2. مصادر قانون البيئة

   لقانون البيئة مصادر تستمد منها قواعده وهو في ذلك لا يختلف عن باقي فروع القانون الأخرى في بعض المصادر، غير أنه يختلف عنها في بعض آخر وهذا الاتفاق والاختلاف يطبع قواعد ذلك القانون بخصائص معينة ومميزة فقانون البيئة خلاف للعديد من القوانين يستمد قواعده من مصادر :

أ-المصادر الدولية لقانون البيئة:

1-الإتفاقيات الدولية: تحتل المعاهدات الدولية مرتبة بارزة في النظام القانوني الداخلي للدول بما في ذلك النظام القانوني الجزائري وبتطبيق مبدأ سمو القانون الدولي '' المعاهدات '' على القانون الوطني جعلها جزء من نظامه القانوني في الجزائر فهي تسمو على التشريعات الوطنية بإستثناء مايتعارض منها مع الدستور حسب المادة 132 من دستور 1996 فالمعاهدات الدولية البيئية تسهم في معالجة الفراغ والقصور التشريعي في بعض مجالات حماية البيئة كما تعتبر من أفضل الوشائل نحو ارساء دعائم لقانون البيئة. ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل منها الطبيعة الدولية لمشكلة البيئة والتي تقتضي التعاون الجماعي ومنها وجود منظمات دولية عامة متخصصة تعمل على تقديم عون حقيقي في مجال إعمال قواعد حمائية  كمنظمة الأمم المتحدة، منطقة اليونسكو، منظمة الأغذية والزراعة، ومن الإتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية البيئة منها إتفاقية لندن عام 1972 الخاصة بمنع التلوث البحري بإإغراق النفايات والمواد الأخرى، إتفاقية جنيف عام 1979 المتعلقة بتلوث الهواء بعيد المدي اتفاقية فينيا لعام 1985 الخاصة بحماية طبقة الأوزون.

المبادئ القانونية العامة: هي عبارة عن مجموعة الأحكام والقواعد التي تقوم عليها، وتعترف بها النظم القانونية الداخلية للدول أعضاء المجتمع الدولي، ومن المبادئ التي نجدها في مجال حماية البيئة مثلا مبدأ حسن الجوار، مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق، مبدآ الملوث يدفع.

2-العرف والقضاء الدولي:

تحتفظ الأعراف الدولية بأهميتها النسبية في مجال حماية البيئة ومن هذه القواعد التي استمرت كأعراف ملزمة في العلاقات الدلولية ومبادئ في الإعلانات الدولية الخاصة بحماية البيئة واجب الدول في عدم السماح باستخدام أراضيها لإلحاق الضرر بالدول الأخرى، أما القضاء والفقه الدوليين في مجال وضع وتطوير قواعد القانون الدولي لحماية البيئة محدودا ولكنه مفتوح الإحتمالات على آفاق تبني بالتطور فقد بحثت محكمة العدل الدولية أواسط التسعينيات من القرن الماضي مبادئ هامة متصلة بحماية البيئة والقانون البيئي يتمثل في مبدأ التنمية المستدامة والعدالة بين الأجيال ومبدأ تقييم الأثر البيئة.

ب-المصادر الداخلية لقانون البيئة:

1- التشريع: يشمل التشريع كل نص قانوني حيثما ورد يهدف يشكل مباشر أو غير مباشر إلى حماية البيئة وفي النظام القانوني الجزائري للتشريع ثلاث مراتب:

التشريع الدستوري: لقد أضحى تلوث البيئة المحيطة بالإنسان باعتباره جرم يساهم في إهدار المقومات الجوهرية للحق في سلامة وأمن الشخص وحقه في العيش في بيئة ملائمة لذلك تعالت الأصوات في المحافل الدولية والندوات القانونية للمناداة بدسترة حق الإنسان في بيئة نظيفة التي تعتبر من المبادئ المنصوص عليها في معظم الدساتير باعتباره مصدر غير مباشر للتجريم في مجال جرائم تلويث البيئة منذ إعلان ستوكهولم الذي نص صراحة على هذا الحق.

