1. تنظيم عمليات البناء عن طريق الشهادات العمرانية

رغبة منه في ضبط العمليات العمرانية أكثر، وضع المشرع أمام المالكين للعقار القائمين على هذه العمليات إمكانية الحصول على بعض الشهادات، كشهادة التعمير التي توضح حقوقهم في البناء والارتفاقات التي تخضع لها الأرض المعنية، وشهادة التقسيم لتقسيم ملكية عقارية مبنية إلى عدة أقسام، هذا من جهة ومن جهة أخرى، وفي إطار الرقابة البعدية ألزم المشرع المالكين للبناءات الحصول على شهادة المطابقة.

أ/ النظام القانوني لشهادة التعمير

1*تعريف شهادة التعمير

   شهادة التعمير هي الشهادة التي تمنح من قبل الإدارة للمعني، تحدّد حقوق البناء والارتفاقات التي تقع على العقار، وتوضح فيها أيضا الطرقات والمنشآت المزمع إنجازها (توقعات نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية)([1]) ، فشهادة التعمير حسب هذا التعريف هي عمل يبين موقع الأموال العقارية في القانون الإداري، من خلال التقدم بطلب أمام الإدارة المتواجدة على مستوى البلدية التي تتولّى منحه، فهي وثيقة صادرة عن البلدية، تعطي معلومات عن حالة ملكية عقارية.

ومن خلال هذه التعاريف يتبين أن شهادة التعمير ليست إجبارية، لذلك لم يرتّب المشرع أيّ جزاء عند عدم الحصول عليها، وهي ليست تصريح أو رخصة بل هي مجرّد وثيقة معلومات "acte d’information"([2]) تحدّد للمعني حقوقه في البناء والارتفاقات التي تخضع لها الأرض المعنية، ونزوده بهذه المعلومات من أجل أن يتصوّر أي مدى تنسجم غايته من البناء مع أحكام رخصة البناء التي قد يطلبها بعد ذلك([3]).ورغم أن المشرع الجزائري جعل من طلب هذه الشهادة أمر جوازي، إلاّ أنّها مهمة في تحديد حقوق البناء والارتفاقات للعقار محل البناء، وذلك قبل رخصة البناء لتحديد حقوق البناء على العقار، فقد أضاف المشرع زيادة على ذلك من خلال الفقرة 02 من المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم 15‑19 "بطاقة المعلومات" التي يمكن كل شخص معني بنفس حقوق البناء بالقطعة الأرضية المعنية أن يحصل عليها لاستعمالها على سبيل الإشارة لكل غرض مناسب ، ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحل محل شهادة التعمير، وبذلك فطلب بطاقة المعلومات لا تقتصر على المالك فقط .

2* إجراءات منح شهادة التعمير

أوّل إجراء يجب القيام به، هو تقديم طلب بشأنها إلى الجهة الإدارية المختصة لدراسته، فقد اشترط المشرع الجزائري أن يقدم طلب شهادة التعمير من طرف المالك أو من طرف موكله أو أي شخص معني وفق نص المادة 03 من المرسوم التنفيذي رقم 15-19 الذي يحدّد كيفيات تحضير عقود التعيمير وتسليمها([4])، ويجب أن يتضمن البيانات الآتية:

- طلبا خطيا ممضيا من طرف صاحب الطلب.- اسم مالك الأرض.- تصميما حول الوضعية، يسمح بتحديد القطعة الأرضية.- تصميما يوضح حدود القطعة الأرضية المتواجدة في حدود المحيط العمراني.

وبعد إرفاق الطلب بالوثائق اللازمة واحتواءه على الموضوع وهو الحصول على شهادة التعمير، يودع في نسختين بمقر المجلس الشعبي البلدي المختص إقليميا مقابل وصل إيداع يسلّم في اليوم ذاته.

وقد قضت المادة 04 من المرسوم التنفيذي 15-19 الذي يحدّد كيفيات تحضير عقود التعمير وتسليمهاأن تبلغ شهادة التعمير خلال الخمسة عشر (15) يوما الموالية لتاريخ إيداع الطلب([5]) ويجب أن تبيّن شهادة التعمير وبطاقة المعلومات ما يأتي:

- مواصفات التهيئة والتعمير المطبقة على القطعة الأرضية.- الارتفاقات المدخلة على القطعة الأرضية والمواصفات التقنية الخاصة الأخرى،- خدمة القطعة الأرضية بشبكات من الهياكل القاعدية العمومية الموجودة أو المبرمجة،- الأخطار الطبيعية التي يمكن أن تؤثر على الموقع المعني، وتلك المحددة على الخريطة التي يمكن أن تنقص من قابلية القطعة الأرضية لإنجاز المشروع عليها أو تمنع ذلك لاسيما:

- ظهور صدوع زلزالية نشطة على السطح.- تحركات القطعة الأرضية (إنزلاق، انهيار، انسحاب الوحل، رص، تمييع، تساقط...- القطع الأرضية المعرّضة للفيضانات،- الأخطار التكنولوجية الناجمة عن نشاط المؤسسات الصناعية الخطيرة وقنوات نقل المنتجات البترولية والغازية وخطوط نقل الطاقة.

