وإعطائها رموزا، ومن ثمّ مكانة اجتماعية معينة، وبهذا الأساس يتم التعامل معها بصورة مغايرة؛ فالمسجد في المجتمعات المسلمة ليس مجرد بناء، والتصرف والسلوك داخلها ليس كما هو خارجها، بحيث يكون من منطلق الوظيفة التي تؤديها، والتي تعارف المجتمع عليها، ومن ثم فإن أطر وحدود السلوك فيها محددة ومعروفة، ويربي المجتمع أفراده عليها.
إضافة إلى هذا فقد بدأ علماء النفس البيئي مع بداية تسعينات القرن الماضي في التأكيد على العلاقة التلازمية بين البيئة المادية والاجتماعية، وحيث نجد كلا من Bonnes & Secchiaroliقد أشارا إلى" أنه هناك حاليا اتفاقا عاما بأن علم النفس البيئي لم يعد يهتم فقط بالبيئة المادية وإنما أيضا بالبيئة الاجتماعية المادية أيضا.
أما سترن (2000) Stern فقد كان أكثر دقة بتوصيف التخصص بالتركيز على العمليات السيكولوجية التي تتفاعل مع البيئة في قوله:" فرع من علم النفس يعالج العمليات السيكولوجية التي يستخدمها الأفراد في تفاعلهم مع البيئة المبنية والطبيعية". وهي هنا جميع الجوانب السلوكية والحياة العقلية في علاقتها مع المحيط الاجتماعي- المادي، كالإدراك الحسي، المعرفة، التوتر والإنهاك الذهني، صنع القرار، التفاعلات الاجتماعية..الخ
ويبقى تعريف بروشنسكي (1970) Proshansky الأكثر قبولا في أوساط الباحثين ومرجعا للكثيرين منهم بالقول: "أنه لا يمكن فهم علم النفس البيئي وتحديده إلا في سياق العلوم البيئية الأخرى، حيث يهتم الجزء الأكبر من هذا الحقل بعواقب استهتار الإنسان ببيئته، هذه البيئة التي يديرها ويحددها بنفسه، وأن هذه العلوم بما فيها علم النفس البيئي قد انبثقت بسبب المشاكل الاجتماعية الملحة، فهي بطبيعتها متعددة التخصصات وتتضمن دراسة الفرد بوصفه جزءا لا يتجزأ عن أي مشكلة كانت. باختصار تهتم العلوم البيئية بالمشكلات الإنسانية فيما يتصل بالبيئة أين يكون فيها الإنسان الجلاد والضحية".
أما تعريف جيفورد (1997) Gifford في نظر الكثير من الباحثين الأكثر جدوى بالمقارنة مع كثير من التعريفات، بسبب توظيفه لمفاهيم رئيسة مثل الخبرة، التفاعلات، المعاملات بين الأفراد وبيئاتهم المختلفة. "علم النفس البيئي هو دراسة تعاملات الأفراد مع بيئاتهم المادية، في هذه التعاملات يغير الأفراد في البيئة، كما تغير البيئة ذاتها سلوكياتهم وتجاربهم، ويتضمن علم النفس البيئي الأبحاث والممارسات التي تهدف إلى جعل المباني أكثر إنسانية، وتحسين علاقتنا مع البيئة الطبيعية".
3- أهمية دراسة علم النفس البيئي:
- إن البيئة تؤثر في السلوك وان السلوك يؤثر في البيئة كحقيقة مهمة.
- تفاقم المشكلات البيئة من إهمال وتدمير وتخريب جراء اعتداء الإنسان لها فضلا عن خطورة التلوث البيئي وتأثيره المباشر على صحة الإنسان النفسية والعقلية والجسمية وعلى سلامة جميع الكائنات الحية.
- قضية البيئة قضية تربوية سلوكية نفسية مجتمعية في المحل الأول يتعين أن يساهم الجميع في المحافظة عليها.
- التقدم التكنولوجي السريع والزيادة السكانية والنمو الاقتصادي واتساع ظاهرة التحضر وما يجري من تغييرات في الشكل وتوزيع عناصر المصادر الطبيعية جراء هذه الأنشطة دعت الإنسان إلى أن يولي اهتماما متزايدا لعلاقته بالبيئة.
- فشل الرؤى الأحادية في معالجة مشكلات البيئة – السلوك وظهور بعض الدراسات التي حاولت الربط بين البيئة الفيزيقية (المادية) وبين المتغيرات النفسية على سبيل المثال )الأحياء الفقيرة والمتخلفة هي صرح للجريمة.
4- مواضيع علم النفس البيئي:
فيما يلي نتعرف على أنواع الموضوعات التي يدرسها علماء النفس البيئي :
- تصور وتقييم المباني والمناظر الطبيعية
- رسم الخرائط المعرفية والإدراك المكاني وإيجاد الطريق
- العواقب البيئية للأفعال البشرية
- التصميم والتجارب المتعلقة بالجوانب المادية لأماكن العمل والمدارس والمساكن والمباني العامة والأماكن العامة
- السلوك الترفيهي والسياحي
- الجوانب النفسية لإدارة الموارد والأزمات
- المخاطر والأخطار البيئية: الإدراك والسلوك والإدارة
- الإجهاد المرتبط بالإعدادات المادية
- الاستخدام الاجتماعي للمساحة: الازدحام ، الخصوصية، المساحة الشخصية– الضوضاء – تلوث الهواء – تلوث الماء – درجات الحرارة المرتفعة أو المنخفضة – السلوك المكاني – العمارة والسلوك – المعرفة البيئية – التربية البيئية – الضغوط البيئية – البيئة التكنولوجية – الأسرة ودورها – والجماعات المرجعية للفرد.