      ويقصد بدسترة الحق في البيئة أو بالأحرى دسترة الحقوق البيئية: هو إعادة صياغة وتوسيع حقوق الإنسان والواجبات القائمة في سياق بيئي. ودسترة الحق في البيئة أدى إلى ظهور نقاش فقهي بين مؤيد لهذه الفكرة وبين معارض لها:

     فالإتجاه المؤيد لدسترة الحق في البيئة بزعامة الأستاذين " Buny et Brand" يريان بأنه من الضروري دسترة الحق في البيئة لأن الحماية البيئية المكرسة في الدستور تتمتع بمزايا عديدة مقارنة بتلك الحماية التي يكفلها القانون العادي ذلك أن التكريس للحقوق البيئية يسمح ببلوغ المرتبة العليا بين القواعد القانونية.أما الإتجاه المعارض يرى بأن التكريس الدستوري لأي حق من الحقوق الأساسية مهما كان نوعه يعتبر غير ديمقراطي لأنه يعتبر تقييدا للأغلبية فلا تكون عادلة ويمكن أن تكون هذه الحقوق غير مدسترة لأنه يمكن تحقيقها من خلال وسائل أخرى غير قابلة للتغير فوجود نص معين في دستور دولة معينة ليس في ذاته المحدد لقوة الحق

    لقد انتهجت الدول في دسترتها للحق في البيئة أسلوبين، فهناك من الدول من تنص صراحة على هذا الحق في دستورها كالدستور الفرنسي عام 2005 بقوله "لكل فرد الحق في العيش في بيئة متوازنة وصديقة للصحة، ودستور أفغانستان عام 2004 "الحق في حياة مزدهرة وبيئة معيشية سليمة لجميع سكان هذه الأرض"  ومن الدول من تنص بصفة غير مباشرة على الحق في البيئة منها الدستور الجزائري فبموجب دستور 1996 أوكلت مهمة التشريع بقواعد عامة متعلقة بالبيئة والإطار المعيشي والقواعد العامة المتعلقة بحماية الثروة الحيوانية والنباتية للبرلمان. كما أن الدستور الجزائري أكد على حق المواطن في الرعاية الصحية، النظافة وأكد على حقه في الأمن والصحة والنظافة أثناء العمل. غير أن دستور 2016 نص صراحة على حق الإنسان في بيئة نظيفة في كل من الديباجة بموجب المادة19،68.

والتشريع العادي: فقد صدرت العديد من القوانين الجزائرية التي عالجت في أحكامها مسائل متصلة بحماية البيئة والمحافظة عليها أو بمعنى أخر ورود العديد من المواد المتفرقة في القانون في القانون التي يمكن أن تنطوي على حماية للبيئة بشكل عرضي فهذه النصوص لم يكن المقصود منها حماية البيئة بالمفهوم الحديث بقدر ماهي حماية لمصالح أخرى ومن المواد ما تناولها قانون العقوبات في المادة 441 مكرر فقرة 6، المادة 462فقرة 5، مواد 457فقرة1،2، المادة 458 فقرة 3، المادة 462 فقرة5بالإضافة إلى القوانين الخاصة بالبيئة صدور القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إيطار التنمية المستدامة.

التشريع الفرعي: صدرت في إطار حماية البيئة العديد من المراسيم التنفيذية المتعلقة بالحماية المباشرة للبيئة نذكر منها على سبيل المثال: 06/198 الذي يضبط التنظيم المطبق على المؤسسات المصنفة لحماية البيئة، المرسوم التنفيذي رقم 06/104 المؤرخ في 25 فبراير 2006 الذي يحدد قائمة النفايات الخاصة الخطرة.

2-العرف: يقصد به في قانون حماية البيئة مجموعة القواعد القانونية التي نشأت في مجال مكافحة التعدي على البيئة والحفاظ عليها، وجرت العادة بإثباتها بصورة منتظمة ومستمرة بحيث ساد الإعتقاد بإعتبارها ملزمة وواجبة الإحترام، الإ أن دور العرف مازال ضئيلا في ميدان حماية البيئة، بالمقارنة بدوره في فروع القانون الأخرى ويرجع ذلك إلى حداثة الإهتمام بمشكلة حماية البيئة فلا توجد قواعد أو مقايس عرفية لحماية البيئة وإنما توجد فقط بعض المبادئ المبهمة العامة مثل الإستعمال المعقول،

 الضرر الجوهري.

3-الفقه: هو عبارة عن آراء ودراسات علماء القانون وتوجيهاتهم بشأن تفسير القواعد القانونية وقد لعب الفقه دورا كبيرا في مجال التنبيه إلى المشاكل القانونية التي تثيرها الأخطار التي تهدد البيئة وقد ظهر ذلك بصورة واضحة  أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة بمدينة استكهورلم حيث طرحت كثير من الآراء الفقهية للمناقشة حول القاعدة  القانونية التي ترسم ما ينبغي أن تكون عليه التدابير والسياسات التي تكفل صيانة البيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية وتوازنها الإيكولوجي.