تسلم شهادة التعمير وبطاقة المعلومات من طرف رئيس المجلس الشعبي البلدي المعني([6])وتبلغان خلال الخمسة عشر(15) يوما وفق النموذج المرفق بهذا المرسوم.

وترتبط صلاحية شهادة التعمير بصلاحية مخطط شغل الأراضي المعمول به أو بصلاحية المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير في حالة عدم وجود مخطط شغل الأراضي وهي مدة سنة واحدة ابتداء من تاريخ التبليغ طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 91‑176،  في حين أصبحت في ظل المرسوم التنفيذي رقم 15‑19 مرتبطة بصلاحية مخطط شغل الأراضي المعمول به أو بصلاحية المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير في حالة عدم وجود مخطط شغل الأراضي ، أما بطاقة المعلومات المستحدثة بموجب هذا المرسوم الجديد فتحدد مدة صلاحيتها بثلاثة (03) أشهر.

وفي حالة عدم اقتناع الطالب بالرد الذي يبلّغ له من قبل الإدارة، أو حالة سكوتها عن الرد خلال الآجال المطلوبة يمكنه أن يودع طعنا لدى الولاية مقابل وصل ويحدد أجل تسليم الرخصة أو الرفض المسبب بخمسة عشر(15) يوما، كما يمكنه أن يودع طعنا ثانيا لدى الوزارة المكلفة بالتعمير في حالة عدم الرد على الطعن الأول خلال المدة المحددة التي تلي تاريخ إيداع الطعن ، وفي هذه الحالة تأمر مصالح الوزارة مصالح التعمير الولائية، على أساس المعلومات المرسلة من طرفهم بالرد بالإيجاب على صاحب الطلب أو بإخطاره بالرفض المسبب في أجل خمسة عشر(15) يوما ابتداء من تاريخ إيداع الطعن،أو يرفع دعوى لدى الجهات القضائية المختصة لكن المشرع لم يحدّد مواعيد وكيفية هذه الطعون.

يظهر من خلال ما سبق أن المشرع الجزائري أقرّ بأن شهادة التعمير هي وثيقة إدارية، إلاّ أنه أخضعها لنفس إجراءات إصدار القرار الإداري مثل رخصة البناء وعليه فإن مجرّد التسمية لا تسقط عنها صفة القرار الإداري بقدر التأكد من مضمونها لأنها لا تختلف عن رخصة البناء من حيث الإجراءات وإن كانت تشمل على تحديد حق البناء والارتفاقات اللازمة للعقار محل إنجاز رخصة البناء فيمكن اعتبارها مرحلة من المراحل القبلية والمسبقة لاستخراج رخصة البناء.

ب/ النظام القانوني لشهادة التقسيم

1*تعريف شهادة التقسيم

   عرّفت شهادة التقسيم بأنّها: "وثيقة عمرانية هامة في إطار تنظيم عمليات البناء، وهي تخوّل المستفيد منها القيام بعمليات التقسيم للعقارات المبنية"([7]).كما عرّفت بأنّها: "رخصة رسمية بتقسيم عقار مبني إلى وحدتين أو إلى عدّة وحدات عقارية"([8]

.يمكن أن نعرّف شهادة التقسيم على أنّها: "وثيقة تصدر عن جهات إدارية مختصة تخوّل لمالك العقار أو العقارات المبنية حق تقسيمها إلى قسمين أو عدة أقسام عقارية) ".

فشهادة التقسيم لا تغيّر في حجم العقار المبني نفسه، وإنّما تقسّمه إلى جزئين أو عدة أجزاء، فهي لا تمس بأصل الحق المعترف به للمالك –فهي تعد إجراءا شكليا- وإنّما تغيّر في البناء فقط.

2*إجراءات منح شهادة التقسيم

يتقدم مالك العقار المبني أو موكله بطلب موقع عليه ليطلب شهادة التقسيم على أن يدعم المعني طلبه نسخة من عقد الملكية إذا كان مالكا، أو توكيلا في حالة ما إذا كان موكلا، أو بنسخة من القانون الأساسي إذا كان المالك أو الموكل شخصا معنويا ،وقد أضاف المشرع وجوب تبرير البناية على القطعة الأرضية بسند قانوني مثل عقد الملكية، أوبسند إداري المتمثل في شهادة المطابقة .

ويجب أن يرفق طلب شهادة التقسيم بملف يعدّه مكتب دراسات في الهندسة المعمارية أو في التعمير، ويشمل على الوثائق الآتية المؤشر عليها من طرف المهندس المعماري ومهندس مسح الأراضي والمتمثلة فيما يأتي:

- تصميم للموقع يعد على سلم مناسب يسمح بتحديد تمركز المشروع.- التصاميم الترشيدية المعدّة على سلم 1/200 أو 1/500 التي تشمل على البيانات التالية:

- حدود القطعة الأرضية ومساحتها،- مخطط كتلة البنايات الموجودة على المساحة الأرضية والمساحة الإجمالية للأرضية والمساحة المبنية من الأرض،- بيان شبكات التهيئة الموصولة بالقطعة الأرضية والخصائص التقنية الرئيسية لذلك،- اقتراح تقسيم المساحة الأرضية،- تخصيص القطع الأرضية المقررة في إطار نسبة التقسيم.

يرسل طلب شهادة التقسيم مع الوثائق سالفة الذكر في خمسة (5) نسخ إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي لمحل وجود قطعة الأرض المراد تقسيمها، ويسجل تاريخ إيداع الطلب في وصل يسلّمه رئيس المجلس الشعبي البلدي بعد التأكد والتحقق من أن الوثائق المقدمة مطابقة لتشكيل الملف حسب أحكام القانون([9]).

ويتم تحضير طلب تحضير شهادة التقسيم على مستوى الشباك الوحيد للبلدية بنفس الأشكال المنصوص عليها بخصوص رخصة البناء([10]).

وتبلغ شهادة التقسيم خلال الشهر الموالي لتاريخ إيداع الطلب، وتحدّد مدة صلاحيتها بثلاث (3) سنوات ابتداء من تاريخ تبليغها حسب المواد 38- 39 من المرسوم التنفيذي رقم 15-19 الذي يحدّد كيفيات تحضير عقود التعمير وتسليمها وهذا على خلاف ما نصّ عليه المرسوم التنفيذي رقم 91-176حيث  تبلغ شهادة التقسيم خلال الشهرين المواليين لتاريخ إيداع الطلب، وتحدد مدة صلاحيتها بسنة واحدة، الأمر الذي يقودنا إلى القول أن المشرع بهذا الصدد يزيد من أهميتها بتقليصه لمدة تبليغها إلى المعني، وتمديد مدة صلاحيتها إلى ثلاث سنوات،وكذا النص على أن يتم تحضير طلب شهادة التقسيم بنفس الأشكال المنصوص عليها في هذا المرسوم بخصوص رخصة البناء.

ممّا سبق يظهر أن كل هذه الرخص والشهادات العمرانية على اختلاف درجة أهميتها فقد أحاطها المشرع بجملة من الشروط اللازمة في صفة طالبها، وكذا خصوصية كل شهادة أو رخصة من حيث إجراءات تحضيرها وتسليمها وفق مقتضيات قانون التهيئة والتعمير، وإذا اعتبر بعضها رخص مثل: رخصة البناء ورخصة التجزئة ورخصة الهدم، وأخرى شهادات أو وثائق إدارية، فهي كلها تخضع لنفس الإجراءات تقريبا، وتصدر من جهة إدارية مختصة بمعنى أنها قرارات إدارية ينازع بشأنها أمام القضاء.



([1]) عمر حمدي باشا، حماية الملكية العقارية الخاصة، دار هومة، الطبعة السابعة، 2009، ص. 100.

([2])Patrick Hocreitère, le certificat d’urbanisme, après la loi solidarité et renouvellement urbain, guide pratique, p. 31. وأيضا IssabelleSavarit- Bourgeois, Op.Cit, p. 83.

([3]) عزري الزين، قرارات العمران الفردية وطرق الطعن فيها، المرجع السابق، ص . 64.

([4])لم تحدد المادة 03 الوثائق التي تثبت صفة طالب الشهادة الذي يجب عليه أن يحدد في طلبه اسم مالك العقار، وإن كان كل من له الصفة في طلب رخصة البناء يمكنه طلب شهادة التعمير.

([5])وبالرجوع إلى نص المادة 03 من المرسوم التنفيذي رقم91-176 المعدّلة بموجب المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم 06/03 فإنه يجب أن تسلّم شهادة التعمير خلال الشهرين المواليين لتاريخ إيداع الطلب.

(1) المادة 04 من المرسوم التنفيذي رقم 15‑19 الذي يحدد  كيفيات تحضير عقود التعمير وتسليمها.

([7]) عزري الزين، قرارات العمران الفردية وطرق الطعن فيها، المرجع السابق، ص. 68.

([8])عائدة ديرم، الرقابة الإدارية على أشغال التهيئة والتعمير في التشريع الجزائري، دار قانة، باتنة 2011، ص. 101.

([9]) المادة 36 من المرسوم التنفيذي رقم 15-19 الذي يحدد كيفيات تحضير عقود التعمير وتسليمها.

([10])المادة 37 من المرسوم التنفيذي رقم 15-19الذي يحدد كيفيات تحضير عقود التعمير وتسليمها.